عبدالرحمن علي علي الزبيب
يحتفل العالم في اليوم الثاني عشر من شهر ديسمبر 12-12 من كل عام باليوم العالم للتغطية الصحية الشاملة ليؤكد أن الصحة حق إنساني يستلزم توفيرها للجميع في كل منطقة داخل الوطن دون تمييز ولا استثناء وأن الفقر وعدم القدرة على دفع تكاليف الرعاية الصحية يجب أن لا يكون عائقاً أمام الحصول على الرعاية الصحية.
وفي هذا الإطار أيدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 12 ديسمبر 2012م قراراً يحث البلدان على تسريع وتيرة التقدم المُحرز صوب تحقيق التغطية الصحية الشاملة – وهي الفكرة القاضية بضرورة حصول الجميع في كل مكان على الرعاية الصحية الجيدة والمعقولة التكلفة – بوصفها أولوية لا يُستغنى عنها لتحقيق التنمية الدولية، وأعلنت الأمم المتحدة في 12 ديسمبر 2017م بموجب قرارها 72 /138 تكريس يوم 12 ديسمبر من كل عام بوصفه يوماً دولياً للاحتفاء بالتغطية الصحية الشاملة.
وأوضحت الأمم المتحدة أن اليوم الدولي للتغطية الصحية الشاملة يصبو إلى بلوغ هدف مفاده إذكاء الوعي بضرورة إقامة نظم صحية متينة وقادرة على الصمود والعمل على تحقيق التغطية الصحية الشاملة مع عدة شركاء من أصحاب المصلحة.. ويرفع مناصرو التغطية الصحية الشاملة أصواتهم عالياً يوم 12 ديسمبر من كل عام داعين إلى مشاطرة قصص الملايين من الذين ما زالوا ينتظرون تزويدهم بالخدمات الصحية، والدفاع عمّا تحقق من منجزات حتى الآن، ودعوة القادة إلى توظيف استثمارات أكبر وألمع في مجال الصحة، وتشجيع مجموعات متنوعة على قطع التزامات تساعد على تقريب العالم من تحقيق التغطية الصحية الشاملة بحلول عام 2030م.
كما أوضحت منظمة الصحة العالمية أن اليوم العالمي للتغطية الصحية الشاملة الموافق 12 ديسمبر مناسبة سنوية للالتفاف حول الدعوة إلى تحقيق الصحة للجميع وبالجميع.
ويوافق هذا اليوم الذكرى السنوية لقرار التغطية الصحية الشاملة التاريخي الذي اتخذته الأمم المتحدة بالإجماع في عام 2012م بأن لجميع الناس الحق في الحصول على رعاية صحية جيدة دون خوف من ضائقة مالية أو تمييز، ويمكن للقادة- بل يجب عليهم- أن يضمنوا وصول الخدمات الصحية الجيدة إلى جميع الناس حسب حاجتهم إليها، وليس حسب قدرتهم على الدفع.
يجب أن يكون هذا اليوم الدولي فرصة لتقييم الخدمات الصحية وإعداد الخطط المزمنة واللازمة لتوفير خدمات الرعاية الصحية بتطوير مرافقها وكوادرها وتنفيذ تلك الخطط ومنحها أولوية عاجلة، وأن يكون الاهتمام بتطوير المرافق الصحية بشكل متواز وشامل للريف والمدينة.
يحتفل العالم هذا العام 2021م في ظل معلومات متواترة بعودة جائحة كورونا العالمية في ظل تحورات وتطورات خطيرة لهذا الوباء، وأكبر حماية من انتشار هذا الوباء تكمن في تعزيز الرقابة على جميع منافذ الدخول إلى الوطن لمنع دخول أي شخص يشتبه بإصابته بكورونا كون الجائحة عالمية تنتشر من دول أخرى، ولو أن كل دولة عززت من دورها الرقابي على جميع منافذ الدخول لانخفض مستوى مخاطر انتشار جائحة كورونا وتم حصرها في مناطق محدودة من العالم يسهل مكافحتها..
كما يستلزم لمواجهة جائحة كورونا توفير مرافق صحية وكوادر مؤهلة وطنية لتقديم رعاية صحية جيدة والحد من انتشار الجائحة والحد من آثارها في المجتمع.
ولأهمية الصحة فإن أهداف التنمية المستدامة العالمية خصصت الهدف الثالث للصحة الجيدة والرفاه، حيث ربط الهدف “الصحة الجيدة” بالرفاة لأنه لا يمكن تحقيق رفاه وتنمية مستدامة بمجتمع مريض عليل، فالتنمية المستدامة أساسها الإنسان الصحيح المتعافي الذي يبذل الجهود لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
كما أن الهدف الثالث ربط الصحة بكلمة الجيدة، ولا يمكن تحقيق صحة جيدة الا برعاية صحية جيدة وتوفير الإمكانيات والقدرات من مستشفيات وكوادر صحية ماهرة وأدوية ومستلزمات طبية لتحقيق صحة جيدة.
غياب وضعف الرعاية الصحية الجيدة تتسبب في خسارة كبيرة للوطن فتنتشر الأمراض والأخطاء الطبية وترتفع فاتورة الأدوية لمواجهة الأمراض المنتشرة كما تخسر الدولة مخزونها من العملات الصعبة الذي يدفعها المواطنون للحصول على علاج خارج الوطن كان بالإمكان توفيرها لتغطية احتياجات أخرى إن تم توفير الرعاية الصحية الجيدة بمرافق وطنية صحية بمستوى جيد وكوادر مؤهلة بشكل جيد ومتمكنة للقيام بتقديم الخدمات الصحية بشكل جيد..
لا يتوقف تحقق الصحة الجيدة والرفاه بتقديم الرعاية الصحية الجيدة بل أيضا باتخاذ إجراءات وقائية للحد من انتشار الأمراض بتقديم اللقاحات الطبية اللازمة لوقاية المجتمع من الامراض والحد من تفشيها وانتشارها.
وفي مقدمة أولويات التزامات الدولة توفير الرعاية الصحية للمواطنين، إذ نصت دساتير دول العالم على التزام الدولة بتوفير الرعاية الصحية.
ومن تلك الدساتير دستور اليمن الذي يعتبر أعلى منظومة تشريعية وقانونية فيها كونه عقد اجتماعي بين الشعب مؤسسات الدولة، وقد أوضح الدستور اليمني الحقوق والواجبات على كل طرف واعتبر الصحة ضمن الأركان الأساسية لبناء المجتمع وتقدمه حيث نصت المــادة(32) على :
( التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية أركان اساسية لبناء المجتمع وتقدمه يسهم المجتمع مع الدولة في توفيرها . )
كما أكد الدستور اليمني في نصوص أخرى على حق جميع المواطنين في الرعاية الصحية، حيث نصت المــادة(55) عل :
( الرعاية الصحية حق لجميع المواطنين وتكفل الدولة هذا الحق بإنشاء مختلف المستشفيات والمؤسسات الصحية والتوسع فيها وينظم القانون مهنة الطب والتوسع في الخدمات الصحية المجانية ونشر الوعي الصحي بين المواطنين . )
وبمطالعة نص المادة المذكورة 55 من الدستور نلاحظ أن نص الدستور اليمني لم يتوقف فقط على ذكر حق الرعاية الصحية لجميع المواطنين بل ألزم الدولة بكفالة تمتع المواطنين بهذا الحق بإنشائها المستشفيات والمؤسسات الصحية لتوفير الخدمات الصحية المجانية ونشر الوعي الصحي ..
وهنا يعتبر هذا النص التزاماً دستورياً على الدولة بشكل عام والمؤسسات المختصة بالرعاية الصحية توفيرها وكفالة تمتع المواطنين بحق الرعاية الصحية الشاملة ..
حيث أوضح الدستور أن الرعاية الصحية حق لجميع المواطنين، وهنا يقصد الرعاية الصحية الشاملة لجميع المواطنين في جميع المناطق، كما أوضح الدستور التزام الدولة بالتوسع في الخدمات الصحية بمعنى شموليتها لكافة التخصصات الطبية لمعالجة كافة الامراض والعلل وتوفير الخدمات الصحية مجاناً ..
نحن في اليمن نطالب الجميع بالالتزام بالدستور نصاً وروحاً وفي مقدمتها تمكين جميع المواطنين من التمتع بالحق في الرعاية الصحية الشاملة المجانية لجميع المواطنين وأهمية تقييم مدى تحقق ذلك في الواقع وبذل كافة الجهود والامكانيات المتاحة لتحقيق ذلك.
وفي الأخير : نؤكد على أهمية إيلاء الرعاية الصحية الشاملة أولوية، وتكاتف جميع مؤسسات الدولة مع الجهات المختصة بتقديم الرعاية الصحية من وزارة صحة وهيئات ومؤسسات صحية ومجتمع مدني وقطاع خاص ومجتمع دولي بتنسيق عال وشفاف بين الجميع لتقديم رعاية صحية شاملة في جميع مناطق اليمن، ويتم ذلك بتقييم مهني وجاد لجميع المرافق الصحية وتطويرها وتأهيلها وإعادة النظر في أسعار رسوم الخدمات الصحية لتتوافق مع نصوص الدستور بمجانيتها وتقديمها لجميع المواطنين بشكل مباشر بتقديم رعاية طبية جيدة أو بشكل غير مباشر عن طريق اتخاذ الإجراءات الوقائية للحد من انتشار الأمراض والأوبئة في المجتمع وتوفير رعاية صحية شاملة كون التغطية الصحية الشاملة حقاً دستورياً وركناً هاماً للتنمية.