أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
يتوفى المستأجر للأرض الزراعية وغيرها، فيقوم ورثته من بعده بقسمة حق الانتفاع بتلك الأرض حيث تحدث عند ذلك إشكاليات عدة منها اقتصار القسمة على المستغلين أو المنتفعين الفعليين بالأرض الذين يحلون محل مورثهم كمستأجرين للأرض من مالكها ،حيث لا يتم إشراك النساء في القسمة وكذا لا يتم إشراك بقية الورثة الذين لا ينتفعون بالأرض بالفعل وعندئذ تحدث الخلافات بين الورثة بسبب قصور الوعي الشرعي والقانوني بخصوصية قسمة حق الانتفاع بالأراضي المؤجرة ، كذلك تتم غالب هذه القسمات من غير الرجوع إلى مالك الأرض المؤجر، سواء أكان المؤجر الأوقاف أم هيئة أراضي الدولة أم المواطن مالك الأرض، وقد أشار إلى هذه الإشكاليات الحكم محل تعليقنا.
حيث قضت الدائرة الشخصية في حكم سابق لها بنقض الحكم الاستئنافي الذي تجاهل طلبات الورثة الآخرين ومن ضمنهم الإناث الذين ادعوا بأن القسمة باطلة لعدم إشراك النساء وبقية الورثة فيها، حيث كان الحائزون للأرض يدفعون تلك الدعوى بسبق قسمة حق الانتفاع بالأراضي الزراعية المؤجَّرة لهم من مالكها وان تلك القسمة قد اقتصرت على الورثة الذين يقومون بالفعل بزراعة الأراضي وفلاحتها وآخذ نصيبهم من غلاتها، وبعد إعادة الدائرة الشخصية للقضية إلى محكمة الاستئناف توصلت الشعبة إلى ان قسمة الأملاك المؤجَّرة لمورث الجميع قد تمت قسمتها بين الذكور العاملين في الأرض والمنتفعين بها بالفعل ، لأن القسمة التي تمت قسمة حق الانتفاع بالأرض التي كانت مؤجَّرة لمورثهم – وليست قسمة ملكية الأرض، وحيث ان الذكور العاملين في الأرض والمنتفعين بها هم القائمون على زراعتها وحيث ان ملكية تلك الأرض هي للمؤجرين فقد رفضت الشعبة استئناف الطاعنين، وعندما طعن هؤلاء بالنقض أمام الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا أقرت الدائرة الحكم الاستئنافي الثاني، وذلك في جلستها المنعقدة بتاريخ 21/10/2018م في الطعن رقم (60927)، الذي قضى انه (إما من حيث الموضوع فقد ناقشت الدائرة ما ورد في تفاصيل الطعن والرد عليه وأوراق القضية الأخرى، وبعد الاطلاع على الحكم الابتدائي وما تبعه لدى محكمة الاستئناف وعند تأملها فقد وجدت الدائرة ان الحكم الاستئنافي موافق من حيث النتيجة لأحكام الشرع والقانون لما وضحه وعلل به واستند إليه) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ما هو مبين في الأوجه الأتية:
الوجه الأول: الوضعية الواقعية للأملاك المؤجَّرة:
يقوم مُلاك الأراضي الزراعية بتأجير تلك الأراضي بموجب عقود مزارعة على أساس ان يتقاضى مالك الأرض جزءاً من محصول الأرض كما قد يتم تأجيرها بموجب عقود إيجار مقابل إيجار نقدي شهري أو سنوي، وبموجب عقد المزارعة أو عقد الإيجار يضع المستأجر أو المزارع يده على الأرض ويتملك منفعة الأرض حيث يحق له الانتفاع بها في الغرض المتفق عليه مع المالك، وقد يقوم المزارع أو المستأجر بإصلاحات وتحسينات في الأرض بموافقة المالك وإذنه وعندئذ يصبح المستأجر أو المزارع دائنا لمالك الأرض بتكاليف تلك الإصلاحات والتحسينات، كما قد يقوم المستأجر أو المزارع بإجراءات التقاضي أمام النيابات والمحاكم دفاعاً عن الأرض في مواجهة الطامعين، بناءً على توكيل من مالك الأرض فتنشأ للمزارع او المستأجِر حقوق بذمة المالك، وقد لا يتقاضى المزارع أو المستأجر حقوقه تلك من المالك كما قد لا يقوم المستأجر بخصم مستحقاته تلك من غلات الأرض أو من الإيجار ،حيث تظل تلك الحقوق متعلقة بالأرض، وقد يموت المزارع أو المستأجر قبل ان يتقاضى حقوقه السابق ذكرها من مالك الأرض، حيث تظل حقوقه متعلقة بالأرض بمسمى (العناء) أو (الشقية) أو (حق اليد العرفية).
الوجه الثاني: التكييف القانوني لحق المزارع أو المستأجر في الإنتفاع بالعين:
من المؤكد أن حق المزارع أو المستأجر مقتصر على حق الإنتفاع في الأرض ،لأن عقد الإيجار أو المزارعة هو عبارة عن تمليك منفعة – حسبما هو مقرر في التعريف القانوني والشرعي لعقدي المزارعة والإيجار- في حين تظل ملكية الأرض للمالك يتصرف فيها حسبما يشاء بصفته المالك، فلا يحق للمستأجر أو المزارع مباشرة أي تصرف أو فعل في الارض المؤجَّرة إلا بإذن وموافقة مالكها.
الوجه الثالث: قسمة حق الإنتفاع بالأراضي المؤجرة بين ورثة المستأجر أو المزارع:
القسمة وفقاً للقانون المدني عقد رضائي إذا تمت بتراضي الورثة، وعلى هذا الأساس فإنها تصرف من أخطر التصرفات التي تقع على الأرض المؤجرة لذلك يجب على الورثة المنتفعين الفعليين قبل إجراء القسمة ان يحصلوا على إذن خطي من مالك الأرض سواء أكان مواطناً أو الأوقاف أو أراضي الدولة لأنه من اللازم قانوناً أن يقوم كل مقاسم بعد تمام القسمة بالتعاقد مع مالك الأرض كل مقاسم على حدة، بالنسبة للجزء أو القسم الذي آل إليه بموجب القسمة، كما ينبغي أن تتضمن وثيقة القسمة ان القسمة قاصرة على حق الانتفاع وليس الرقبة وان يذكر في تلك الوثيقة ان ملكية رقبة الأرض للأوقاف أو الدولة أو ذكر اسم المواطن المالك المؤجر لها.
الوجه الرابع: موقع الورثة من النساء والذكور غير المزارعين أو المنتفعين بالأرض المؤجرة:
إذا كانت الأرض المؤجَّرةً المقسومة مثقلة بالعناء أو الشقية فيجب تقدير العناء قبل القسمة باعتباره ديناً مستحقاً للمؤرث المستأجر أو المزارع الأصلي للأرض ثم تقسيم مبلغ العناء على الورثة جميعاً بحسب الأنصبة الشرعية للذكر مثل حظ الانثيين ،وبعد ذلك تتم قسمة حق الانتفاع بالأرض بين المنتفعين الفعليين بالأرض المزارعين فيها دون غيرهم ،لأن كل واحد من المقتسمين المنتفعين بالأرض سيتحول بعد القسمة إلى مستأجر من مالك الأرض بالنسبة للجزء الذي آل إليه بموجب قسمة الانتفاع، فقسمة الانتفاع تقتصر على المنتفعين بالأرض فقط دون من لا ينتفع بها، فإذا كانت الأرض زراعية فيتم تقسيمها على المزارعين المنتفعين بها فقط وإذا كانت بناء فيتم تقسيمها على المقيمين المنتفعين بها، ولذلك لاحظنا ان الحكم محل تعليقنا قد رفض طعن الورثة من النساء والرجال الذين لا ينتفعون بالأرض التي كانت مؤجرة لمورثهم، والله أعلم.
*الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء