الحـوار الـوطنـي الشـامل.. مهـمـــــة إنقـــــاذ


رصد ورؤية / محمد محمد إبراهيم –

(18مارس 2013م- 25 يناير 2014م) بين هذين الطرفين الزمنيين خاض اليمانيون تجربةٍ تاريخية ناصعة الحضور على المستويين العربي والعالمي تمثلت في مؤتمر الحوار الوطني الشامل.. إن هذه التجربة التي أعطت وستعطي اليمن مجداٍ جديداٍ من الاستثناء ستحفل بها كتب التاريخ كما حفلت بسيِر صناع الحكمة اليمانية وأساسات العمل السياسي الشوروي ليس لأنها زرعت من حمم الربيع العربي – في اليمن فقط- مشاتل لورود السلام على ضفاف الطريق إلى المستقبل بل لأنها حولت المصائر الحتمية لفوران الشارع الربيعي من الثأر السلطوي والعزل الاجتماعي والسياسي والدمار والاحتراب الأهلي في ليبيا وسوريا إلى طاولة استدارت عليها مجريات أهم وأشمل حوار في تاريخ اليمن السياسي.. في هذه المادة الصحفية رصدنا أبرز محطات صناعة هذه التجربة اليمنية -المدعومة بالإرادة والاصرار القيادي والجماهيري- ومساراتها المليئة بالتحديات وأساسات بنائها وبْناتها وبإدارة فنية فتية من جيل اليمن الواعي والواعد وباهتمام إقليمي ورعاية أممية..

لم تشهد اليمن -خلال أكثر من نصف قرن- هدوءاٍ لنار الساسة وأخطائهم الفادحة إلا بحدود تخدير الآلام والأوجاع وفقاٍ لمصالح سلطوية قصيرة المدى وكانت النْذْر الأولى لاستفحال الصراع بعد مقتل الإمام يحيى بن حميد الدين وما تلتها من تصفيات كانت مبتدأ الانحراف القيمي في مسار العمل السياسي اليمني وكانت نقطة الخروج الأولى عن طور العقل ومنطقية القضاء إلى طور الثأر السياسي لتسقط صنعاء برمتها ليسجل التاريخ المعاصر أول خرق لنواميس التعامل الإنساني محدثاٍ تداعياٍ نفسياٍ في تركيبة المجتمع اليمني لم ينته هذا التداعي إلا بثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962م ورغم أن هذه الثورة شكلت فجر الخلاص إلا أنها فتحت الباب لمتوالية جديدة من الصراعات- خصوصاٍ حين بدأت بالتهام أبنائها- لتستمر المعارك والتصفيات بين الجمهورين والملكيين حتى مطلع السبعينيات وتزامنت مع هذه الظروف والتصفيات أقسى المعارك في جنوب الوطن وكانت لحظة إنزال المستعمر أعلامه من عدن في 1967م بداية لمسلسل الاقتتال في الشوارع بين الجبهة القومية وجبهة التحرير لتسير قافلة اليمن السياسية –بعد ذلك- على هذا المنوال من الصراعات والاغتيالات وصولاٍ إلى مجزرة 13 يناير 86م المشؤومة ليأتي بعدها بأربع سنوات مشروع استعادة الوحدة اليمنية بعد أن سئم اليمنيون الاقتتال وسفك الدماء لكن أساسات المشروع بنيت على بذرتين للصراع لم يقدرهما الساسة ولم يكن لديهم الشجاعة الكاملة لمعالجتهما ربما لظن الساسة أن ذلك قد يعيق الإعلان الوحدوي.. البذرة الأولى تمثلت في شرط الإقصاء لأطراف الصراع في أحداث يناير 86م وما سبقها من ثأرات والثانية ثقافة الاستحواذ وابتلاع الآخر لدى الطرفين وهو البعد السياسي الأخطر الذي أفضى إلى حرب صيف 94م التي فتحت للانتقام من ماضُ كان يجب مغادرته قبل إعلان الوحدة.. فتعاظمت المشكلات واحتقنت الأوضاع حتى ظهر الحراك السلمي في 2006م وظهرت مشاريع سياسية جديدة على خارطة اليمن الموحد ليخرج الجِمِعْ السياسي عن مسار الإصلاحات والطموحات المشروعة إلى دوامة الجدل العدمي بين سلطة أخطأت الحساب بتكريس ثقافة الولاء للمصلحة المادية هدفاٍ للتوسع والبقاء عبر وسائل الاستقطاب الحميد وغير الحميد دون الالتفات إلى الدولة والتنمية كأهم ركيزتين في الاستقرار المجتمعي فتربى على هذه الثقافة جيش واسع من أصحاب المصالح أضاع فرص التحول الجذري نحو مسار التنمية والبناء وبين معارضة حصرت نفسها في زاوية الانتهازية واقتناص أخطاء النظام دون الوثوب بمشروع مستنير كبديل لما يجري من اعوجاج سياسي القاعدة الجماهيرية من طور الترقب بأمل إلى مرحلة الخروج إلى الشارع بحثاٍ عن فرص العمل والعدالة والمواطنة المتساوية والتغيير السلمي تتوج ذلك بثورة الشباب السلمية في 11 فبراير 2011م وما رافقها من انتهاكات وصولاٍ إلى احتدام الحرب في كل مكان بين أطراف الصراع السياسي في اليمن وشركاء الحكم خلال 33 عاماٍ وهنا بدأ الخطر يحدق باليمن وبدأت نْذْر الحرب الأهلية في كل بقاع الخارطة اليمنية بين حلف الأمس الثلاثي(القبيلة والساسة والجيش).. هنا كان على العقلاء التدخل لإيقاف النزيف اليمني بعد أن سئم الناس الصراعات وأدركت القوى السياسية أن الركب يمضي إلى الهاوية فانسجم هذه الشعور مع الرغبة الاقليمية والمجتمع الدولي في مساعدة اليمن للخروج إلى فضاء أرحب من السلام فكانت المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية التي ارتكزت على الحوار الوطني كخيارُ ارتضاه كل اليمنيين..
صْناع الوفاق اليمني
في 11/2/2011م وضعت ثورة الشباب السلمية في اليمن خطاها على مبتدأ درب التغيير فاتحةٍ الباب لمرحلة سياسية جديدة لكنها في نفس الوقت كانت قطباٍ محورياٍ يدور حولها صراع قوى سياسية وقبلية وعسكرية وهو الصراع الكفيل بإخراج هذه الثورة عن سلميتها ليدخل الجِمِعِ السياسي اليمني في دوامة من استدعاءاتُ ماضوية لكل أسباب الصراع الحاكمي في اليمن (قبلي- سياسي- عسكري- ديني).. ووصلت البلاد حينها إلى مشارف أتون حرب أهلية لا ترحم.. ولحظتها أدرك الحكماء والعقلاء من أبناء اليمن أن الركب يمضي إلى عمق المحيط المظلم وصار على الحكمة اليمانية أن تنبعث من ركام المواجهات لتصنع من الحاضر نقطة تحول جديدة وتجربة استثنائية تميز اليمن عن سائـر دول الربيع العربي..
ومع هذه الارادة اليمنية والادراك الوطني كان من حسن حظ اليمنيين وجود موجة من التعاطف الوجداني لدى الأشقاء في دول مجلس التعاون الخليجي وقلق كبير لما يجري في اليمن وحرص صادق كي لا تفلت الأمور باليمنيين إلى حروب لا تحمد المنطقة عقباها.. فبدأ الأشقاء في دول مجلس التعاون الخليجي مسيرة إطفاء الحرائق السياسية التي شبِت خلال العام 2011م مقدمين دعماٍ سخياٍ فرمت قتامة الصورة الذهنية للماضي السياسي فتشكلت المبادرة الخليجية وفق خطوات مرحلية كانت ركيزتها الارادة اليمنية وعوامل قيامها الجهود الخليجية ممثلة بأمين عام مجلس التعاون لدول الخليج العربية المهندس عبداللطيف الزيِاني وبإشراف مباشر من جلالة الملك عبدالله بن عبدالعزيز ملك المملكة العربية السعودية وكذا الامارات والكويت وقطر وعمان البحرين..
ومع توفر الارادة الوطنية والاهتمام الاقليمي موقف مجلس الأمن للأمم المتحدة الذي أعلن في قراره 2014م حرصه على وحدة واستقرار وأمن اليمن مرحباٍ بمبادرة مجلس التعاون الخليجي وجهوده التي يبذلها مجلس التعاون الخليجي لحل الأزمة السياسية القائمة في اليمن.. واعلنت الدول الخمس الاعضاء في مجلس الامن دعمها القوي والكامل ورعايتها لمجريات التسوية السياسية في اليمن بحيث يكون الحوار الوطني الشامل هو مسلك إنجاز هذه التسوية وقارب الخروج باليمنيين إلى بر الأمان وبهذه العوامل الثلاثة (الارادة اليمنية – الاهتمام الخليجي – الدعم الدولي) تمت – رغم كل الصعوبات والتحديات- صناعة الوفاق الوطني في اليمن.. بعد جهود مضنية ومثمرة بذلها على الصعيد الميداني كل من المبعوث الأممي جمال بن عمر وأمين عام مجلس التعاون الخليجي الدكتور عبد اللطيف الزياني..
التهيئة للحوار
مع إدراك القيادة السياسية والقائمين على الحوار بأن نجاح هكذا حوار لن يكون بالأمر السهل بل يتطلب حشد القيم واستنهاض الضمائر لدى الساسة والقيادات الوسطى والدنيا والقاعدة الجماهيرية والمجتمعية على الخارطة اليمنية فعززوا كل عوامل الصبر والاصرار والعمل الاجرائي التحضيري المنظم والمصبوغ بمثابرة قل نظيرها.. حيث بدت خطوات فخامة رئيس الجمهورية المشير عبدربه منصور هادي واضحة وحازمة باتجاه الحوار الوطني خصوصاٍ بعد اكتسابه الشرعية الدستورية والجماهيرية التوافقية بانتخابات 21 فبراير 2012م لتبدأ – بإشرافه المباشر- عملية التهيئة للحوار الوطني فأصدر القرار الجمهوري رقم (13) مايو 2012م القاضي بتشكيل لجنة التواصل المعول عليها فتح نافذة الصمت المغلقة على هالة من التنافر حيث أستمر عملها حتى صدور القرار الجمهوري رقم (30) للعام 2012م في 14 يوليو قاضياٍ بإنشاء اللجنة الفنية للإعداد والتحضير لمؤتمر الحوار الوطني الشامل بحيث تتكون من (25) عضواٍ (جرى تعديل القرار ليصبح عدد الأعضاء 31 عضواٍ) يمثلْون مكونات المجموعات المقرر مشاركتها في مؤتمر الحوار وفقاٍ لما حددته الآلية التنفيذية لمبادرة مجلس التعاون الخليجي وتقوم اللجنة الفنية بمجموعة مهام تحضيرية أهمها إعداد مشروع جدول أعمال المؤتمر وموضوعاته ومشروع النظام الداخلي للمؤتمر وتحديد مكان انعقاد المؤتمر وإعداد ميزانية لعملية الحوار.. اختارت اللجنة خلال الاجتماع الأول في 6 أغسطس 2012م الدكتور عبد الكريم الإرياني رئيسا وراقية عبد القادر حميدان نائبا أول و سلطان حزام العتواني نائبا ثانيا وأحمد عوض مبارك مقرراٍ وأمل الباشا ناطقاٍ إعلامياٍ باسم اللجنة..
وبصدور هذه القرارات تحول القصر الجمهوري إلى خلية نحل تعمل دون توقف بفارق أن خلية النحل تدير عملاٍ وفق لائحة منتظمة ونسيج متآلف ومسارات عملية متناغمة على عكس المهمة الأكثر تعقيداٍ في جمع أشتات التنافر من قْوِى سياسية وقبلية واجتماعية أوصلها الخلاف حد التناحر.. كانت التنسيقات والنقاشات واللقاءات تمرْ بسلاسة وتحت أعصاب هادئة يطفئ حريقها ثلج الصِبر مفوتاٍ لحظات النزِغ الشيطانية في الخلافات واحتدام النقاش بين ممثلي القْوِى المتباينة.. وكانت هذه العملية بمثابة هندسة مضنية لحوارُ آمن.. وفي 12/12/2012م قدمت اللجنة الفنية للإعداد والتحضير لمؤتمر الحوار الوطني الشامل تقريرها النهائي إلى فخامة رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي.. وهو التقرير الذي شكل خارطة فنية متكاملة الإشارات المرورية إلى فضاء اليوم من نجاح الحوار الوطني..
أطراف الحوار الوطني (المكونات)
بعد أن وصلت مسيرة صناعة الوفاق إلى تحريك الخطوات الأولى للمبادرة الخليجية ولائحتها التنفيذي المزمنة وقطعت لجنة التواصل واللجنة التحضيرية أشواط التهيئة السياسية لكل القوى المتنازعة وكذلك التهيئة الجماهيرية للدخول أجواء الحوار الوطني الشامل كان لا بد من الإكمال الهيكلي لحلقات الأطراف التي ستتحاور والقوى التي يجب أن تلتقي على طاولة حل المعضلات اليمنية وكانت ملامح كل تلك الاطراف والقوى قد رْسمت في التقرير الذي قدمته اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني الشامل إلى رئيس الجمهورية في 12/12/2012م… حيث تضمن التقرير خارطة الحوار ومحطاته الزمنية واقطابه المتنافرة والمستهدفة إعادة تآلفها والمبادئ التي يجب أن يقوم عليها الحوار الوطني والتي تمحورت في مجملها حول قيادة يمنية وملكية وطنية ومشاركة مجتمعية حقيقية تكفل الشمول بشفافية ومصداقية في المخرجات.. من خلال التوزيع العادل في بناء مكونات الحوار الوطني الشامل وجاءت كالتالي : المؤتمر الشعبي وحلفاؤه “112” والحراك “85” الإصلاح “50” الشباب “40” المجتمع المدني “40” المرأة “40” والاشتراكي “37” والناصري “30” الحوثيون “35” فعاليات أخرى “76” وبإجمالي 565 شخصية يمثلون كل أطياف المجتمع اليمني وفئاته وشرائحه موزعين على : (القضية الجنوبية “40” قضية صعدة “50” قضايا ذات بعد وطني والمصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية “80” بناء الدولة -الدستور: مبادئه وأسسه- “55” الحكم الرشيد “50” أسس بناء الجيش والأمن ودورهما “50” استقلالية الهيئات ذات الخصوصية وقضايا اجتماعية وبيئية خاصة “80” الحقوق والحريات “80” التنمية الشاملة والمتكاملة والمستدامة “79”..
الحوار.. الانطلاقة والادارة
بهذا الاكتمال صار يتوجب على فخامة رئيس الجمهورية حسم مجموعة من القضايا وإصدار مجموعة من القرارات بغرض تحقيق متطلبات انعقاد المؤتمر ومنها حسم آليات تشكيل رئاسة المؤتمر وفقاٍ للمقترحات المرفوعة من اللجنة… ليصدر فحامة الرئيس عبدربه منصور هادي -رئيس الجمهورية قراره الجمهوري رقم ” 10″ لسنة 2013م بشأن النظام الداخلي لمؤتمر الحوار الوطني الشامل “ضوابط الحوار” والقاضي بإنشاء الأمانة العامة لمؤتمر الحوار الوطني تشكل هذا الكيان المؤسسي من كادر متفرغ وعالي التأهيل الكافي لتحمل مسؤولية إدارة مهمة إنقاذ اليمن من خلال القيام بالوظائف المنوط بها في المجالات المحددة في الهيكل التنظيمي والوظيفي الموضح في القرار الجمهوري القاضي بتشكيلها..
بعد هذا الاعداد والهندسة المضنية .. كيف ستكون الانطلاقة الأولى لهذا الحوار.. كان الحضور سيلاٍ عارماٍ من البشر والمشاعر.. ومثلما اتحدت ملامح الصفح والتسامح على وجوه فرقاء السياسة تنامى لدى معشر الحضور اليمني الإحساس ببداية كونية جديدة للمجتمع اليمني فمن الساعة الثامنة والنصف من صباح 18 مارس 2013م بدأت تلتقي الوجوه اليمنية ببعضها وبالوجوه الدولية من الأشقاء والأصدقاء في اتجاهها إلى دار الرئاسة لإعلان انطلاق فعالية المؤتمر.. ومثلما قرأنا – لحظة توافد المجاميع – في عيون الأشقاء الخليجيين فرحة هذه الانطلاقة المتوجة للمبادرة الخليجية وآليتها المزمنة وهو ما يعكس مصداقية المواقف الخليجية الداعمة لليمن إنسانيا وتنموياٍ وسياسياٍ.. لاحظنا أيضاٍ اهتمام المجتمع الدولي من خلال التفاعل الجاد في مؤتمرات أصدقاء اليمن المختلفة ودعواتهم المتكررة للمجتمع اليمني إلى تغليب مصلحة الوطن والمواطن وأن يتنفس الجميع من رئة الشفافية والمصداقية لإخراج اليمن إلى بر الأمان والديمقراطية.. إنها مناسبة تاريخية حرية باحتلال الصدارة في صفحة التاريخ السياسي جماعات وأحزاب وقوى تبادلت بالأمس جرم الترصد لبعضها ولعنة الاقتتال من فوهات البنادق لكنها تلتقي في صباح الـ(18) من مارس 2013م مسرجة اشراقة الصفح بابتسامة الخجل هذا ما عكسه مشهد ذلك الصباح البريء فلا مكان للسياسة والنوايا المبطنة بالشر إذ كان على الجميع أن يقبض على حنجرة الإجهاش بالبكاء في يوم القلوب الذي أسكرت مدامعِ حاضريه لغةْ البراءة.. لقد استطاعت الأمانة العامة لمؤتمر الحوار الوطني من خلال مجموعة من الشباب والأطفال أن تنسج لوحة إنسانية حملت في طياتها رسالة السلام المبكية للحاضرين والمتمثلة في أوبريت ( يوم القلوب).. وكانت تلك هي رسالة المستقبل للحاضر.. ومثلما كان هذا الأوبريت هو المميز لانطلاقة الحوار الوطني كان يوم 18 مارس هو اليوم الذي لفت اهتمام العالم وأنظار ترقبه إلى ما يجري في اليمن..
بعد انطلاقة يوم القلوب التي أبكت الساسة بحناجر الصغار في 18 مارس كان موفنبيك على موعدُ مع الخوف والأمل أما الخوف فكان مبعثه أن يكون محطة لانفجار بركان الغبن السياسي والاجتماعي المتراكمين منذ أكثر 50 عاماٍ.. فيما انبعث الأمل من ملامح العزم الصادق لفتيةُ من اليمنيين ارتضوا تحمل مسؤولية إدارة الحوار الوطني من اللحظة التي ارتضى فيها أرباب النفوذ والثأر السلطوي التسليم بالحوار كلغة بديلة لهدير المدافع وتجنيب الشعب اليمني مزيداٍ من الويلات والحروب.. فيما كانت صورة العراك بالأيدي ورفع السلاح وإطلاق عنان الشتائم مسيطرة على ذهنية الكثير من اليمنيين وغير اليمنيين تجاه نقائض الصراع السياسي والقبلي والمجتمعي وذلك عند التقائها في قاعة ترتجف وسطها طاولةٍ تتسع لكل أسباب الخلاف التي أشعلت فتيل الاقتتال في الجنوب والشمال والوسط وشمال الشمال..
كانت تلك هي الصورة الذهنية للمشهد اليمني فما الذي تغير على قاعة وأروقة موفنبيك حين التقت الجموع ¿ ومن يدير هذه الجموع الغفيرة التي أمطرتها التضاريس من كل بقاع اليمن من كبار رؤوس الدولة وقادة المجتمع وشرائحها الفتية رجالاٍ ونساءٍ ونخبه السياسية والعسكرية والفكرية والدينية.. ¿ هكذا يتساءل الكل: مواطنين بسطاء ومسؤولين ومجتمعاٍ محلياٍ وإقليمياٍ ودولياٍ منتظراٍ لحظة الالتقاء وفي خفقة نبضة خوف واشراقة أمل.. وفي صالة الفندق ومخارجه ومداخله وساحاته شجنَ وخوفَ وانتظار وفضول صحفي أتعسه الحظ بجرح أورق شعراٍ وابتسامة تحولت إلى خنجر سم خاصرة القصيدة..
رويداٍ رويداٍ.. تغط القاعة بكل الفرقاء الذين كان الجميع يتابعهم باهتمامُ “متلفز” وهم يكشرون أنياب الحرب.. معلنين الموت في سبيل قضيةُ مْثلى كل منهم يسميها “الوطنية”.. بينما الوطن ينتحر موتاٍ من لعنات الغضب بين الحصبة وصوفان ونْقم وكنتاكي والستين والخمسين وعلى مشارف العاصمة بجهاتها الأربع ومثل ذلك يجري في عدن وحضرموت وعمران وصعدة وتعز.. مغذياٍ شرايين البلد والمدن والحضر ببراميل تقطع تفرض سطوة الفرد والقبيلة في أخذ حقوقه ولو من الطرق المكتظة بالفرار.. في لحظة افتتان قوى الدولة والقبيلة والمجتمع بحجم ربح المستقبل المتوقع: بأن ينتصر فريقَ يمني بإطفاء جذوة فريقَ يمني آخر..
محطات الحوار
المتمترسون خلف السلاح في الأماكن المذكورة.. والمتمترسون خلف رؤى الاصرار العصببي والسياسي والديني وعشاق المصالح وتجار الحروب ودعاة التجديد وأقصى اليمين وأقصى اليسار وما بينهما وما بعدهما من قوى أدلجها الماضي وفرزها الحاضر وينتظرها المستقبل على بساطُ من أمل لإصلاح الحال.. لقد التقى الجميع في موفنبيك معلنين بدء الخطوة الاجرائية التالية والأهم في مسار الحوار الوطني الشامل.. ليحلوا معضلات اليمن وفق أجندة ومواضيع تحاورت فيها فرق العمل القضية الجنوبية قضية صعدة قضايا ذات بعد وطني والمصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية بناء الدولة (الدستور: مبادئه وأسسه) الحكم الرشيد أسس بناء الجيش والأمن ودورهما استقلالية الهيئات ذات الخصوصية وقضايا اجتماعية وبيئية خاصة الحقوق والحريات والتنمية الشاملة والمتكاملة والمستدامة..
أمام هذا الكم السياسي والايديولوجي والموضوعي وأمام احتمالات التحديات الحتمية والخلافات المحتمة نتيجة اسباب الصراع الذي وصل حد التناحر ظل الطاقم الاداري الذي تقوده الأمانة العامة لمؤتمر الحوار الوطني على هذا الحضور والعصف الذهني والعملي على مدى كل المحطات التي شهدها موفنبيك كما استطاعت هيئة رئاسة المؤتمر ولجنة التوفيق واللجنة المصغرة وغيرها من اللجان -التي تشكلت وفق قرارات جمهورية – أن تجتاز أخطر المنحنيات وأكثرها تماساٍ لتصل إلى مخرجات التوافق وبنسبة تجاوزت المطلوب في اللائحة الداخلية المنظمة لمسارات عمل مؤتمر الحوار الوطني الشامل.. ولعل أهم المحطات عبر التسلسل الزمني كانت كالتالي:
في الـ 18 من مارس 2013م كان موعد انطلاق الحوار .
وفي الـ 19 من مارس 2013م بدأت الجلسة العامة الأولى والتي شملت استعراضاٍ لكلمات ممثلي المكونات المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني وكذا مداخلات أعضاء مؤتمر الحوار الوطني الشامل.
وفي مطلع أبريل 2013م انتخب الأعضاء رؤساء ونواب ومقرري الفرق التسع كما تم انعقاد ورش العمل الخاصة بإعداد الخطة العامة.
وفي 3 أبريل الأمانة العامة للحوار الوطني تعرض في مؤتمر صحفي نتائج عمل فرق العمل أعقبت ذلك إجازة لمدة عشرة أيام لتستأنف بعدها فرق العمل التسع المنبثقة عن مؤتمر الحوار الوطني الشامل عقد جلسات أعمالها للفترة ( 13 أبريل ـ 5 يونيو2013م).
وفي الـ 18 من أبريل 2013م رأس الأخ الرئيس عبدربه منصور هادي – رئيس الجمهورية -رئيس مؤتمر الحوار الوطني الاجتماع الأول لهيئة رئاسة مؤتمر الحوار الوطني الشامل وأمانته العامة.
وفي 7 مايو 2013م عقدت الأمانة العامة لمؤتمر الحوار الوطني الشامل اجتماعاٍ موسعاٍ ناقش النزول الميداني لفرق عمل المؤتمر .. كما صدر قرار رئيس الجمهورية بتعيين ياسين عمر مكاوي نائبا لرئيس مؤتمر الحوار الوطني الشامل وذلك ممثلا عن الحراك الجنوبي السلمي.
وفي 9 مايو2013م ترأس الأخ الرئيس عبدربه منصور هادي – رئيس الجمهورية -رئيس مؤتمر الحوار الوطني اجتماعاٍ استثنائياٍ لهيئة رئاسة مؤتمر الحوار الوطني ورؤساء فرق العمل والأمانة العامة للمؤتمر دشن خلاله عملية النزول الميداني للجان المتخصصة..
وفي 2 يونيو من العام 2013م صدر قرار رئيس الجمهورية بتشكيل لجنة التوفيق.
وفي 8 يونيو2013م بدأ انعقاد الجلسة العامة الثانية لمؤتمر الحوار برئاسة الأخ الرئيس عبدربه منصور هادي- رئيس الجمهورية – رئيس المؤتمر وبحضور ضيوف اليمن من الأشقاء والأصدقاء وفي مقدمتهم المستشار الخاص للأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه إلى اليمن جمال بنعمر والأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية عبداللطيف الزياني وسفراء الدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية.
وفي 20 يونيو2013م توافق 120 شاباٍ وشابة من الأمانة العامة للحوار على بادرة طوعية في رسم وتجديد شعار الحوار على امتداد 300 متر وارتفاع 40 متراٍ في صدر جبل عطان وسط العاصمة صنعاء.
وفي 23 يونيو 2013م ألقى رئيس البرلمان العربى أحمد بن محمد الجروان كلمة أمام مؤتمر الحوار الوطني أشاد فيها بالخطوات المدروسة والمساعي الصادقة التي جنبت اليمن ويلات الفرقة والصراع وإراقة الدماء.
وفي 24 يونيو 2013م البرلمان العربي يدعو مؤتمر الحوار لشرح تجربته أمام الدورة القادمة له ويصفها بالفريدة.
وبين 26 يونيو ـ 1 يوليو 2013م استوعبت فرق عمل مؤتمر الحوار الوطني الملاحظات على تقارير فرق العمل التي تم طرحها في الجلسة العامة الثانية..
وفي 8 يوليو2013م اختتمت الجلسة العامة الثانية (النصفية) لمؤتمر الحوار الوطني الشامل.
وفي 13 يوليو ابتدأت جلسات فترة الانعقاد النصفية الثانية من الجلسة العامة الثانية.
وفي 12 أغسطس ترأس الأخ الرئيس عبد ربه منصور هادي- رئيس الجمهورية اجتماعا لهيئة رئاسة مؤتمر الحوار الوطني الشامل وذلك لمناقشة المستجدات والتطورات على مختلف الصعد وكذا مناقشة سير برامج عمل المؤتمر الوطني الشامل وجدول الأعمال المحددة له وفقا لذلك..
وفي 1 سبتمبر عقد الأخ الرئيس عبدربه منصور هادي- رئيس الجمهورية اجتماعاٍ استثنائياٍ لرئاسة هيئة الحوار الوطني الشامل وقادة الأحزاب والمكونات السياسية بحضور المبعوث الأممي الى اليمن مستشار الأمين العام للأمم المتحدة جمال بنعمر وذلك لمناقشة التطورات والمستجدات الراهنة على مختلف الصعد والمستويات وكذلك الوقوف أمام مشاريع مخرجات الحوار والنجاحات التي تحققت في هذا المنجز الوطني الكبير .
وفي 4 سبتمبر التقى رئيس الجمهورية مكون الشباب في مؤتمر الحوار كما قدمت لجنة التوفيق توصية لرئاسة المؤتمر للتواصل مع أعضاء الفرق لمساندتهم..
وفي 5 سبتمبر أكد بن عمر في مؤتمر صحفي أنه سيتم حشد الدعم الدولي لتنفيذ النقاط الـ31 مشيرا إلى أن القضية الجنوبية لن تحل إلا بالحوار.
وفي 9 سبتمبر استأنف فريق القضية الجنوبية في مؤتمر الحوار الوطني الشامل اجتماعاته برئاسة رئيس الفريق محمد علي أحمد وحضور ممثل الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه إلى اليمن جمال بنعمر والأمين العام لمؤتمر الحوار الدكتور أحمد عوض بن مبارك.
وفي 10 سبتمبر لجنة (8+8) تعقد أول اجتماعاتها واختيار محمد قحطان ناطقاٍ رسمياٍ لها.
وفي 14 سبتمبر رأس الأخ الرئيس عبدربه منصور هادي- رئيس الجمهورية -رئيس مؤتمر الحوار الوطني الشامل اجتماعاٍ استثنائيا مع هيئه رئاسة مؤتمر الحوار الوطني الشامل حيث كرس الاجتماع لمناقشة عدد من القضايا والتصورات في ضوء البرنامج المحدد للآلية المزمنة للمبادرة الخليجية.
وفي 8 أكتوبر دشن الأخ الرئيس عبدربه منصور هادي- رئيس الجمهورية الجلسة العامة الثالثة بحضور مساعد أمين عام الأمم المتحدة ومستشاره الخاص لشؤون اليمن جمال بنعمر ورئيس بعثة مجلس التعاون لدول الخليج العربية في اليمن السفير سعد العريفي وسفراء الدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية.
وفي 9 أكتوبر بدأت الجلسة العامة الثالثة لمؤتمر الحوار استعراض التقرير النهائي لفريق عمل استقلالية الهيئات..
وفي الـ 10 من أكتوبر التقى رئيس الجمهورية عدداٍ من ممثلي الحراك الجنوبي في مؤتمر الحوار الوطني الشامل.
في 12 أكتوبر 2013م أغلقت الأمانة العامة لمؤتمر الحوار الوطني باب المشاركات المجتمعية.
وفي 27 أكتوبر استأنفت الجلسة العامة الثالثة لمؤتمر الحوار أعمالها بالاستماع إلى ملاحظات المكونات حول تقرير فريق استقلالية الهيئات..
وفي 28 أكتوبر دعا مؤتمر الحوار الوطني أطراف الصراع في دماج إلى الوقف الفوري للمواجهات المسلحة والعودة لطاولة الحوار فيما استأنف فريق الـ١٦ أعماله..
وفي 10 نوفمبر استأنفت الجلسة العامة الثالثة لمؤتمر الحوار أعمالها باستعراض تقرير فريق قضية صعدة..
وفي 11 نوفمبر أقر فريق عمل الحكم الرشيد نصاٍ بديلاٍ لمادة العزل السياسي..
– وفي 18 نوفمبر واصل الفريق المصغر لحل القضية الجنوبية اجتماعاته واستعرض الرؤى المتعلقة بشكل الدولة الاتحادية..
– وفي 24 نوفمبر أطلق رئيس الجمهورية رئيس مؤتمر الحوار صندوقاٍ ائتمانياٍ للمحافظات الجنوبية وقطر تدعم الصندوق بـ350 مليون دولار..
– وفي 30 نوفمبر استعرضت لجنة التوفيق أربع رؤى لما بعد مؤتمر الحوار وضمانات تنفيذ مخرجاته..
– وفي 9 ديسمبر بدأت لجنة التوفيق بتزمين بقية مهام المرحلة الانتقالية واستحقاقات المبادرة الخليجية..
– وفي 21 ديسمبر قدم بن عمر مقترحاٍ للفريق المصغر للقضية الجنوبية يعالج عدد أقاليم الدولة الاتحادية وجغرافيتها عبر آلية توافقية.
– وفي 22 ديسمبر ترأس رئيس الجمهورية اجتماعاٍ استثنائياٍ لهيئة رئاسة مؤتمر الحوار الوطني والفريق المصغر للقضية الجنوبية.
– وفي 23 ديسمبر وقعت المكونات المشاركة في الفريق المصغر على اتفاق الحل العادل للقضية الجنوبية..
– وفي 31 ديس مبر زكى فريق القضية الجنوبية باراس رئيساٍ ويبدأ بمناقشة تقرير مخرجات الفريق المصغر.
– وفي 1 يناير 2014م اختتم فريق القضية الجنوبية نقاشاته حول وثيقة الحل العادل للقضية.. ورئاسة الحوار تستعرض في جلستها عرض ردود رئيس فريق بناء الدولة على بعض ملاحظات المكونات السياسية والاجتماعية على تقرير الفريق.. واستعرضت الجلسة أيضاٍ الجزء الأول من تقرير فريق العدالة الانتقالية.
وفي 4 يناير استعرض المؤتمر في جلسته تقرير فريق العدالة الانتقالية وشرع في مناقشته والاستماع لملاحظات المكونات على بنوده.
وفي 5 يناير استمعت هيئة رئاسة المؤتمر إلى مداخلات وملاحظات المكونات على تقرير فريق عمل العدالة الانتقالية.
وفي 6 يناير تم الاستماع لمكونات المؤتمر حول تقرير فريق عمل العدالة الانتقالية..
وفي 7 يناير استمعت رئاسة المؤتمر إلى تعقيب رئيس فريق العدالة الانتقالية حول الملاحظات التي قدمتها المكونات على تقرير الفريق.
وفي 8 يناير استمعت هيئة مؤتمر الحوار إلى تقرير عن أوضاع المغتربين اليمنيين قدمته وزارة شؤون المغتربين ضمن أعمال الجلسة العامة الثالثة..
وفي 9 يناير أطلع الأمين العام الدكتور أحمد عوض بن مبارك سفراء الدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية على مستجدات المؤتمر وتطوراته والاستعدادات الجارية لانعقاد الجلسة الختامية.
ختام يقهر قوى الشر
وفي 21 يناير 2014م شهد فندق موفنبيك يوماٍ عصياٍ على النسيان أنه اليوم الذي انتصرت فيه إرادة الخير على إرادة الشر.. لقد سطر الرئيس عبدربه منصور هادي- رئيس الجمهورية بكلمته ونقاشه في هذا اليوم المفصلي أنصع صور الاصرار والعزيمة على التضيحة في سبيل نجاح هذا الحوار الوطني ولما فيه خدمة اليمن وحقن دماء اليمنيين.. وبرغم الدماء الطاهرة التي سفكتها أيادي الشر والإثم باغتيال الدكتور أحمد شرف الدين عضو مؤتمر الحوار عن مكون أنصار الله إلا أن الجلسة الختامية سارت كما يجب محتملة ألم التضحية برضى وطني كبير لقد شهد هذا اليوم الجلسة العامة الختامية لمؤتمر الحوار الوطني الشامل التي أقرت (وثيقة الحوار الوطني) بعد التصويت بالإجماع على ضمانات تنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار والبيان الختامي واستيعاب ملاحظات المكونات من قبل اللجنة التي شكلت الاحد الماضي… وكان رئيس لجنة استيعاب ملاحظات المكونات عبدالملك المخلافي استعرض مراحل عمل اللجنة وما توصلت إليه خلال الثلاثة الأيام الماضية من عملها.. وأكد المخلافي توقيع جميع الأعضاء المشاركين في لجنة استيعاب الملاحظات على وثيقة ضمانات تنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل وإنجاحه… بعد ذلك استعرض عضو مؤتمر الحوار الدكتور محمد السعدي وثيقة ضمانات تنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني بعد استيعاب ملاحظات المكونات المشاركة في الحوار بشكل توافقي.. وأطلع الأمين العام الدكتور أحمد عوض بن مبارك سفراء الدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية على مستجدات المؤتمر وتطوراته والاستعدادات الجارية لانعقاد الجلسة الختامية..
الانجاز ومنشار الزمن
كانت هذه المحطات بمثابة إشارات مرور يحكمها عامل الزمن على طريق الزمن لكن قيادة الركب كانت على احساس بتوقعات من التحديات والمنحنيات الخطرة والمفاجئة في طريق تحسس التراكم السياسي للمشاكل والمعضلات اليمنية المزمنة لكن ارتكاز عملية الحوار الوطني على أطر زمنية محدِدة لا يعني القفز على أية محطة تتوجب مزيداٍ من الوقت والوفاق لحلحلة عقد مشاكله العالقة في خطوط الصراع السياسي ولأن التحديات كانت أصعب من التوقعات فتتطلب نحت إنجاز المهمة أطر زمنية مفتوحة لأن الانجاز أكبر من أن يقاس بمنشار الزمن وعلى كل حال فما يْميز فريق الأمانة العامة – الذي بدأ بـ”98″ شاباٍ وشابة في الجلسة الأولى ليصل في نهاية الجلسة الثالثة إلى”126″ والذي نحت الانجاز فنياٍ – هو موضوع اليمننة حيث اتسم فريق العمل بدماء شابة يمنية فتية ابتداء من أمينها العام الشاب الدكتور أحمد عوض بن مبارك الذي تحلى بحضور لافت في إطفاء الكثير من المهاترات والخلافات وتميز بقدرة عجيبة في ضبط إيقاع التنفيذ للائحة الداخلية لتسيير فعاليات وجلسات المؤتمر وبمنطق مقنع وقدم ثابتة على مسافة واحدة من كل الأطراف السياسية.. وانتهاء بأصغر شاب كْتب على ظهر (جاكته) : ” متطوع من أجل بلدي.. أنا في خدمتكم”.. وكان هذا الشعار أرقى ما يمكن وصفه من الإخلاص والاندفاع في الإسهام في إنجاح هذا الحدث الاستثنائي الذي تلفه منظومة من القيم الإنسانية في إطفاء حرائق السياسة التي استنزفت اليمن إنساناٍ ومكانةٍ وفرصاٍ للبناء.. واللافت الذي يحسب لفريق العمل في مؤتمر الحوار الوطني الشامل.. هو أن نسبة التطوع كانت عالية جداٍ إذا ما قورنت بالكادر النظامي والذي يعمل برواتب والتزامات وظيفية ودوام رسمي حيث وصل عدد المتطوعين في الجلسة العامة الأولى إلى”72″متطوعاٍ وتقلص العدد في الجلسة الثالثة إلى “48” متطوعاٍ ويعكس هذا الفارق أهمية الإعدادات في الجلسة العامة الأولى ولا يعكس التراجع في العمل الطوعي… لقد عمل هؤلاء على مدى معظم العام 2013م من أجل إنجاح الحوار ليس طمعاٍ في العائد بل حباٍ في العمل وتطوعاٍ في هذه المهمة الإنسانية مكتفين ببدل مواصلات وصرف الوجبات إن توفرت ومع هذا هناك جنود مجهولون أكثر لا يعلمهم الحوار وإن عرفهم ليس مْطِالباٍ منهم بشيءُ سوى تحريك المجاديف بسرعة أكثر وبإخلاص ونكران ذات ليصل المركب إلى شط الأمان..
المشاركة الشعبية.. والحصاد
لقد أحكمت الأمانة العامة لمؤتمر الحوار الوطني عبر طاقمها الشاب والفتي إدارة الحوار بحرفية عالية وخالية من التعصب لأي طرف سياسي فكان عملها أشبه بترميم النمل لخليتها بنشاط وحيوية لسد أي ثغرة تحدثها المتغيرات الطبيعية.. لكن الأهم في مسار عملها كان مرتكزاٍ على مبدأ توسيع دائرة المشاركة المجتمعية في الحوار الوطني.. سواء من خلال التفاعل الجماهيري مع الحوار عبر قنوات التواصل أو من خلال الزيارات الميدانية.. حيث استطاعت الأمانة العامة لمؤتمر الحوار الوطني أن تنفذ أكثر من (300) ورقة عمل من خلال اعتمادها على كادر محلي معظمه من الباحثين والأكاديميين والمتخصصين كما استطاعت ان ترسم خارطة عمل ميداني في المحافظات والمؤسسات والجهات المعنية حيث مؤتمر الحوار الوطن “17” محافظة عقد خلالها أكثر من”168″ اجتماعاٍ حضرها ما يزيد عن”11,000″ شخص.. وواكب النزول الميداني “27” فريقاٍ إعلامياٍ رافق 27 لقاء..
أمام هذه الجهود الجبارة كانت النتائج طيبة ومشهود لها محليا وإقليمياٍ ودولياٍ حيث خرج المؤتمر بأكثر “2130” قراراٍ وتوصية موزعة كالتالي العدالة الانتقالية”156″ قراراٍ وتوصية فريق الجيش والأمن نحو “210” قرارات وتوصيات استقلالية الهيئات” 324 “قرار وتوصية والحكم الرشيد “323” قراراٍ وتوصية والحقوق والحريات “364” قراراٍ وتوصية وقضية صعدة “66” قرارا وتوصية والقضية الجنوبية نحو”44″ قراراٍ وتوصية كما صدر عن المؤتمر “13” قراراٍ في البعد القانوني والجذور ومحتوى القضية الجنوبية و”15″ قراراٍ في البعد الاقتصادي و”15″ في البعد الثقافي والاجتماعي “15” قراراٍ كإجراءات وتدابير لبناء الثقة توافق على هذه القرارات ممثلو”28″ فريقاٍ مصغراٍ من فرق العمل والمكونات وتجاوزت أيام الجلسات الـ”190″ يوماٍ..
اليمن محط أنظار العالم
وبالجلسة العامة الختامية لمؤتمر الحوار الوطني الشامل وإقرار(وثيقة الحوار الوطني )بعد التصويت بالإجماع على ضمانات تنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار والبيان الختامي تشكلت لحظة مفصلية جديدة في مسيرة التسوية السلمية في اليمن حيث التفتت انظار العالم إلى ما كان يدخل ضمن خطوط المستحيلات في التجارب السياسية على مستوى العالم وفي مجتمع مسلح ودولة تعد الثانية في العالم بالنسبة لانتشار السلاح.. إنها لحظة وصول الحوار الوطني الشامل إلى الوثيقة الأهم في محطاته والتي تعكس وعي والتزام المكونات السياسية والاجتماعية المشاركة في þمؤتمر الحوار الوطني الشامل بضرورة استكمال المهام التي احتوتها المبادرة الخليجية وآليتها þالتنفيذية والتي بدأت بتوقيع المبادرة الخليجية وتنتهي بالانتخابات العامة.. ومنذ انعقاد لحظة الجلسة الختامية الأكثر نقاشاٍ وحضوراٍ والتي أدارها الرئيس عبدربه منصور هادي- رئيس الجمهورية بنجاح هلت التهاني الدولية من كل من الأمين العام للأمم المتحدة وسفراء الدول الدائمة العضوية بمجلس الأمن الدولي ومجلس التعاون الخليجي وقائمة من الدول الشقيقة والصديقة كل هذه التهاني تعبر في سياقاتها علن الاعجاب الكبيرة والإشادة المعززة بكثير من الأمنيات للشعب اليمني بأن يجتازعتبات تحويل النصوص المتفق عليها إلى واقع عملي يترجم الحكمة اليمانية بكل معانيها السامية وقيمها الأصيلة..
هامش: ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاعتمدت هذه المادة على الرصد والوصف العام لمجريات الحوار مستعينة بما بذله الزملاء في المركز الاعلامي من تجهيز المعلومات الخاصة بالمحطات وتواريخها وجمع الارقام وتزويدنا بأهم التقارير التي خدمتنا في هذه المادة .. فتحية صادقة لكل الزملاء في المركز الاعلامي…

قد يعجبك ايضا