بعد أكثر من مائة عام.. اليمنيون لن ينسوا ثأرهم

«مجزرة تنومة» الشاهد على دموية آل سعود

 

في مثل هذا اليوم دوّن التاريخ في تفاصيله جريمة يندى لها جبين الإنسانية، هي واحدة من أبشع الجرائم التي ستبقى محفورة في الذاكرة البشرية، كما هي في ذاكرة اليمنيين وإن غُيّبت عن وعي اليمنيين لعشرات السنين، بسبب سياسات الحكومات المرتهنة لآل سعود، فهي المجزرة التي راح ضحيتها ثلاثة آلاف حاج يمني عزّل من السلاح كانوا في طريقهم إلى بيت الله الحرام مهللين لأداء مناسك الحج.. لتبين حقدا كان يحمله آل سعود على الشعب اليمني منذ قديم الزمان.. وما عدوانها اليوم إلا تبيان أوضح لمدى حجم ذاك الحقد المتراكم بلا معنى وبلا سبب.
على طريق الطائف – أبها، شمال مدينة أبها بحوالي 125 كم تقريباً تقع تنومة التي شهدت هذا الفعل المنكر.
اختزلت الجريمة وحشية النفس البشرية حين يسيطر عليها الحقد ورفض الآخر، وتعجز عن التعايش مع الآخر المختلف معها في الرأي أو المذهب.
ويرى البعض في عملية الربط بين الجريمة والعدوان على اليمن اليوم، أن ارتكاب السعودية المجازر الوحشية وسفك الدماء في عدوان سافر على اليمنيين منذ أكثر من ست سنوات، ما هو إلا امتداد لجرائم ذاك الحقد الدفين..
تذكر المصادر التاريخية أنه بعد دخول الحجاج اليمنيين إلى الأراضي السعودية اعترضت طريقهم سرية جنود من جيش آل سعود بقيادة الأمير خالد بن محمد (ابن أخ الملك عبد العزيز)، مسندةً بمجموعات تكفيرية بقيادة الوهابي سلطان بن بجاد العتيبي- يُقال لهم الغُطغُط- ثم أعطوهم الأمان ليعبروا. وما إن وصل الحجّاج إلى وادي تنومة في عسير، انقضّ عليهم جنود الفرقتين من كل حدبٍ وصوب بوحشية منقطعة النظير فقُتل أكثر من 3 آلاف حاج على الفور ولم ينجُ منهم إلا عدد قليل. وقف الجند على جثث الحجاج مهللين مستبشرين بالجنة، ذلك أنهم كانوا يعتقدون أن من قتل واحداً من الحجاج اليمنيين نال قصراً في الجنة ومن قتل اثنين نال قصرين وهكذا. يؤكد الباحث الأهنومي أن قرارَ تصفية الحجّاج صدر من الرياض، إذ لم يكن لأحدهم أن يجرؤ على اتخاذ هذا القرار باستثناء عبد العزيز بن سعود، وقد وصل القرار إلى يد حاكم أبها النجدي في الوقت الذي كان فيه الحجاج يجتازون الطريق بين أبها وتنومة، وقد علم أنهم سيقضون أياماً في أبها ومن بعدها تنومة ثم عسير وبالتالي تمكن عبد العزيز من إعداد الجند والمجموعات الإرهابية للقضاء على الحجاج. وفي تفاصيل الواقعة كما يرويها الباحث اليمني- والتي هي عبارة عن مجزرتين متتاليتين وليست مجزرة واحدة- شرع الحجّاج بعد وصولهم إلى عسير في إعداد طعام الغداء دون أي دراية بما قد حيك لهم من مؤامرة إبادة شاملة وهم عزّل لا يملكون السلاح. وما إن شارفوا على الانتهاء من الطعام برز إليهم جيش ابن سعود الكامن لهم بعدما أحاطهم من كل الجهات وباشر بإطلاق النار على جباههم وصدورهم بشكل كثيف. تحرَّك الحجيج الناجين مجتازين مناطق كثيرة وصولاً إلى أطراف بني الأسمر (سدوان)، وإلى حدود بني شهر في (تنومة)، “فحطَّت القافلة الأولى والكبيرة في تنومة، والتي تبعد عن أبها حوالي 125 كيلو متراً، فيما حطَّت قافلتان في سدوان الأعلى وسدوان الأسفل، واللتين تبعُدان عن تـنـومـة بحوالي 10 إلى 15 كيلو متراً، إلى الجنوب الشرقي منها… فطلع الجند عليهم من أعلى الوادي وأسفله وهم على خيولهم وإبلهم، وهجم المشاة عليهم من رؤوس الجبال، وتابعوا الرمي عليهم ببنادقهم من كل جهة، فاستُشْهِد معظمُ من كان بهذا الوادي من الــحــجــاج، وقتِل أكثرُ دوابهم، وأُخِذَتْ أموالُهم، ولم يفِرَّ منهم إلا القليل”. وهذه كانت المجزرة الأولى.
أما المجزرة الثانية فقد وقعت في سدوان، حيث فعل بني سعود بالحجيج- بعدما وصلوا إلى سدوان- ما فعلوه في تنومة، مع العلم أن المجزرة الأولى كانت أكبر وأعظم. وهذا يشير وفق الأهنومي إلى أن “النـاجــين كان أكثرهم من فرقتي سدوان، الفرقتين الأخريين، وأن عامل الوقت كان سبباً من أسباب نجاة الكثير منهم، بيد أن الوهابيين النجديين من عصابات آل سعود لم يكفِهم ذلك، بل انطلقوا لمطاردة الهاربين فمن أدركوه قتلوه”. لم ينجُ من الحجيج أحد باستثناء قلة تظاهروا بالموت بين الجثث الهامدة وأكملوا مسيرهم فيما بعد مسلوبين وعراة ليس عليهم سوى سراويلهم وذلك بعدما استولى الجند على كل ما كان يمتلكه الحجيج من أثقال ودواب، وأموال وأمتعة.
ويذكر الدكتور حمود عبد الله الأهنومي أنه قضى في هذه المجزرة خيرة أعلام اليمن، وكان ممن استشهد فيها السيد العلامة الحسين بن يحيى حورية المؤيدي، والسيد العلامة يحيى بن أحمد بن قاسم حميد الدين، والحاج حسين القريطي والد الشيخ المقرئ محمد حسين القريطي رحمهما الله، الذي ولد في نفس العام، والحاج محمد مصلح الوشاح، أحد أهالي صنعاء، وعمّ السخط والحزن أرض اليمن، وحين وصل الرحالة نزيه مؤيد العظم إلى اليمن وجد الحزن والأسى يعم أهلها.
وقد حاول آل سعود عبر بعض الأقلام المرتبطة بهم أن يبرروا هذه الفعلة عن طريق الادعاء بأن الجند السعوديين ظنوا أن الحجاج مجموعة مسلحة من أهل الحجاز فاشتبكوا معها!

ملاحقة قانونية
يؤكد سياسيون وأكاديميون وقانونيون، أن مذبحة الحجاج اليمنيين الكبرى في تنومة وسدوان التي ارتكبتها عصابات آل سعود سنة 1341 هجرية، جريمة إبادة جماعية لا تسقط بالتقادم، وفقا للقانون الدولي.
وطالبوا بالبدء في خطوات عملية لملاحقة نظام آل سعود قضائياً أمام المحاكم الدولية بسبب مذبحة تنومة والجرائم التي ارتكبها على مدى أكثر من ست سنوات بحق اليمن أرضاً وإنساناً.
وطالب نائب عميد المعهد الدبلوماسي للشؤون الأكاديمية السفير نجيب الزعيم، بالعمل على تشكيل هيئة قانونية لجمع الاستدلالات والشهادات وتجهيز ملف يتعلق بوثائق المجزرة ورفعها إلى المحاكم الدولية باعتبارها جريمة إبادة جماعية لا تسقط بالتقادم.
مشددا على أهمية أن تحظى هذه الجريمة بزخم إعلامي كبير، لكشف ما ارتكبه نظام آل سعود من جرائم بحق الشعب اليمني سابقاً ولاحقاً والعمل على إثرائها بالأبحاث والدراسات وتضمينها في مناهج التعليم بصورة عامة.
يرى الباحث المصري الدكتور محمد الشافعي في بحث له، أن مجزرة تنومة وسدوان التي راح ضحيتها ما يقارب ثلاثة آلاف حاج يمني، مؤامرة بريطانية سعودية وجريمة بشعة لا تسقط بالتقادم.
وتطرق إلى أهم الأسباب التي أدت للمجزرة وفي المقدمة المساعي السعودية البريطانية لمحاولة كسر الإرادة اليمنية ومحاولة نشر الفكر الوهابي القائم على التكفير والذي شجع على توالد التنظيمات الإرهابية بعدد من المسميات، وصولاً إلى القاعدة وداعش, إضافة إلى اعتبار الحجاج اليمنيين وما يمتلكونه من مؤن ومال غنيمة.
تقول الكاتبة عفاف محمد «كانت وستظل “مجزرة تنومة” نقطة سوداء لا تنمحي من تاريخ مملكة الشر. وهي في قائمة جرائمهم الشنيعة التي تبين حقيقتهم وإن شاء الله مملكتهم إلى زوال. والتاريخ لن يرحم زلاتهم وسيكون لأهل اليمن دور كبير في هلاكهم بأذن واحد أحد».
يقف اليوم أبناء اليمن بصمت احتراما وتقديرا لشهداء مجزرة تنومة بحق الحجاج اليمنيين ويستعيدون شريط العداء التاريخي للنظام السعودي ضد بلدهم وحقيقة الأطماع السعودية ومراميها الخبيثة تجاه شعبهم.

ظرف تاريخي
تُتهم الوهابية بأنها كانت قاعدة هذا الفعل الإجرامي.. وهي الحركة التي نشأت-كما كتب الباحث عبدالرحمن مراد- في ظرف تاريخي للقيام بمقاصد وأهداف بعينها، وشيوع الروح فيها تدل على المؤسس , فالقرآن جامع علوم وقد أوضح لنا صفاتهم ووفقاً للقياس الأعرابي.. البعرةُ تدل على البعير، كما أن الحقد والصلف الذي عليه العدوان لم يكن حقداً عربياً فالعرب لم تعهده ولكنه معهود عند غيرهم، وفي أحداث التاريخ ما يمكن القياس عليه، ولذلك يمكن للمرء أن يقول مطمئناً إن اليمن تواجه عدواً ذا صبغة ثقافية وأخلاقية مختلفة لا شبيه لها في التاريخ، وأصبح ممكناً قراءة هذا العدو وتحليله من خلال المرجعيات التي يقول بها كمعيارية وكمحك، فهو يدّعي القرآن ويدّعي قداسته ويرى السنة النبوية أكثر قداسة من القرآن في تفاعلاته وله تأويلات عدة ولذلك يقع في التناقض ويبدو أمام الآخر حالة مزدوجة لما يكون عليه من التناقضات والثنائيات.

قد يعجبك ايضا