سمة يمانية ومجتمعية يجسدها أبناء اليمن خاصة في شهر رمضان.. إذ ترتفع وتيرة الإحسان والعطاء وتوطيد جسور التكافل الاجتماعي.. وبالمقابل فما يمارسه العدوان على بلادنا من حرب وحصار فاقمت الأوضاع الإنسانية وخلفت العديد من القصص المأساوية التي تتطلب وقفة حكومية ومجتمعية جادة للتخفيف من وطأة أحزانها وآلامها..
الثورة / أسماء البزاز
أم صبري تكفل خمسة أبناء بعد فقدان معيلهم الوحيد.. امرأة عزيزة لا تمد يدها للناس رغم حاجتها الملحة للعون والمساعدة.. فلم تجد أمامها سوى دفع ابنها صبري الذي لم يتجاوز عمره عشرة أعوام للعمل في بيع المياه المعدنية في الطرقات والشوارع العامة لعله يتمكن من توفير لقمة العيش ويسد رمق جوع أسرته..
حالة أخرى لأبي لؤي حسان الذي باع كل ما يملك في سبيل علاج طفله الذي يعاني من ورم خبيث والحالة تتطلب السفر للعلاج في الخارج ومع ذلك لم تتح له ظروفه المادية توفير ابسط العلاجات له.. منتظرا العون والمساعدة من رجال الخير والإحسان الدور المجتمعي:
وإزاء كل معاناة إنسانية لا بد على المجتمع اليوم تجسيد التكافل المجتمعي والإحسان لكل منهم بحاجة للعون والمساعدة.. فـ»الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه»..
الناشطة المجتمعية رجاء المؤيد استهلت حديثها معنا بقول الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه: (وَاعْبُدُوا اللهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْـمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا ).
وقالت المؤيد: إن هذه الآية الكريمة أوصى الله سبحانه وتعالى فيها بثلاثة أشياء رئيسية وأهم ما يكون في دين الله عبادته وحده لأنه الله الذي لا إله إلا هو خالق كل شيء، الذي يحيي ويميت ويرزق من يشاء بغير حساب، ينصر أولياءه ويمكن لهم في أرضه وعدم الإشراك به في عبادته وطاعته فيما أمر ونهى وأوصى بوصايا للناس في ما بينهم وهي من الحقوق تحت اسم عام أوسع وتشمل التكافل الاجتماعي ألا وهو الإحسان ،فالإحسان أعم وأشمل ،ورتب في الآية من هم أولى بالإحسان وهم على مراتب أولهم الوالدان، فالإحسان أيضا ينقسم إلى إحسان مادي وهو صلتهما ومساعدتهما بالمال إن كانا محتاجين وبالجهد والتخفيف عنهما وتقديم العون لهما، وكذلك الإحسان المعنوي بالكلمة الطيبة والنظرة الرحيمة وذكرها الله في قوله «17وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا» واطلب لهما الرحمة من الله لأنهما قاما بدور تربية أبنائهما وأهم ما في تربية أبنائهما أن يعرفانهم بالله خالقهم ،ويربيانهم على الأخلاق الحميدة ، يأتي من بعد الوالدين ذو القربى قرابة الإنسان ذكورا وإناثا فقراء وأغنياء فليس احتياج الجميع احتياجاً مادياً بحتاً فمن الناس من لهم احتياج معنوي كما هو الحال مع الأيتام حيث ذكر الله في وصف المكذب بالدين بأنه هو من يدع اليتيم الذي يتعامل بجلافة وغلظة مع الأيتام حتى وان كان اليتيم غنيا لا يحتاج إلى المال فاحتياجه معنوي عاطفي بحت وهم الفئة الثالثة التي ذكرت بينما ترتيبهم في الآية الفئة الثالثة بعد ذوي القربى.
ومضت المؤيد بالقول : ومن الأصناف التي ذكرها الله وأولاها بالإحسان فئة المساكين وهم المحتاجون وهم من أوصى الله تعالى لهم بالإحسان اليهم بشقيه المادي والمعنوي والعطاء الذي لا يشوبه منٌّ فقد قال تعالى : «2قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى» فعندما تعطي المساكين لا تؤذيهم بالمن أما اذا كان الإحسان والعطاء في شهر رمضان فقد جعل الله له مقابلاً عظيماً فقد جعل أجر من فطر صائما وهو من المساكين كأجر عتق رقبة لأن رمضان بالأخص هو شهر الله ،جميعنا في ضيافته تعالى ضيافة أكرم الأكرمين الذي إحسانه عمّ العباد وفضله ونعمه علينا ظاهرة وباطنة وعطاؤه في هذا الشهر فيض يغمرنا به وثواب الأعمال الحسنة بعشرة أمثالها بل تصل إلى سبعين ضعفاً حتى أنه من فضله وكرمه في هذا الشهر الكريم أن كتب لنا أنفاسنا فيه تسبيحاً، ونومنا فيه عبادة ولكن ليس نوم من يسهر على القنوات الفضائية ووسائل التواصل والإنترنت، إنما لمن يشغل وقته بقراءة وتدبر القرآن، ومن فضله علينا، أنعم علينا بالمسيرة القرآنية التي نحظى بدروس ليلية من قائد الأمة ، كل هذا إحسان يفوق كل إحسان، كما أن من الفئات التي تستحق منا الإحسان الجار من القرابة ثم الجار الملاصق لنا في السكن، كذلك الصاحب الجار وابن السبيل، أي المسافر الغريب الذي لا يجد له معينا ولا يملك مالا.
وأضافت: كنا في صغرنا نتذكر شيئا من هذا الإحسان فلم تكن هناك في السابق فنادق بل كان الضيف يأتي ويُستقبل في البيوت أو يعطى سكنا للإقامة فيه دون أجرة أو مقابل لأنه أتى أما معلما أو موظفا وكان يحظى باحترام وتقدير أهل البلاد ولاتزال هذه العادة في بعض قرى اليمن عند القبائل التي لم تتأثر فطرتهم ولا أعرافهم ولا دينهم بمرض التحضر والانكفاء على النفس بثقافة «غلق بابك وصون جارك» بل لا يزالون يتغارمون ويتعاونون في أفراحهم وأتراحهم ويتواصون ويتعاهدون جيرانهم حتى بالطعام، ومن العادات التي هي من التكافل الاجتماعي وما سماها الله الإحسان ولا زالت قائمة إلى اليوم في كثير من المساجد عادة أخذ الفطور إلى المسجد كل بحسب ما تجود به نفسه وقدرته، فيجتمع من الأصناف ما يشبع الفقير والغريب في نفس الوقت وأظن أن هذه العادة لم تكن إلا من اجل الغريب والفقير ، وكان من العادات الجميلة في البيوت عندما كانوا يصنعون الخبز يكون جزءا منه للغريب فمن جاء ليدق الباب أعطي من ذلك الخبز اقتداء بأهل الكساء من اطعموا المسكين واليتيم والأسير لوجه الله، وأتمنى أن تعود هذه العادات، نعم لا ننكر انه قد انتقلت إلينا عادات سيئة من دول مجاورة عادات الإفطار في المنزل ثم الذهاب للصلاة في المسجد بحجة الحفاظ على نظافة المسجد وإنما كانت بغرض أن يمنع الخير من أن يصل إلى أهل الحاجة، فأصيب الناس بأمراض التخمة وأمراض نفسية وانتشر السوء ولم يعد يعرف الجار ماعند جاره في رمضان وفي غير رمضان ومن العادات السيئة الإكثار من الأصناف غير الصحية بينما كان الأكل في رمضان، صحيا ومناسبا للجسم فيخرج الصائم من رمضان وهو مليء بالطاقة والصحة الجسدية والنفسية والروحانية معا، فمجالس الذكر وتدارس القرآن والموالد تعم البيوت وصلة الأرحام والأقارب في رمضان حتى بدأت تختفي شيئا فشيئا وبدأ الناس يعيشون الضنك والتعب النفسي والجسدي معا لأنهم اصبحوا يتكلفون في كل شيء بسبب الرياء والمجاملات والرغبة في الظهور بمظاهر متكلفة سواء في الشكل والملبس أو في ما يقدم من أطعمة نعم انه يجب إكرام الضيف ولكن دون تكلف فـ»أشر الناس من تكلف له» فبسبب التكلف توقف الإحسان وامتنع الكثيرون عن التواصل بسبب الحاجة بينما كان يجتمع السابقون على هريش أو عصيد وشربة مرق اهم شيء يسعدون بجمعهم، لو نستمر في اتباع العادات الجميلة والتي نتمنى أن تستمر ولايزال البعض يذكرها ويمارسها عندما يعطي الجار جاره شيء من طعامه سواء خبز أو لحوح أو شربة أو، حالي هذه الأشياء تعكس جانباً إيجابياً وسنة نبوية .
وختمت حديثها بالقول : أذكر آخر فئة ذكرت ممن تستحق الإحسان ما ملكت أيمانكم وهذه الفئة منعدمة تقريبا إلا في بعض البلدان وتحل محلها العمالة التي يستفيد منها البعض في بيوتهم كمن تساعد في أعمال التنظيف ومن له حارس أو مزارع يسكن معه في البيت وهم الفئة التي تستحق الإحسان وخاصة في شهر رمضان وفي كل وقت وفي جوانب شتى أولا في التخفيف عنهم والإحسان اليهم بالقول والفعل وان يعاملوا برفق ورحمة والكثير الكثير من الأشياء التي تحتاج إلى أن تطرح باستمرار في وسائل الإعلام للتذكير بها وإحيائها كسنة إلهية وسنة نبوية، لأن الله امر نبيه صلوات الله عليه وآله بأن يذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين وان يبدأ بنفسه ويحرض غيره من المؤمنين في كل الطاعات والمعروف والإحسان التي وجهنا الله تعالى برحمته بها أولها الإيمان بالله وعدم الشرك به والجهاد في سبيله وهو اعلى مراتب الإحسان وآخرها إماطة الأذى عن الطريق، حتى انه برحمته جعل الابتسامة في وجه المؤمنين صدقة، وكل ذلك إحسان للذات وللغير حتى تعود وتصبح عادات حسنة وعبادة نتقرب بها إلى الله تعالى لنفوز برضاه وننعم بنعمه في الدارين الدنيا والآخرة ونعمل على محو سيئاتنا وما اكتسبناه من العادات السيئة والآثام والذنوب تبعا لقوله تعالى :»أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ» القصص (54)، فكل ذلك إحسان ويشجع على الإحسان أو ما يسمى اليوم بالتكافل الاجتماعي.
الراحمون :
العلامة حسين السراجي قال إن التكافل الاجتماعي مصفوفة كبيرة وواسعة وضمن أولويات الدين الإسلامي الحنيف وهو مما تقتضيه الفطرة السليمة والأخلاق الإنسانية.
وأضاف انه وفي ظروفنا الراهنة يعد التكافل الاجتماعي هو الحل لسد حاجة الفقراء والمحتاجين والأجواء الحالية تتيح الكثير من فرص التكافل الاجتماعي لمن ينتظرون موائد الرحمن والإحساس بحجم مآسيهم وحاجاتهم فـ ﴿ المُؤمِنونَ وَالمُؤمِناتُ بَعضُهُم أَولِياءُ بَعضٍ يَأمُرونَ بِالمَعروفِ وَيَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ وَيُقيمونَ الصَّلاةَ وَيُؤتونَ الزَّكاةَ وَيُطيعونَ اللَّهَ وَرَسولَهُ أُولئِكَ سَيَرحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزيزٌ حَكيمٌ ﴾ التوبة 71 .
ويرى السراجي أن ظروفنا الحالية تدفعنا غصباً لاستشعار هموم وآلام وحاجة البؤساء فـ ﴿ لا خَيرَ في كَثيرٍ مِن نَجواهُم إِلّا مَن أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَو مَعروفٍ أَو إِصلاحٍ بَينَ النّاسِ وَمَن يَفعَل ذلِكَ ابتِغاءَ مَرضاتِ اللَّهِ فَسَوفَ نُؤتيهِ أَجرًا عَظيمًا ﴾ النساء 114، ﴿ لَيسَ البِرَّ أَن تُوَلّوا وُجوهَكُم قِبَلَ المَشرِقِ وَالمَغرِبِ وَلكِنَّ البِرَّ مَن آمَنَ بِاللَّهِ وَاليَومِ الآخِرِ وَالمَلائِكَةِ وَالكِتابِ وَالنَّبِيّينَ وَآتَى المالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي القُربى وَاليَتامى وَالمَساكينَ وَابنَ السَّبيلِ وَالسّائِلينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالموفونَ بِعَهدِهِم إِذا عاهَدوا وَالصّابِرينَ فِي البَأساءِ وَالضَّرّاءِ وَحينَ البَأسِ أُولئِكَ الَّذينَ صَدَقوا وَأُولئِكَ هُمُ المُتَّقونَ ﴾ البقرة 177 .
وبيَّن أن الراحمين هم أولياء الله وأحبابه، «مثل المؤمنين في تكافلهم وتعاضدهم وتراحمهم كالجسد الواحد «كما قال نبينا صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله لأنه من التعاون على البر والتقوى الذي أمرنا الله به في مطلع سورة المائدة . وكما قال المنفلوطي رحمه الله : لو تراحم الناس لما كان بينهم جائع ولا مغبون ولا مهضوم ولا قفرت الجفون من المدامع ولاطمأنت الجنوب في المضاجع ولمحت الرحمة الشقاء في المجتمع كما يمحو لسان الصبح مداد الظلام .
وأكد السراجي على عدم التغاضي عن أن الدور في مسألة التكافل والاستشعار يخص أحداً دون آخرين بل يجب التأكيد على أن المسؤولية جماعية وعلى الدولة القيام بمسئوليتها وعلى هيئة الزكاة القيام بواجبها وعلى هيئة الأوقاف نفس الدور وعلى أصحاب الأموال القيام بواجبهم وعلى جميع الأفراد القيام بواجبهم كلٌ حسب استطاعته والتوفيق من الله .
جهود مثمرة :
أما الحقوقية سماح الكبسي فتقول : إن التكافل الاجتماعي والالتفات للحالات الإنسانية سمة حاضرة في المجتمع اليمني الذي قال عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم «أرق قلوباً وألين أفئدة» بيد أننا نجد أن جميع اليمنيين يتفاعلون كثيرا في فعل الخير خصوصا في شهر رمضان الذي يعتبره الجميع شهر الخير والإحسان والعطاء ليس فقط على مستوى الصدقات والزكاة بل أيضا، نجد أن هناك تفاعلاً كبيراً في الاهتمام بالحالات الإنسانية كمرضى السرطان والمعاقين وغيرهم من المصابين بالأمراض المستعصية والتي يتحمل المريض تكاليف باهظة جدا لشراء الأدوية وفي بعض الأحيان لا يتوفر الدواء بفعل الحصار الخانق.
مشيرة إلى بعض الجهات البارزة في التكافل والتي تستحق كل التحية والشكر كالهيئة العامة للزكاة التي تعمل على قدم وساق على الوصول إلى كافة المحتاجين على مستوى المحافظات الحرة، كذلك نشيد بدور مؤسسة بنيان التنموية التي تقدم برنامج إطعام وتحرص على زيادة عدد المحتاجين في كل عام، كما أن برنامج الإعلامي عبدالحافظ معجب على قناة الساحات الفضائية يعتبر وسيلة إعلامية قوية الأثر في عرض الحالات الإنسانية وفي رفع روح العطاء والخير تجاه المحتاجين.
كما أن هناك العديد من المبادرات الخيرية التي تعمل بجهود ذاتية ومجتمعية كمبادرة الخير بين يديك التي ستعمل على تقديم أنشطة و حملات مجتمعية هامة في رفع روح الإحسان والعطاء لمحبي الخير في مساعدة المحتاجين كل حسب استطاعته.
داعية كل فاعلي الخير عبر صحيفة «الثورة إلى تقديم العون للمحتاجين بالمال وحتى بالكلمة الطيبة ومراعاة الجيران الجنب وحتى حث الآخرين على الصدقة لما لها اثر عظيم في تزكية النفس و تكفير الذنوب و النجاة من عذاب جهنم والفوز بالجنة التي اعدها الله للمتصدقين والمتصدقات قال الله تعالي( وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ).
نماذج متميزة
أما الناشطة وفاء الكبسي فتقول من ناحيتها : شهر رمضان المبارك هو فرصة لتقوية الروابط الاجتماعية، فالتكافل الاجتماعي له أهمية كبرى وضرورية في كل زمان ومكان ولا يقتصر على شهر رمضان فقط، بل هو سمة من سمات مجتمعنا اليمني المتمسك بهويته الإيمانية، وجزء من طبيعة اليمنيين وعاداتهم وتقاليدهم الاجتماعية الحميدة، كونهم «أرق قلوبا وألين أفئدة» كما وصفهم رسولنا الأعظم -صلى الله عليه وآله وسلم- ويترجم ذلك بقيام المقتدرين مالياً بتقديم يد العون والمساعدة للضعفاء من الفقراء والأيتام والمرضى والنازحين والمنكوبين.
وأضافت : مع حلول شهر رمضان المبارك وفي ظل ما يتعرض له البلد من حرب كونية عدائية أصبح التكافل الاجتماعي ضرورياً في أوساط المجتمع ويجب أن يتزايد بشكل كبير خاصة وأن هذا العدوان دفع بالملايين من الأسر إلى خط الفقر ، فبرغم معاناة الجميع الإنسانية الرهيبة والمعيشية جراء العدوان الأمريكي الصهيو سعودي ومع استمرار الحصار وافتعال الأزمات وتضييق فرص العيش إلا أن شعب الإيمان والحكمة استقبل هذا الشهر بحفاوة وروحانية وتكافل مجتمعي ورسمي منقطع النظير، لذلك جعل اليمنيون من التكافل الاجتماعي وسيلة دفاع ناجعة تفوق صواريخ وقنابل العدوان لما له من دور في الحفاظ على تماسك الجبهة الداخلية، فالجميع يتعاونون على مساعدة جيرانهم بالمواد العينية أو النقود لتوفير متطلبات الشهر الكريم، كذلك تم فتح مشروع إطعام الصائم والذي تتبناه الدولة مع مشاركات ومبادرات مجتمعية لصنع الخبز وإعداد الطعام للأسر الفقيرة كبادرة للتخفيف من وجع الفقر والحاجة لدى بعض أسر الفقراء والنازحين والمنكوبين، كذلك يتضاعف التضامن مع الحالات الإنسانية من خلال التبرعات والمواساة ومد يد العون، فبفضل التكاتف الرسمي والشعبي استطاع اليمنيون إفشال مخططات العدوان ورهانه على ورقة الحرب الاقتصادية وسياسة التجويع لإخضاعهم واحتلال بلدهم.
عواقب وخيمة
من جانبها أوضحت الكاتبة والحقوقية رجاء اليمني أن التكافل الاجتماعي هو أساس من أسُس الحياة الاجتماعية السليمة والصحيحة، وأحيانًا يكون هذا التعاون لتحقيق المنفعة الذاتية أولًا، ومنفعة الجماعة المتعاونة فيما بينها، وتزداد أهمية هذا التعاون إذا كان في سبيل مساعدة الآخر والعودة بالمنفعة على المجتمع، وعندها يُسمّى هذا التعاون بالتكافل الاجتماعي، يُقصد به: التزام مجموعة من الأفراد وتعاونهم في سبيل تقديم المساعدة للأشخاص المضطرين والمحتاجين، والذين لا يستطيعون تأمين هذه المستلزمات لوحدهم، لسبب ما خارج عن إرادتهم، ولذلك يكون كلّ فرد ملتزمًا بالحفاظ على المصالح العامة والخاصة، ويُحاول بكل جهده درء المفاسد والأضرار عن المجتمع، وعندها يصلح بنيان المجتمع وتقوى أركانه ويتطاول بنيانه بين الأمم، وقد يكون ذلك معنويًا أو ماديًا ولكلٍّ أهميته ودوره، ولا يمكن إنكار ما أولاه الدين الإسلامي من أهمية لهذا التكافل الاجتماعي وحث عليه في كل موضع، وفي كثير من مواقف الرسول -صلى الله عليه وسلم- وآلة.. إن التكافل الاجتماعي من شأنه أن يجعل كل فرد في مجتمعه يشعر بالمسؤولية تجاه الأشخاص الآخرين، ويستشعر قيمة دوره في تقديم المساعدة لكل من يحتاجها، وعندها سيعرف أنّه كما يتمتع بحقوق، فهو مُطالَب بواجبات تجاه المجتمع وأبناء المجتمع، وممّا يجدر ذكره أن الدين الإسلامي عندما حث على التكافل الاجتماعي لم يكن يقصد من وراء ذلك فقط أن يكون التكافل حكرًا على المسلمين، وإنما هو مطلب يحتاجه كل مجتمع وكل أمةـ إلا أنّ وجود تكافل اجتماعي مع مبادئ إسلامية صحيحة وراسخة سيزيد من قوة الأفراد، وسيثبت عقيدتهم ويجعل أعمالهم أكثر تأثيرًا وأشد إتقانًا، لا سيما أن هذه الأعمال ستكون أعمالًا تطوعية خيرية، فيها منفعة مجتمعية، وتبتعد كل البعد عن المنفعة الفردية والشخصية، وهذا النوع من الأعمال يحتاج إلى النية الصادقة في القلب، وابتغاء وجه الله ونشر الخير عند القيام بها، ولذلك سيكون التكافل الاجتماعي أعظم في المجتمع الإسلامي، كما أن البذرة الصحيحة التي لا بد من غرسها في عقل كل إنسان عن التكافل الاجتماعي تبدأ بتحديد مسؤوليته تجاه ذاته والحفاظ عليها وإبعادها عن كل ما يضر بها ويؤذيها، وبعدها تتّسع الدائرة ليتعلم الإنسان مبادئ التكافل الاجتماعي في نطاق الأسرة، وبعدها في نطاق الأصدقاء والمدرسة، ثم ليشمل كل المجتمع وكل من يحتاج مساعدة، وكلما كانت البذرة الأولى صحيحة كلما كانت النتائج مثمرة نضرة.
مبينة أن الكثير من البشر قد يفكر -لا سيما في الظروف الراهنة وما في الحياة من مكابدة وتعب- أن عليه أن يكفي نفسه فقط، وأنّ كل إنسان بالكاد يستطيع تأمين مستلزمات حياته وحياة أسرته، وأنّه يُحقّق تكافلًا اجتماعيًا من خلال تلبية متطلبات أسرته، وهذا فيه شيء من الصحة بأنّه يُلبّي حاجات الأسرة، إلا أن توسيع دائرة هذا التكافل ولو شبرًا واحدًا سيحدث فرقًا كبيرًا في المجتمع، خاصةً إذا ما كان هذا الشبر من كل فرد من أفراد المجتمع.
وأضافت: إنّ التكافل الاجتماعي له أهمية كبيرة وعظيمة لا يمكن تجاهلها، ستؤدي حتمًا إلى تحسين هائل للأوضاع المعيشية، وستغير من التعاملات بين البشر، وستصير لعمل الخير لذة لا يمكن نسيانها، وستبعد البشرية عن التعلق بالماديات والأمور الزائلة الفانية، إضافة إلى أن ذلك يُكسب صاحبه الأجر والثواب عند الله ويرفع من درجته، ويجعله يشعر بالسعادة؛ إذ أن سعادة العطاء والجود لا توازيها سعادة أخرى، إضافة إلى أنّ التكافل الاجتماعي وُجد أساسًأ للحفاظ على كرامة الإنسان وإنسانيته وإبعاده عن الفقر وذل السؤال واستعطاف الأغنياء وأرباب الأموال ليجودوا عليه بغَيضِ من فيض ما عندهم، ومن ناحية أخرى فإنّ التكافل الاجتماعي سيعود على المجتمع بحالة من الأمان والاستقرار والطمأنينة، ويُنهي الكثير من حالات السرقة والاختلاس وما تؤديه إليه من عواقب وخيمة قد تنتهي إلى ارتكاب جرائم قتل، كما أن تكافل الأفراد فيما بينهم سيكون ذو أهمية كبيرة لا سيّما إذا كان الوضع المادي متوسّطًا، فهذا سيجعلهم يشعرون بمعاناة من هم أقل استطاعة منهم، ويُحاولون رفع سويتهم المادية ويُبعدونهم عن ذل السؤال ومهانة المتعجرفين.