العلامة المجتهد المجاهد عبدالرحمن شمس الدين أحد القامات العلمية والشخصيات العلمائية الذين يخدمون الإسلام وأبناءه بالفتوى والتأليف وإصلاح ذات البين ويسهمون في توعية الأمة التوعية الصحيحة وتعليم شباب الأمة العلم النافع وتفقيه أهل اليمن بالفقه اليماني الذي مدحه النبي الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم ونقف في هذا الحوار مع عالم عامل بعلمه ناشر له ومبلغ لرسالات الله تعالى فإلى الحوار:
حاوره/ خالد موسى
* من موقعكم كعالم ومفت ما رسالتكم لمفتي السعودية وخطباء الحرم المكي والمدني الذين يوظفون الدين ويفصلونه بما يتناسب مع سياسة ولاة الأمر كما حصل في أفغانستان ويحصل في سوريا واليمن وليس آخر الفتاوى حكم قيادة السيارة؟
– رسالتي إلى مفتيهم وعلمائهم أن اتقوا الله في أمة محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وراقبوا الله في ما تقومون به فقد حملكم الله مسؤولية عظيمة جليلة وأنتم مسؤولون عن كل كلمة تتفوهون بها بين يديه سبحانه وتعالى، وكان الواجب المحتم عليكم السعي إلى وحدة الأمة على كتاب الله وصحيح سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وجمع كلمتها وتأليف قلوب أفرادها وتوضيح ما التبس عليها من أمور دينها، وأنتم مسؤولون عن كل قطرة دم سفكت وعن كل نفس أزهقت وعن كل دار قصفت، أنتم مسؤولون عن حصار شعوب بأكملها تشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وعن كل ما يقوم به حكامكم من دمار وخراب وعبث وفساد.
فأنتم من ساندتموهم بفتواكم، وشرعتم لهم ظلمهم وفسادهم بمجاراتكم لهم وتجويزكم لهم كل ذلك، وأنتم واقفون ومسؤولون عن ذلك بين يدي الله تعالى فما هو جوابكم ؟
أولم تقرأوا قول الله تعالى {وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلاَّ اللهَ}، أولم يقرع مسامعكم {لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ}؟
أولم تقرأوا وأنتم تزعمون أنكم حفظة القرآن {وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ} ، { وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}؟ وأنتم ترون وتشاهدون حكامكم وأمرائكم يوالون أعداء الله نهارا جهارا ويطبعون مع الصهاينة ويقيمون التحالفات معهم، ويدمرون أمة تنفيذا لرغباتهم، فاتقوا الله في دماء أمة محمد صلى الله عليه وعلى آله واتقوا الله في المساهمة في تفريقها وتمزيقها وشرذمتها وتكفيرها.
وأنتم تعلمون أن هؤلاء الظلمة إنما جعلوكم مطية لجرائمهم واتخذوكم سلمًا لبلوغ مآربهم وزيفوا على العامة بسكوتكم عن إفسادهم.
واعلموا أن هؤلاء لن يغنوا عنكم من الله شيئا وهم أول من سيلقُون اللائمة عليكم بانكم من أضلهم وأعمى بصائرهم ولعمري لن ينفعكم ولن ينفعهم ذلك بين يدي الله سبحانه وتعالى، وكيف ستتخلصون من ذلك {ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ} وهاهم يجعلون منكم أضحوكة أمام المسلمين فتحلون لهم ما حرمتموه عليهم سابقا وتحرمون عليهم ما قد أحللتموه لهم سابقا على غير هدى ولا بصيرة.
ومن أهم العوامل التي جعلت هؤلاء يسهمون بل يشاركون في سفك دماء اليمنيين سابقاً ولاحقاً
المطامع الشخصية التي يسعون إليها من أمرائهم ورؤسائهم وملوكهم والتي يتمكنون من خلالها من ممارسة بث سمومهم لتشويه تعاليم هذا الدين وتحريف ثقافة المسلمين من خلال ما يحظون به من سلطة مادية مالية ومعنوية مكانية في أوساطها.
الثقافة المغلوطة التي تربوا عليها واعتقدوها حقا وغيرها باطلا، وبالتالي فهم يعتدُّون أنهم ينطلقون في ذلك من واجب ديني ومسؤولية إسلامية.
حينما قدسوا نصوص وأقوال أئمتهم وعلمائهم؛ فحالت تلك النصوص والأقوال بينهم وبين أن يستضيئوا بنور القرآن، ويهتدوا بهدي خير الأنام صلى الله عليه وآله وسلم.
موالاة الظالمين من حكام الجور وطغاة الأرض نتيجة مرويات مكذوبة تنسب للرسول صلى الله عليه وآله وسلم كذبا وزورا، وضمنوها ما سمّوها بعد ذلك صحاحاً وقعَّدوا لهم قواعد حجبت عنهم البصيرة والنور الإلهي المبثوث في ثنايا كتابه الحكيم.
الأحقاد والضغائن الدفينة في صدورهم تجاه المسلمين الذين يخالفونهم في معتقداتهم ومذاهبهم حتى استجازوا تكفيرهم وذبحهم لمجرد المخالفة الفكرية.
ولعل والله أعلم أن أهم تلك الأسباب هي الثقافات والاعتقادات والأفكار التي ورثوها عن أشياخهم وعلمائهم وجعلوها نصوصا مقدسة وعاملوا الناس على وفقها دون نظر أو تأمل فيها، وفي موافقتها لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم الصحيحة.
ثم موالاتهم لحكام الجور وأئمة الكفر رغم يقينهم ببعدهم عن كتاب الله وسنة وسيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وما تبريرهم لصوابية موقف يزيد بن معاوية وهشام بن عبد الملك من الأمام الحسين بن علي وزيد بن علي إلا دليل على هذه المولاة التي أعمت بصائرهم مع ما ينقلونه ويرونه من جرائمهم وظلمهم وتجبرهم فضلا عن موالاتهم لحكام آل سعود ونظام آل نهيان اليوم.
كل ذلك جعلهم يستجيزون الجرائم البشعة لهذه الحكومات الجائرة، بل ويشرعون لها سفك دماء المسلمين وتجويعهم وحصارهم فضلا عن يقينهم التام بالمنكرات التي تمارسها هذه الأنظمة والحكومات من تعطيل للحدود، ونهب للمال العام وموالاة أعداء الله واستحلال الحرمات ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، دقيقاً في وصف هذه الفئة من العلماء والدعاة والمشائخ حينما قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: »يكون في آخر الزمان أمراء ظلمة ووزراء فسقة وقضاة خونة وفقهاء كذبة فمن أدرك ذلك الزمان منكم فلا يكونن لهم جابياً ولا عريفاً ولا شرطياً« رواه الطبراني في الصغير والأوسط، وقد خاف النبي صلى الله عليه وآله وسلم من هؤلاء على أمته لما يشكلون من خطر عظيم على الإسلام والمسلمين باسم العلم وباسم الدين من ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم »إنما أخاف على أمتي اﻷئمة المضلين« رواه أحمد وأبو داود والدارمي والترمذي وعن أبي الدرداء قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم »إن أخوف ما أخاف على أمتي الأئمة المضلين« رواه أبو داود، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: »إن أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان« رواه أحمد حتى قال سعيد بن المسيب إذا رأيتم العالم يغشى الأمراء فاحذروا منه فإنه لص« فهؤلاء هم الذين يفتون بحسب أهواء السلطان والأمير فيحرمون ما يضره ويبيحون ما فيه مصلحته، فهؤلاء وأمثالهم يجب على الأمة وعلى كل مسلم الحذر منهم ومقاطعتهم وعدم الثقة بهم امتثالاً لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: »العلماء أمناء الرسل على عباد الله ما لم يخالطوا السلطان، ويدخلوا في الدنيا، فإذا خالطوا ودخلوا في الدنيا فقد خانوا الرسل، فاعتزلوهم واحذروهم«.
* علاقات النظام السعودي المريبة ببريطانيا وأمريكا لا تخفى على مسلم إلا أنا نرى تبريرا وتنظيرا دينيا من قبل مشائخ الوهابية لهكذا علاقة وانفتاح كيف تنظرون أنتم لهذه العلاقة وهل تشكل خطرا على الإسلام والقرآن؟
– العلاقة بين نظام آل سعود وبين بريطانيا لا تخفى على من له أدنى وعي بواقع الأمة وقد تحدث الكثيرون عن ذلك وألف الكثيرون حول ذلك ومذكرات “همفر” لا زالت موجودة وشاهدة على طبيعة تلك العلاقة المريبة.
ويتضح بجلاء وجود عناصر من المخابرات البريطانية كانت أشبه لمستشارين يرافقون الملك عبد العزيز آل سعود في كل تنقلاته ورحلاته.
ومعلوم لدى الأمة أن نشأة هذا النظام السعودي كانت من أهم العوامل المساعدة له بل والراغبة في نشأته هي المملكة البريطانية حينما تأكدت من كون عبد العزيز آل سعود خاتم في إصبعها ومتنفذ لسياستها ورغباتها وطوع أمرها.
ثم لم يكتف هذا النظام بالارتماء في أحضان المملكة المتحدة حتى إذا بزغ نجم أمريكا وأصبحت ذات سطوة ومكانة عالمية بادر النظام السعودي بالتحالف معها وتوطيد العلاقة معها وإبداء الرغبة في الانطواء تحت حمايتها، وما اجتماع عبد العزيز مع روزفلت في الباخرة في عرض البحر بخاف على أحد.
ومن ذلك الوقت وإلى اليوم فإن نظام آل سعود يعتمد اعتمادا كلياً في حماية نظامه وموارده النفطية على هذه الدول، ويقوم بدور واضح لتنفيذ سياسات ورغبات هذه الدول في تمزيق هذه الأمة وشرذمتها والتآمر عليها وما رسالة عبد العزيز آل سعود المنشورة عن بيعه وتسليمه لقضية فلسطين بخافية، وهو بذلك -أي النظام السعودي- يظهر وبجلاء -إلا لمن قد ران على قلبه- أنه بعيد عن الله بعيد عن رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، بعيد عن من يسمونهم بالخلفاء الراشدين في سياسته وعمالته وارتهانه لأمريكا وإسرائيل وبنصوص القرآن الكريم واضحة قاطعة في حكم من تولى اليهود والنصارى، وأنه ليس من الله في شيء وأنه منهم وهم منه.
* ما حكم استغلال الأماكن المقدسة لأغراض ومصالح سياسية لا سيما فيما يتعلق بالعدوان على اليمن وغيره وهل آن الأوان لتشكيل لجنة إسلامية مستقلة لخدمة الحرمين والإشراف على الحج؟
– يجدر بنا ملاحظة هامة لازال الكثير من أبناء الأمة غافلين عنها وهي تمكين النظام السعودي والنظام الإسرائيلي من الأماكن المقدسة الثلاثة للمسلمين وهي المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف، والمسجد الأقصى.
وبالتالي فوقوع هذه الأماكن المقدسة وعلى رأسها قبلة المسلمين الأولى تحت سيطرة آل سعود وكذلك المسجد النبوي، وهيمنة نظام إسرائيل على بيت المقدس، سيفرغ هذه الأماكن من فاعليتها ودورها في الأمة، وسيجعل منها مجرد أماكن لطقوس وشعائر شكلية لا أثر لها.
بل ساهمت هذه الأماكن المقدسة ولاسيما في المملكة العربية السعودية في تخدير الأمة وحرف بوصلتها وتزييف وعيها وصرف أنظار المسلمين عن العدو الحقيقي لهم وتحويله إلى راع للسلام ودولة عظمى لا يمكن هزيمتها وإذلالها، وليس بخاف خطب وفتاوى التكفير للأمة من على منابر هذه المقدسات وشرعنة الحروب على المسلمين من ساحاتها وباحاتها.
ما سبق ذكره دليل على نجاح الدول الكبرى التي أنشأت هذين النظامين وتمكينهما لأداء هذا الدور المشبوه.
وبالتالي فاستغلال آل سعود للأماكن المقدسة لم يكن وليد الساعة وللحظة والظروف التي نتجت عن الحرب العدوانية على اليمن فحسب، بل هو استغلال قديم من خلال تحويل هذه المقدسات إلى أماكن تنفذ وتحقق رغبات دول الاستكبار العالمي بأيدي وتنفيذ سعودي فتاهت الأمة وضاعت وحرفت بوصلة اهتمامها نتيجة ما تقوم به هذه المقدسات من دور مرسوم ومدروس وموضوع لها.
وجموع المسلمين تتقاطر إلى هذه المقدسات بإجلال وإكبار وتعظيم فهي أماكن نزول الوحي والهدي الإلهي وهي قبلتهم ومأوى أفئدتهم، ولا يخطر ببال مسلم فضلاً عن أهل اليمن من شهد لهم رسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالإيمان والحكمة أن يفكروا بسوء أو يقوموا بعدوان تجاه هذه المقدسات وهم من يتوقون لتخليصها وتحريرها وإعادة الدور الفاعل لها في توحيد الأمة وإنارة طريقها.
فهذا الاستغلال الرخيص من قبل نظام آل سعود لها، ما هو إلا إحدى صور التزييف الذي تمارسه السلطات السعودية وعلماؤها على الأمة، وهي من تمنع حجاج المسلمين من الحج إلى هذه الأماكن، وتسترخص دماء الحجاج التي لا تكاد يخلو منها موسم حج دون اكتراث لسفك الدماء الطاهرة تحت مبررات واهية.
وهذا الاستغلال المذكور والمعروف والذي لا يخفى على أحد من المسلمين قطعا لا يجوز ولا تجيزه شريعتنا الإسلامية ويجب على المسلمين التحرك الفاعل لتخليص مقدساتهم ممن يعبثون بها ويتلهون بها.