تعتبر الجمعيات السكنية من القطاعات المهمة في مجال الإسكان لتغطية الفجوة في الحاجة إلى المسكن التي تتزايد يوما بعد يوم ، وللتسهيل أيضا على المواطنين ذوي الدخل المحدود في الحصول على سكن وتفاءل الكثيرون عندما بدأت بعض المشاريع التي سارت في هذا الطريق وتم توزيع أراضٍ وتقسيمها ، إلا أنه سرعان ما تبخرت الأحلام والأمنيات عندما تم عرقلتها والسطو عليها وعلى مدن وأراض سكنية عديدة وذلك من قبل المُتنفذين السابقين في الدولة وتوزيعها عبر بؤر الفساد لأشخاص لا يحتاجون أصلا للسكن وهناك بعض الأراضي البيضاء التي مازالت فاضية وقد دفع أصحابها بعض المبالغ وتوقفوا لأكثر من 15 سنة، لتتحول مشاريع الجمعيات السكنية من وسيلة لتحقيق الاستقرار لذوي الدخل المحدود إلى أداة للنصب والاحتيال عليهم بينما فشلت الحكومات في إنصافهم أو في تذليل الصعاب وتسهيل مهام تلك الجمعيات والدفع بأنشطتها.
“الثورة” تسلط الضوء على إحدى هذه الجمعيات السكنية التي لا يزال المساهمون فيها ينتظرون مساكنهم بعد أكثر من 30 عاما وهي جمعية” ذي مرمر” السكنية أو ما يعرف بجمعية الحتارش السكنية.الثورة / أحمد السعيدي
قطاع الإسكان هو أحد القطاعات التابعة لوزارة الأشعال لكن لم يلق الاهتمام من الحكومات طيلة العقود الماضية وبات أشبه بإدارة ديكور ومن ضمن المهمات المفترضة لهذا القطاع الإشراف على نشاط الجمعيات السكنية وتذليل الصعوبات أمامها حيث يتوقف العمل في هذا القطاع بشكل متكرر، في حين لو كان هناك اهتمام حقيقي لأصبح لدى كل موظف من موظفي الدولة شقة من خلال هذا القطاع كما في الدول أعداد الجمعيات السكنية بالمئات لكن المستفيدين منها أقل القليل بينما اكتوى بنارها الكثير والكثير وتعاني معظمها من مشاكل إدارية داخلية علاوة على الصعوبات التي تواجهها في استملاك الأرض وإدخال خدمات البنى التحتية .
وهناك لوائح وأنظمة لعمل الجمعيات السكنية تبدأ بالحصول على الترخيص بعد ذلك لا بد أن تستكمل الجمعية الإجراءات في وزارة الأشغال والواجب على وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل أن لا تمنح التراخيص فيما يخص الجمعيات السكنية حتى يأتي المستثمر إلى وزارة الأشغال للتأكد هل تم إثبات ملكية الأرض في السجل العقاري وما إذا كانت أرضاً خاصة به أو ملك الدولة، أو تم شراؤها من أصحابها الفعليين، والتأكد أيضا هل تم تخطيط الأرض من هيئة الأراضي والمساحة والتخطيط العمراني أم أنها أرض بيضاء لتقوم الجمعية بتخطيطها، وبالتالي تجنباً لعملية البناء العشوائي وعدم ضياع حقوق المساهمين.
الحتارش..القصة الكاملة
مشروع جمعية الحتارش السكنية أو ما تسمى ” ذي مرمر ” تأسست في العام 1986كان المشروع عبارة عن مساحة أرض 70 ألف لبنة لعدد 6 آلاف موظف من مؤسسات ووزارات الدولة وأغلب هؤلاء المساهمين قد انتقلوا إلى رحمة الله ويتولى ذووهم المتابعة على قاعدة “لا يضيع حق وراءه مطالب” فقد تم الشراء بالمتعارف عليه قانونا لكن أيادي عرقلت تمكين هؤلاء من حقهم فدخلوا دهاليز القضاء وخسروا ما خسروا من مال وجهد فخلص حكم المحكمة لصالحهم وتمكينهم من حقهم ولكن الحكم لم ينفذ.
أحد هؤلاء المساهمين اشترك في خمسين لبنة بعد أن كان متاحاً أمامه أن يشتري في شارع التلفزيون العام اللبنة بألفي ريال لكنه قبل نصيحة زميل له واشترك في الحتارش واليوم ينتظر الإنصاف، وآخر اشترك بـ120 لبنة قبل اربع وثلاثين سنة وكانت تدفع حينها على ثلاثة أقساط ولمدة ستة اشهر فقط كل قسط شهرين وها هو اليوم يطالب الجهات المختصة بتمكينه من حقه وتنفيذ حكم المحكمة .
أحكام القضاء لم تنفذ
تعاقب على إيصال مظلومية المساهمين للقضاء ثلاثة محامين ومساهمين أيضا كان أولهم المحامي علي عبده حزام الرازحي الذي قال ” انتظرنا من العام 86 وحتى العام 93 ولم ينفذ المشروع ثم تواصلت مع زملائي واجتمعنا وبحثنا أسباب التعثر ثم رفعنا قضية وكسبناها وصدر حكم المحكمة العليا لصالحنا وكانت أولا من المحكمة الابتدائية ثم أقرها الاستئناف ثم المحكمة العليا ومجلس القضاء الأعلى وقد حصلنا على أكثر من 15 مذكرة من محكمة بني الحارث إلى مأمورية الضبط القضائي لتنفيذ حكم المحكمة ولم ينفذوا نهائيا وتم الحكم على المتهم بأكثر من مليار ريال غرامات تأخير ولم ينفذ أيضا”.
المحامي المتابع للقضية في الفترة الأخيرة قاسم محمد يؤكد فشل الجهات القضائية في تنفيذ الحكم وانه كلما حاول قاض النزول للأرض لتنفيذ الحكم يتم نقله من المحكمة إلى محافظة أخرى، ولا زلنا نتذكر في العام 2007م عندما أصدر القاضي أبو بكر حسين السقاف قراراً بحجز الأرض تمهيدا لتسليمها ونشر الخبر في صحيفة الثورة آنذاك وقبل أن يخرج لاستلامها بيوم فقط تم نقله من المحكمة بدون أي سبب.
التوجيهات الرئاسية والوساطات خابت
مساهمون في هذه الجمعية أكدوا انه يتم منعهم مع أعضاء اللجنة المخولة بمتابعة القضية حتى من زيارة الأرض التي ضاعت فيها أموالهم ، ولا تزال آمالهم مدفونة تحت ترابها بقول المساهمين أنهم يمنعون من قبل أفراد نقطة عسكرية “خشم البكرة” رغم عدم وجود موقع عسكري في المنطقة وذلك بسبب نفوذ الطرف الآخر، أي الطرف الذي باع الأرض للجمعية، وهذا يعد أبرز أسباب عرقلة المشروع، فرغم توسط و تدخل في هذه القضية شخصيات كبيرة محسوبة على هرم النظام السابق مثل رئيس الجمهورية حينها علي صالح والشيخ عبدالله بن حسين الأحمر والشيخ حمود هاشم الذاري والشيخ حمود عاطف ، وعلي محسن الأحمر واللواء محمد علي محسن والمحافظ محمد حسن دماج والقاضي محمد علي الشامي والمرحوم اللواء عبدالله حسين بركات وعدد من أعضاء مجلس النواب لكن تلك التوجيهات والأوامر والوساطات باءت بالفشل ولم تصل إلى نتيجة مع صاحب الأرض بسبب نفوذه وفساد الجهات الحكومية حينها.
ثلاثون عاماً من النضال
يقول رئيس الجمعية ولجنة المتابعة سابقاً عبدالله الكميم “كنت أعتقد بعد ثلاثين عاماً من النضال في المحاكم أن أستمع إلى اجتماع يوزع فيه وثائق الملكية وقد شرعت الجمعية في البناء كتعويض لمعاناة الأعضاء المساهمين ولكن..، وما أدراك ما لكن، إنها مفاجأة صارخة لا يتوقعها الجاهل قبل العاقل تقسم الرأس نصفين ومأساة تكشف عورة المحاكم وفساد القضاة وغياب الأمن والمؤسسات التي يوكل إليها تنفيذ التوجيهات..
ويتابع: تصور أننا وخلال اثنين وثلاثين عاما لم يهدأ لنا بال ولم نتوقف عن المتابعة، طرقنا كل الأبواب، قدمنا التنازلات بغرض استلام أراضينا قبل التحكيم ثلاث مرات وطلع الحكم لصالحنا رفض المدعو( الحزورة ومن إليه) الطرف الخصم أن ينفذ، التجأنا للمحاكم صادقت عليه وكلفت المحكمة التنفيذية بالتنفيذ ومجرد منعها انسحبت، ثم رفعنا دعاوى في المحكمة بالتنفيذ وحصلنا على أحكام نافذه ولم تتمكن المحكمة من التنفيذ، لذلك اتجهنا إلى المحاكم العليا وحصلنا على أوامر قضائية لكن لا جدوى منها “.
المطالبة تتواصل
أكبر هؤلاء المساهمين سنَّا أو ما يُسمى عميد المساهمين صالح صايل تحدث قائلاً: “تحل في هذا العام الذكرى الرابعة الثلاثون لليوم ( الحتارشي) المتعوس .. فقد مضى على قضية مشروع أرض (الحتارش ) لموظفي الدولة حوالي أربعة وثلاثين عاماً دون حل ملموس .. وأصحاب القضية كما يعلم الجميع من الموظفين البسطاء الذين حلموا في أواخر الثمانينيات بنجاح هذا المشروع ، وكان حلمهم بسيطاً مثل كل مخلوقات الله على أرضه وهو أن يجد كل منهم مسكناً متواضعاً يؤويه مع أولاده ، ولتحقيق ذلك قام البعض منهم بدفع كل ما يملك ومنهم من قام ببيع ذهب زوجته ووالدته ، وآخر استدان من أصدقائه وأقاربه .. وكانت مهمة توفير المال اللازم لسداد ثمن الأرض في منطقة (الحتارش) خلال تلك الفترة بالنسبة للموظفين محدودي الدخل أمراً في غاية الصعوبة .. حيث لا يملكون سوى مرتباتهم الضئيلة ، وللتذكير فقد كان سعر الدولار حينها يعادل أربعة ريالات بينما بلغ سعره حالياً أكثر من ستمائة ريال..
ولابد أن القاصي والداني قد علموا بقضية أرض الأحلام التي تعلق بها مصير أكثر من ستة آلاف أسرة من البسطاء الحالمين بالستر والاستقرار ، القانعين بالرضا والعيش الحلال .. وكأن ما حدث كان خدعة كبيرة أضرت بكل أولئك الموظفين وأسرهم بعد وقوعهم في ذلك الفخ الذي أعد لهم بإحكام .. وقد شاءت الأقدار أن يرحل الكثير إلى جوار ربهم ممن ظلوا على أمل أن يجدوا مأوى لهم ولأسرهم حيث وافاهم الأجل قبل تحقيق المرام .. وورث أبناؤهم ذلك الحلم متمنين ألا يودعوا الدنيا كآبائهم قبل حل مشكلة أرض الأحلام”.
تعاطف قيادات الدولة
مظلومية المساهمين في مشروع الحتارش تحظى بتعاطف الكثيرين وكتب وقيل عنها الكثير.. الأستاذ حسن زيد-رئيس حزب الحق ووزير الشباب والرياضة، قال رأيه في الموضوع:
“مشروع الحتارش السكني ظلم تعرض له موظفو الدولة ولا يزال ينتظر من المجلس السياسي والحكومة لفتة لتنفيذ الأحكام القضائية التي أوقفت استمرار نهب موظفي الدولة الذين باعوا كل ما يملكون ليشتروا قطعة ارض في مشروع الحتارش معناه أن الظلم لا يزال سيد الموقف”.
مسؤولو قطاع الإسكان أكدوا وقوفهم مع هؤلاء المظلومين وحتى عدد من القضاة في عدد من المحاكم والنيابات عبروا عن أسفهم لعدم تنفيذ حكم المحكمة واعتبروا ذلك إساءة ونفطة سوداء في العلاقة والتكامل بين السلطتين القضائية والتنفيذية، ويبقى السؤال الأهم: هل يكفي تعاطف الجهات المسؤولة لكي يستعيد هؤلاء حقوقهم المسلوبة منهم منذ أكثر من ثلاثين عاما؟! بالتأكيد لا، وإنما المطلوب اليوم هو ما أكده المحامي والمستشار القانوني عبدالرحمن الزبيب الذي قال: ” جاء الدور على المجلس السياسي وحكومة الإنقاذ الانتصار لهؤلاء بعد أن خذلتهم جميع الأنظمة والحكومات السابقة والمتعاقبة فالمسؤولية اليوم على رجالات الدولة الانتصار لهم كأحد أهداف ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر التي تفجرت ضد الظلم ولتمكين المواطنين من حقوقهم وهذا ما ننتظره جميعا كون القضية أصبحت قضية رأي عام في البلاد”.
ساهم في المادة :عبدالكريم الخطيب –المسؤول الإعلامي لجمعية الحتارش السكنية