ينخرط “تنظيم القاعدة في جزيرة العرب” كما يطلق على نفسه، في الحرب التي يشنها التحالف السعودي الأمريكي على اليمن، ومنذ مارس 2015/م، يتشارك مسلحو التحالف “السعودي الأمريكي” مع التنظيم في جبهات قتال عديدة، ففي وقت سابق ظهر ناصر الوحيشي في خطبة متلفزة يتباهى فيها بمشاركة تنظيم القاعدة في 11 جبهة، ضد من وصفهم بـ”الروافض الحوثيين”، وقد بثت قناة “بي بي سي” تحقيقا تلفزيونيا ميدانيا من محافظة تعز تضمن توثيقاً لتواجد مسلحي “أنصار الشريعة” وهو الاسم الذي أطلقه التنظيم الإرهابي على نفسه في اليمن.
الثورة /عبدالرحمن أحمد
تنظيم القاعدة يشارك في جبهات القتال ويتواجد في معسكرات ما يسمى الشرعية ومنذ العام 2016م ظهر مسلحو التنظيم وهم يرفعون الأعلام على عربات وآليات عسكرية تابعة لمرتزقة التحالف السعودي الأمريكي في مواجهة الجيش واللجان الشعبية.
في حين يكشف تقرير ميداني نشرته وكالة ” اسوشيتد برس” في العام الفائت، خلص إلى أن تنظيم القاعدة هو في الواقع حليف أساسي للولايات المتحدة التي تقود الحرب على اليمن، وليس عدواً لها، حيث يجري تزويد القاعدة بالأسلحة الأمريكية والغربية، وتستخدمه ضمن أدواتها الميدانية في الحرب الدائرة على الأراضي اليمنية منذ ما يقارب ستة أعوام..
أهداف داعش
تنقسم أهداف (داعش) إلى قسمين، الأول: “الهدف القريب أو العدوّ القريب”، ويُقصد به قتل المسلمين الآخرين، وخصوصًا الشيعة؛ وتصفية المملكتين، الأردنية الهاشمية والعربية السعودية. أما “الهدف الثاني أو العدوّ البعيد”، فُيقصد به الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية كافة، دون ذكر (إسرائيل) ولا في أيٍ من أدبيات أو منشورات (داعش)؛ وهذا بحدّ ذاته يكشف الحقيقة، فهو لا يعتبر (إسرائيل) عدواً في أيّ مرحلة من المراحل وهو أمرٌ يميز داعش عن القاعدة وجبهة النصرة التي تحاول الظهور بموقف مندد بإسرائيل.
الدور الذي رسمته أمريكا لتنظيم القاعدة هو تقسيم المنطقة وتجزئتها وخلق حروب متنقلة ورسم حدود الدم التي خطط لها الجنرال الأمريكي المتقاعد رالف بيترز، ففي يوليو 2006م نشرت المجلة العسكرية الأمريكية “آرمد فورسز جورنال” خارطة جديدة للشرق الأوسط وضعها الجنرال تصف وضع الشرق الأوسط الأفضل في مقالة عنونها بـ”حدود الدم”، قسم فيها بيترز الشرق الأوسط على أسس عرقية ودينية وطائفية، وفي سياق مطاردتها العسكرية الساخنة للقاعدة في ساحات المنطقة العربية والإسلامية حصلت أمريكا على ما أرادت، ونقلت الخراب والفوضى من أفغانستان إلى باكستان إلى العراق والصومال والسودان واليمن وسورية، كقطٍ أُشعِلت فيه النار وأُطلِق في الحقول بقصد حرقها وكلّ واحدة من الدول المذكورة حل في ديارها الخراب بسبب هذا، الذي سيلحقه رجل الإطفاء الأمريكي بآلته الحربية التدميرية؛ وبعد انتهاء المهمّة يستريح رجل الإطفاء هذا في الديار العربية بضعاً من السنين، بعد أن يكون قد أخذ أجره من خزائن وثروات الأمّة. وعلينا أن نتذكّر دوماً ما قالته وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة (كوندوليزا رايس) حول مفهوم (الفوضى الخلاّقة) التي يجب أن تسود في المنطقة قبل البدء برسم الحدود الجديدة للدول الإثنية والمذهبية فيها “ناصر دمج|من مقال “أمريكا تؤسس داعش في اليمن”.
الهدف من إيجاد (داعش) بالطبع هو استكمال دور القاعدة، في تقسيم الأمّة العربية إلى فِرق مذهبية ودينية، وتجزئة الدول العربية، وتم الاستدلال على هذه الحقيقة من طبيعة المهام التي تنفذها داعش في أكثر من بلد، والتي تصبّ جميعها في خانة الفرقة وإشعال المذابح ورسم خرائط الدم، وإغراق المنطقة العربية بسلسلة من المذابح والترويج للمذهبية التكفيرية وجميع هذا المخرجات التنفيذية تحاكي مشروع “برنارد لويس” والذي تاسست لهما على الأرض تنظيم القاعدة عندما كان الهدف محدّداً بنشر الخراب والدمار في بعض الدول العربية نكاية ببعض الأنظمة، استكمله تنظيم (داعش) من خلال حربه المدمّرة التي يخوضها على التراب السوري والعراقي واليمني، وضدّ العرب والمسلمين جميعا.
أمريكا تؤسّس (داعش) في اليمن
بتاريخ 28 نوفمبر 2017م،أبلغ “أبو بكر البغدادي” عناصر (داعش) الإرهابي في شمال غرّب العرّاق، من خلال خُطبة خاصة أسماها خُطبة الوداع، بهزيمة التنظيم في تلك المنطقة، كما دعا البغدادي أنصاره إلى التخفي والفرار إلى المناطق الجبلية، مع تعليمات لهم بأن يفجّروا أنفسهم عند محاصرتهم من قِبل القوات العراقية، وقد بدأ “مجلس شورى الداعشيين”، حزْم حقائبه مُهاجراً إلى أرض جديدة هي (اليمن)، لمباشرة العمل هناك بعد أن أنهى التنظيم “مهمّته” في العراق وسوريا، وهذه خطوات تم اتخاذها بناءً على تعليمات واضحة من “مايكل فيكرز – الذئب الرمادي”، المسؤول الأمريكي المكلّف بالإشراف على داعش في العراق والشام، ويُعدّ “مايكل فيكرز” من المُشرفين على برنامج الوكالة المركزية للاستخبارات لتفريخ وتدريب وتسليح الحركات الإرهابية التي تعمل كأدوات لأمريكا، والتي تضاعف حضورها منذ الغزو السوفييتي لأفغانستان في نهاية سبعينيات القرن العشرين؛ وهو حائز على جائزة وكالة الاستخبارات الأميركية، في مضمار التخطيط، لإنجازه وتنفيذه مخطّط استخدام (المقاتلين العرب) في أفغانستان لدحر القوات السوفييتية، والذين شكّلوا فيما بعد تنظيم القاعدة، كما يقول الباحث ناصر دمج من مركز باحث للدراسات الاستراتيجية..
خدم “مايكل فيكرز” على مدار ثلاثة عشر عاماً في قوات العمليات الخاصة، من عام 1973م إلى عام 1986م، راكم خلالها خبرة مميّزة في العمل الاستخباري. وبعد ذلك خرج من نطاق الخدمة الحكومية لمدّة عشرين عاماً، تمكن خلالها من إكمال دراسته الأكاديمية التي انتهت بحصوله على شهادة الدكتوراه في تسعينيات القرن العشرين، وعندما استدعى “جورج بوش الابن” مستشار الأمن القومي السابق “زبغنيو بريجنسكي”، في نهاية عام 2006م، للتخطيط لإخراج الجيش الأمريكي من العراق، قام بريجنسكي باستدعاء “مايكل فيكرز” على الفور، وكلّفه برسم خطّة انسحاب الجيش، والإبقاء على مجموعة منه تعمل تحت إشرافه، وتكوين خلايا سريّة من المتطرفين العرب والأجانب، لتبقى جاهزة للعمل تحت إمرته، ومن هنا بدأت داعش الظهور، وفي عام 2007م تم تعيين فيكرز رئيساً لوحدة (العمليات الخاصة والإرهاب)، الكائنة مكاتبها في الطابق الثالث من وزارة الدفاع الأمريكية. وهناك بدأ مشواره المدمّر في بناء مخطّطات تشكيل (تنظيم الدولة الإسلامية في العراق)، وغيره من التنظيمات الإرهابية التي ستُخرج من الأدراج عند الحاجة لها
لماذا اليمن ؟
بُعد اليمن من الناحية الجغرافية عن (إسرائيل) لم يُجنّبه خطر الاستهداف من اليمن، حيث شكّل مصدر قلق لزعمائها منذ بداية وجوده في المنطقة، ومنبع هذا القلق هو الموقع الجغرافي لليمن الذي يسيطر على مضيق باب المندب، الذي يعتبره العدو الإسرائيلي البوّابة البحرية إلى شرق الأرض؛ وهذا ما وضعه على أجندة الاستهداف الإسرائيلي، كما وضع جارته إريتيريا التي تشاطئها سواحل المضيق نفسه، لهذا السبب لم ينفكّ الاستعمار الحديث عن اجتراح الوسائل والطرق لإدامة أمد استعماره أو إعادة غزوه للدول المستقلة، بعد تعاظم حاجته الاقتصادية لخيراتها، وذلك بعد تصميمه للطريقة التي تناسب كلّ دولة على حدة. ومن بين تلك الطرق أو الأدوات (تنظيم القاعدة والقراصنة الصوماليون وتنظيم داعش.
يشير تقرير أمني حصلت عليه “الثورة” إلى أن الإدارة الأمريكية قدمت عمليات إسناد واسعة لتنظيم داعش وعززت حضوره في اليمن، والذي أعلن عن تواجده في اليمن في العام 2015 وهو العام الأول للحرب التحالفية، ويؤكد التقرير أن العمليات التي نفذتها الإدارة الأمريكية استهدفت قيادات من تنظيم القاعدة رفضت مبايعة البغدادي في ذلك الوقت
يذكر التقرير عدد الغارات التي شنها الدرونز الأمريكي “الطائرات بدون طيار”، بأنها 120 ضربة جوية في العام 2017م، بمعدل ثلاثة أضعاف عن العام 2016م بواقع 40 غارة، و 35 غارة في عام 2018م طالت قيادات في القاعدة رفضت مبايعة زعيم داعش، على الرغم الرغم من محدودية تواجد داعش في اليمن مقارنة بوضعه سابقاً في العراق وسوريا حيث ظل محصوراً بمناطق في لحج وولد ربيع في البيضاء التي دحر التنظيم منها مؤخرا.
يشير التقرير إلى أن الاشتباكات التي اندلعت بين القاعدة وداعش في مناطق ولد ربيع بالبيضاء خلفت نحو 300 قتيل بالإضافة إلى مئات الجرحى من الطرفين، رغم الوساطات المتكررة لإيقافها على مدى عامين من قبل وسطاء يرتبطون بما يسمى بشرعية هادي وتحالف العدوان.
ومنذ الإعلان عن نفسه في اليمن عام 2015م السنة الأولى للعدوان شرع تنظيم داعش في تقديم الخدمات الإجرامية لصالح تحالف العدوان وتلقى في مقابل ذلك أموالاً وأسلحة وإن كان بصورة أقل مما هو عليه الحال لدى تنظيم القاعدة الذي يتمتع بانتشار واسع وعلاقات واسعة مع ما تسمى الشرعية بلغت حدّ تعيين أحد قيادييه مستشاراً للخائن هادي وعضواً في الوفد المفاوض إلى جنيف1 وهو عبد الوهاب الحميقاني.
ارتباط داعش بالإخوان “التجمع اليمني للإصلاح وداعش والقاعدة”
رغم علاقة حزب الإصلاح مع قادة تنظيم القاعدة والتي تعود إلى الحرب الأفغانية التي جند لها قادة حزب الإصلاح، يشير تقرير أمني حصلت عليه “الثورة” إلى أن علاقة برزت بين تنظيم داعش وتنظيم إخوان اليمن الذي يتكتل باسم حزب الإصلاح، ويذكر التقرير رصد تعاون بين حزب الإصلاح وداعش، في جبهات عدة إضافة إلى تشاركهما في تنفيذ عمليات استهدفت أهدافاً في مناطق سيطرة الجيش واللجان الشعبية، ويذكر التقرير منها:
– استهداف دار القرآن في مديرية دمت الضالع، أكتوبر 2017م.حيث شكلت هذه العملية الانتحارية نموذجاً للتعاون بين داعش والإصلاح، كان من المخطط أن تقام في المركز المستهدف بالتفجير فعالية عاشورا وذكرى الغدير، تولى حزب الإصلاح العمليات اللوجستية في إخفاء الانتحاري وتجهيزه في قعطبة ومن ثم نقله إلى مكان الاستهداف في دمت، وقد تمكنت الأجهزة الأمنية من إفشال العملية وإيقاف السيارة التي أقلت الانتحاري والقبض على عناصر الإصلاح فيما فجر الانتحاري المنتمي لداعش نفسه بحزام ناسف كان يرتديه.
– استهداف نقطة حرية في مديرية الشعر بمحافظة إب، إبريل 2018م . كان مخططاً أن تستهدف نقطة حرية بدراجة نارية مفخخة بين عناصر من الإصلاح وداعش في عملية عدها الطرفان ثأرية لقيادي في ما يسمى بالشرعية قتل على يد جنود النقطة، لكن العملية تم رصدها أيضاً، وعند محاولة تشريك الدراجة من قبل أحد العناصر انفجرت به قبيل وصوله إلى النقطة وتم القبض على عنصرين آخرين كانا برفقته من قبل جنود النقطة.
وفي إطار التعاون بين الإصلاح وداعش، فقد شاركت عناصر داعش في حرب التنظيم الإخواني مع ما يسمى الإنتقالي، حيث نفذ داعش عمليات عدة استهدفت الأحزمة الأمنية التي أنشاتها الإمارات في عدن ومحافظات جنوبية وظلت هذه المليشيات أهدافا لعمليات تبناها داعش، حيث استهدفت نقاطاً ومواقع تابعة لمسلحي الانتقالي، واتهمت حينها قيادات في المجلس الانتقالي حزب الإصلاح بالمشاركة فيها.
مع سقوط ولاية داعش في البيضاء إثر عملية الجيش واللجان الشعبية الأخيرة، اتجه الهاربون من عناصر داعش إلى مارب التي يحكمها تنظيم الإخوان “الإصلاح”، ولا يستبعد مشاركون أن داعش تشارك الإخوان في العمليات الدائرة هناك، وفيما فرّ بعض عناصر داعش إلى محافظة مارب، توجّهت عناصر أخرى إلى محافظة لحج (جنوب) حيث أنشأ النظام السعودي أخيراً، العديد من المراكز الدينية في مناطق الصبيحة بهدف الاستقطاب النشط للمقاتلين لصالح داعش ولتوسيع نفوذه هناك.
يشير متابعون وعلى اطلاع بتواجد “التنظيمات الإرهابية”، أن إنشاء مدارس ومراكز لتنظيم داعش في لحج، تمت بموافقة أمريكية، فمحافظة لحج فيها أكبر قاعدة جوية يوجد فيها قوات أمريكية، حيث تتمتع بإطلالة على خليج عدن وعلى مقربة من باب المندب الممر الملاحي الاستراتيجي، الذي تسعى واشنطن للسيطرة عليه، وفرض حماية وإشراف دولي على السواحل اليمنية الغربية والشرقية والجنوبية، على غرار السواحل الأفريقية التي جرى تدويلها بفعل القواعد العسكرية للولايات المتحدة وفرنسا والصين وتركيا، بعدما خلقت ذرائع القرصنة والإرهاب الذي يعمل كقفازات في المنطقة لصالح أمريكا.