الثورة/ أحمد المالكي
يحتل العقيق اليماني منذ القدم قائمة أشهر منتجات اليمن وصادراته الوطنية، كما هو حال البن والعسل وغيرها من المنتجات، ويحظى بشهرة عالمية واسعة تجاوزت حدود جماليته وبريقه، وهو نوع من أهم الأحجار الكريمة التي ارتبطت باسم اليمن منذ قرون، وهو بالنسبة لليمنيين ثروة وتراث، يستخرجه حرفيون هواة من بطون الجبال بطريقة تقليدية باستخدام الأزمير في عمليات الحفر، وتبلغ قيمة الفص الواحد منه في بعض الأحيان أكثر من 500 دولار.
وتنحصر تجارة العقيق في العاصمة صنعاء وتحديداً في سوق باب اليمن حيث يعج بعشرات المحلات لبيع العقيق، وتشهد إقبالاً وطلباً محلياً وخارجياً على شراء العقيق، ويتنافس المتنافسون على اقتناء هذه الأحجار الكريمة، وما نسبته 85 % من إنتاج العقيق في اليمن يباع لـ العراق و إيران و لبنان و الكويت و البحرين، و15 % تتوزع بين مختلف دول العالم، أما ما يقتنيه اليمنيون فلا يتجاوز 1 %..
عملية استيراد العقيق
لكن استيراد العقيق من دول كالصين و البرازيل وغيرهما، إحدى الإشكالات التي تواجهها صناعة العقيق في اليمن، وأهم الصعوبات التي يشكو منها الحرفيون والعاملون، فالصين تحطم العقيق اليمني، بإنتاجها الكبير والأرخص سعراً، حيث تنتج كثيراً من المسابح والأفصاص والقلائد وغيرها.
وتجاوزت شهرة هذا العقيق حدود اليمن إلى بعض الدول العربية والإسلامية ووصل ببعض هواة اقتنائه مؤخراً إلى إنشاء مواقع على الشبكة العنكبوتية تقدم خدمات تبادل وبيع وشراء النادر من فصوصه، حتى أن سعر بعضها يصل إلى آلاف الدولارات. وبحسب آخر الإحصائيات فإن الإنتاج السنوي للعقيق اليماني يقدر بنحو 1600 كيلو جرام يصدر منها 1000 كيلو إلى خارج اليمن بمبلغ إجمالي يفوق نصف مليون دولار تقريباً، وتعتبر هذه الإحصائيات تقديرية إذ قد يفوق الإنتاج هذا الرقم بأضعاف كثيرة.
استخراج العقيق
يُستخرج العقيق اليماني من مناجم جبلية في عدد من المناطق اليمنية أشهرها وأهمها منطقة آنس بمحافظة ذمار جنوب صنعاء، فيما ينحصر إنتاجه في مدينة صنعاء القديمة التي يحرص الكثير من زوار اليمن على ارتياد سوق العقيق فيها لاقتناء حاجتهم من العقيق باعتباره أفضل هدية يحملونها إلى الأهل والأقارب والأصدقاء في مواطنهم، كما يمثل في نفس الوقت أفضل ما يهديه اليمنيون لغيرهم، والأكثر مبيعاً ورواجاً في المعارض السياحية التي يشارك فيها اليمن في عدد من بلدان العالم.
تستخرج خامات العقيق بطرق بدائية من داخل الصخور في مناطق جبلية، ويجري عادة تتبع خامات العقيق في الصخور في مساحة لا تتجاوز عشرة أمتار، وعمق قد يصل إلى 8 أمتار تقريباً، ويتم إخراجها على هيئة كتل مختلفة الأوزان لا يتجاوز وزن الخام من العقيق فيها الكيلو جرام. وبحسب إحصائيات تحدث عنها بائعو العقيق فهناك قرابة “50-40″معملاً صغيراً في العاصمة تقوم بتنقية العقيق يعمل عليها شباب ذو خبرة في هذا المجال، وتمر عملية تنقية الفصوص بمراحل أولها العمل اليدوي بالمطرقة لتكسير ونزع الفصوص من بين الأحجار المستخرجة من الجبال، ثم يتم تنظيفها بشكل دقيق بوضع مواد معينة للتنظيف والتنقية، وتأتي بعد ذلك تصفيته بالنار لتشكيله دوائر أو مربعات ومستطيلات، ثم تكرار عرضها على النار وتحديد أطرافها، ويتم وضع العقيق في آلة خاصة تسمى “مجر الطباشير” من أجل تلميع الفص العقيق وتنعيمه وإبراز جمالياته، وبذلك يكون جاهزاً لوضعه على الخواتم والقلادات والأساور.
وبحسب مختبرات الأحجار الكريمة بهيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية اليمنية، فإن بعض الحرفيين يغشون في بيع عقيق مستورد من الهند والصين بعد تشكيله بالطابع اليمني وبيعه على أنه عقيق يمني، ما دعا بالهيئة خلال الأعوام الماضية إلى إنشاء معامل ومختبرات في وزارة النفط والمعادن ومختبر في مركز المقاييس والمواصفات لهذا الغرض، وأثمرت الإجراءات بضبط كميات للعقيق الخام المستورد من خارج اليمن في المطارات، إضافة إلى عملية رقابة ومتابعة مستمرة واهتماماً رسمياً كبيراً بمحاربة الغش للحفاظ على سمعة العقيق اليمني.
العدوان والحصار
وضرب العدوان والحصار وتوقف السياحة سوق بيع العقيق اليمني، حيث هجر الكثيرون المهنة وأغلقوا محلاتهم لكساد المبيعات، في ظل ظروف معيشية قاسية ارتفعت خلالها معدلات البطالة والفقر إلى مستويات كبيرة، ناهيك عن انهيار القطاع السياحي وإغلاق أغلب المنشآت السياحية والفندقية وتسريح معظم العمالة فيها، فيما قدر خبراء حجم الخسائر التي تكبدها القطاع بمليارات الدولارات.