أكد العلاَّمة عدنان الجنيد أن الشعب اليمني بمختلف مكوناته متميزون بولائهم وحبهم لآل البيت عليهم السلام، وأن أبناء اليمن بما يمتلكون من عقيدة راسخة وقيم فاضلة ينبذون كل مخرجات الفكر التكفيري الوهابي ويحبون كل من يعظم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته والأولياء الصالحين.
وأشار إلى أن التصوف هو الترجمة العملية لتعليمات الكتب السماوية وما جاء به الأنبياء، وأن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم دعا أمته للإخلاص في عباداتهم ،والورع في مأكلهم ومشربهم، والصدق في أقوالهم وأفعالهم، والزهد في دنياهم، وحث على أن تسود الأخلاق كل معاملاتهم.
كما تطرق العلاَّمة عدنان الجنيد في هذا اللقاء الشامل إلى العديد من القضايا التي تهم الساحة الوطنية والإسلامية.. وإليكم الجزء الأول من هذا اللقاء:
ما هي أبرز القواعد الفقهية وأهم المرتكزات الفكرية للفقه والمدرسة الشافعية في اليمن؟
– للفقه الشافعي قواعده الفقهية التي يتميز بها عن غيره من المذاهب، فالشافعي – رحمه الله- اتخذ طريقاً وسطاً بين مدرستي أهل الرأي وأهل الحديث، إلا أن هناك قواعد فقهية تكاد تكون مشتركة بين الشافعية وغيرهم وهي ما تسمى بالقواعد الخمس التي تعد من القواعد الأساسية للفقه الشافعي وهي:
أ – الأمور بمقاصدها. ب – اليقين لا يزول بالشَّك. جـ – المشقة تجلب التيسير. د – الضرر يزال. هـ – العادة مُحكمة.
هذا في الجانب الفقهي، أما في الجانب الفكري فالشافعية متميزون بولائهم وحبهم لآل البيت – عليهم السلام – وعقيدتهم الأشعرية تدعو إلى تنزيه الله تعالى من التجسيم، وأنبيائه من النقص، كما أن معظم الشافعية يتخذون من التصوف سلوكاً ومنهجاً روحياً ويحبون الأولياء والصالحين ويحيون المناسبات الإسلامية كمولد الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم.
إضافة إلى نبذهم كل مخرجات الفكر التكفيري الوهابي ويحبون كل من يعظم رسول الله وآل بيته والأولياء والصالحين.
متى نشأ التصوف في اليمن ؟ وكيف ؟ وما معالم المدرسة الصوفية في اليمن ؟ وما هي مدارسها ؟
– التصوف من حيث ماهيته وحقيقته قد جاءت به الكتب الإلهية وجاء به الأنبياء ،ولذلك نجد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دعا أمته للإخلاص في عباداتهم والورع في مأكلهم ومشاربهم والصدق في أقوالهم وأفعالهم والزهد في دنياهم والأخلاق في معاملتهم …إلخ.. كل هذه الأمور هي خلاصة التصوف، ومن اتصف بهذه الصفات وعمل بما دعا إليه النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – فهو يُعد صوفياً حتى وإن لم يتسم بهذا الاسم، فالله تعالى ذكر في القرآن طوائف الخير والصلاح ، فسمى قوماً أبراراً وآخرين مقربين ، ومنهم الصابرون والصادقون والذاكرون والمحبون..
واسم الصوفية مشتمل على جميع المتفرق في هذه الأسماء المذكورة وهذا الاسم- الصوفي- لم يكن في زمن رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- لكن قيل – كما في بعض الكتب الصوفية مثل كتاب “عوارف المعارف”: كان في زمن التابعين ثم أتوا بأدلة منها أنه نقل عن الحسن البصري رحمة الله عليه أنه قال: “رأيت صوفياً في الطواف فأعطيته شيئاً، فلم يأخذه، وقال: معي أربعة دوانق ، يكفيني ما معي…” ويسند هذا ما روي عن سفيان أنه قال (لولا أبو هاشم الصوفي ما عُرِفَ دقيق الرياء) .
نفهم من هذا أن التسمية- الصوفية- ظهرت بعد عهد النبوة في القرن الثاني الهجري ،وذلك أن الناس بعد عهد النبوة وعهد الأربعة الخلفاء- رضي الله عنهم- هرعوا إلى الدنيا واغتروا بزخرفها ، فتزعزعت أبنية المتقين، واضطربت عزائم الزاهدين وكثرت الجهالات واستبيحت الحرمات ، وأصبح المعروف منكراً والمنكر معروفاً والتاريخ شاهد على ما حدث في عهد بني أمية وبني العباس.
فلما ظهر الفساد بكل أشكاله تفردت طائفة من المسلمين بأعمال صالحة، فزهدوا في الدنيا ومحبتها ، واغتنموا الوحدة ، واتخذوا لأنفسهم زوايا يجتمعون فيها تارة وينفردون في أخرى أسوة بأهل الصفة ، وكان الصوف لباسهم حتى اشتهروا به، فسموا به فالاسم سمتهم ، والعلم بالله صفتهم ، والعبادة حليتهم ، والتقوى شعارهم .
إذاً التصوف ظهر في القرني الثاني الهجري كثورة روحية أخلاقية تجديدية هدفها استعادة الأمة هويتها الروحية والأخلاقية التي كانت عليها في العهد النبوي وفي العهد الذي يليه في زمن الخلافة الراشدة..
وقد كانت اليمن أحد البلدان التي امتد إليها التصوف، حيث ظهرت جماعة من الزهاد منهم طاؤوس بن كيسان والأسود بن يزيد النخعي والحكم بن أبان العدني و محمد بن بسطام الصنعاني في القرن الثاني الهجري ومن قبلهم سيدهم وإمامهم أويس بن عامر القرني”.
ثم توسع مفهوم التصوف في القرن الثالث الهجري وصار له بعض المصطلحات الخاصة به ولما جاء القرن الرابع كان للتصوف قوة في الظهور ، وبدأت معارفه تنتشر حتى القرنين الخامس والسادس وكذلك القرن السابع فظهر التصوف بكماله، وفاض نواله، واتسع انتشاره، وتغنت أطياره ، وتُرجمت أسراره ، وظهرت مدارسه الكريمة ، وطرقه الفخيمة ، وبرز أقطابه العظام كمثل الإمام (محيي الدين بن عربي)، والإمام (أحمد بن علوان) والسيد (أحمد البدوي) والشيخ الكبير (أحمد الرفاعي)، والإمام (علي بن عبدالجبار الشاذلي) والغوث (عبدالقادر الجيلاني) والقطب (عبدالحق بن سبعين) وغيرهم من أقطاب الصوفية .
وبهذا أصبح التصوف بالشكل الجماعي بعد أن كان بالشكل الفردي.. متمثلاً في الطرق الصوفية (المدارس الصوفية) فكانت اليمن أيضاً سباقة إلى احتضانها, فظهرت فيها العديد من الطرق الصوفية, حيث دخلت الطريقة القادرية في عام (561هـ) عن طريق أبي الحسن علي بن عبدالرحمن الحداد الذي التقى بالشيخ الجيلاني في مكة, ولبس منه خرقة التصوف, وأخذ عنه العهد.
ثم دخلت بعدها الطريقة الشعيبية المغربية في أوائل القرن السابع الهجري ، أدخلها الشيخ عبدالله المغربي وكان روادها في اليمن هم : الفقيه المقدم محمد بن علي والشيخ سعيد العمودي في حضرموت، والشيخ جوهرالعدني في عدن ، والشيخ محمد بن مهنا القرشي في تهامة.
ودخلت الطريقة الرفاعية في النصف الأول من القرن السابع الهجري على يد العارف بالله الشيخ عمر بن عبدالرحمن بن حسان القدسي.
ودخلت الطريقة الشاذلية في بداية القرن التاسع الهجري على يد الولي الصالح الشيخ شمس الدين علي بن عمر القرشي الشاذلي .
وهذه المدارس أو الطرق التي ذكرناها تعد من أقدم الطرق وكلها مستوردة.
أما الطريقة النقشبندية -وهي فرع من الطريقة القادرية -فقد تعددت الروايات حول وصولها إلى اليمن، ففي رواية أن أحد أتباع الطريقة النقشبندية لم يعرف اسمه جيئ به إلى اليمن، فأخذ عنه هذه الطريقة الشيخ أحمد بن محمد بن عجيل المتوفى سنة (1074هـ / 1664م) , فيما بعض الروايات تذكر أن وصولها إلى اليمن كان عن طريق الشيخ تاج الدين بن زكريا الهندي الذي قدم اليمن من الهند والتقى الشيخ عبدالباقي بن الزين المزجاجي الذي أخذ الطريقة عنه .
وإلى جانب تلكم الطرق الصوفية الكبرى التي نشأت في القرون الماضية تنتشر اليوم العديد من فروع تلكم الطرق الصوفية حديثة النشأة أو الوفود كالطريقة النقشبندية التي ذكرناها آنفا والطريقة العلاوية الشاذلية التي وصلت إلى اليمن في عشرينيات القرن الماضي عن طريق الشيخ سعيد سيف الأشعري, والطريقة الخليلية الأحمدية التي كان وصولها إلى اليمن في تسعينيات القرن الماضي عن طريق الدكتور المصري عبده صقر الذي كان من المدرسين في جامعة صنعاء.
كما وفدت إلى اليمن طرق صوفية كانت اليمن أيضاً التربة التي ولدت فيها عدد من الطرق الصوفية من أهمها : الطريقة العلوانية، وتنسب للإمام القطب الشيخ العارف بالله أحمد بن علوان قدس الله سره, الذي ولد في منتصف القرن السادس الهجري في قرية ذي الجنان.. عزلة جبل حبشي محافظة تعز, وله مؤلفات هامة منها “بغية المريدين” سواء المنتمين إلى طريقته أو الطرق الأخرى, والذين يرون فيه المرشد الأول والمرجعية الروحية لأهل التصوف في اليمن, ولكافة الطرق على اختلاف مشاربها .
ومن الطرق الصوفية التي نشأت في اليمن طريقة آل باعلوي التي وضع بذرتها الأولى السيد الإمام المهاجر إلى الله تعالى أحمد بن عيسى بن محمد بن علي العريضي بن جعفر الصادق المتوفي سنة 345هـ ، ثم خلفه ولده الإمام عبيد الله(تـ383هـ) فتعهد تلك البذرة بالرعاية وسقاها بماءين.
الأول: ماء المنهج المهاجري (والده أحمد بن عيسى).
الثاني : ماء الطريقة المكية (أبوطالب المكي) صاحب قوت القلوب، ومن بعده أخذ لواء التصوف ولده الإمام علوي بن عبيدالله بن أحمد المهاجر الذي جعل تلك البذرة شجرة وارفة يستظل الناس تحتها ويسيرون على نهجها, ولهذه المدرسة امتداد وتأثير واسع حتى اليوم لا سيما في دول شرق آسيا والهند ووسط أفريقيا وجنوبها.
معالم المدرسة الصوفية في اليمن:
– مدرسة روحية تهتم بإصلاح الفرد كنواة لإصلاح المجتمع, وذلك من خلال تزكية النفس التي هي العدو الأول للإنسان و مصدر الرعونات, وذلك من خلال وسائل خاصة تختلف وتتنوع من طريقة إلى أخرى تبعاً لتنوع النفوس البشرية, وذلك للرقي بها نحو النفس المطمئنة والتي تصبح فيها سباقةً للخير جامحةً إليه .
– المدرسة الصوفية -وخلال القرون الماضية- أدت العديد من الأدوار الهامة وذلك على النحو التالي :
– في المجال التربوي، فلا أحد ينكر جهودهم في الأخذ بأيدي الخلق نحو صفاء النفس بتزكيتها وتطهيرها بمناهجهم المتعددة في ذلك, والتي تتلاءم مع كافة النفوس البشرية.
– أما ما يخص المجال التعليمي فقد كانوا حملة العلم الشرعي وفقهاء الأمصار الذين يقصدهم طلبة العلم من شتى البلدان, ولعل مدرسة زبيد العلمية ومدرسة جبلة ومدرسة تريم كنَّ أهم منارات العلم في اليمن، إذ كانت ذات توجهات صوفية, بسبب انتماء علماء تلكم المدراس لهذا المشرب الروحي, حيث كانت كتب التصوف ضمن المنهج الذي يُدرس في تلكم المدراس .
– الدور الدعوي : وهو من الأدوار المعترف بريادتها لأهل التصوف في الداخل والخارج, حيث كان لمدرسة حضرموت الفضل في دخول عدد من الدول والشعوب إلى الإسلام كدول شرق آسيا ووسط أفريقيا، وذلك عبر منهجهم القائم على الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة .
– الدور الاجتماعي : وقد تمثل بما يسعى إليه التصوف من نشر ثقافة الألفة والتسامح بين الناس, والعمل على ردم الأحقاد والضغائن, إلى جانب مهام الإصلاح بين الأسر والقبائل المتنازعة .
– الدور الإنساني : وتمثل في دعواتهم للمحبة والتعايش, بأقوالهم وسلوكهم, حيث لا يزالون يؤدون هذا الدور إلى اليوم.
هل هناك شواهد أو نماذج تأريخية لمراجع من الصوفية أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر في وجه أمراء وسلاطين الجور ؟
– الشواهد والنماذج كثيرة وإليك بعضاً منها :
الإمام الباهوت أحمد بن علوان – قدس الله سره – الذي كان نعم النصير للفقراء والمساكين، حيث كان يُجزل في نصحه للملوك والحكام, عله يوقظهم من غفلتهم, التي سببتها شهوة الحكم والسلطة, وله رسائل خاطب فيها الملك عمر بن رسول وتحدث فيها عن معاناة الشعب.
ومنهم العارف بالله أحمد بن عباد – قدس الله سره – الذي رفض فساد الحكام الأتراك في اليمن بالقول والنصيحة ثم بحمل السلاح وتجنيد الشباب لقتال المفسدين .
وكذلك لا يمكن لنا أن ننسى الشيخ حسان بن سنان وولده أبوالغيث محمد حسان اللَّذَين حملَا راية الحق مقارعين للظلم الذي تسبب فيه ولاة الدولة العثمانية على اليمن ومواقفهما في ذلك مشهورة.
ومنهم الشيخ العلامة عبدالله الحكيمي رائد الطريقة العلاوية في اليمن، فقد حارب المستعمر الإنجليزي بأفعاله وأقواله، وبسبب مواقفه الثورية والمناهضة للمستعمر الإنجليزي تم سجنه.
ومنهم -أيضاً- العلاَّمة علي عبدالقادر الصبري الذي قارع المستعمرين وفضح الوهابيين بخطبه المنبرية وحلقاته الإذاعية.
ومنهم قطب الصوفية في عصره السيد إسماعيل إسحاق -قدس الله سره- فقد كان من كبار المجاهدين الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، وهو أول من شكل خلية قتالية في ماوية لتحرير الجنوب من الاحتلال البريطاني ولنقل الأسلحة من الشمال إلى الثوار في ردفان وشمسان.
وقصائده أغلبها ثورية منها قصيدته ” الحماس الثوري ” نقتطف منها هذه الأبيات :
كلنا اليوم ثورة واشتعالُ وحمـــــاس وكلنا أبطال ُ
نحن أبناء حمير ومعين لم يرننا يوم النزال النزالُ
إن ما ذكرناه نماذج فقط لكبار الصوفية في اليمن الذين أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وقارعوا الظالمين والمفسدين، أما خارج اليمن فسيأتي ذكر بعضهم عند إجابتنا على الأسئلة اللاحقة.
كيف تفسرون حالة الاحتضان الأميري أو السلطوي لبعض الصوفية ومراجعها في الإمارات والسعودية ؟
– ما يقوم به بعض أمراء الخليج من احتضان لبعض الإخوة من الشافعية الصوفية هو استهداف ممنهج لهم ولمنهجهم الوسطي، وخطوة خطيرة لإقحام طوائفهم في سياسات تخدم الأمريكيين في المنطقة، ونحن ما نزال نحسن الظن بإخوتنا الشافعية، حيث يتم استغفالهم واستغلال حاجتهم من قبل العدو الإماراتي الذي بدا في الفترة السابقة كداعم رسمي لهم وأظهر حرصه عليهم وحبه لهم ، ولقد حان الوقت ليدفع الجميع ثمن هذه العلاقة مع عملاء اليهود إماراتيين وغيرهم، واحتلال الجنوب أحد هذه الشواهد ويدل على سوء نية الإماراتي في دعمها للصوفية الشافعية، والأيام تكشف الكثير وهناك تهاون وتساهل من بعض إخوتنا الصوفية في الجنوب وغض للطرف عما يقوم به الاحتلال الإماراتي، ونحن ندعوهم إلى القيام بمسؤولياتهم الدينية والتاريخية وأن يفتحوا أعينهم ليروا ما يفعله الاحتلال من مصادرة للأرض وهتك للأعراض وقتل للأبرياء واغتصاب للرجال والنساء وانتهاك سيادة اليمن خدمة للأمريكيين والصهاينة، فإن التاريخ يسجل ويكتب ولن يسامح كل من وقف مع الاحتلال أو تغاضى عن جرائمه بدعوى الفتنة أو الحياد، فليس في دين الله حياد.
ولا شك أن النظام الإماراتي يقوم بدور شبيه بدون النظام القطري حين استخدم الأخير الإخوان المسلمين وجعلهم سلباً لتدمير الأمة الإسلامية، فجعل من يوسف القرضاوي داعية حرب يناهض محور المقاومة ويدعو إلى الاقتتال في بلاد المسلمين فيما بينهم خدمة لأمريكا وإسرائيل فدمرت فتاواه ليبيا وسوريا وغيرها بينما ظلت إسرائيل في منأى عن جميع ذلك، وأرجو أن لا يتكرر المشهد مجدداً من خلال بعض العلماء الصوفية والشافعية الذين يحرص النظام الإماراتي على إقحامهم في مشروعه الأمريكي أو تحييدهم في أقل أحواله.
هناك بعض الطُرق الصوفية المثيرة للريب بإغراقها في بعض الطقوس الأقرب للبدعة والشعوذة وإسقاط التكاليف.. فما نصيحتكم لبعض الصوفية الذين لهم طرق غريبة ومريبة في التصوف ؟
– أنصحهم بالرجوع إلى التصوف الحق الذي هو ملازمة الكتاب والسنة الصحيحة، وترك الأهواء والبدع، وتعظيم الشريعة والتمسك بها وبآدابها، إذ لا تصح الطريقة إذا كانت مخالفة للشريعة.
وكل من ادعى التصوف وسلوكه مخالف للنهج المحمدي القويم فهو كاذب في سلوكه ، مدع في تصوفه.
ولهذا قال شيخ الطائفة الصوفية الإمام الجنيد البغدادي – قدس الله سره- ” مذهبنا – أي تصوفنا – مقيد بأصول الكتاب والسنة ”
وقال” الطُرق كلها مسدودة على الخلق إلا على من اقتفى أثر الرسول -عليه وآله الصلاة والسلام -واتبع سنته ولزم طريقته …”
وقال أحد أئمة الصوفية العارف البسطامي ” لو نظرتم إلى رجل أعطي من الكرامات حتى يرتقي في الهواء فلا تغتروا به حتى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنهي وحفظ الحدود وأداء الشريعة ” .
إن السادة الصوفية قد نبهوا إلى خطر هؤلاء المدعين الذين أسقطوا عن أنفسهم التكاليف وأباحوا المخالفات وأظهروا البدع والمحرمات مدعين أن صلاح القلب وتصفية الباطن هو المطلوب، أما الفرائض وأعمال الظاهر فليست مطلوبة، فهؤلاء ليس لهم من التصوف إلا اسمه ولا من السلوك إلا رسمه وهم بعيدون عن التصوف كل البعد بل قد لعب بهم الشيطان فكانت نهايتهم الخسران.
ما صحة الأقاويل والدعاوى التي يتبناها التيار السلفي والوهابي حول التصوف والصوفية كإطلاقه وصف القبورية على شريحة واسعة من الشافعية والزيدية، وكذلك دعواهم بوجود اختلاط بين الرجال والنساء عند إحياء الموالد النبوية، وادعاؤهم بأن هناك من يستغيث بغير الله وينادي غير الله لكشف ضره؟
– إن هذه دعاوى كاذبة أراد التيار الوهابي تكفير مخالفيه من خلالها، فالوهابيون ينظرون إلى كل من يزور قبور الصالحين وقباب الأولياء العارفين على أنه يعبدها من دون الله تعالى ويصدرون حكمهم عليه بالشرك ومن ثم يجوزون قتله، وهذا ما قام عليه منهجهم منذ بداية التأسيس على يد إمامهم محمد بن عبدالوهاب الذي كانت له السلطة التشريعية بينما محمد بن سعود له السلطة التنفيذية بحسب الاتفاق المشؤوم الذي حدث بينهما عام 1159هجرية في الدرعية (وهي منطقة في الرياض حالياً) ومن بعد ذلك الاتفاق قتلوا المسلمين وسبوا نساءهم وقتلوا رجالهم وذبحوا أطفالهم بحجة أنهم قبوريون وما حربهم اليوم على اليمن وقتلهم الشعب إلا لأنهم يكفرون هذا الشعب المؤمن ولأسباب أخرى معروفة …
وهكذا تجد الوهابيين يكذبون ويلصقون التهم والأكاذيب بمخالفيهم كي يتسنى لهم رميهم بالتكفير، فلا يوجد اختلاط بين الرجال بالنساء عند إحياء الموالد النبوية البتة، ولا يوجد أحد يستغيث بغير الله معتقداً أنه ينفع ويضر من دون الله.
هؤلاء الوهابية فتنهم ثلاث :
– تكفيرهم عباد الله.
– تصويرهم ذات الله.
– تحقيرهم شأن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم.
وها هم اليوم قد استغاثوا بترامب وطافوا حوله وأدخلوا المراقص إلى بلادهم ليختلط الرجال بالنساء، وصدق إمام الصوفية في عصره إسماعيل إسحاق عندما قال فيهم :
يا سبتُ حدث عن يهود الجمعةِ الناشرين فسادهم في الأمةِ
…إلى آخرها.
ما هي العوامل – من وجهة نظركم – التي ساعدت الوهابية للتوسع على حساب الشافعية والزيدية.. وما هي العوامل التي يمكن أن تسهم في الحد من هذا التوسع ؟
– منذ عقود من الزمن والأنظمة السابقة التي حكمت بلادنا تحت الوصاية السعودية وأداة من أدواتها، وهذا ما جعل الأنظمة السابقة تفتح جميع أبوابها لهذا الفكر المستورد الخبيث وسهلت له كل وسائل التوسع والانتشار، فبنى الوهابيون في اليمن المعاهد الدينية والمساجد والمكتبات التي ملأوها بكتب الإرهاب والتكفير إضافة إلى الجمعيات واستقطاب الشباب وتسفيرهم إلى السعودية ليدرسوا العلوم الوهابية هناك ثم يعودون شيوخاً وخطباء يدرسون في المعاهد ويخطبون في المساجد، ولم يكتفوا بهذا بل وضعوا السم الزعاف في المناهج الدراسية والجامعية.
وبدأ المذهب الشافعي يتقلص شيئاً فشيئاً حتى أصبح محصوراً عند كبار السن من العلماء فقط أما المذهب الزيدي فقد حُورب أشد المحاربة وكاد أن يقضى عليه لولا تحرك بعض مراجع الزيدية مثل الإمامين مجد الدين المؤيدي وبدر الدين الحوثي فقد بذلا الجهود الكبيرة في حفظ التراث الزيدي والحفاظ على البقية الباقية من الشباب الذين لم ينخرطوا مع التيار الوهابي ومعلوم أن الدولة آنذاك سمحت للوهابية أن ينشؤوا مراكز لنشر الفكر الوهابي، في عقر ديار الزيدية مثل مركز دماج في صعدة ومركز محمد الإمام في معبر ولولا أن الله تعالى أنقذ الصوفية والشافعية والزيدية بظهور أنصار الله لكان التيار الوهابي القاعدي الداعشي قد أنهى الصوفية والشافعية والزيدية ليس مذاهبهم وفكرهم فحسب بل وحتى المنتمين إليهم.
والحمدلله بعد قيام ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر سقط النظام العميل وسقطت قلاعه وأصنامه وأزلامه وبدأ التيار الوهابي في الإنهيار إلا أن آثاره وأفكاره مازالت معشعشة في عقول الكثير من الناس.
ويمكن أن نجمل بعض العوامل التي ساعدت الوهابية على التوسع في الآتي :
-إنشاء جهاز تعليمي ضمن أجهزة الدولة التعليمة في المحافظات الشمالية أُطلق عليها المعاهد العلمية, والتي اعتمدت في مناهجها على الفكر الوهابي الممزوج بالفكر الإخواني.
– التوسع في افتتاح تلكم المعاهد خاصة في المناطق ذات الكثافة الصوفية, وتقديم الخدمات لهذا الجهاز التعليمي من الأكل والشرب المجاني كي تجتذب شباب تلكم المناطق , ثم تسهيل الحصول على الوظيفة العامة, والتي مكنتهم من السيطرة على الجهاز التعليمي العام في المحافظات الشمالية ككل, ومن ثم نشر أفكارهم الوهابية المعادية للتصوف .
-الدعم المالي والإعلامي اللا محدود للفكر الوهابي من مملكة الشر الوهابية وأخواتها, والذي تم توظيفه في إنشاء الجمعيات الخيرية التي استغلت حاجة الناس وفقرهم لتجنيدهم خدماً للفكر الوهابي والإخواني , وكذلك بناء مساجد الضرار في كافة أرجاء تلكم المدن لتنطلق منها حملات التبديع والتكفير وصولاً إلى دعوات التفجير والتدمير .
-رعاية النظام السياسي الحاكم في المحافظات الشمالية لهذا الفكر المتطرف نتيجة الشراكة التي جمعت هذا النظام بهذا الفكر التكفيري وجماعاته المتعددة, وذلك بهدف مواجهة المد الاشتراكي القادم من المحافظات الجنوبية, ليتربى هذا الفكر في كنف الدولة وتحت رعايتها متحصلاً على جميع امتيازاتها .
-الاستحواذ على منابر المساجد من قبل المنتمين للفكر الوهابي, وإزاحة كل من لا ينتمي لفكرهم المتطرف .
-إنشاء الجامعات ذات الطابع الوهابي تحت عدة مسميات, سواء ذات التسميات الدينية كجامعة الإيمان وجامعة القران الكريم, أو الجامعات الخاصة التي يتم استغلالها بشكل كبير في تجنيد الشباب لخدمة هذا الفكر .
-استغلال مدارس تحفيظ القرآن الكريم في استقطاب الشباب للفكر الوهابي المتطرف, وتحويلها من مدارس تعليم كتاب الله إلى شبكات يُصطاد بها النشء .
– تأميم أوقاف الصوفية من خلال تشريعات قانونية سلبتهم حقهم الذي كان يُستخدم في إنشاء الأربطة والزوايا الصوفية والعلمية, ورعاية الفعاليات الصوفية .
– الحروب الشعواء على الصوفية والزيدية وأهلها ابتداءً بالمناهج المدرسية والجامعية التي تم هندستها من قبل لوبي الفكر الوهابي المسيطر على الدولة, ثم بالكتب الصفراء التي أُغرقت البلاد بها, إضافة إلى المنابر وأجهزة الإعلام التي كانت لهيباً مستعراً على الصوفية الشافعية والزيدية وأهلها .
-استهداف الشخصيات الصوفية والزيدية الناشطة في المجال البحثي والدعوي والعلمي بكافة الوسائل القذرة التي تهدف إلى تشويه صورتهم في المجتمع, بل وصل الأمر إلى الاعتداء على بعضهم واغتيال البعض منهم.
أما العوامل التي يمكن أن تحد من ذلك الانتشار فهي:
– تعديل المناهج التعليمية المحشوة بالأفكار الوهابية.
– إعادة الأوقاف الصوفية المؤممة من قبل الدولة.
– استيعاب خريجي الأربطة والجامعات الصوفية في أجهزة الدولة خاصة التربية – الأوقاف – العدل”.
ما هو موقف المدرسة (الشافعية الصوفية) من الإمبريالية الأمريكية والأنظمة العربية المحسوبة على الإسلام والتي تماهت مع المشاريع والمخططات الأمريكية ورحبت بقواعدها العسكرية في الوطن العربي؟
– إن موقفها هو امتداد لمواقفهما السابقة الرافضة للظلم والاستبداد, وسجلهما المشرق في قيادة الأمة في معركة الدفاع عن الوطن ومقارعة المستعمرين ماثل للعيان لكل ذي بصر وبصيرة , حيث كان رجال التصوف هم حملة راية الجهاد في شتى البلدان, كقائد الثورة العرابية أحمد عرابي في مصر والشيخ أبو العزايم , وعمر المختار السنوسي في ليبيا, والأمير عبدالقادر الجزائري في الجزائر, وعزالدين القسام في فلسطين, ومحمد المهدي في السودان, ومحمد عبدالله حسن قائد ثورة الدراويش في الصومال, ومحمد بدر الدين الحسني مفجر ثورة 1925م في سوريا, وماء العينين في موريتانيا, والسيد الشيخ عبد القادر الكسنزان في العراق.. وغيرهم الكثير .
فالإمبريالية الأمريكية هي امتداد للمشروع الاستعماري الرامي لهدم الأوطان وتدمير البلدان واستعباد الشعوب, وهي أخطر صور الاستعمار, ولهذا فموقف الصوفية منهم هو نفس الموقف الذي كان مع من سبقهم من المستعمرين الذين أذاقهم الصوفية الويلات خلال معارك تحرير البلدان من المستعمر بشتى مسمياته .
ما تقييمكم للتيارات أو الحركات – المسماة جهادية – في أفغانستان والصومال وسوريا وليبيا واليمن و…إلخ.. هل تشكل خطراً وتهديداً حقيقياً لأمريكا وإسرائيل ؟ وهل يتوافق تحركها مع أصول الإسلام وروح الشريعة وينسجم مع الأخلاق المحمدية ؟
– فيما يخص الحركات الجهادية فهي جماعات أنشأتها المخابرات الغربية من أجل شق صف الأمة وتدميرها من الداخل والهدف من ذلك إلهاء المسلمين عن الجهاد الحقيقي وهو جهاد المغتصب لأرضنا في فلسطين من خلال إشعال الحروب الداخلية وإثارة النزاعات الطائفية التي جعلت المسلم يقتل أخاه ويدمر وطنه, ويترك المغتصب الصهيوني يعيش في راحة وأمن, إلى جانب الهدف الأكبر وهو تشويه صورة الإسلام من خلال تلكم التصرفات المشينة التي ترتكبها تلكم الجماعات البعيدة كل البعد عن تعاليم ديننا الإسلامي , وذلك من أجل إلصاق تهمة الإرهاب بالمسلمين ومن ثم يكون ذلك ذريعة لهم لغزوهم واحتلال أراضيهم.
ما توضيحكم لمن يعتبركم أحد المتنقلين أو المتحولين من الشافعية إلى الاثني عشرية ؟ وأين تلتقون أو تتباينون مع الاثني عشرية؟
– من يستقرئ التاريخ سيجد أن كثيراً من الأئمة والعلماء والباحثين اتهموا بالتشيع ونبزوا بالرفض بسبب حبهم لآل بيت رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وبسبب إنصافهم وعدم تعصبهم لمن يخالفونهم في المذهب والفكر ، وأنت تعلم كيف تم التنكيل بمحبي آل البيت وما لاقوا من قتل وسجن وتعذيب وتشريد.
لم يكن أحد يتجرأ على أن يذكر علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- وهناك من العلماء من تعرض للقتل بسبب حبه لعلي وبغضه لخصومه، وما حدث للإمام النسائي لا يجهله أي باحث ..
هذا الإمام الشافعي اتهموه بالرفض، ومعلوم أن الرفض تهمة كبيرة أكبر من التشيع بل وتسقط عدالة الراوي عندهم إذا كان الراوي رافضياً ولهذا كان الإمام الشافعي يقول عندما اتهموه بالرفض:
إن كان رفضاً حب آل محمد
فليشهد الثقلان أني رافضي
وهكذا غيره من العلماء اتهموا بالتشيع مثل اليعقوبي والطبري وغيرهما، وكذلك هناك الكثير من الباحثين المعاصرين اتهموا بالتشيع وقالوا عنهم إنهم “اثني عشرية” بسبب آرائهم وحبهم لآل البيت.
وللأسف نجد الكثير من طلاب العلم أفقهم ضيق ولا يرون أحداً على صواب إلا من كان على مذهبهم ومنهجهم ، وإذا ما وجدوا أحداً يحب آل البيت ويثني عليهم قالوا هذا “اثني عشري” وكأن حب آل البيت موقوفاً على الاثني عشرية، مع أن حب آل البيت فرض على المسلمين وذلك في قوله تعالى: ﴿قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ﴾.
هذا مع أن المذهب الاثني عشري يُعد من المذاهب الإسلامية المعترف بها وهم يتفقون مع الصوفية في الجانب العرفاني والروحاني وفي قضايا كثيرة مثل التوسل بالأولياء والأئمة وغيرها وفي إقامة الحوليات والمناسبات الدينية ويتباينون معهم ومع غيرهم من المذاهب في كثير من المسائل الفرعية.