«الصماد».. في الوجدان اليمني

 

عبدالله حزام

في زمن عاصف واستثنائي وجد الرئيس الشهيد صالح الصماد نفسه في قلب الأحداث الكبار..
وقليلون من أولئك المصلحين من يصمد في وجه العاصفة.. غير أن الزمن مع الشهيد الكبير الصماد كان على موعد مع المشروع والرجل الاستثناء ..
هو الصماد ابن أديم هذه الأرض التي أنبتت العنب والرمان القادم من (بني معاذ) تلك الأرض الطيبة التي يفيض أهلها تلقائية وود ..
تعرف ذلك من الحوار معه وسواء اتفقت معه أو اختلفت ستجد دوما ما يسبق كل رأي يراه أو فكرة يطرحها كلمة( يا أخي)..وبين كل ذلك استدلالاته الصائبة بالقران ليس كرجل دين بل كمحاور مقتدر.
ما أقوله ليس دراما وحبكة وتشويق. . أو تسويق يدفع الناس للانبهار بأعماله بل حقيقة عبَّرت عنها مواقفه وتصرفاته التي نالت إعجاب الناس وتكثفت في الوجدان اليمني.
ليست مبالغة حين نقول أنه كان ينتظر الشهادة في كل لحظة لأنه يعلم أنه في زمن الصعاليك الهابط والأعداء الذين يفتقدون لأخلاق الحرب .
في اجتماعاته اليومية التي لا تمر إلا وتأتي البلاغات :أخلوا المكان الطيران يترصد .
مع كل ذلك كان يكترث لمن معه أكثر من إكتراثه لنفسه..
الرئيس الشهيد شخصية تميزت بالقدرة على الاستقراء، مشبعة بالقيم، ملهمة، اجتماعية وفصيحة للغاية.
بشكل مستمر يطلق أفكاره الجاذبة للانتباه لما يعتقد بأنه مهم، ودوما ما يكون على علاقة بالأخلاق يتفحص الأحداث الجارية. . منفتح، حدسي.
أمثال الصماد.. قليلون جدا فهو ابن بلد.. ذكي ..سياسي ..قريب من الناس يصطبغ حضوره بالتميز حين يناقش ويقرر.. هادئ يمتلك صفات القائد ..
يسيطر علي سؤال هو ..كيف كان يفكر ويقرر وسط أجواء ملتهبة محاطة بأسلاك شائكة وفي أخطر مرحلة ..فأنت تدير معركة هي أم وأبو المعارك.. تواجه من خلالها ترسانة سلاح أمريكا وأوروبا بل وكل أوغاد العالم و تجار الفجور والقتل وعبدة الدولار..
لكن تبدو الإجابة على السؤال لمن يتفحص واضحة، فقد اشتغل على مسارين.. وهذا ليس شيئا عاديا.. الطبيعي أن تأخذ الحرب كل تفكير القائد تخطيطا وإدارة وحتى الإشراف على التنفيذ.. ووسط هذا المتاه فرك ذاكرته وأنتج خطة هي من بنات أفكاره.. تحت شعار»يد تحمي ويد تبني» والتي تخلق منها مشروع الرؤية الوطنية لبناء الدولة.
شخصيا عرفت الشهيد عن قرب وعن مواقف.. أتذكر في أول لقاء به كان في مكتبه بالقصر الجمهوري وكنت رفقة الدكتور قاسم لبوزه نائبه وقتها كان في المكتب الشيخ يحى الراعي والدكتور ياسر الحوري ومدير مكتبه النبيل احمد الرازحي والصديق الصحفي محمد الكهالي ..وقتها كان النقاش حول الرد على مبادرة وزير الخارجية الامريكي كيري ..
سمعت حديث الرجل وإدارته للحوار واحترامه للأخرين وما يطرحونه، فأيقنت أنني أمام رجل دولة .
تعززت قناعاتي بعلو قامة الرجل من خلال لقاء رمضاني ازدحمت به قاعة دار الضيافة داخل القصر الجمهوري بعلماء اليمن.. كنا ننتظر أن يطغى حديث العلماء وإذا بالرئيس الشهيد يمسك الميكرفون ويلقي محاضرة بعد أن ترك المكتوب جانبا.. ليقول كلاما كان بردا وسلاما على قلوب الجميع مشفوعا بنصوص القران وأحاديث الرسول الأعظم.
دخل الجميع في نوبة إعجاب يجذبهم مغناطيس كلامه وحلو منطقه.. فإذا به هو العالم والبقية مستمعين بإنصات.
لهذا كله لم يكن الصماد حالة عابرة رغم قصر مدة رئاسته للدولة بدليل تجذر ذكراه ومناقبه وصفاته الجميلة في وجدان اليمنيين ..لقد ترك فراغا في وعيهم وترك جرحا غائرا في قلوب الجميع باستشهاده..
أتذكر دموعا كثيرة ذرفت بصدق دفعتها قلوب مكلومة عند سماعها خبر استشهاده.
أتذكر موقف الدكتور قاسم لبوزة نائبه وقتها الذي عبرت دموعه المنهمرة عن حزنه العميق على فراق أخ وصديق ومشروع كبير كان مستقبل اليمن على موعد خير معه.
لقد كان الشهيد الصماد نقطة قوة في حياة اليمنيين الذين استبد بهم ظلم فراعنة الزمان وطواغيته لأنه كان يهتم كثيراً بأفكار الناس ومعاناتهم محفزاً، ملهماً، بإمكانه إخراج أفضل ما في الناس.
في النقاشات يحب أن ينتهي النقاش برضى الطرفين، يحب تلبية رغبات الآخرين النافعة بصدق، وهذه كلها ليست إلا صفات القائد والبطل القريب من الناس .. غير أن غيابه فجأة ترك الناس في حسرة وكمد وهذا ما حصل في رزية الغياب الكبير للرئيس الشهيد الصماد.
الرحمة والخلود لروحه النقية..مع الأخيار الصالحين..

قد يعجبك ايضا