ترتيبات معالجة الاختلالات الضريبية

 

احمد ماجد الجمال *
من أهداف معالجة الاختلالات في السياسة والإدارة الضريبية زيادة إيرادات الضرائب ليس بسبب ارتفاع معدلاتها، بل نتيجة لازدياد النشاط الاقتصادي وارتفاع الدخول الحقيقية لوجود علاقة ذات دالة إحصائية بينهما, مع مراعاة تحقيق العدالة وفرض الضريبة على القادرين على دفعها، وتخفيف آثارها وعبئها على الفئات غير القادرة.
تشير الدلائل إلى أن المشكلة تكمن في الهيكل الضريبي وفي نقاط الضعف وبروز قصور منها على سبيل المثال:
– غير مرن فلا يستجيب لمتطلبات المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية بشكل سلس.
– تدني فعاليته الأمر الذي يؤدي إلى نتائج سلبية على الاقتصاد وحصيلتها ليست في المستوى الحقيقي وكثير ما تستخدم لتحقيق أهداف متعددة وربما تكون متعارضة مثل تعزيز الإيرادات العامة وفي نفس الوقت تظهر نتائج عكسية ضعف وتراجع الاستثمارات.
السبيل لتطوير وتوسيع قاعدة المجتمع الضريبي يحتاج إلى العديد من مشروعات المكينة التكنولوجيا بالجودة والكفاءة والفاعلية والسرعة المطلوبة لتحقيق أعلى مستوى من الأداء وتحصيل كامل الضرائب المستحقة وتوريدها ومراجعة القوانين القائمة لتلافي أخطاء التطبيق ,ورفع مستوى لائحة الإجراءات الضريبية الموحدة ومعالجة المنازعات الضريبية والاستعداد والتهيؤ لوضع رؤية مستقبلية لإخضاع الشركات الرقمية والسوشيال ميديا للضريبة لمواكبة التطورات في هذا القطاع الذي من المتوقع أن ينتهي لمقترح توافقي عالمي حوله قبل نهاية 2020م.
ومن هذ المنطلق حان الوقت لوضع خطة عمل مستقبلية لإعادة هيكلة الضرائب لإحداث قفزة نوعية في الأداء تراعي أولاً: الحاجة إلى رفع مستويات الدخل إلى مستوى الخضوع للضريبة وليس تخفيض مستوى الخضوع الضريبي للنزول إلى مستويات الدخل الضعيفة,ثانياً الاعتماد على تحليل نوعي للعلاقات التي يفرضها ما يسمى التحليل السداسي للاستراتيجيات والبيئات الخارجية، والمقصود بالتحليل السداسي هو تحليل العلاقات المرتبطة بالاستقرار العام ، والوضع الاقتصادي، والاجتماعي، والتشريعي، والتقني، والبيئات العامة .
فالعلاج العام لا يصلح لتصويب الخلل الموضعي بشكل متكامل والحاجة إلى الإسراع في صياغة علاج متكامل يلزم العديد من أصحاب المهن الكبرى في الاقتصاد، من شركات ومؤسسات ومراكز ورجال أعمال, وتجارة وصناعة وتوكيلات وخدمات ,وأطباء، ومحامين، ومهندسين ومكاتب تجارية ..وغيرهم الالتزام بدفع الضريبة والخضوع لها وهي قضية موضعية قد لا يقتصر علاجها على تعديل يقوم على الالتزام بنظام الفوترة الرسمية في تلك القطاعات, ولا يعني ذلك التعميم فقد يكون هناك التزام بدفع الضريبة في تلك القطاعات، ولكن من الواضح أن ذلك الالتزام مقتصر على نسبة ليست بالكبيرة,ولعل اللجوء إلى تصويب الوضع بعلاج موضعي في القانون دون الدخول في كافة بنود القانون وهيكله سيساعد مؤقتاً لإجراء مثل تلك الجراحة الموضعية على القانون التي أساسها المنفعة العامة .
والأمر الملح لتصويب القرارات الهامة والأنظمة البيروقراطية لقياس أدائها واغتنام الفرص الضائعة في ظروف اقتصادية متغيرة يشوبها الكثير من الخطوط غير الواضحة .
أن رفع كفاءة عمل الجهاز الضريبي والتحصيل الضريبي لغرض زيادة الجهد الضريبي، إذ أن انخفاض الإيرادات الضريبية لا يعزى إلى ضعف الطاقة الضريبية في الاقتصاد فقط وأيضاً إلى تراجع كفاءة الإدارة الضريبية وارتخائها وقِدم أساليب التعامل والتحصيل واتساع نطاق التهرّب والتسرب الضريبي.
أن الرجوع إلى دراسة شاملة تشمل هيكلة الضريبة ، سواء أكانت ضريبة دخل أم ضرائب غير مباشرة، مثل المبيعات والضرائب والرسوم الأخرى, فهناك حاجة ماسة إلى دراسة هيكلية متكاملة للضرائب تسمح بالتصاعدية والتدّرج حتى في الرسوم والضرائب غير المباشرة وعلى رأسها ضريبة المبيعات.
مسألة المعالجات باتت من المسائل الملحة التي يتوجب إيجاد الحلول المنطقية والعملية لها,وتجمع كافة الآراء ليس فقط على ضرورة تحديث الضرائب التي مضى على صدور بعضها عقود ، بشرائحها ومعدلاتها التي كانت تلائم الظروف.
أمام السياسة الضريبية متسعٌا من الوقت لزيادة الإيرادات ليقود ذلك إلى التأثير في حوافز الإنتاج وعلى أساس مقدرة شرائح المجتمع الضريبي الفعلية والحقيقية ، التي تساعد بزيادة كفاءة الجهاز الضريبي.
عند تصميم السياسة الضريبية من المهم التأكد من ملائمة النظام الضريبي للمتغيرات والواقع الفعلي، إذ لا توجد وصفة مثالية يمكن التوصية بها واستخدامها في جميع الأحوال وفي كل المراحل والتغيرات؛ لأن درجة اتساع المعالجات وأهدافها وآثارها يختلف باختلاف الزمان والمكان.
لا تزال الضرائب واحدة من الموارد الرئيسية التي تعتمد عليها الدولة في تغطية نفقاتها العامة ولكن يحتم اللجوء إلى تحسين مستويات التحصيل ومكافحة التهرب الضريبي لأداء دورها المنشود .
ومكافحة التهرّب الضريبي وهي في الأصل ظاهرة منتشرة في معظم اقتصاديات العالم إذا لم تكن في جميعها، وأن تفاوت هذه الظاهرة من اقتصاد إلى آخر يكون بحكم تفاوت المواقف ودرجة تطور المجتمع والوعي الاقتصادي وبحكم قوة الأجهزة الحكومية في مكافحة هذه الظاهرة ,لأن آثارها أكثر سلبية على الاقتصاد وخصوصا إذا كانت من الدول النامية و تمثل محورا ماليا ضائعا ذا وزن نسبي مهم، فضلا عن أنّ حجم وانتشار هذه الظاهرة أقوى وأوسع فيها.
الإدارة الضريبية الكفؤة هي التي تتحمل مسؤولية تنفيذ التشريع الضريبي من حيث فرض الضرائب وجبايتها وهي التي يتوقف عليها نجاح السياسة الضريبية بمحاورها المالية والاقتصادية والاجتماعية,والشرط الأساس المسبق لكل ذلك بأن يكون هناك دفع ايجابي لها مرتبط بتبسيط أنظمة الضرائب لضمان إمكانية تطبيقها بفاعلية وعلى النحو الذي يقلل من حالات التهرب والتسرب الضريبي ,لان الإدارة الضريبية في الدول النامية والمتقدمة على حد سواء تواجه تحدياً يتمثل بتحديثها في ظل اقتصاد عالمي اتسم بتزايد تداخله وتزايد تعقد قطاعاته وتعقد وسائط الاتصال العالمي المتداخل التي تصل العالم ببعض صنعتا واقعا لم تشهد مثله البشرية من قبل وفي نفس الوقت انفجار متغيراته بين لحظة وأخرى كحال وباء فيروس كارونا الذي من المتوقع أن يغير كثيراً من تلك العلاقات والروابط الدولية إلى اتجاهات لا يمكن التكهن بها حتى الآن, وفي ضوء ذلك فان المعالجات تختلف من دولة إلى أخرى تبعاً لحجم المعوقات القائمة وحجم الظروف المحيطة باقتصاديات الدولة ونجاحها المفترض يقضي بأن يكون هناك التزام قوي للقيام بتحسين إدارة الضريبة وخلاف ذلك تكون كل الجهود وحتى ولو كانت ذات إعداد جيد عرضة للفشل.
القاعدة العادلة التي تحقق الأهداف تتركز في تحسين الإدارة الضريبية لطبيعة مهامها ، وهذا يدعو إلى إعادة النظر كليا بتنظيمها وأساليب عملها وتقنياتها باتجاه التحديث، لإخضاع جميع الشرائح المشمولة بدفع الضرائب، ولأن انخفاض الأجور والمرتبات والحوافز والمزايا التي يتقاضها الموظفون قد لا تدفع بهم بشكل كاف لإنجاز العمل المنوط بهم على أكمل وجه وبالشكل النظامي الأمر الذي يؤدي إلى خروج المنظومة الضريبية عن أداء واجبها بشكل سليم ويأتي استخدام نظام حوافز للعاملين في الدائرة الضريبية لبذل أقصى الجهود لتحقيق الحصيلة المستهدفة كخطوة عملية يرافقها مبدأ الثواب والعقاب ،لأن مثل هذه الإجراءات الفاعلة تسهم في القضاء على تسرب متحصلات الضريبة خارج قنواتها الرسمية أو تخفيفه، واجتذاب أفضل الخبرات البشرية وأكثرها فاعلية, ومعالجة ضعف التحصيل عبر تعديل جذري يحارب التهرب ويُخضع أصحاب المهن غير الملتزمة بسداد الضريبة من خلال رفع كفاءة الموظفين بإدارات التحصيل الضريبي وتحسين قدراتهم وإمدادهم بالمعلومات الكافية والتدريب المطلوب لمزاولة أعمالهم، ومعالجة بيئة العمل من حيث التجهيزات والمستلزمات المكتبية الإدارية ولوائح تنظيمية جيدة وواضحة والتوجيه والإرشاد من كوادر ضريبية ذاي مستوى عال ، كي تساعد في زيادة كفاءة المستويات الإدارية الأدنى والوسط لزيادة الانجاز،وإعطاء الوقت الكافي لمثل هذه العمليات بعد تطبيقها ومراقبة النتائج للقيام بعملية تقييم شاملة للنظام الضريبي، وشفافيتها بطريقة تحدد الايجابيات والسلبيات وهو ما يطلق عليه (التغذية الراجعة) يتضمن تقديم الاقتراحات والحلول والمبادرات المستقبلية الهادفة للتطوير والتحسين بمشاركة العاملين في المجال الضريبي والمكلفين بكل فئاتهم لتسهم في جذب الاستثمار والاحتفاظ برؤوس الأموال.
* باحث في وزارة المالية

قد يعجبك ايضا