الالتزام بإجراءات الحكومة الوقائية واجب شرعي
العلامة/سهل إبراهيم بن عقيل
“وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ”
هذه الآية في سورة الصافات، وهنا علينا أن لا ندخل في جدل فلسفي لأننا إذا دخلنا في هذا الأمر تُهنا في مسارات عديدة نحن الآن في غنى عنها، وخاصة في هذه الظروف الحالكة وهذا المرض المعدي المسمى “كورونا” الذي شمل الكرة الأرضية دون استثناء، فإذا كان كذلك فعلينا أن نرجع إلى قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديثه الصحيح “كُلٌّ ميسَّرٌ لما خُلِقَ له”، وقول الله سبحانه وتعالى في جدل إبليس معه ” لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ» وقوله تعالى « هَلِ امْتَلَأْتِ» فأجابته «هَلْ مِن مَّزِيدٍ».
وقد بيَّن الله سبحانه وتعالى بين سابق المشيئة والحياة الدنيا للإنسان في الاختيار قبل وقوع القضاء والقدر بقوله «أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ».
والنجدان هنا هما الفريقان المعروفان بطريق الخير وطريق الشر، فللإنسان عقل يميز به حتى في الأشياء المادية علاوة على الأشياء المعنوية بين الخير والشر.. وجعل الاختبار للإنسان في عمله ومن رحمته أن جعل السيئة واحدة في العمل والجزاء وجعل الحسنة بعشر أمثالها في العمل والجزاء وللإنسان أن يختار فلا حجة بعد ذلك وقوله تعالى «وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً « أي حتى نبعث رجلاً يهدي الناس إلى طريق الخير ويحذرهم من طريق الشر، فإذا كان كذلك فلا حجة للناس على ربهم رغم أنه القاهر فوق عباده يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء.
ومسألة المرض المتفشي هي استنبات لجرثومة موجودة منذ القدم وكان استنباتها حديثاً على يد من اختار طريق الشر لكي يشبع أنانيته في امتلاك مقدرات الإنسان على هذه الكرة والغلبة عليه وقد حدث ذلك قديما عبر التاريخ وعلينا أن نتصفح بنك المعلومات في أحداث الحرب الجرثومية من قبل الميلاد وبعد الميلاد.
وقد اتضح الآن أن فاعلها ظهر على الشاشة العالمية كظهور الشمس في الصباح، وهذا لا يقبل الشك إذ شعر أنه فقد مكانته بالنسبة للسيادة على الكرة الأرضية كما كان سابقاً منذ إبادة شعوب بأكملها في أمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية وغيرها عبر تاريخ الإنسانية.
وما ظهر في أواخر القرن الـ 19 والقرن الـ20 يدل على هذا الكلام الذي لا لبس فيه «وعاقبة المحنش للحنش» كما في المثل اليمني.. «وقد شب «عمرو» عن الطوق» فلم يعد القبول لما كان سابقاً في عمله وأصبح منبوذا من قبل جميع الشعوب المستضعفة وغير المستضعفة لأن اليوم هو غير الأمس كما يُقال، وهنا علينا أن نكف عن الجدل في هذا الشأن فقد قال سيدنا الإمام الشافعي محمد بن ادريس في حكمه: «والفصل بين علمين «وهما علم الأديان وعلم الأبدان، فعلم الأديان أن نعبد الله كما أمر وكما يُحب لا كما نظن وكما نحب، وعلم الأبدان هو ما يتعلق بالأشياء المادية بالنسبة للأجسام والأفعال والأعراض التي تعتري الأجسام والماديات، وفي الشرع قاعدة لازمة وهي أولاً دفع الضرر فإذا كان قبل جلب المصلحة فدفع الضرر واجب وله اختصاصيون في علم الأبدان وهو العلم المتعلق بالماديات كالأعراض والمعاملات.
ولا يخفى هذا على عاقل متبصر ينظر بعين التجريد للأشياء كما هي وكما يجب أن تكون صحيحة في الفعل والقصد، فإذا قال الأطباء والمختصون في دفع الضرر، يجب لزاماً وشرعاً الالتزام بقولهم وعدم الاعتراض عليه لأنه في جلب المصلحة والمصلحة مقدمة لحفظ الإنسان في حياته أولاً ومادياته ثانياً وهي من الكليات الخمس، ويجب عدم الاستماع لأولئك الذين يقولون بغير ذلك، لأن الجهل في الاستنباط يقع فيه كثير من الناس، فهم يعرفون الظاهر فقط ولا يغوصون في المعرفة لمعرفة ما في الباطن من أشياء.
وقد قال تعالى: « وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ « أي بأفعالكم أو بأعمالكم، لأن العمل يكون باليد، فهنا تحذير للإنسان من أن يُلقي بنفسه إلى مثل هذا المرض.
ومعرفة أولئك الناقصة هي كالذي يرى قصراً كبيراً مسوراً .. ويقول: هذا قصر، وهو معروف بالبديهة ولكن المعرفة ناقصة في هذا الشأن، إذ لا يعرف القصر حقيقة في ظاهره وباطنه إلا من دخله.. فهو يعرف الأشياء التي في داخل هذا القصر وكقوله تعالى في حق الصيام والإفطار « حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ « ففسره بعض الصحابة بأنه وضع تحت الوسادة خيطين خيط أبيض وخيط أسود، فضحك الرسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم من ذلك ومن معه من الصحابة وقال: «ما أوسع من وسادتك أو فرشك» فالخيط الأبيض هو وضوح النهار والخيط الأسود هو بقاء الليل وعلى أصحاب الجدل أن يتبعوا ما فيه الوقاية قبل الوقوع في الضرر.. وكما في المثل «الوقاية خير من العلاج».
* مفتي محافظة تعز