اليمن والتدخلات الخارجية
محمد ناجي أحمد
في ( مقدمة) ابن خلدون نجده يؤكد أن الأمم ذلها في تفرقها، ومن شقوق الصراع بين مكونات الأمة يتسلل الغزاة. « ولما مات ابرهة ملك مكانه ابنه يكسوم وبه كان يكن ، واستفحل ملكه وأذلّ حمير وقبائل اليمن، ووطئتهم الحبشة فقتلوا رجالهم، ونكحوا نساءهم ،واستخدموا ابناءهم «ابن خلدون – العبر وديوان المبتدأ والخبر من أيام العرب والعجم والبربر، ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر-2/120.
استغل النظام السعودي الصراع بين اليمنيين بعد ثورة 26 سبتمبر 1962م فنفذ بأمواله واسلحته ومرتزقته، ليطيل من أمد الحرب ويعيق حركة التحرر وتأثيراتها على الخليج العربي.
في كتابه (ثورة في جزيرة العرب )والصادر في عام 25 يوليو 2003م يتحدث اللواء ( عبد الله علي الحيمي) عن الدور السعودي والإسرائيلي في حربهم على اليمن وثورته، فيقول : حين التقى عدنان خاشقجي بشمعون بريز مساعد وزير الدفاع الإسرائيلي وقتها عام 1963م في باريس، أكد له أن إسرائيل شاركت فعليا في عملية حرب اليمن، وتولت اسقاط أسلحة وذخائر لجيوب الملكيين المحاصرين في جبال اليمن وكانت تمارس هذا « النشاط من قاعدة جيبوتي الواقعة تحت الاحتلال الفرنسي، وجيبوتي تعد قاعدة فرنسية، وتفيد المعلومات ان الاسم الرمزي للعتاد المسقط من على الطائرات الإسرائيلية كلمة السر (منجو) إلى جانب ذلك فقد أوضح بيريز ان إسرائيل قد قامت على الجبهة الشمالية الشرقية لليمن بإسقاط عدد من الجنود اليهود من أصل يمني يتكلمون اللغة العربية واللهجة اليمنية، وقد التحقوا بفرق المرتزقة وذابوا في داخل المجتمع اليمني مع القبائل المتمردين، وقد اوضح بيريز مساعد وزير الدفاع الإسرائيلي أن عدد اليهود الذين اسقطوا يقدرون بأربعمائة فرد «ص122-ثورة في جزيرة العرب-اللواء عبد الله علي الحيمي .
في خمسينيات القرن العشرين ونتيجة ما حدث في حركة 1948م، ثم انقلاب 1955 اراد الأمريكيون ان تكون لهم اليد النافذة في اليمن، مستغلين الصراع حول ولاية العهد بين (الحسنيين ) و (البدريين) والانهاك الذي كانت تعاني منه المملكة المتوكلية بسبب صراعها مع المعارضة اليمنية التي مثلها آنذاك الاحرار اليمنيون في مصر وعدن. كان (الحسنيون) يعملون من اجل المزيد من الضغط على الإمام (أحمد) بهدف السماح للأمريكان بإنشاء قاعدة عسكرية لحماية العرش، إلا أن الإمام ركض(رفس) حمود الوشلي وقال له ولمن معه من الحسنيين : يا حاشية السوء ان الشعب اليمني يلعنني في حياتي وتريدون ان يلعنني في مماتي، اخرجوا من هنا يا جبناء. ص144- ثورة في جزيرة العرب.
في حرب 1994وماسبقها من صراع طيلة 1990 – 1993 بين طرفي الحكم آنذاك تسللت المؤسسات الصهيونية الى اليمن مرة اخرى جاءوا الى اليمن بحسب ما صرح به وزير الداخلية آنذاك يحيى المتوكل بتاريخ 10 /8 /1993 «واستغلوا الاجواء الديمقراطية في البلاد ، ونظموا هجرات يهود يمنيين على مدى عام كامل ، مباشرة من دول أوروبية ومن الولايات المتحدة، مقابل اغراءات وهمية» ص13-اليمن بعد الوحدة-عايدة العلي سري الدين -بيروت-1996.
وفي اجواء ذلك الصراع كان الموقف القطري والاردني مع وحدة اليمن ، فقد تحفظت قطر على بيان « دول اعلان دمشق» وهو البيان الذي صدر في ختام اجتماع استمر ليومين، واعلن في 6 /7 /1994 ، ذكر فيه وزراء الثمانية ان وحدة اليمن « يجب ان تستند الى تراضي الطرفين وليس لمنطق الحرب وقوة السلاح» وهددت تلك الدول تحت تأثير السعودية بأنها سوف تتخذ خطوات مناسبة بهدف الحفاظ على مصالحها.
واستنكر مجلس الوزراء السعودي الذي عقد في 7 /7 /1994، ولمدة يومين استنكر في جلسته الاستثنائية تلك، ما وصفه ب « اصرار» صنعاء على فرض حل عسكري في اليمن ص340- اليمن بعد الوحدة.
وفي عام 1919م ارادت بريطانيا ان تستقصي موقف ابناء باجل والحديدة من نظام المملكة المتوكلية ، فأرسلت بعثة(جيكوب) فقد كانت البعثة الى أسرتها قبيلة «القُحرى» تتحرك طيلة الاربعة اشهر التي ظلت فيها بالأسر في باجل بكل حرية ،وبناء على استقصائها قررت بريطانيا احتلال الحديدة، ثم تسليمها بعد ذلك الى الادريسي حاكم صبيا، ضمن اوراق ضغطها على الإمام يحيى كي يتوقف عن مطالباته بضم جنوب اليمن الى المملكة المتوكلية.
ولعل ما يعزز من احتمال ان بريطانيا ارادت من البعثة تقصي الواقع الاجتماعي والسياسي في باجل في المنطقة التي تمثلها قبيلة «القُحرى» لمواقف مشايخ باجل والحديدة- هو ما أورده أمين الريحاني في كتابه ملوك العرب ، فقد قابل الإمام يحيى بعد فترة وجيزة من هذه الحادثة، وأورد تساؤلا سمعه من الامام يحيى، او من حاشيته وذلك بقوله «أتغلب قبيلة عربية حكومة بريطانيا، بل على الارجح انها انقلبت علينا؟ وهو ما جعل الامام يحيى يأمر جنده بالزحف على حدود المحميات في الجنوب ويسيطر على اربع مناطق، هي الضالع والشعيب و الاجعود و القطيب، وذلك في نوفمبر1919.ص188 -قبيلة القحرى ودورها السياسي في تهامة اليمن (1840-1962) – فيصل محمد محمد اسماعيل بَغَوي – مركز ذؤال للتراث والدراسات التاريخية – الحديدة – 2020م.
ولعلَّ ما يعزز من قوة هذا التحليل هو انه « كان مشائخ القُحرى أبرز رجال العهد الادريسي – ولذلك تعرضوا أثناء الصراع الداخلي بين الاسرة الادريسية لما تعرض له غيرهم من قيادات الدولة الادريسية للاعتقال و النفي « ص224 – قبيلة القُحرى – فيصل محمد محمد اسماعيل تَغَوي – 2020م.