عبدالوهاب سنين
رواية صدرت من دار ممدوح عدوان للنشر والتوزيع دمشق 2019م، للروائي اليمني بسام شمس الدين، تمثل الرواية حقبة زمنية متقادمة من تاريخ اليمن، ودارت أحداثها في سنة 1962م وما بعدها.
الكاتب بدأ روايته في قرية سحمّر التابعة ليريم ، مروراً بصنعاء إبان اندلاع الثورة وظهور نجم الجمهورية، وانتهاءً بيريم.
امتطى الكاتب يراعه وصاغ روايته في نسق سردي ماتع، وألبسها لغةً جذابة، وتمتع الروائي بالمحافظة على مسار السرد وتساوق الأحداث التي امتلك السيطرة على مسارها المترابط، واستطاع الكاتب أن يعزف في سطور نبوءته بأريحية، ومن خلال قراءتي وجدت الكاتب يمضي سهواً رهواً لم يته في مسار سرده ، وكذلك القارئ، وهو كما أسلفت ظهرت براعة الكاتب في تناغم الأحداث من البداية حتى النهاية.
لكن كيف كانت النظرة التاريخية لدى الكاتب، الذي صّدر روايته بأحداث من التاريخ الغابر، والذي أراه في تلك النبوءة أن الكاتب. قد أخل إخلالاً كبيراً في استدعاء التاريخ، وقام توظيفه توظيفاً ينم على عدم معرفة عميقة بتللك الأحداث، وظل الكاتب يسبح في عُباب التاريخ في ثنايا سطور روايته، ولكن ذلك البحر الهائج لا يخوضه إلا محترف يجيد السباحة والغوص تجنباً للغرق في وحل الكلمات، وأنا على ثقةٍ أن الكاتب رغم تماسك سرده وجمال لغته قد خانته نبوءته، وظل مشدوهاً بجمال عباراته التي تداعت وتساوقت في سطور روايته.
كانت الرواية متلفعة بالطوباوية اللاواقعية، ومن ذلك مشهد تصويري لبطل الرواية مهدي نصاري الذي اكتشف بمفردة تابوت في جبل الأكمة في القرية المجاورة لقريته، وهو يحفر بآلته البدائية، حيثُ رأى بصيص رخام أبيض يلمع بريقه في عينيه، ونفض الغبار العالق في التابوت، وحين فتح ذلك الغطاء الجاثم ،وجد في قعره فتاةً ميتة مرصعة بالحلي في جيدها، والخواتم الباذخة في يديها المتخشبة.
الإقناع في هذا المشهد ركيك لم يلامس القارئ أو بمعنى أصح لم يقنعنِ كقارئ، وتناسى الكاتب وغض الطرف أن تابوتاً مثل هذا، قد تعاقبت عليه السنون وتراكمت عليه طبقات من الأحجار عبر القرون البالية، ربما لا يستحيل وقوع ذلك الأمر، ولكن من العسير هضمة وتصديقه.
الأمر الآخر هو التحاق بطل الرواية مع المصريين في البحث والتنقيب في تلك المرتفعات في قرية سحمَّر، ومع ذلك لم يصلوا إلى الكنز الذي يلهثون وراءه بسهولة، كما تسنى للكاتب أن يجعل مهدي يحصل على التابوت في سهولةٍ ويسر. ربما يكون ذلك جائزاً لأن زمام الأمر بيد الكاتب.
في سيناريو لا يصدق ابتكره الكاتب، وهو وضع نهاية للمنقبين والخبيرين المحليين إن وجدا آنذاك، حيثُ لقوا جميعهم حتفهم بمادة سامة وضعت في الطعام من قبل مسؤول التنقيب قنديل عبدالنور، ولم يبق منهم سوى قنديل ومهدي وبربر، الكاتب لم يكن موفقاً كون الحدث كبيراً ويحتاج إلى حرفية أوسع من الكاتب في ردم فجوة الإقناع.
وفي مشهد تصويري سرده الكاتب، وكأنه في زمن متطور جداً، وهو وجود تلغراف بدائي بحوزة قنديل، وبمجرد مداعبة قنديل لتلك الآلة البدائية سَرعان ما أتت مروحيتان وهبطتا واحدة تلو أخرى، وأخذتا الكنز وغادرتا إلى جنوب الوطن عدن، ولكن لم يكتب لهما النجاح في الوصول بسلام، إذ كان مصرعهما بمن فيهما بعد ارتطامهما في جبل حديد بدعوى الحمولة الزائدة التي أرادها الكاتب، ولم يخبرنا عن مصير الكنز بعد سقوط المروحيتين، وهذا الخيال المنصاع للكاتب لم يكن مقنعاً، بينما القارئ كان متطلعاً إلى خيالٍ مبهر يسيطر على إعجاب قارئ سطور الرواية.
ولا يتبادر للذهن أني ناقضت ما بدأت به قراءتي، وهو أن الكاتب امتلك زمام السرد في نظام متسق، وأحداث متناغمة، ولكن رغم ذلك ظهرت فجوة الإقناع التي ذكرها الأستاذ الناقد أحمد الأغبري في قراءته للرواية التي نشرها في صحيفة القدس العربي.
بدأ الكاتب بترحيل بطل روايته مهدي من قرية سحمَّر إلى صنعاء، وكان انطلاق مهدي بصحبة قنديل عبدالنور اللاهث وراء الآثار اليمنية الجاثمة في بطون مرتفعات قرية سحمَّر، واستقلا سيارة فلوكسفاجن تحمل لوحة خصوصي خضراء، وهذا أمر غريب في وجود اللوحة آنذاك، وشاحنة محملة بالآثار المستلبة من القرية المذكورة، ولكن لم يكتب لهم الوصول إلى صنعاء إذ اعترضهم بعض جنود الملكية في كمين انقضوا على الشاحنة والفلوكسفاجن وأمطروهما بوابل من الرصاص، واخترقت رصاصة عنق قنديل عبدالنور، ولكن الكاتب لم يتخل عن الطوباوية اللاواقعية إذ جعل قنديل قبل ضربه بالنار بلحظات يضغط أزرار التلغراف البدائي، وسَرعان ما حلقت طائرتان حربيتان، وأطلقتا ما تحملان من قذائف وأنهتا من كان متواجداً وجعلتاهم (كالعهن المنفوش)، ولم يبق سوى مهدي نصاري بطل الرواية، الذي استطاع الفرار باتجاه صنعاء، وهناك وقع في قبضة الثوار، وفي السجن رأى ضابطاً عنيفاً يدعى موسى البادي، ولكن مهدي استطاع الفرار من السجن، وتاه في أزقة صنعاء وتسنى له دخول أحد المنازل بسهولة وكان مكوناً من ستة طوابق، وصعد إلى الأعلى بأريحية وكأنه في فندق يسرح ويمرح ، وصعد إلى الأعلى وهناك سمع صوت مرأة مع رجل ، والغريب أن المرأة كانت زوجة موسى البادي الجسور الذي لا يرحم، وفي مشهد غير مقنع رأت خليلة مهدي نصارى، ولم تخف منه بل أصبح بينهما ودٌ وغرام رغم كبر سنه.
الكاتب صال وجال وأتى بأحداث متشابكة ومغلوطة تنم على عدم إلمام بتلك الفترة ، وأسدل على نبوءته أحداثاً باهتة فيها مبالغة استطال فيها، ومضى الكاتب أسيراً لخياله الذي خانه في إسقاط الأحداث التاريخية وتوظيفها توظيفاً مقنعاً، وجعل الكاتب من بطل الرواية بطلاً هزيلاً ليس له من البطولة سوى الشبق الجنسي، وعاد إلى قريته ومعه خليلة الفاره الملطخة بالرذيلة وهذا السيناريو فيه ثقوب تحتاج إلى ترميم.
ومما يؤخذ على الرواية أيضاً أنها افتقرت لبعض المعلومات مثلاً:
قول الكاتب صوت العرب من بريطانيا، ولا يخفى كما هو معلوم أنها من القاهرة.
قول الكاتب زعماء العشائر، و هذا التوصيف مشهور في الأردن والعراق ، ليست متداولة في المجتمع اليمني، والمعروف في بيئتنا اليمنية مشائخ القبائل.
قول الكاتب فتح سائق الشاحنة المذياع على أغنية (اسعدي يا أرض بلقيس السعيدة).
غناها الفنان أحمد السنيدار، والظاهر أنها لم تغن إلا بعد الثورة بسنوات عديدة.
الكاتب سجل في سطور روايته أن القرويين في يريم حين راو الشاحنة أصيبوا بالهلع والدهشة، مع أن الشاحنة وجدت في اليمن في الخمسينيات، ومن قبلها الأربعينيات كما هو مذكور في كتاب (بعثة الاربعين).
الكاتب ختم روايته بهروب بطله الهزيل إلى مسقط رأسه يريم، ومعه خليلة التي كانت حاملاً من ضابط مصري اغتصبها في السجن الخاص بالنساء، وعقد عليها كما أراد الكاتب بطريقة غير مقنعة.
الكاتب ذكر في سطور روايته تداول العملة الورقية فئة مائة ريال، ولكن ذلك العهد الغابر لم يكن لتلك العملة وجود، وليت الكاتب ذكر العملة المتداولة آنذاك المشهورة بماري تريزا، أو ما يسمى الريال الفرانصي.
وأخيراً أنوه إلى أن كلامي ليس فيه تحامل على الكاتب وشخصه، وما سال به قلمي هو مخاطبة رواية قوامها 245صفحة، تسنى لي قراءتها ووجدت فيها ما دفعني لكتابة هذا النقد هو سوق التاريخ بمفهوم مغاير للحقيقة، ولله درَّ القائل: ( المتكلم في غير فنه يأتي بالعجائب).
والحقيقة ان أي عمل لا يخلو من نقد، وهناك أعمال لجهابذة من الروائيين وضعت في مائدة النقد، وتلقوها برحابة صدر، وعلى سبيل المثال لا الحصر نقد المجموعة القصصية (حكاية بلا بداية ولا نهاية) للروائي العالمي نجيب محفوظ، وهو الهامة الشادخة في سماء الثقافة العربية والعالمية، وهو المكلل بجائزة نوبل العالمية للآداب سنة 1988م، وكذلك قُلد جائزة الدولة التقديرية، ونقد تلك المجموعة الناقد الكبير الدكتور عبدالقادر القط في كتابه الفريد( في الأدب العربي الحديث).
وحسبك من القلادة ما أحاط بالعنق