الفساد.. والإرادة السياسية (5)
أحمد يحيى الديلمي
القوات المسلحة والأمن
أولاً : الدفاع:
تعرض الجيش اليمني لأبشع مؤامرة كان للخارج فيها دور مباشر وإن كان المنفذون يمنيين في قمة هرم السلطة ويمكن إجمال حلقات التآمر فيما ما يلى :
1 – صفقات شراء الأسلحة المشبوهة والتي أكثرها بشاعة شراء أسلحة مستخدمة بثمن اسلحة جديدة وإبرام صفقات وهمية لم يصل منها شيء مع أن الثمن دفع عن طريق وسيط يمني كان له مكتب مميز أمام سينما بلقيس ، وكان يتولى التفاوض مع شركة صناعة الأسلحة في كل من (بولندا ، التشيك ، رومانيا ) ويقوم بهذه الطريقة في كل صفقة إذ يطلب من الشركة إعادة ترميم المعدات القديمة ويعرضها لمندوب وزارة الدفاع أو رئاسة الأركان اليمنية على أنها جديدة ، حيث يكون سعرها سعر الجديد وهكذا صفقات عديدة منها صفقة الناقلات الكبيرة التي تم شراؤها من بولندا وتعطلت في الأسبوع الثاني من وصولها لليمن ، أما الصفقة التي كان الوسيط فيها علي محسن الأحمر فهي مجرد أوراق فقط وملفات وشيكات دفعت لجهة البيع صورياً ، بينما تم اقتسام المبلغ بعد ذلك بين المفاوض اليمني مع الوسيط وجهة البيع كما حدث مع تشيكو سلفاكيا والمجر وقبل ذلك فرنسا.
2 – قوائم الكشوفات الوهمية لعشرات الآلاف من الأسماء غير الموجودة وهي محسوبة في قوائم المؤسسة العسكرية بينما استأثر بالرواتب القيادات الفوقية للجيش بدءاً من القائد الاعلى وانتهاء بقادة الأسلحة وفي بعض الحالات وصل الأمر إلى قادة الكتائب بحسب أهمية الوحدة وقرابة القائد من الرئيس أو من البطانة.
3 – تغيير العقيدة القتالية من الدفاع عن الوطن إلى حماية النظام وضمان استمراره وقمع أي معارضة تتبنى الإصلاح وتدعو إلى الدولة المدنية ، وفي نهاية المطاف تقف حائلاً أمام فكرة التوريث.
4 – تمزيق الجيش من داخله من خلال برامج التوعية والوعظ الديني والوعاظ التابعين لحزب الإصلاح أو الذين تم استقدامهم من مصر والسودان ممن يحملون خلفية وهابية ، إذ كانوا يؤدون خطاباً مزدوجاً ، بالنسبة لأتباع الإصلاح كان دورهم تأليب الجنود على أتباع المذاهب الأخرى واتهام تلك المذاهب بالكفر والإلحاد والردة وتنقية المذهب الذي يتحدثون عنه وهو الوهابي تارة والسلفي تارة أخرى أما المستقدمون من مصر والسودان فقد كانوا يؤدون دور المزكي للنظام المدافع عنه والمبرر لأخطائه بحسب الرؤية المقدمة من وزارة الأوقاف والإرشاد في زمن الوزيرين حمود عباد وحمود الهتار الذين أسسوا فيما بعد ما يسمى بمؤسسة الدفاع عن النظام الجمهوري وكانت مؤسسة وهمية أمين عامها الأخ عبدالله أبو حورية صرف له من المالية مبلغ 500مليون ريال تم بها شراء خمسة أعلام كبيرة فقط وضعت في نقم وبعض المرتفعات المحيطة بالعاصمة والشعار الذي وُزّع تحت مسمى اليمن في القلوب ، وأذكر أن أحد الزملاء حول هذا الشعار قال « اليمن في الجيوب «.
5 – التحكم المباشر في مدخلات الكليات والمدارس العسكرية عبر استبعاد كل من يرى النظام ضرورة إبعاده لمجرد الشك في ولائه المطلق للنظام وأحياناً يتم الفرز مناطقياً أو تنفيذاً لرغبات عنصرية تستهدف فئات معينة من المجتمع ، وكل هذا كان على حساب الكيف ومستويات التعليم داخل هذه الكليات.
6 – مشروع إعادة الهيكلة الوهمي بما مثله من تآمر مباشر سعى إلى شرعنة الفساد وزيادة التوترات في نطاق المؤسسة العسكرية.
7 – إقصاء كل القيادات العسكرية الذين تراكمت لديهم الخبرة وإبدالهم بمجموعات من الجهلة فاقدي القدرة والإرادة لكي يصبحوا أدوات في يد النظام ينفذون كل ما يمليه عليهم وهذا ما حدث بالفعل.
من الخلفية السابقة يمكن الاستدلال على المعالجات الكفيلة بتحويل الجيش اليمني إلى مؤسسة وطنية قادرة على الدفاع عن حياض الوطن وصيانة المكاسب وتنفيذ المهام الوطنية بأفق استراتيجي منحاز إلى العقيدة والدين ، وفي سبيل الوصول إلى هذه الغاية تبدو الحاجة ماسة إلى التخلص من الاختلالات السابقة والبدء بأهم خطوة ممثلة في :
– الاتفاق على شروط ومعايير خاصة للقبول في الجيش والكليات والمدارس العسكرية والتعاطي بشفافية عند الإعلان عن قبول دفعات جديدة في الجيش أثناء التجنيد ، للخلاص من أساليب التجنيد العشوائي التي كانت تتم عبر الاشخاص من المشائخ والوجهاء وتوفر لهم فرصة ابتزاز المجند مادياً ، إذ يأخذ الشيخ نسبة من راتبه، ومعنوياً بتشكيل مشاعر الولاء تبعاً لأهواء نفس الشخص الذي كان له دور في التجنيد من أجل أن يكون الجيش بعيداً عن كل الأهواء والممارسات الخاطئة ويصبح ولاؤه لله وللوطن بكل المقاييس وفي كل الظروف.
ثانيا : الأجهزة الأمنية
لا شك أن هناك صعوبة كبيرة تقف أمام قيادة وزارة الداخلية تضعف دورها في ضبط إيقاع الشارع العام والحفاظ على الأمن والاستقرار في ربوع الوطن لعدة أسباب أهمها :
1 – الفساد الاجتماعي والسياسي والاقتصادي في مجتمع بالغ التعقيد غارق في التخلف بالذات في مرحلة ما بعد العدوان الذي يضخ الأموال ويوضفها لانتهاك الأوضاع واستغلال الفاقة وزيادة الحاجة بفعل الازمة الاقتصادية الطاحنة لشراء الضمائر والسعي الحثيث لزيادة بؤر التوتر وزعزعة الأمن والاستقرار ومحاولة استهداف النسيج الاجتماعي عبر الترويج والارجاف والتهويل للأخبار الكاذبة بقصد هز ثقة المواطن بأجهزة الدولة المعنية وهز قدرتها في الحفاظ على الأمن وتوفير مقومات السكينة العامة والحرص على توسيع الفجوة بين أجهزة الأمن وقطاعات الشعب المختلفة لإسقاط هيبة رجال الأمن بفعل سلوكيات الابتزاز استناداً إلى توجه السلطة في الماضي ، فلقد ساد اعتقاد لدى الجنود بأن المواطن نهب لرجال الشرطة والجوازات والأحوال المدنية والبحث الجنائي والأمن السياسي والأمن القومي رغم الميزانيات المهولة المخصصة لكل جهاز وبالذات جهازي الأمن السياسي والقومي بالذات اللذين اشرفت على انشائهما أمريكا وظل كل منهما يدار من قبل خبراء أمريكيين بدعوى محاربة الإرهاب بينما اعتبره النظام مدخلاً للاستحواذ على المساعدات الأمريكية ومقدارها سبعة ملايين دولار شهرياً ينفق منه على الخبراء وبرامج التدريب والتأهيل والباقي يذهب إلى جيوب خاصة ، لأن النفقات الأخرى كانت تُغطى من ميزانية الدولة كون الميزانية المخصصة للجهاز غير منظورة ولا تخضع لأي حساب كما هو شأن الأمن السياسي.
ما يثير الدهشة أن أمريكا كانت على علم بالعبث حسبما أفاد السفير الأمريكي الأسبق ، إلا أنها كانت تتعمد التغاضي لتمارس المزيد من الاذلال وضمان خنوع النظام للإدارة الامريكية والسير وفق هواها.
تمادت الفوضى نتيجة توجه الدولة الذي سخر الجيش والأمن لحمايته وضمان بقائه في السلطة ، والشعب مهان في كل شيء إلى حد تفلت السلوكيات ووصولها إلى الاتباع والمرافقين بحيث حدثت مظالم فظيعة سحقت الناس ومارست عليهم كل أنواع الذل والمهانة من قبل من اصبحوا يتلذذون باختراق القوانين في ظل غياب أجهزة الدولة ووجود تفرقة كبيرة في المعاملة بين أصحاب النفوذ والسطوة والمواطن العادي لأن الأنظمة والقوانين لا تُطبق إلا على المواطنين البسطاء الذين ليس لهم ظهر يحميهم أو مشائخ يقفون في صفهم.
هذه الأوضاع ولَّدت سلوكيات عكسية جعلت مخالفة أنظمة السير والتمرد على القوانين بطولة ورجولة تعطي المواطن إحساساً أنه ينتصر على الحكومة التي لا تحترمه وتهمل حقوقه مقابل البلاطجة والمتنفذين مما كانوا يعتبرون التمرد على القوانين بطولة وفرض هيبة بما في ذلك الاعتداء على جندي المرور الواقف في الشارع لخدمته واعتبار ذلك شجاعة بحيث تَفَشَّتْ الفوضى وتعدّدت جرائم الخطف والسرقة والسطو المسلح على الممتلكات العامة والخاصة ، إلى غير ذلك من الفوضى والاختلالات السلوكية التي بلغت مرحلة الخطورة القصوى عندما قرر النظام احتضان جماعات التطرف والإرهاب باسم الدين والاستعانة بها لاستهداف المعارضين والقيام بأعمال التفجير وارتكاب الجرائم البشعة التي أزهقت أرواح المواطنين الأبرياء وطالت السياح الاجانب لإقناع الغرب بأن اليمن مستهدف من الجماعات الإرهابية ، وأن النظام القائم هو صمام الأمان القادر على ردع الجماعات الإرهابية وأن المطلوب تأمين استمراره في سدة الحكم بدعوى ان غيابه سيثير الفوضى وَيُحَوِّلْ اليمن إلى امارات للجماعات الإرهابية ، بالمقابل تم خلق مجرمين نشروا الذعر واخافوا الآمنين بإشاعة الفوضى وزيادة معدلات جرائم الاخلال بالأمن.
طالما أن الهدف اساسا يعني انتشال الواقع من هذه الاوضاع المزرية ومحاربة الفساد فإن الحاجة ماسة لحصر الممارسات البشعة التي استهانت بآدمية المواطن وسحقت إنسانيته كي يعود إلى عهده معتزاً بذاتيته اليمنية لا مجرد عبد خانع مسلوب الإرادة.
كل خطوة في هذا الاتجاه ستحد من الفوضى وستبعث الجدية والإصرار على تطبيق القانون وتهذيب السلوكيات المتفلتة بالتصدي الحازم لمن يخالفون النظام جهراً وعلانية أو في السر وخلف الأسوار ، بدءاً بمخالفة المرور وانتهاءً بتزوير المستندات أو السطو على الممتلكات الخاصة والعامة ، وهذه الأخيرة بحاجة إلى تعاون كبير بين القضاء وأجهزة الأمن من أجل حماية الحقوق من مافيا الأراضي والمزورين للأوراق الرسمية سواءً كانوا في أجهزة الدولة كتبة أو قضاة أو من المتنفذين الذين اعتادوا السطو على الأراضي والممتلكات العامة والخاصة.
إن خلق حالة الانضباط في المجتمع والارتقاء بمستوى العلاقة بين المواطن ورجل الشرطة أهم خطوة تجعل المواطن أينما كان موقعه يثق برجل الأمن ويكون عوناً له في مواجهة الخارجين على القانون ، وعلى رجال الشرطة أن يعتبروا كل مواطن بريئاً حتى تثبت إدانته بجرم حقيقي مدعم بالأدلة القاطعة ، وهنا سيكون المواطن السند الحقيقي لأجهزة الأمن في الحفاظ على الأمن وتهذيب السلوكيات ودعم كل أجواء الأمن والاستقرار والسكينة العامة.
الأمر بحاجة إلى تعميق الوعي بطبيعة العلاقة التي يجب أن تسود والتركيز على الجانب الإنساني الذي يحفظ كرامة المواطن وفق ما هو ثابت في الشريعة الإسلامية ، لا نريد أن نقلد الآخرين فيما يسمى بحماية حقوق الإنسان لأن لدينا تعاليم الإسلام وهي واضحة وباتة في هذا الجانب ، تحرِّم السحل والضرب والتعذيب والشتائم ، لأنه كما قلنا كل الناس مواطنون، رجل الأمن والمواطن ، ومن تختل مواطنته هو الذي ينزلق إلى مهاوي الجريمة وعندما يثبت عليه ذلك يتحول الأمن والمجتمع ضده ، ومن المهم هنا أن تبدأ المعالجة بالرؤوس الكبيرة مشائخ وضباطاً ووزراء سابقين ولاحقين وقيادات حزبية وتجاراً وأصحاب شركات، كل هؤلاء مارسوا كل أنواع الظلم والابتزاز بشكل انتهازي ، كما سنذكر في موضوع الفساد الاقتصادي فلقد تعاملوا مع الوطن كدكان ومارسوا كل الحيل للابتزاز وتهريب العملة الصعبة ، لذلك فإن الأمر بحاجة إلى معالجة جدية وشاملة ، وفي هذا الجانب قد نحتاج إلى تكريم الضباط الذين يحسنون معاملة المواطن والتفاهم معه ، فلقد أصبحوا في هذا الزمن عملة نادرة.
وفي الأخير لا بد أن نلفت إلى موضوع السجون ، وبالذات في أقسام الشرطة والنيابات والمحاكم والسجون في الوزارات المعنية بالخدمات ومكاتبها وفي المحافظات ، كلها مجرد زرائب لا تصلح للحيوانات ، لكن مع ذلك يحشر في الغرفة الواحدة التي تزيد مساحتها عن 4×4 أمتار عشرون سجيناً، كيف سينام هؤلاء وكيف سيعيشون فيها؟ والمطلوب من وزير الداخلية والنائب العام إعطاء هذا الجانب أولوية هامة.
وإلى اللقاء في الحلقة القادمة إن شاء الله..