مبادرةُ صنعاء وبوادر الحرب المفتوحة في الجنوب
محمد دريب الشريف
تَشكيل لجنة المصالحة الشاملة الوطنية من قبل المجلس السياسي الأعلى وصدور قرار جمهوري بذلك يُعطي بارقةَ أمل لأولئك المخدوعين والمغرر بهم ويفتح المجال أمامهم للعودة إلى الرُّشد وجادةِ الصواب والرجوع إلى بِلادهم كمواطنين صالحين قد تخلصوا من عبء العمالة وخيانة الوطن وحمل أوزار العدوان والحرب الظالمة التي يقودها ملوك الخليج والأمريكان على شعبهم والتي بلا شك ولا ريب ستنتهي بهزيمة مدوية وفضيحة مخزية لهذا التحالف الهمجي الأرعن.
بحسب قراءتي للمشهد واستماعي لكلمات السيد عبدالملك في كل المناسبات الوطنية والدينية أجده لا يُفوِّت فرصةً إلّا ويدعو فيها إلى السلام والوئام والمبادرة إلى فتح آفاق التصالح والتسامح مع كل القوى والمكونات التي ساعدت العدوان وأعانته على احتلال البلد واتخذت من الرياض وأبوظبي غرفة عمليات للمؤامرة بحق الوطن والمواطن وتهيئته لتقبل الغزاة وقوى الاحتلال،وبرغم ما تُمارسه من جرائم ومفاسد بحق الشعب والوطن إلّا أن قائد الثورة يتجاوز عن ذلك ويصفح عن كثير ويسعى بكل جُهد إلى إعادتهم إلى وطنهم من خلال مصالحة تضمن لهم حق العيش مع بقية أبناء الوطن والمشاركة في مرحلة انتقالية تفضي إلى حكومة مشتركة تمثل كل أطياف ومكونات الشعب.
كذلك القيادة السياسة ممثلة بالمجلس السياسي الأعلى من جهتها تفتح آفاق التصالح وتبادر بالدعوات الى السلام والرجوع إلى طاولة الحوار والتفاوض كل ما سنحت لها الفرصة وتهيأ لها الجو لطرح ذلك، إلا أن الطرف المقابل يواجه هذه الدعوات بالتعنت والإصرار على جريمة خيانة الوطن ويتجاهل كل أصوات العقل وتغليب المصلحة الوطنية على مصالح دول العدوان ويمضي نافخاً حِضنيه بين فُتات الامارات ومُعتلف قرن الشيطان السعودي.
وفي الواقع إنّ قادة هذه الأحزاب والمكونات من جهة لا تمتلك قرار التصالح حتى فيما بينها فضلاً عن اتخاذ قرار المصالحة مع طرف هو عدو لأمريكا والسعودية ومن جهة أخرى لا تمتلك الرؤية الكاملة للشراكة مع بقية المكونات داخل الوطن وليست مستعدة ولا مهيأة لذلك فيما لو أعطى أولياء الأمور الإذن بالدخول في هذه المصالحة لأنها قد اعتادت واستمرأت الانفراد بالسلطة والعبث بالمقدرات وتحويش المال العام دونما مساءلة أو حسيب ورقيب أضف إلى ذلك صراع الأجنحة بين هذه المكونات والأحزاب وتعدد الرؤوس واختلاف الولاءات فبين موالٍ لأمريكا وبائع للسعودية ومرتهن للإمارات ومنبطح لقطر وآخرين قد أعطوا ما في ذمتهم لخليفة المسلمين التركي وليست هناك قضية نستطيع أنّ نقطع بإجماعهم عليها إلا الارتزاق وبيع الذمم مقابل المصالح الشخصية.
وسيناريوهات الجنوب تكشف صراعاً ربما لن يقف عند حد فالمناوشات مرشحة لتكون حرباً مفتوحة وقتالاً مستداماً يلبي تطلعات الأوصياء وأولياء الأمور وهذه رغبة الأطراف الدولية التي لا تُولي الملف اليمني أي اهتمام غير استمرار الصراع والاقتتال بغض النظر عن هوية أطراف هذا الصراع وانتماءاتهم لأنّ الصراع واستمراره يُشكّل في حد ذاته هدفاً بالنسبة للّاعبين الدوليين.
ومع وجود هذا الصراع الذي ليس له إلا تفسير واحد وهو عجز وضعف الآلة العسكرية لقوى العدوان أمام المقاومة الشرسة ووسائل الردع المتزايدة التي ألجأته إلى الحد من هجماته في مختلف الجبهات وكذلك اليأس من تحقيق أي إنجاز عسكري يعطي بارقة أمل بهضم المزيد من الأراضي اليمنية كل ذلك دفع اللّاعبين الدوليين إلى تحريك عناصرهم وبيادقهم لتنفيذ مخططات تلبي رغبات كل طرف دولي على حِدة بالنسبة للجنوب اليمني المحتل والعمل على الوقيعة بين أطراف العمالة للدخول في مرحلة الحصاد وتقاسم النفوذ في المساحات التي أصبحت مهيأة ومعدة لتنفيذ مشاريع الأطراف الدولية المتصارعة عليها وأيضاً لتوسيع الهوة والفجوة بين الفرقاء والحيلولةِ دون تَحقُق أي تقارب أو عملية تفاوض يمنية متوقعة.
وهذا في حدّ ذاته يجعل كل عملية سلام مستحيلة التحقق ويعقد من إجراء أي مصالحة مع مؤيدي العدوان كون التوجه للّاعب الحقيقي والمؤثر اقتصر على الجنوب واكتفى من جملة تطلعاته بما تحصل عليه من مناطق ارتضت تواجده فيها وستنعكس أطماع النفوذ بين هذه الدول حرباً وقتالاً بين القوى والمكونات اليمنية التي بدورها ستقتصر على تحقيق أهداف أصحاب السعادة وتنفيذ ما يُملى عليها ولن تجد الوقت الكافي لسماع صوت العقل ودعوات التصالح والحوار.
وما ينبغي قوله في هذا الصدد هو : إنّ الخطوات والمبادرات التي تقوم بها القيادة السياسية نحو التصالح واتخاذ قرار تشكيل لجنة مصالحة – بعد وقت ليس بالكثير من تشكيل لجنة عفو سبق وأن تم الإعلان عنها – يدُل بما لا يدع مجالاً للشك على جدية القيادة السياسية في الدخول في عملية سلام جامعة لكل المكونات والأحزاب اليمنية وحرصها على لم الشمل واجتماع كلمة اليمنيين وتوحد صفهم وأيضا قبولها بالشراكة مع كل الأطراف في حكومة وطنية يفضي إليها حوار يمني تباشره كل القوى السياسة التي لديها الجدية في صناعة مستقبل اليمن بعيداً عن الوصاية والارتهان الخارجي..
قرارٌ شجاع مبارك يدل على حكمة وتعقل قيادتنا السياسية ويبعث على الفخر كما هي كل القرارات التي تتخذها هذه القيادة التي تشرف كل الأحرار من أبناء اليمن الميامين وأيضا يدل على صوابية المسار والنهج السياسي الذي ينتهجه المجلس السياسي الأعلى واستقلاليته وحريته وأحقيته في تصدر المشهد الفعلي لصناعة اليمن الجديد ومستقبل الغد المشرق لأجيال النصر والانتصار التاريخي على حرب العبث الأمريكية.
قرارٌ يشكل فرصة ذهبية قد لا تجود الأيام بمثلها على أطراف العمالة وخونة الأوطان ولن تتكرر حسب اعتقادي لما يلوح في الأفق من بوادر نصر مؤزر ليس لأحد الصلاحيات بعده في اتخاذ أي قرار للصفح عنهم أو مبادرة تصالح معهم ولن تكون هناك أي جهة مخولة بالعفو عن جرائمهم وخيانتهم للشعب والوطن.
فقط حينها القانون هو المخول ومن إليه يعود القول الفصل والحكم العدل بشأنهم فإما طلقاء مبرأون وإما جُناة ومجرمون يمضي فيهم حكم الله ورسوله وينالون جزاءهم العادل.
قد لا تجد هذه النداءات الآذان الصاغية ولن يسمع الصم الدعاء ولن تغني الآيات والنذر من أغشى قلبه حُب المال والسلطة ولهج الارتزاق وأدمن المتاجرة بالدماء والأوطان من قادة وصف ورؤساء أحزاب فتحوا الحسابات في بنوك دبي والرياض وامتلكوا العقارات في تركيا وماليزيا وضواحي لندن وباريس،،، ولكنها فرصة حياة وعودة لمن يَحُز في نفسه معية الظالمين ومخالطة المجرمين ويؤنبه ضميره على ما فرط فيها من كرامة وعزة وحرية وفراق وطن وأهل وقبيلة وأصحاب.
فرصتكم أنتم يا من أصبحتم وقوداً لهذه الحرب التي تُشن على وطنكم وأبناء شعبكم من جنود وضباط وشيوخ وأفراد قبائل ،يا من تُرمون في المحارق ويُلقى بكم في سعير الحرب وجبهات الموت لتدفعوا ثمن وضريبة أحلام وطموحات محمد بن سلمان وعيال زائد من دمائكم وأرواحكم ويُنفذ بكم ومن خلالكم المشروع الأمريكي الهادف إلى احتلال الشعب اليمني وتجزئته.