الوعي بالوحدة في مسيرة اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين
عبدالعزيز البغدادي
لأن العقول تتعدد بتعدد الثقافات فإنه يصعب تعريف العقل كما يصعب تعريف الثقافة، هل العقل فطري أم مكتسب وما مدى تأثير الثقافة عليه سلباً وإيجاباً وأيهما يسبق الآخر دجاجة العقل أم بيضة الثقافة ؟؟؟!، هذه بعض الأسئلة الأزلية التي كانت ولا زالت وستبقى محل جدل ما دامت الحياة باقية وما دام الانسان مستمراً في تطوير المعرفة ووسائلها ويجْهدْ في بناء نفسه وتطويع الطبيعة وكل ما حوله وفق عقله أو أهوائه !.
في مقال كهذا لا مجال للخوض في معاني دلالات العقل والثقافة وفلسفتها فهي من التشعب بحيث يصعب اختصارها واحتواؤها بما يعطي المعنى والتعريف المانع الجامع كما يقال.
ما يهم التركيز عليه هنا هو أن المثقف بمعنى الانسان الذي حاز قدراً من المعارف وامتلك نصيباً من الوعي، هذا الانسان يفترض أن دوره في المجتمع دور مميز أو تنويري كما اصطلح عليه، والمقصود بالدور التنويري أو المميز أو كليهما هو قدرة هذا الانسان الأوسع والأكبر على استيعاب الظروف والمعطيات والأحوال سواء الطبيعية أو غير الطبيعية كظروف العدوان والحروب التي نشهدها.
ورغم أن هذه القدرة أيضاً تختلف فاعليتها وأثرها باختلاف الأشخاص والمواقف وروافد الثقافة إلا أنني أعتقد أن هناك قواسم مشتركة أو يفترض أنها مشتركة تتعلق بالثوابت أو يفترض أنها ثوابت كالعدالة والحرية، واعتقد أن من ابجديات العدالة والحرية أن يقف المثقف الواعي في مقدمة صفوف الدفاع عن وطنه حين يتعرض لعدوان، ومن مبادئ الحرية والعدالة أن يقف المثقف في طليعة المقاومين لكل هذا الصلف والغرور الذي تمثله مملكة آل سعود وآل نهيان في عدوانهم البدوي الذي تقوده الصهيونية.
المثقف والأديب قبل الوحد ة السياسية في 1990م أصر في بداية ستينيات القرن الماضي على تشكيل كيان موحد اسمه اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين وكان لهذا الكيان ورواده الشرفاء الدور المشهود في إنماء الوعي الوحدوي وفي الدعوة لجعل سقف الوعي والثقافة أعلى من سقف السياسة والمناورات السياسية ومقتضى هذه الدعوة أن لا تتأثر روح الوحدة بممارسات من تسلقوا وسطوا على المواقع السياسية العليا قبل الوحدة وبعدها ليكونوا أداة تشويهها واللصوص الذين عملوا على سرقة روحها وليكون ذلك مبرراً لمن تسيرهم روح الغرائز وتدفعهم للتحريض الجهوي والمناطقي مع أن الفساد ليس له منطقة ولا جهة ولا اتجاه ولا جنسية ولا جنس وتسير بهم هذه التحركات والتخرصات والأوهام إلى أعتى أنواع الرجعيات بذريعة ممارسات لصوص الوحدة والديمقراطية والجمهورية.
الوعي الذي يفترض أنه القائد والحاكم للسياسة والثقافة يدرك صاحبه بلا أدنى شك هذه الابجديات وأن الثبات على مبدأ الوحدة يربك أعداءها وأعداء الحرية والسلام.
لم أكن أتصور يوماً أن أجد أديباً أو شاعراً أو مثقفاً أو سياسياً محترماً يمكن أن يقف في صف هذا الصلف السعودي أو يغيب عن وعيه أن الشرعية يمكن أن تكون أداة بيد المرتزقة ومن ذهبوا إلى الرياض يستنجدون باعتي طواغيت الأرض وأكثرهم تخلفا.
ولم يخطر ببالي أبداً أن يغيب عن المثقف والأديب والمبدع المعنى الحقيقي لشرعية أي حاكم وأن الشعب هو المالك والموجه للشرعية وليس اللصوص والعملاء والمرتزقة.
فإذا كان المثقف الممتلك للوعي الممثل افتراضا في اتحاد الادباء قد أدرك أهمية الوحدة في مواجهة بعض النزوات الانفصالية لدى تجار السياسة والحروب والأزمات ومصاصي الدماء عن طريق سلب الوعي في تلك الظروف العادية فأين هذا المثقف في ظل المتاجرة بالأرض والدماء والمخدرات والحروب وتبرير المجازر وكل ما يتخيله أولا يتخيله عقل باسم الشرعية.
لقد رفض مثقفو الأمس إنشاء اتحاد شطري يحاكي نظامي الشطرين لأنهم كانوا يرون أن سقف الثقافة والوعي أعلى من سقف أي توجه سياسي أو رغبات تسلطية لأن السياسة ملك الشعب ولايمكن للشعب أن يكون رهينة ألاعيب السياسة بتغييب الوعي.
هكذا كان رواد الاتحاد الأوائل يؤمنون قبل أن تصبح الجمهورية والديمقراطية والوحدة والوطن اليمني كله ألعوبة بيد ملوك الصحراء وأمرائها ويصير الرئيس المسمى بالشرعي بعد ذلك دمية سخيفة تافهة في يد ملك الزهايمر الموجه من واشنطن.
وفي ظل هذه اللحظة المأساوية لم تعد الثقافة إذاً سقفاً صارت أرضاً يطأها كل الافاكين ومحترفي كل أنواع التجارة الممنوعة، وصارت مستنقعاً يَسْبَحُ فيه كل أدعياء الثقافة ومحترفي الأدب البعيد عن كل معاني الأدب!.
لقد ناضل الرعيل الأول من مؤسسي اتحاد الأدباء والكتاب اليمني الموحّدْ في عهد التشطير لجعل الوحدة أولوية في حياتهم بأي ثمن وأرجأوا خلافاتهم حول شيطان تفاصيل كيفية بناء دولتها لما بعد تحقيقها وربما أخطأوا التقدير لكن هذه كانت استراتيجيتهم ولا أعتقد أنّ من يحمل مثل هذه الروح كان سيعجز عن إدراك أن مقاومة عدوان على هذا المستوى من القذارة ينبغي أن تكون الأولوية الأكثر أهمية وإرجاء أي خلاف حول شيطان تلك التفاصيل التي لا تزال تتلاعب بعقول وأقدار اليمنيين لتجعلهم ألعوبة بيد أسخف اللُّعب وأكثرها بؤساً في المنطقة والعالم !!.
هذه الروح مثخنة بالجراح
وابلٌ من حروف الطواويس تمطرها
تفسِّرُ كل أحلامها
تستغيث بما في الضمير
تفتش ما في الصدور
وتلهو مع البحر والذكريات حيناً
وحيناً تحاول أن تسبق الريح
تدرك أن المسافات أطول من بعضها
والراحُ ذِلُّ الفتى.