
,مثل الميناء حجر الزاوية للاهتمام الروسي باليمن فقدم الروس في 1931م شبكة الهاتف الاتوماتيكية لربط صنعاء وتعز والحديدة وحجة
تحقيق / محمـد محمـد إبراهيم
mibrahim734777818@gmail.com
جيئةٍ وذهاباٍ يتدفق البشر من بوابةُ تزفهم إلى خاصرة البحر الأحمر بينما الوقت في قارعة الطريق كعجوز ماركيزي الرواية يرتشف مع لسعة الشمس كوباٍ من شاي الحليب وبعد كل رشفة يختلس من عزلته نظرة تستجلي ملامح العابرين فيعود مثقلاٍ بروايات من تاريخ المكان والإنسان تختزل غصصاٍ في الضمير موزعةٍ بين الضجر والفاقة والعوز والطموح والحب والحياة والأمل وكل معاني التطلع لمستقبل معيشي أكثر اقتصاداٍ وأماناٍ وحركة ونشاطاٍ..
كانت هذه الفكرة حاضرةٍ بصولجان الضحى وأنا أنظر من نافذة السيارة دون اكتراث للجندي الذي يقف في البوابة وكما لو أنه يجري تحقيقاٍ أولياٍ مع زميلي العزيز علي سالم مدير فرع مؤسسة الثورة في محافظة الحديدة الذي يبتسم على مقود السيارة مجيباٍ بمنتهى الذوق لكن أحد ضباط البوابة الأمنية لمح سيارة صحيفة »الثورة« مشيرا للجندي المستجد – المشكور تحمسه في مهمته الأمنية – بأن يرفع الخشبة لعبورنا- كما خيل لي في ما بعد..
“هو زميلنا.. جاء من صنعاء في مهمة صحفية”: انتبهت من شرودي على صوت علي سالم وهو يخاطب الجندي معرفاٍ بي حين سأله: ” بطاقة الأخ”¿!.. لكنه ابتسم وأشار لنا بالدخول.. هذا هو ميناء الحديدة الذي شكِل توأماٍ تنموياٍ لمخاضات ثورة السادس والعشرين من سبتمبر.. وكان قبل ذلك ميناء رغم عاديته وبدائيته إلا إنه ورد في قصص وأحداث تاريخية هامة في تاريخ اليمن ولكن الأهم هو ما الذي مثلته ثورة السادس والعشرين من سبتمبر لهذا الميناء¿.. بل ماذا مثله هذا الميناء للثورة السبتمبرية¿.. قراءة مكانية وإنسانية لهذا الميناء الذي شكل بؤرة الحركة التجارية والنشاط الملاحي المحلي والدولي للعهد الجمهوري وبوابةٍ للمدد بالانتصارات.. إلى تفاصيل هذا التحقيق المعتمد على الاستطلاع المكاني والبحث التاريخي في دهاليز السيِرú التنموية والسياسية للموانئ اليمنية..
عبرنا الخشبة كانت الحركة تشتعل بالزحام فيما أنا استرجع فصولاٍ من تاريخ الموانئ في الروايات العالمية التي قرأتها بكل شغفُ وتواضع.. لكن الأكثر حضوراٍ هي صور من مشاهد إنسانية رسمتها رواية “مائة عام من العزلة” لماركيز وهو يحكي حركة وحياة الناس في منطقة البحر الكاريبي.. بعيدا عن هذه الخواطر فقد اندمجت مع حركة الناس وزحامهم دخولاٍ وخروجاٍ ونقاشاٍ في بوابة ومكاتب مؤسسة موانئ البحر الأحمر اليمنية.. دلفت مكتب القبطان محمد أبو بكر بن اسحاق رئيس مجلس الإدارة لقراءة واقع نشاط موانئ البحر الأحمر خصوصاٍ ميناء الحديدة كان الوقت مبكراٍ فهو لا زال في اجتماع لذي علي الانتظار بصمت أمام نقاش وهدوء وتذبذبات لتداخل الاصوات بين الحين والآخر ليطول صمتي أكثر من (5) دقائق.. كسرت صمت الانتظار باعتراضي على حديث شخص هادئ الصوت يبتسم باحترام كثير للآخرين من حوله معبراٍ تعبيراٍ لائقاٍ عن بزته العسكرية ورتبته التي يحملها وزين هذا المقام انتظاره في صفوف الناس البسطاء.. كان حديثه عن النشاط التجاري وفرص العمل وقضايا تهم الناس فيما كان اعتراضي هو استدراكاٍ للتحديات التي تعانيها محافظة الحديدة من تدهور البنية التحتية.. “الوطن بأسره يعيش ظروفاٍ صعبة جداٍ لكن على حكومة الوفاق أن لا تنسى معاناة أبناء الحديدة كمنطقة حرة .. ” هكذا رد على اعتراضي بأدب كبير إنه العقيد / عبد الله غربي في خفر السواحل بمحافظة الحديدة تناقشنا حول كثير من قضايا الحديدة ومشاكل البحر وأهمية قوات خفر السواحل في صيانة الثروة البحرية والسيادة اليمنية على خطوط الملاحة الدولية والمياه الاقليمية..
” أين الإخوة صحيفة الثورة ¿” بهذا السؤال قطع الشاب النشيط والمثابر إبراهيم أبو بكر مدير المتابعة ومنسق الشؤون الإعلامية نقاشنا في صالة المكتب الذي ننتظر فيه ريثما ينفض الاجتماع الخاص برئيس مجلس الإدارة بأعضاء مؤسسة موانئ البحر الأحمر اليمنية.. دخلنا في نقاش وحوار مطول لا يتسع له المقام هنا..
الميناء.. الموقع والتاريخ
يقع في منتصف الساحل الغربي للجمهورية اليمنية المطل على البحر الأحمر على خط عرض (14.50) درجة شمالاٍ وخط طول (42.56) درجة شرقاٍ.. ويحميه من الظواهر الطبيعية امتداد رأس الكثيب من الناحية الغربية وساحل مدينة الحديدة من الجوانب الشمالية والشرقية الجنوبية.. هذا الموقع الهام كان أحد عوامل الصراع الاستعماري على المنطقة الغربية اليمنية ذات السهل الزراعي والساحل المشافه لزرقة المياه على ساحل البحر الأحمر.. كما كان سببا اقتصادياٍ ومعيشياٍ لأن تخاصر الحديدة- التي تشكلت سكانياٍ وجغرافياٍ في قادم العصور على أملُ مستقبلي لميناء سيكون محط اهتمام المنطقة الاقليمية والدولية- البحر الأحمر ما أكسبها أهمية استثنائية في المنطقة السهلية الممتدة والمحاذية للبحر الأحمر فجعلها أكبر مدن تهامة حيث صارت حاضرة مدنيةُ ومنازل تعجْ بالحياة الإنسانية كل هذه العوامل التي أحيت هذا المكان منبعها هو الميناء بل عْرِفت بأشهر موانئ اليمن على البحر الأحمر منذ القدم فأطلق عليها الساكنون والعابرون من اليمنيين والرحالة عروس البحر تقادم الناس على معرفتها كمنطقة صيد عبر التاريخ ومن ثم استخدمت كمرسى للسفن في بداية القــرن 15م – حسب المراجع التاريخية- ثم توسعت من قرية إلى ميناء صغير في منتصف القرن 15م ليبدأ السباق الاستعماري عليها فحاول البرتغاليون السيطرة على اليمن دخولا من الحديدة لكن عامر بن عبدالوهاب تمكن من دحرهم واستعادة الحديدة ومينائها حسب بعض الإشارات التاريخية عام 1546م واستمر في مناوشاته القوية دفاعاٍ عن سواحل البحر الأحمر وفيما بعد كانت الحديدة منطلقاٍ للأتراك العثمانيين إلى صنعاء..
ومن الإشارات التاريخية على عراقة ميناء الحديدة ما ورد في بعض المراجع التي أصلت الصراع على السهل التهامي والشريط الساحلي للبحر الأحمر بين القوى اليمنية الأصل أولاٍ وثانيا بين اليمنيين والقوى الاستعمارية قبل وبعد خروج الأتراك من اليمن الذين كانوا يسيطرون على معظم منافذ اليمن البحرية وفي السياق ذكرت بعض المراجع إنه في 3 مايو 1924م زحف جيش الإمام بقيادة عبد الله بن أحمد الوزير لحرب الأدارسة. وكانت تهامة هي ساحة الحرب. وهزم الأدارسة واستولى اليمنيون على ميناء الحديدة وغيره من موانئ تهامة ومدنها. وعين الإمام ولاته عليها. ثم واصل جيش الإمام تقدمه صوب عسير وحاصر مدينتي صبيا وجازان واضطر السيد الحسن الإدريسي إلى أن يعرض على الإمام يحيى حميد الدين صلحاٍ يقضي بكف الإمام عن محاولة الاستيلاء على المدينتين المذكورتين مقابل اعتراف الأدارسة بولائهم للإمام يحيى حميد الدين وحكمه لعسير على أن يمنح الإمام الأدارسة نفوذاٍ محلياٍ عليها. ولكن الإمام يحيى رفض العرض وأصر على مواصلة محاولة الاستيلاء على منطقة عسيرº مما حمل حسن الإدريسي على توقيع معاهدة حماية مع الملك بن سعود وكان ذلك في عام 1345 هـ 1925 م.
بوابة إلى روسيا
حدث التحول الأول نحو مسار الاهتمام بالحديدة كميناء ينتظره مستقبل واعد حينما وقعت أول اتفاقية بين الروس والإمام يحيى في الأول من نوفمبر 1928 م وهي عبارة عن معاهدة صداقة أعيد إحياؤها في 31 اكتوبر من العام 1955 م وكان دافع اليمن من هذه المعاهدة البحث عن حلفاء جدد لمساندتها والبحث عن مجالات تعاون اقتصادية يمكن أن يقدمها الاتحاد السوفييتي لليمن.
ومن أجل تطوير تلك المعاهدة تم إيفاد أطباء واخصائيين سوفييت وخبراء إلى اليمن قاموا بالأعمال الأولية لبناء مرفأ جديد في منطقة رأس الكثيب بالحديدة بدأ العمل فيه عام 1929م على حد التقريب. وكان الروس يعتبرون اليمن بلدا تجاريا فطريا وفتحوا باب التبادل التجاري مع اليمن بشكل بسيط وفقا لما كانت تسمح به سلطة الإمامة الذين كانوا وحدهم كعائلة حاكمة مستفيدة من ذلك النشاط التجاري المحدود بل إن الإمام يحيى أعطى قائمة للجانب الروسي بأسماء تجار معينين للتعامل معهم في بيع السلع الروسية وكان أولئك التجار من المقربين منه ومن أولئك التجار الشيخ السنيدار الذي طلب من موسكو توريد 100 طن من البن اليمني للاتحاد السوفييتي وكذلك الشيخ شائف زهرة الذي أراد بيع 50 طنا من البن الحيمي مقابل شراء السكر والغاز والقماش.
كانت الحديدة بمينائها منطلق التعاون المثمر بين المملكة المتوكلية اليمنية وبين الاتحاد السوفييتي -حينها- لتأتي عند هذا التناغم وبعد تلك التسهيلات ثمار تبادلية أكثر حداثة وتقدماٍ إذ قدم الروس في يناير 1931م محطة تلفون أتوماتيكي وتم تكليف 100 جندي لمد الخطوط بين قصور الإمام والمؤسسات الحكومية وفي مارس 1931م تم مد شبكة الخطوط الهاتفية إلى محافظات تعز والحديدة وحجة حيث يتواجد أفراد العائلة الحاكمة من الأئمة ويتمركز نفوذهم وفي يوليو 1956م تم توقيع اتفاقية حول التعاون الاقتصادي بين اليمن والإتحاد السوفييتي وبناء عليه إلتزم الإتحاد بتقديم المساعدة التقنية في إنشاء ميناء الحديدة. وظلت العلاقة في المجال الاقتصادي والسياسي نشطة بعيدا عن تجارة السلاح حتى نهاية العام 1958 م ما عدا إهداء السوفييت للإمام أحمد طائرة. (إيل – 14) في يوليو من نفس العام سلمت لليمن في حفل مهيب في 12 سبتمبر واستلمها نائب وزير الخارجية محمد عبدالله العمري وحضر التسليم ثلث أعضاء الحكومة وفى ديسمبر 1959م تم التوقيع على بروتوكول معاهدة يوليو 1956 م والتزم الاتحاد السوفييتي بتسديد رواتب الموظفين العاملين في مشروع ميناء الحديدة وتم تحويل المبلغ آنذاك عبر البنك الوطني السعودي في الحديدة الذي تملكه عائلة بن محفوظ اليمنية وامتد التعاون المشترك ليشمل دراسة تقدمت بها روسيا للتنقيب عن النفط في تهامة والجوف.
كما ساهم الميناء بعد هذا الاهتمام الروسي في التوطين لنقطة تحول جديدة هي بداية تجارة السلاح بعد أن كانت العلاقات اليمنية الروسية قائمة على التعاون الاقتصادي -فقط- أما تجارة السلاح فقد كانت منعدمة حتى أدرك النظام السياسي الحاكم بالحاجة للسلاح لمواجهة خصومه وكانت أول زيارة يمنية لاستيراد السلاح وعقد صفقات توريد أسلحة هي زيارة ولي العهد البدر لموسكو مطلع العام 1958 م بعدما شعر بوجود مهددات قد تعترض طموحه في حكم اليمن بعد أبيه خصوصا من أعمامه وبعض المكونات الثورية التي كانت تسعى للوصول إلى الحكم وكان من مساوئ تلك الزيارة تحويل اليمن لسوق مفتوح للأسلحة الروسية.
فيلم وثائقـــي
وأنا أبحث في ملفات ودهاليز وفي مرحكات البحث الإلكتروني عن تاريخ ميناء الحديدة عثرت على فيلم وثائقي نوعي يسجل مرحلة تاريخية هامة من تاريخ اليمن عموماٍ والحديدة خصوصاٍ وفي مقدمة الفيلم يجلجل صوت مذيع رائع بالعربية الفصحى لا أدري إن كان مترجماٍ.. تقول مقدمة الفيلم: في صيف عام 1929م أقلعت من ميناء أوديسا سفينة ديكابريست الضخمة العابرة للمحيطات متوجهة نحو الشرق. كان على متن السفينة سكان غير مألوفين بالنسبة لسفينة شحن مع أمتعة غريبة. هكذا كانت أول بعثة سينمائية ناجحة إلى شبه الجزيرة العربية إلى البلد الملفع بالأساطير والغموض والمغلق تقريباٍ بوجه الأجانب إلى “المملكة المتوكلية اليمنية”.. قامت البعثة المكونة من شخصين هما المخرج فلاديمير شنايديروف والمصور إيليا تولشان بتصوير أول فيلم وثائقي عن اليمن وهو من الأعمال النادرة للغاية. ويحكي شنايدروف في ذكرياته عن الظروف الغريبة التي صاحبت تصوير هذا الفيلم. كما يحكي كيف تمكنت البعثة من كسب رضا حاكم الحديدة ومنطقة تهامة الأمير سيف الإسلام محمد.. ويتناول عادات المدينة ومبانيها وتجارة البن وتصديره ومهنة الصيد والعروض العسكرية التي يقدمها الخيالة ووحدات المشاة. هذا هو الجزء الأول من هذه الرحلة المثيرة التي تنطلق في تناولها من ميناء الحديدة..
الميناء والثورة
حين يحضر الحديث عن الثورة وعلاقة ميناء الحديدة بها تذكر الحكايات استشعار الإمام أحمد بن يحيى حميد الدين بخطر تطوير هذا الميناء كمنفذ سيفتح على اليمن سوق الاستيراد وبالتالي استيراد السلاح الثقيل والانقلاب عليه رغم أن ابنه البدر هو من عقد أول تجارة سلاح مع الاتحاد السوفيتي -روسيا حاليا-.. لذلك اختلفت الروايات في تجاهل الامام لبناء الميناء.. ونحن نتجول في حرم الميناء كان معنا مجموعة من الزملاء والعاملين في مؤسسة موانئ البحر الأحمر ذكر أحدهم أثناء نقاشنا عن تاريخ ميناء الحديدة إن الإمام أحمد – حسب الروايات- سفه ولي عهده ابنه البدر في خطواته الرامية للاهتمام بميناء الحديدة وإنشاء أول مشروع توسعة له في وقت كان الإمام أحمد في روما بين 58-61م للعلاج هذه الروايات المتناثرة دفعتني للمطالعة والبحث عن صحتها من عدمها دون جدوى غير أني طالعت في حوارات وأحاديث سابقة لعبدْ الرحمن البيضاني ووجدت فيها إشارات تذكر إن الإمام أحمد صفع البدر عندما عاد من روما إلى ميناء الحديدة في عام 1961م ولم يذكر سببا لذلك وكانت الشركة الروسية قد أنهت تنفيذ مشروع توسعة الميناء في تلك الفترة.. غير إن كثيراٍ من المناضلين الذين دحضوا تناولات البيضاني-معتبرين معظمها زيفاٍ- أكدوا أن لا علاقة بصراخ الإمام أحمد على البدر أثناء وصوله من روما بالميناء بل كان لذلك الخلاف صلة بالفوضى التي شهدتها اليمن أثناء غيابه في روما .. وأياٍ كانت الروايات والتناقضات فكثير من المراجع التاريخية التي دونت إرهاصات الثورة اليمنية أكدت إن ميناء الحديدة هو الركيزة الثانية من ركائز نجاح الثورة اليمنية بعد الجيش الذي سيقوم بالانقلاب- حسب مرجعيات التخطيط لقيام أي ثورة في اليمن والمحكوم بعوامل القبيلة والفكر والثقافة – فأهمية الميناء في باطن الأمر كانت تمهد لفتح نافذة للمدد البحري الغذائي البحت حتى لحظة استيراد البدر لأول دفعة سلاح روسي وفي ظاهره تجلت الأهمية القصوى فيما شكله الميناء من مدد بحري عسكري جعل من الحديدة منطلقا لمعارك الدفاع عن الثورة والجمهورية حتى فك حصار السبعين… ولذلك فقد كان الانتهاء من بناء الميناء فتحاٍ جديداٍ لاستيراد الأسلحة الثقيلة التي تختلف عن الأسلحة الموجودة في أيادي القبائل..
فبعد قيام ثورة سبتمبر 1962 م استدعى الرئيس السلال سفير الاتحاد السوفييتي آنذاك كامينسكي من تعز إلى صنعاء وعقد معه اجتماعا بحضور شخصيات كان السوفييت يطلقون عليهم (عبداللات) وهم عبدالله السلال وعبدالله جزيلان وعبدالله الضبي وطالب باعتراف بلاده بالنظام الجمهوري وتقديم المساعدات الاقتصادية والسياسية وطالب بشكل خاص دعم الجيش اليمني وفتح باب التعاون العسكري وفقا لما ذكره الدبلوماسي الروسي أوليج بيريسيبكين الذي كان مترجما وقتها وأصبح فيما بعد سفيرا لروسيا في اليمن أثناء حكم علي عبدالله صالح. وكان من نتيجة ذلك اعتراف الاتحاد السوفيتي بالجمهورية اليمنية في 1 اكتوبر 1962 م أي بعد أربعة أيام من إعلان الثورة وجاء طلب السلال للسلاح شعورا منه بحتمية المواجهات المسلحة مع الملكيين الذين أعلنوا الحرب على النظام الجمهوري وفتحوا عدة جبهات عسكرية في خولان ومارب وصعدة فكان طلب السلاح من روسيا في عهد السلال أمرا فرضته الأحداث الأمنية التي واجهتها الجمهورية الوليدة في مهدها الأول.. وكان ميناء الحديدة هو النافذة بل البوابة الواسعة لهذا المدد كون الميناء الأول في اليمن (عدن)- حينها- كان محكوماٍ بالسيطرة الانجليزية الاستعمارية على جنوب الوطن وهذه هي أبرز خيوط الربط بين ميناء الحديدة والثورة اليمنية السبتمبرية التي اندلعت في 26 سبمتبر 1962م.
منشأة الميناء
إنشاء ميناء الحديدة في 1958م ليتم البناء في عام 1961م بالتعاون مع الاتحاد السوفتي سابقاٍ- وقد تكون حينها من ثلاثة أرصفة فقط بلغت إجمالي أطوالها 410 أمتار وبعمق 8 أمتار وبعد قيام الثورة اليمنية المباركة في عام 1962م حظي هذا الميناء باهتمام القيادة السياسية وتم تطويره وتوسعته خلال مراحل التنمية المتلاحقة حتى أصبح على ما هو عليه الآن.. وخلاصة للقول حول مراحل تطور ميناء الحديدة بين ما قبل الثورة بسنتين وما بعد الثورة حتى 1978م فقد مرت عملية الاهتمام بميناء الحديدة وفق مراحل زمنية يمكن اختزالها في الآتي:
المرحلة الأولى هي ( الفترة من 1961م – 1981م ) :-
وخلال العشرين عاما من هذه المرحلة تم تنفيذ الأرصفة 4 5 6 بطول (546) متراٍ تقريباٍ و إنشاء رصيف جديد للمحروقات بطول 180 متراٍ مع منصة لربط البواخر في البحر – بالإضافة إلى توسيع الحوض والقناة الملاحية إلى عمق 9 أمتار وعرض 100 متر بدلاٍ عن 80 متراٍ .
– المرحلة الثانية هي (الفترة من 1981 – 1987م ):-
وفيها تم استكمال إنشاء محطة حاويات على اعتبار أن متطلبات العصر في أسلوب التفريغ أصبح يتم بواسطة حاويات وحتى يكون ميناء الحديدة , أكثر قدرة على إتباع هذا الاسلوب من التفريغ فقد تم خلال هذه المرحلة إنشاء الرصيف السابع مع كافة ملحقاته ليصبح الرصيفان 6 7 بطول 500متر تقريباٍ (كرصيفين مخصصين) لاستقبال سفن الحاويات بالإضافة إلى توسيع القناة الملاحية حتى 200 متر وعمق 10 أمتار.. وخلال تلك المرحلتين تم تزويد الميناء بالمعدات الفوقية وعدد من المنشآت البحرية وزودت أرصفته برافعات ثابتة بما يتناسب مع حجم النشاط التجاري المحدود في ذلك الوقت… كما توسعت ساحاته ومواقفه وشيدت المباني المتنوعة الفنية منها والإدارية ومكاتب الشركات الملاحية.
ميناء الحديدة اليوم
المؤسف جداٍ اليوم استهانة البعض برؤى ودراسات علمية مقدمة تؤكد صدارة ميناء الحديدة على موانئ المنطقة مشترطة شعورنا نحن اليمنيين بأهمية هذا الميناء الذي يقع وسط خاصرة البحر الأحمر.. كما يضاعف الأسف الاستهانة بالجهود المبذولة من قبل وزارة النقل ومؤسسة موانئ البحر الأحمر اليمنية التي تعاقر التحديات والإختلالات المثارة على ذمة فوضى شلة لا تريد أن يمضي القانون على أصوله فقد يتندر قائل حول ما يحمله ميناء الحديدة من أهمية معترضاٍ على حديث الطموح للنهوض بهذا الميناء الذي ليس محالاٍ أن يرتقي إلى مصاف الموانئ العالمية في المنطقة لكن من يقلل من هذه الجهود والطموح يجهل بكل المقاييس التحديات والمشاكل التي كانت وراء تدهور مستوى الميناء خلال الـ(25) الماضية فمنذ 1987م لم ينفذ أي مشروع توسعة أو تعميق لقناة أو مساحة ميناء الحديدة ناهيك عن الترهل الإداري الذي أصاب الكادر خلال هذه المساحة الزمنية نظراٍ لانعدام برامج التطوير والتأهيل للكادر والامكانات الملاحية في الميناء ولهذا فقد كانت زيارة القيادة السياسية ممثلة بفخامة المشير عبد ربه منصور هادي – رئيس الجمهورية في ابريل الماضي نقطة تحول طالما انتظرتها وزارة النقل ومؤسسة موانئ البحر الأحمر حيث صدرت بعد تلك الزيارة توجيهات رئيس الجمهورية بتنفيذ أكبر مشروع توسعة في تاريخ الميناء ليقف اليوم ميناء الحديدة على عتبات أكبر مشروع تطويري بكلفة (307) ملايين دولار وبتمويل حكومي وباهتمام وإشراف رئاسي.
في جولتنا الاستطلاعية في الميناء ألتقينا القبطان محمد أبو بكر بن اسحاق رئيس مجلسة إدارة موانئ البحر الأحمر الذي أطلعنا على تفاصيل الخطة موضحاٍ إن أولى منطلقات هذه الخطة التحديثية ترتكز على كون البنية الأساسية والتجهيزات المتوفرة بموانئ المؤسسة وميناء الحديدة بالتحديد لم تعد تشكل بمفردها العامل الأهم في جذب خطوط الملاحة العالمية كما كانت في السابق بل أصبحت للخطوط الملاحية متطلبات أساسية أهمها قدرة الميناء على استقبال السفن العملاقة خاصة سفن الحاويات ولا شك بأن مثل تلك السفن العملاقة تحتاج إلى أعماق واسعة وإلى غاطس أكبر يصل إلى (16) متر على أقل تقدير وهذا للأسف ما يفتقده ميناء الحديدة الذي مضى على تنفيذ وإنشاء آخر رصيف فيه ما يقارب خمسة وعشرين عاماٍ وبأعماق لا تتجاوز الـ 10 أمتار..
مضيفاٍ إن مؤسسة موانئ البحر الأحمر أعدت -منذ فترة- دراسة متكاملة لمشروع تطوير وتوسيع محطة حاويات ميناء الحديدة وتعميق القناة الملاحية من قبل شركة استشارية أجنبية وظلت حبيسة الادراج لعدم توفر الدعم والتمويل المادي المطلوب لتنفيذ مثل هذا المشروع الحيوي والهام.. ومن الناحية الاقتصادية والتنموية (%70) من احتياجات اليمن من الغذاء والمواد الأخرى تدخل عبر ميناء الحديدة تحركنا مع وزارة النقل ممثلة بالدكتور / واعد عبدالله باذيب باتجاه ترجمة هذه الدراسة والخطة إلى واقع تنفيذي على الأرض وصولاٍ إلى إعلان رئيس الجمهورية موافقته وتوجيهاته الصريحة بسرعة تنفيذ المشروع وقد صدر قرار مجلس الوزراء رقم ( 85 ) لسنة 2013م بشان (الإجراءات التنفيذية العاجلة لتأهيل ميناء الحديدة) بالتمويل الحكومي للمشروع وبتكلفة إجمالية تصل إلى (307) ملايين دولار..
وقل أيضاٍ: كل هذا بفضل جهود ودعم قيادة وزارة النقل ممثلة بمعالي الدكتور واعد باذيب الذي سعى جاهداٍ للبحث عن التمويل المطلوب وبفضل دعم ومساندة قيادة وزارة المالية وقيادة المحافظة والعديد من الخيرين.
لافتاٍ إلى أن جوهر الخطة التحديثية فوفقاٍ للدراسات الخاصة بالمشروع فإن مكونات المشروع تتضمن إنشاء رصيف حاويات جديد بطول 600متر مصمم على أعماق تصل إلى – 16متراٍ وتعميق القناة الملاحية إلى – 12متراٍ وإنشاء حوض استدارة جديد بعمق – 12متراٍ وقطر 500متر .. وكذا إنشاء ساحات خراسانية لرص وتشوين الحاويات بمساحة (200000)متر مربع وإنشاء طريق أسفلتي جديد بطول (1.100) متر طولي يربط المحطة بشبكة الطرق القديمة وبوابات الخروج وكافة المرافق والبنى التحتية والفوقية المتعلقة بالمحطة الجديدة من مبانُ إدارية وورش وهناجر ومستودعات.. كما يتضمن المشروع إنشاء محطة كهربائية متكاملة وشبكات المياه والصرف الصحي ومنظومة مكافحة الحرائق ومركز للإطفاء وأسوار حماية وشراء وتوريد الآليات والمعدات التشغيلية الخاصة بالمحطة من رافعات جسرية وحاضنات ورؤوس قاطرة والمعدات البحرية ومن لنشات بحرية مختلفة وغيرها.
هوامـــــــــــــــــــــــــــــــــش:
– فيلم وثائقي عن اليمن والعلاقات الروسية اليمنية بثته روسيا اليوم: https://www.faisal-saeed.com/index.php?option=com_content&task=view&id=59&Itemid=15
– https://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D8%AD%D8%B3%D9%86_%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7_%D9%88%D8%AB%D9%88%D8%B1%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%85%D9%86
– https://samshpng.com/ar/index.php?option=com_content&view=article&id=97&Itemid=172
– https://www.albaldnews.com/news-print3432.html