
الشاوش الذي باع “بندقه” ليوصل شباباٍ أحراراٍ إلى عدن بدلاٍ من حملهم إلى المشنقة
حاوره / محمد راجح
14 سنة كانت كافية ليجد محمد العومري نفسه بين جموع المتظاهرين من مدرسة الأيتام للمطالبة بحقوقهم في ميدان “شرارة” التحرير حالياٍ بقلب العاصمة نهاية الخمسينات .
تحول اللواء محمد إلى متهم مع عدد من زملائه بعد إحراق عربة عسكرية أثناء المظاهرة وتم اقتيادهم إلى تعز للفصل بأمرهم من قبل الإمام الذي انتهى بعد سلسلة من الإجراءات والمغامرات إلى تهريبهم إلى عدن ومن ثم العراق كأول دفعة
يتشكل منها ضباط في العمل السري .
يكشف العومري في حديث خص به “الثورة” جملة من الحقائق التي ننفرد بنشرها حول تنظيم ضباط الأحرار والعمل السري وبعثة العراق إلى قيام الثورة السبتمبرية وما تلاها من مخاض عسير وتشكيل لجنة كان أحد أعضائها لبناء الجيش والأجهزة الأمنية … تفاصيل كل ذلك وقضايا هامة أخرى حول الثورة اليمنية في الحوار التالي :
¶ من هو محمد عامر العومري … الشعب يريد أن يعرف عن جنود الثورة المجهولين والمهملين والمهمشين¿
– إنا من أسرة متوسطة الحال أغلب أفرادها انخرطوا في الجيش من وقت مبكر كان والدي معارضاٍ للأسرة الحاكمة في اليمن لأنه كان يرى أن الأتراك كانوا أفضل لأنهم أوجدوا مدنية إلى حد ما بعكس هذا النظام الذي محى هذه المدنية.
اليمن بتاريخها الطويل لم تستقر ودائماٍ ما كانت هناك اضطرابات وكانت البلد عبارة عن أقاليم وهو ما يطالب به البعض الآن واعتقد أن هذا الأمر لن يحل المشكلة التي تمر بها البلد .
التحقت بفوج البدر عام 60 م قبل الثورة وكنت صغيراٍ في السن أتيت إلى فوج البدر من مدرسة الأيتام البدر كان يختلف عن أسرة حميد الدين كان متنوراٍ وبدأ يدخل أشياء جديدة على البلد وكان الحسن عمه يقف ضده وكان هناك انقسام كبير حتى داخل الأسرة الملكية مابين حسنيين وبدريين مراحل صعبة وشاقة عشناها صغاراٍ نناضل من أجل الوطن وكنا أول بعثة يتم إرسالها إلى العراق ويستقبلها عبدالكريم عارف بنفسه .
بعثة العراق
¶ نود أن تحدثنا عن بعثة العراق بتفاصيل أكثر ¿
– سافرنا العراق مطلع العام 62م وظلينا هناك قرابة 6 أشهر كانت المسألة في البداية هروباٍ من السجن بعدما حكم علينا الامام أحمد بالسجن وكنا في سن الرابعة عشر وكان الحكم علينا هو قطع رؤوسنا بعد أن نصل للعام 15 سنة .
السبب هو أنه حصلت مظاهرة وكانت الأخيرة وحدثت في العام 61 م , كان يقودنا حمود علي المحفدي بحكم انه أكبرنا سنا للقيام بمظاهرة بميدان “شرارة” الذي يسمى الآن بالتحرير وقمنا بإحراق عربة عسكرية وكانت أكبر جريمة بالنسبة لنا .
المظاهرة كانت عبارة عن مطالبات بتحسين أوضاعنا في مدرسة الأيتام ولكن تم إلقاء القبض علينا من قبل “شيخ الليل” صالح النعامي أوصلنا إلى مدير الأمن العام عبدالله الضبي والذي حاول أن يهربنا لكنه لم يستطع قاموا بإرسالنا إلى تعز على سيارة (لاند روفر) كانت تسمى “سان لاهب” كانت الطريق وعرة وكان عددنا عشرة أشخاص .
عندما وصلنا إلى تعز قام القاضي الشامي بإخبار الإمام عنا وقال له هؤلاء لديهم من يقودونهم ولكن عندما يصلون السن القانونية اقطعوا رؤوسهم .
ارسلونا بعد ذلك إلى سجن “السنارة” في صعدة وفي الطريق إلى هناك وعندما وصلنا إلى نقيل الغولة ” يبدو أن الشاوش الذي كنا برفقته راجع نفسه وصمم على تهريبنا فقام ببيع بندقه بنقيل الغولة إلى أحد المشايخ المعروفين بنضالهم ضد الإمامة وكان ابنه شهيداٍ قطع الإمام رأسه بثورة 55م باع البندق بـ 13 ريالاٍ وهربنا عن طريق عدن وصلناها بعد حوالي ثلاثة أسابيع مشياٍ .
عندما وصلنا عدن ذهبوا بنا غلى عند أحمد المروني ومحسن العيني والنعمان وذلك في منطقة المعلا والذين قاموا بالتنسيق لنا للدراسة هناك وبقينا حوالي شهر بعد ذلك قرروا إرسالنا لدراسة الأسلحة في العراق حيث كانوا على اتصال بعبدالكريم قاسم .
سافرنا إلى العراق عن طريق البحر نزلنا في منزل الرئيس عبدالكريم قاسم كان هناك اهتمام كبير بنا من قبل القيادة العراقية وقاموا بإرسالنا إلى مدرسة أسلحة في وحدة للجيش العراقي طلبوا منا نوعية الأسلحة الموجودة في اليمن من أجل أن يدربونا عليها مثل البشلي والجرمل والموزر ودربونا عليها إلى جانب أسلحة ثقيلة تعلمنا عليها مثل الدبابات والرشاشات المتوسطة والخفيفة .
استمرت فترة تدريبنا في حدود 6 أشهر وتخرجنا برتبة عريف وتم إعطاؤنا أسماء وألقاب مختلفة عن أسمائنا وألقابنا ومن ثم تم إعادتنا إلى عدن ومنها طلعنا مباشرة إلى صنعاء بواسطة ضباط أحرار منهم مراد زامل وعتيق الحدي ومحمد مطهر زيد وعلي عبده المغني وغيرهم .
وصلنا طبعاٍ صنعاء بأسماء مختلفة وقد استطاع خالي واسمه علي بن علي حمزة وكان من الشخيصات الدينية الجليلة والمشهورة بصنعاء من إلحاقي بفوج البدر ودفع علي 7 ريالات ودخلت مع زميل لي اسمه أحمد ناصر البخيتي وناجي بن علي القوسي وكان هناك تدقيق في الإجراءات الخاصة بالتحاقنا بفوج البدر حيث التحقنا كخلية من الخلايا التابعة لتنظيم الضباط الأحرار.
الخلايا السرية
¶ ماذا عن تنظيم الضباط الأحرار والخلايا السرية تحديداٍ كيف كانت تتم عملية إدارتها ¿
– تنظيم الضباط الأحرار صفين صف قديم وصف جديد وكان في الصف الجديد علي الحيمي وكان عبارة عن خلايا سرية منظمة للغاية وعدد أكبر خلية لا تتجاوز الـ 5 أفراداٍ .
كانت الاجتماعات تتم في بيوت محددة مثل بيت أحمد بيدر شقيق اللواء حمود بيدر يعني كان لكل خلية مقر وبعض الخلايا كانوا في “نوب” بدائر صنعاء كان من طبيعة أهل صنعاء الخروج للأكل في هذا المكان وكان هناك من يقوم بتأمين هذا المجلس مثل حمود المحفدي .
كانت الخلايا تنسق قيما بينها بواسطة شفرات معينة وكان الكثير لا يعرفون بعضهم بعضاٍ طبعاٍ حفاظاٍ على سرية التنظيم .
كان هناك دكان مشهور باسم ناصر الكميم كان هو المكان الذي توزع منه التنسيقات أو المهام وكان عبارة عن شبه غرفة عمليات إلى حد أنه كان يدفع فلوساٍ لبعض الأفراد لشراء ذخيرة الشيكي وتستخدم للدبابات مول 34 ” اسمها تكتاروف قديمة” المهم كان هذا السلاح الشيكي موجوداٍ مع فوج البدر علي عبدالمغني وكذا كان هناك مطهر زيد كانوا يقومون بجمع الذخائر إلى دكان الكميم.
في هذا الخصوص كانوا يستخدمونا كمراسلين من خلية إلى خلية وأبرز بيت للاجتماعات كان هو بيت علي أبو لحوم وكان المنزل الأكثر استيعابا للمناضلين. أما بالنسبة للخلايا فكان المنسق لها والموزع لتحركاتها هو علي عبده المغني ومعه محمد مطهر زيد ومعهم أحد الضباط النشطاء علي بن علي علاية ومحمد مرغم .
طبعاٍ بعد كل هذه الفترات من العمل النضالي تم تهميشنا وضاعت حقوقنا الوطن هو هاجسنا ومن أجله ناضلنا ولا يمكن أن يكون لدينا أدنى شعور مهما بلغت بنا المعاناة تجاه وطننا وطوال عملنا النضالي لم نجد من يفكر بما نسمع به اليوم من التفرقة شمال وجنوب الوطن كان دائماٍ موحداٍ ونضالنا في الشمال والجنوب كان نضالاٍ وكفاحاٍ موحداٍ تجاه الوطن .
لجنة الجيش
¶ ماذا عملت بعد قيام الثورة حدثنا عن هذه الفترة ¿
– بعد قيام الثورة كنت عضواٍ مؤسساٍ في اللجنة التنظيمية لبناء القوات المسلحة والأمن للتجنيد والاستطلاع وقمنا كذلك بتأسيس وإنشاء عدد من الأجهزة الأمنية منها إدارة البحث الجنائي والمباحث العامة وكان أول من تولاها محمد عبدربه السلامي في عام 68م .
عملنا جاهدين من خلال هذه اللجنة ومن مواقع ولجان وجهود أخرى على بناء جيش وطني قوي وعملنا على تشكيل الحرس الوطني وأكثر الضباط المتعلمين الذين كنا نقوم بتجنيدهم هم الذين جاءوا من عدن ومن مختلف المناطق اليمنية وكان منهم الطيارون والمحامون ومنهم من وصل لمناصب حكومية رفيعة .
التعليم كان يمثل معجزة في تلك الفترة لأنه منعدم تماماٍ في المناطق الشمالية الجهل كان هو الطاغي والمخيم على هذه المناطق كنا شعباٍ منسياٍ .
أما في الجنوب وبحكم الاستعمار البريطاني كان هناك تعليم لكن في الشمال لم يكن موجوداٍ ولهذا لم يسمع بنا الكثير في الخارج إلا بعد الثورة وعدن كانت المنطقة اليمنية الوحيدة المعروفة في الخارج وعندما تذكر عدن كانت اليمن كلها حاضرة وهي المعنية أما صنعاء كانت منسية رغم عراقتها وتاريخها والسبب الحكم الإمامي المتخلف.
طبعاٍ هناك تناقض في هذا الأمر لا نستطيع أن نقول إنه لم يتحقق شيء لأنه كان هناك شعب منسي مهمش .
لا نستطيع حالياٍ القول إن هناك جهلاٍ لكن هناك تجهيلاٍ انظر الآن هناك متاجرة بالقضايا الوطنية والناس الوطنيون مهمشون هناك أنانية كبيرة ومن تحمل المسئولية خانوا أمانة أنفسهم.
¶ ماذا عنكم بعد كل هذه الفترة من قيام الثورة ¿
– نحن بعد هذه الفترة أستطيع القول إننا “أموات أحياء” أموات على قيد الحياة يعني أول مرة تجد أن هناك أموات يأكلون ويشربون وهذا هو وضع مناضلي الثورة فنحن لسنا من أصحاب القبور ولا من الناس العايشين لكن رغم ذلك لانزال شامخين بأنفسنا وننظر إلى أنفسنا بشموخ وأفضل من هؤلاء الذين قضوا على الأخضر واليابس فنحن نراهم بأنهم هم أصحاب المقابر الحقيقية وضعنا وتهميشنا ومعاناتنا جعلتنا نشعر براحة ضمير بأننا لم ننهب ولم نعتد ولم نأكل حق غيرنا رغم أننا لم نحصل على حقنا القانوني الذي من المفترض أن نحصل عليه وكبرياؤنا منعنا من أن نطالب هؤلاء الذين يعتبرون أنفسهم أحياء من سلبهم لحقوق الآخرين لكنهم صغار وكبار فقط في النهب وطمس الحقائق والوقائع والسلب والاعتداء على حقوق الشعب هم فقط كبار في ضياع البلاد وفي التدمير وليس في التعمير كرسوا التفرقة والشتات التي قامت الثورة اليمنية المباركة للقضاء على مثل هذه الآفات .
نحن- مناضلي الثورة- كابدنا وعانينا ولنا بصمات في الشمال والجنوب وقدمنا تضحيات جسيمة بصمت من أجل الوطن لأن مبادئنا التي تعلمناها وتربينا عليها علمتنا أن ما نقدمه لوطننا هو واجب مفروض علينا .
جسد واحد
¶ برأيك ما القواسم المشتركة التي تجمع ثورتي سبتمبر وأكتوبر¿
– ثورتا سبتمبر وأكتوبر ثورة واحدة كلا منهما خرج من رحم الآخر كان هناك تكامل نضالي في كل شيء كنا كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعت له بقية الأعضاء وكنا هكذا في الفترات النضالية سواء قبل أو بعد قيام الثورتين المباركتين كنا شعباٍ واحداٍ في كل المناطق اليمنية وكان حلمنا الكبير يتمثل في تحقيق الوحدة العربية كان هدفنا دولة مدنية تحتوي الجميع وهنا أحب الإشارة إلى أن الدولة المدنية لا تعني إبعاد أو تهميش العسكر بل أن يشارك الجميع كلْْ في مجاله وكلْْ يقوم بدوره وأهم شروط الدولة المدنية بنظري هو القضاء استقلال القضاء يقود لدولة النظام والمؤسسات والمدنية .