المناضلة‮ “‬نوبة‮ ” ‬ترفع صوتها مدويا لرفض الحكم البريطاني‮ ” ‬والله ما نقبلك‮ ‬يا حكم مستر ناش‮”‬



المناطق الثائرة في‮ ‬الضالع ولحج تواجه ضربات الطيران الإنجليزي‮ ‬ببسالة

صنعاء تتعرض لأكبر نهب تاريخي‮ ‬يكلفها مليون و200‮ ‬ألف ريال فضي‮ ‬عقب فشل ثورة‮ ‬48م

لم تكن ثورتا الشعب اليمني‮ ‬سبتمبر وأكتوبر تنجحان لولا التضحيات الجسيمة التي‮ ‬بذلت رخيصة من قبل المواطنين الشرفاء على طول اليمن وعرضه فهذه الملحمة الكبرى اشترك فيها كافة أبناء الوطن جميعا في‮ ‬معاناة استمرت عدة سنوات بصبر وشرف‮ ‬‮ ‬فعلى الرغم من أن النفس كانت بالدرجة الأولى هي‮ ‬التضحية الجسيمة لانتصار الثورة وقوافل الشهداء تؤكد ذلك إلا أن الواقع الميداني‮ ‬يحكي‮ ‬أيضا أن تضحيات أخرى كانت اكثر بروزا خلال السنوات الأولى للثورة في‮ ‬الشمال والجنوب وكان الأبرز في‮ ‬هذه القواسم‮ ‬يكمن في‮ ‬ذلك الاندفاع الشخصي‮ ‬من أبناء اليمن قاطبة للتضحية بكل‮ ‬غال ونفيس من أجل تحقيق حلم الشعب في‮ ‬إقامة نظام جمهوري‮ ‬يرسي‮ ‬العدالة والمساواة بين الناس ويخرجهم من حكم عائلي‮ ‬يتيح لهم العيش الكريم والارتقاء بأبنائهم واقتصادهم وتعليمهم‮.‬
قصص واقعية‮ ‬يتحدث فيها أصحابها عن تضحيات جسام بذلها المجتمع اليمني‮ ‬من اجل تحقيق انتصار ثورتي‮ ‬سبتمبر وأكتوبر بتفاصيل دقيقة فمع التفاصيل‮.‬

مواجهة النهب
عاشت صنعاء خلال الستين عاما الماضية حدثين بارزين اثبتا مقدار التضحية التي‮ ‬منحت في‮ ‬سبيل نجاح التحرر من الحكم الفردي‮ ‬وتجلت الأولى خلال ثورة‮ ‬1948م فقد تعرضت صنعاء وعقب فشل الثورة الدستورية للنهب والسلب من جنود الإمام أحمد والقبائل المناصرة له وعلى مدى سبعة أيام لنهب محتويات منازل المواطنين دون هوادة وبموجب قرار حكومي‮ ‬اتخذه الإمام لشرعنة هذا الهمجية المفرطة في‮ ‬الحكم ويقول المرحوم محمد الزبيري‮ ‬احد رجال الأعمال المشهورين حينها في‮ ‬مذكرة خاصة عرضها علينا نجله الحاج عبد الرزاق الزبيري‮ ‬أن الخسائر الاقتصادية للمواطنين والتجار جراء نهب منازلهم وممتلكاتهم بحوالي‮ ‬مليون و200‮ ‬الف ريال فرانصي‮ ‬على الأقل لأن الوكالات التجارية الموجودة في‮ ‬سوق الملح نهبت تماما ماليا وعينيا ويقول كانت وكالتنا لتجارة المعدن بجوار سمسرة البوعاني‮ ‬وكان فيها أنواع كثيرة من الأدوات المنزلية المصنوعة محليا وغالية الثمن إضافة إلى بعض الأنواع التي‮ ‬كنا نجلبها من عدن وقد نهبت تماما من قبل القبائل وكنت أحاول منعهم الا انهم قيدوني‮ ‬في‮ ‬باب المخزن‮ (‬السمسرة‮ ) ‬واخذوا كل شيء‮.‬
الزبيري‮ ‬هذا كان داعما لثورة‮ ‬26سبتمبر فيذكر اللواء الحيمي‮ ‬في‮ ‬مذكراته انه كان رياضيا واجتماعيا كان‮ ‬يشارك الأدباء والمثقفين جلسة النادي‮ ‬الرياضي‮ ‬بجوار مسجد النزيلي‮ ‬وكان رحيما بالطلبة في‮ ‬المدرسة الثانوية‮ ‬يعطف على المساكين والمحتاجين منهم ويهديهم بعض الفراش والبطانيات ويقوم بتحمل علاج من مرض‮.‬
تكاتف ضد الحصار‮ ‬
عادت تضحيات اليمنيين للواجهة أيام حصار السبعين‮ ‬يوما والتي‮ ‬استمرت من‮ ‬28‮ ‬نوفمبر‮ ‬1967م إلى‮ ‬7‮ ‬فبراير‮ ‬1968م فخلال تلك الأيام كانت التضحية الاقتصادية هي‮ ‬الأبرز فمع اشتداد الحصار على صنعاء المركز التجاري‮ ‬والاقتصادي‮ ‬الأول لليمن كانت التأثيرات السلبية على الاقتصاد تتزايد بسبب العزلة الداخلية والخارجية‮ ‬وكانت البنى التحتية للبلاد كما‮ ‬يصف المؤرخ الدكتور محمد الدبي‮ ‬الشهاري‮ ‬تعتمد على الاقتصاد العائلي‮ ‬وعلى الزراعة البدائية‮ ‬وسببت اعتداءات الملكيين ومحاولاتهم الانقضاض على الثورة إلى ضعف الاقتصاد أضف إلى ذلك تفاقم أعمال قطع الطرق وحصار صنعاء مما أدى إلى قلة أو انعدام وصول الإمداد والتموين‮ ‬لكن المدينة الصامدة لم تستسلم‮ ‬فقد أخرج سكان صنعاء كل مالديهم من مخزون سلعي‮ ‬وساعدوا المدافعين بكل ما كانوا‮ ‬يطلبونه‮ ‬وتحول الكثير من أبناء العاصمة إلى مقاومة شعبية‮ ‬والتحق البعض بالقوات المسلحة أو الأمن‮ ‬وفرضت الرقابة على النشاط التجاري‮ ‬وعلى الأسعار التي‮ ‬تم تحديدها والالتزام بها كما تم مصادرة السلع المخفية‮ ‬ورغم انقطاع العاصمة عن العالم الخارجي‮ ‬إلا ان المحافظات الأخرى دفعت المساعدات بالمواد الأساسية والذخيرة والرجال بطرق مختلفة‮ ‬وكان للطيران المدني‮ ‬دوره الكبير‮ ‬إذ قام بنقل الذخيرة والمواد الأساسية من الحديدة إلى صنعاء بصورة مستمرة رغم المخاطر التي‮ ‬كان‮ ‬يتعرض لها من نيران الملكيين‮ ‬وكانت تهبط الطائرات في‮ ‬بعض الحالات في‮ ‬شوارع صنعاء مغامرة من الطيارين الذين‮ ‬يصرون على إيصال المدد للمدافعين‮ ‬وخاصة الذخيرة التي‮ ‬كانت بالنسبة للمدافعين قضية حياة أو موت‮.‬
تضحية ضد الاستعمار
كانت التضحية ضد الاستعمار الإنجليزي‮ ‬في‮ ‬جنوب الوطن تتوالى خلال الستينيات فمع قيام ثورة‮ ‬26‮ ‬سبتمبر في‮ ‬الشمال كان المد الثوري‮ ‬يتزايد في‮ ‬الجنوب ويروي‮ ‬عدد من المؤرخين إن تضحيات سجلت لمواطنين كانوا‮ ‬يعيشون في‮ ‬الحدود وهم ابناء الضالع بحكم كونهم في‮ ‬المناطق الحدودية بين الشطرين فقد خاف الإنجليز أن‮ ‬يتأثروا بما‮ ‬يحدث من ثورة شعبية في‮ ‬الشمال ومساع لإقامة نظام جمهوري‮ ‬لهذا وضعوا كل اهتمامهم على أن لا‮ ‬يتأثر أبناء الضالع بما‮ ‬يجري‮ ‬في‮ ‬الشمال من ثورة ونضال فعملوا على ترهيبهم تارة بالقوة عبر ضربهم بالطائرات الحربية وأخرى بالرغبة كما‮ ‬يقول المؤرخ محمد صالح القلاعي‮ ‬مشيرا إلى أن القواعد الإنجليزية العسكرية كانت موجودة بكثافة داخل الضالع أكثر من أي‮ ‬مكان آخر وعندما هب عدد من أبناء قبائل الضالع لدعم الثورة الأم سبتمبر فوجئوا أن البريطانيين قد اخذوا أسماء المسافرين وحددوا هوياتهم ولهذا كان من‮ ‬يعود من النضال‮ ‬يتم إلقاء القبض عليه ويودع السجن وكان الإنجليز وأعوانهم‮ ‬يقمون بالتعنت ضد الأسر التي‮ ‬يوجد من أبنائها من‮ ‬يشترك في‮ ‬الحرب على جبهات الثورة ويقومون بالتعسف ضدهم واستجوابهم والتنكيل بهم واحيانا كانوا‮ ‬يحاكمون الأسر بتهمة التخابر والاشتراك في‮ ‬حرب مع الأعداء‮.‬
المناضلة‮ »‬نوبة‮«‬
في‮ ‬مكان ما من لحج تسجل فتاة‮ ‬يمنية قصة بطولية لمناضلة جسورة من قرية القرين الذنبة وادي‮ ‬ذي‮ ‬ردم حبيل جبر ردفان بلحج أنها المناضلة نوبة فهي‮ ‬من قالت بيت من الشعر في‮ ‬وجه مستر ناش البريطاني‮ ‬قائد الحملة العسكرية التي‮ ‬اجتاحت وادي‮ ‬ذي‮ ‬ردم في‮ ‬العام‮ ‬1964م فقالت لهم وهم‮ ‬يقومون بالحملة العسكرية المستفزة‮ ((‬تحكم على الجربة وتحكم على القراش والله ما نقبلك‮ ‬يا حكم مستر ناش‮ )) ‬في‮ ‬إشارة لرفضها للاحتلال البريطاني‮.‬
وتذكر المواقف البطولية للمناضلة نوبه أنها من حرض رجال وقبائل الوادي‮ ‬لقتل جنود وضباط بريطانيين دخلوا صباحا وادي‮ ‬ذي‮ ‬ردم إلى قرية الذنية وكان الجند‮ ‬يجوبون المنطقة فذهبت المناضلة نوبه إلى رجال القبائل وطلبت منهم قتل الجنود ووضع كمين وأخذت تصيح فيهم وتحرك فيهم روح الغيرة والحماسة تجاه وطنهم المحتل وقالت‮ : ‬صراحةٍ‮ ‬إذا لم تقوموا بقتل كلاب الاستعمار سوف نقوم نحن النساء بذلك‮.‬
عدن
كانت المخابرات البريطانية تتبنى أساليب وحشية لتعقب الثوار الذين‮ ‬يدعمون الثورة والجمهورية في‮ ‬شمال الوطن فعن طريق مخبرين محددين كان‮ ‬يتم معرفة المشاركين وأيام سفرهم ووجهتم وبعد ذلك كانت تلك الأجهزة تقوم بتعقب أسرهم والضغط عليها بوسائل وحشية وترغمهم بكتابة رسائل لأولادهم المشاركين في‮ ‬جيش الجمهورية بالعودة فورا والا فإن الأب أو احد الأخوة سيتم رميه في‮ ‬السجن‮.‬
في‮ ‬خضم هذه القصص‮ ‬يكشف المؤرخ سعيد الجناحي‮ ‬كيف أن الإنجليز قاموا باعتقال وسجن وضرب المئات من الثوار الجنوبيين جراء اشتراكهم في‮ ‬النضال مع إخوانهم الشماليين وحسب مضامين تقارير رصد المخابرات البريطانية لتحرك الثوار ودعم الثورة والجمهورية في‮ ‬شمال الوطن لهم بعد أن شكلت ثورة‮ ‬26‮ ‬سبتمبر قاعدة إسناد للحركة الوطنية في‮ ‬الجنوب‮.‬
فمنذ أن وجه مجلس قيادة الثورة في‮ ‬صنعاء نداء إلى أبناء الشعب اليمني‮ ‬في‮ ‬شمال الوطن وجنوبه‮ ‬يناشدهم فيه الدفاع عن الثورة أمام العدوان المبكر ضدها‮ ‬وفي‮ ‬ضوء ذلك النداء الصادر‮ ‬يوم الـ‮ ‬30‮ ‬من سبتمبر عام‮ ‬62م هب الآلاف من الوطنيين من مختلف المحافظات وخاصة من عدن المدينة‮- ‬التي‮ ‬يمثل سكانها كل مناطق اليمن‮- ‬ومن ردفان والضالع ويافع‮ ‬وتدفقوا إلى معسكرات التدريب في‮ ‬تعز‮ ‬حيث فتح لهم معسكراٍ‮ ‬هناك بقيادة الملازم محمد الخاوي‮ ‬وكانت عملية التدريب تتم بشكل سريع‮ ‬ويتم تكوين فرق مسلحة وإرسالها إلى العاصمة صنعاء‮.‬
وادي‮ ‬جلة
وفي‮ ‬وادي‮ ‬جلة بردفان الشموخ تجلت صورة رائعة للتلاحم بين أبناء الوطن شماله وجنوبه‮ ‬يقول المناضل سعيد الغزالي‮ ‬الضابط السابق في‮ ‬المقاومة في‮ ‬هذا الوادي‮ »‬الجلة‮« ‬كان الجيش البريطاني‮ ‬قد قبض على أحد الأخوة المقاتلين من الشمال مع سلاحه عن طريق الخديعة‮ ‬وعاد جنود المستعمر في‮ ‬نفس اليوم إلى منطقة الحبيلين‮ ‬فتحركنا نحن مساء ذلك اليوم توزعنا على قمم الجبال المطلة على وادي‮ »‬المصراح‮« ‬وفي‮ ‬صباح‮ ‬يوم‮ ‬14‮ ‬أكتوبر كنا قد أخذنا مواقعنا في‮ ‬الجبال واستعدينا لصد الجيش البريطاني‮ ‬بمجرد محاولته الدخول إلى المنطقة‮ ‬وفعلا بدأنا نشاهد بعد الثامنة صباحا تحرك بعض الآليات العسكرية من الحبيلين في‮ ‬اتجاه وادي‮ ‬المصراح‮ ‬وعندما وصل الجيش البريطاني‮ ‬إلى الوادي‮ ‬بدأ الاشتباك واستطعنا أن نهزمه على الرغم من عدم تكافؤ المعركة‮.‬
أدلة‮ ‬
يورد الدكتور عبدالعزيز المقالح عدة أدلة على التضحيات الجسيمة التي‮ ‬بذلها اليمنيون في‮ ‬سبيل نجاح الثورة فيؤكد أن اليمنيين صابرون ويحتسبون صبرهم تضحية لله وأول المضحين الذين بذلوا نفوسهم ووقتهم كان المدنيين الذين كانوا‮ ‬يخرجون للتظاهرات في‮ ‬عدن وغيرها فمع إعلان الثورة من إذاعة صنعاء كانت التظاهرات أقوى في‮ ‬عدن بما لا‮ ‬يقاس من تلك التظاهرات التي‮ ‬خرجت في‮ ‬صنعاء وهذه المظاهرات تعرضت لقمع شديد من قبل الاحتلال واستخدم فيها الذخيرة الحية والقنابل المسيلة للدموع بشراسة وكان الشعب اليمني‮ ‬مواجها لتلك الآلة بصبر وثبات ويقول إن الفرح الذي‮ ‬غمر المواطنين في‮ ‬عدن وفي‮ ‬جنوب البلاد بأكمله كان أضعاف الفرح الذي‮ ‬غمر المواطنين في‮ ‬صنعاء وبقية المدن والقرى في‮ ‬هذا الشمال من الوطن‮. ‬وكان المواطنون في‮ ‬جنوب البلاد‮ ‬يدركون منذ اللحظة الأولى أنها ثورتهم وأن أركان الاحتلال بدأت تتهاوى‮ . ‬
ويشير الدكتور المقالح إلى ما‮ ‬يستحق التوقف ضمن هذه المسلمات المجمع عليها أن على اليمنيين أن‮ ‬يتذكروا الآن وبعد اكثر من خمسين عاماٍ‮ ‬من التجارب والمد والجزر‮ ‬كيف استطاعوا بوحدتهم ونضالهم المشترك أن‮ ‬يحققوا نصراٍ‮ ‬كان مستحيلاٍ‮ ‬للثورة‮ ‬وأن‮ ‬يكبدوا أعداءها خسائر فادحة في‮ ‬المال والرجال والعتاد وأن‮ ‬يزرعوا في‮ ‬نفوس أولئك الأعداء إحساساٍ‮ ‬بالغاٍ‮ ‬بالهزيمة المعنوية والمادية‮ ‬ويقول إن مرور اكثر خمسين عاماٍ‮ ‬على ذلك الانتصار العظيم كفيل بأن‮ ‬يبعث برسالة إلى كل مواطن‮ ‬يحب هذه الأرض ويريد لها التقدم والازدهار مفادها أن ما بدأ واحداٍ‮ ‬لابد أن‮ ‬يستمر كذلك واحداٍ‮ ‬إلى أن‮ ‬يرث الله الأرض وما عليها‮ ‬فالوطن أبقى من كل أبنائه وأسمى من أن‮ ‬يتقسم ويتشرذم وتتبدد إمكاناته الاقتصادية المحدودة‮.‬

قد يعجبك ايضا