رشا محمد
ارتبط شهر رمضان في قلوب الناس بقدسيته لذا تلاحظ الناس أكثر روحانية في هذا الشهر الفضيل، وفي إب يقول أبناء إب ذكريات رمضان الجميلة لا تمحى من الذاكرة، بالذات في مرحلة الطفولة أطفال يستقبلون رمضان إلى جانب الكبار بحفاوة بالغة ويجتمعون في الحارات ويذهبون للتمسية ودق المرافع وترديد الأهازيج والانتقال من بيت إلى بيت آخر لحصد الهدايا والنقود والتمر والحلويات بعد العشاء ويرددون .
يا مساء جينا نمسي عندكم يا مساء أسعد الله المساء. كما تقام السمرات في الدواوين والمناطق المخصصة للسمر ومدارسه القرآن والشعر، وترديد القصائد الصوفية والروحانية في مدح رمضان والرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ونردد مع الكبار كل ذلك إلى جانب الأذكار والأناشيد.
كان يغلب عليهم التصرفات البريئة والشقاوة الطفولية التي لم تعد في أطفالنا اليوم، كما يعتبر بيت الجد مكاناً لتجمع الناس وإقامة السمر فيه والجدة تعمل «قصيص» وهو وعاء فخاري تعمل فيه الشربة البلدي ليتناولها السمار في بيت الجد عند انتهاء السمر، والصعود إلى السقف وضرب المرافع والطبول أو المشي وسط البيوت والأحياء ودق الطبول لإيقاظ الناس للسحور .
وتختلف الأجواء الروحانية وطبيعة الحياة في رمضان بين الريف والمدينة في محافظة اب فالمدينة تشهد الكثير من التعقيدات والصعوبات في ظروف العيش والحياة والمأكولات ومستلزمات رمضان، فيما الريف يكون أكثر بساطة وروحانية، فمائدة الريف في رمضان إب معظم مأكولاتها بلدية ومن الزراعة أو مما تنتجه الأسرة (القمح – السمن – اللبن – البيض – الخضار) كل ما تشهده المائدة الرمضانية الريفية.
أهم ما يمكن أن أقوله هنا افتقاد الناس للاجتماع والتقاء الأسر المركبة اجتماع الأسرة في بيت الأب أو الجد أصبحت الحياة باستقلالية تامة كل يعيش لمفرده.
وكان الأكل في مائدة رمضان يغلب عليه خصوصاً في الريف الأكل من الإنتاج المحلي أو ما تسميه بالبلدي، لكن حالياً خصوصاً في المدن تنامي الاستهلاك وانشغال الناس في قوت الحياة ومستلزماتها يجعلنا جميعاً نشعر بالعبء خصوصاً في رمضان نظراً لكثرة حاجياته.
و في مدينة إب القديمة بعضاً من الطقوس التي تعد نادرة في بعض الأماكن موجودة لدى ساكني إب القديمة، ففي أواخر أيام شعبان يكون هناك يوم يسمى يوم «يا نفس ما تشتهي» حيث تقوم بعض الأسر بإعداد الأطعمة المتنوعة وتجتمع الأسر لتناولها كعادة يجسدون فيها توديع أيام الفطر والوجبات والأطعمة – لاستقبال شهر الخير والصيام.
كما كانت تتضمن بعض الأبيات الشعرية من رمضان أن يجود عليهم بالمال كما يجود عليهم بالخير والبركات والنفحات الإيمانية كقولهم:
يا رمضان يا أبو الحماحم: أدي لنا قرعة دراهم!!
هذا جانب الاستقبال والحفاوة في الريف ، لكن ما يتعلق بالوجبات كانت وجبة “اللحوح” هي الموجودة بشكل ملفت في الريف وخصوصاً في رمضان كانت نساء القرى أكثر من يهتم بروحانية رمضان والتألق فيه فكانت كل أسرة تهتم بأوضاع جيرانها وتبادل الوجبات والهدايا والأطعمة وأنا كنت طفلاً أذكر أني كنت من أهم المراسلين لوالدتي لتقديم الخدمات والمنافع بينها وبين الجيران في توزيع اللحوح والأطعمة، في حين لا نلمس الكثير من ذلك في المدينة التي تعج بصخب العيش وانشغالات الحياة أكثر من الريف..
وفي أمسيات شهر رمضان يجمع الديوان الذي يجتمع فيه أهل القرية ومن القرى المجاورة وكنا نقيم ما يسمى «بالوترية» وهي احياء ليالي رمضان بقراءة القرآن والقصائد والشعر والأدب والمواعظ حتى قرب السحور، ثم يقوم البعض بدق الطبول والمرافع إيذاناً للناس بوقت السحور..
لكن هناك ممن تحدثوا بأنهم الآن فقدوا تلك الروحانية والطقوس الجميلة التي كانوا يشهدونها، نظراً لتطور سبل العيش وزادت المشاكل وقل الوعي لدى الناس فانشغلوا بالتفاخر والتباهي في العيش ونسوا الطقوس الروحانية التي فيها السعادة الحقيقية .. فالمأكولات كانت في الماضي خصوصاً في الريف كلها من المال والحيوانات التي يربونها في المنزل و اللحوح يصنع من الذرة والشربة والبر والبيض والدجاج واللبن والسمن وكل ما يأكلوه مما تنتجه بيوتهم ، ولم يكونوا يعرفون الأمراض والأسقام والأوجاع التي نجدها حالياً..
Next Post