دمشق/ وكالات
لقد خيّم الجمود على نتائج الاجتماع الثاني عشر الذي عقد في العاصمة الكازاخستانية “آستانا” قبل عدة أشهر وأصبح من الواضح أن الدول التي شاركت في ذلك الاجتماع من أجل التوصل إلى حلول جذرية للقضية السورية وصلت إلى طريق مسدود ولم يعد بمقدورها التحرّك باتجاه إنجاح جميع البنود التي تم التوافق عليها والالتزام باتفاق وقف إطلاق النار لإنهاء الأزمة في سوريا ،وحول هذا السياق أفادت العديد من المصادر المحلية السورية بأن قضية إدلب كانت النقطة الرئيسة لتلك المفاوضات التي تسبّبت في حدوث انقسامات بين مصالح الجهات الفاعلة الأجنبية الداعمة لجبهتي المعارضة السورية والحكومة السورية الشرعية ،ولفتت- تلك المصادر –إلى أن قضية إدلب تعتبر العامل الأهم الذي سيحدد مصير القضايا الرئيسة الأخرى في سوريا.
على الرغم من الجهود الدبلوماسية التي بذلتها الحكومتان التركية والروسية عام 2018م لحلّ الأزمة السورية المتمثلة في إنهاء وجود الإرهابيين في مدينة إدلب السورية وإنشاء منطقة عازلة للحدّ من التوترات في هذه المدينة، إلا أن هذه الجهود في نهاية المطاف ذهبت أدراج الرياح.
وبموجب ذلك الاتفاق تقرر إنشاء منطقة عازلة خالية لعمق يتراوح بين 15 و20 كيلومتراً من خطوط التماس بين الجيش السوري والمعارضة المسلحة شمال غرب سوريا، وتم الاتفاق على أن تنسحب الجماعات المسلحة والجيش السوري من هذه المناطق، وكانت المرحلة الأولى في هذا الاتفاق هي إنشاء منطقة خالية من الأسلحة حول مدينة إدلب؛ وفي المرحلة الثانية كان من المقرر جمع الأسلحة الثقيلة، وفي المرحلة الثالثة تبدأ المؤسسات الحكومية السورية أنشطتها قبل نهاية عام 2018م.
ومع ذلك، وبعد فترة قصيرة من تراجع هذه القوات المسلحة قامت جماعة تحرير الشام الإرهابية باستغلال هذا الفراغ والسيطرة على جزء كبير من هذه المدينة، وبالتالي تمكّنت تلك الجماعة الارهابية من السيطرة على المزيد من الموارد الاقتصادية والتجارية (مثل المواد الغذائية والمنتجات النفطية) الأمر الذي أدّى إلى زياد قوتها ونفوذها، ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد بل شرعت تلك الجماعة الإرهابية في إمطار المدنيين بالكثير من الصواريخ والقنابل لإرغامهم على ترك منازلهم ومغادرة هذه المنطقة ولهذا لم تتمكن المنظمات الإنسانية من إدخال المساعدات الطبية والإنسانية إلى تلك المنطقة، والآن أصبح سكان تلك المناطق يعانون مجاعة كبيرة في ظل النقص الحاد في العديد من السلع الأساسية والأدوية، وأصبحت إدلب ملاذاً آمناً للجماعات المتطرفة الأخرى المرتبطة بتنظيم القاعدة وداعش.
في هذه الظروف يبدو أن إخفاق تركيا المتكرر في الوفاء بالتزاماتها أدى إلى انزعاج الجانب الروسي واستعانته بالنهج العسكري الذي طالبت به دمشق وقوات المقاومة في وقت سابق لبدء عملية تحرير هذه المدينة المهمة من أيدي الجماعات الإرهابية في أقرب وقت ممكن.
وهذا الامر تؤكده تصريحات الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” التي عبّر فيها يوم السبت الماضي بأنه لا يستبعد شن عملية عسكرية شاملة في محافظة إدلب شمالي سوريا، إلا أنه أشار إلى أن هذه العملية ليست ملائمة الآن.
وأضاف الرئيس الروسي إن على قوات بلاده- التي تدعم الجيش السوري- الاستمرار في المعركة ضد الإرهاب في إدلب، مؤكداً على ضرورة التفكير في المدنيين قبل اتخاذ قرار بشن هجوم شامل في إدلب.
كما شنّ بوتين هجوماً على المعارضة السورية، محمّلاً إياها مسؤولية فشل تشكيل اللجنة الدستورية خلال الجولة الأخيرة من آستانا، وزعم “بوتين” أن الاتهامات الموجّهة للرئيس بشار الأسد بعرقلة انطلاق عمل لجنة الإصلاحات الدستورية عارية عن الصحة، حيث قال: “أستطيع القول إن المعارضة هي من يعرقل ذلك”.
وأضاف “بوتين”، إن روسيا ستعمل مع الحكومة السورية والمعارضة للانتهاء من تشكيل لجنة لصياغة الدستور في إطار مساع للتوصل إلى تسوية سياسية.
ولفت إلى أن موسكو ساعدت القوات السورية في استعادة السيطرة على معظم أنحاء سوريا خلال الحرب المستمرة منذ ثمان سنوات، وهنا تجدر الإشارة إلى أن هذه المواقف الروسية طالبت بها الحكومة السورية ممثلة بالرئيس “بشار الأسد” في وقت سابق.
من جهة أخرى ذكرت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) يوم السبت الماضي 27 أبريل 2019م، في تقرير نشرته أن القوات السورية شنت العديد من الهجمات العسكرية على الجماعات الإرهابية، ووحدات الجيش السوري الكردية في عدة قرى وفي مناطق تابعة لريف حماة الشمالي ردّاً على الانتهاكات المتكررة التي قامت بها تلك الجماعات الإرهابية للاتفاقات السابقة ،وجاءت تلك العمليات بعدما صرّح وزير الدفاع السوري “علي عبد الله” قبل عدة أيام عن استعداد القوات المسلحة السورية لاستعادة المناطق التي ما زالت خارجة عن سيطرة الحكومة والتي تقبع تحت سيطرة الجماعات الإرهابية ، وسبق هذه التصريحات تصريحات مماثلة لنائب وزير الدفاع السوري العماد “محمود الشواء” الذي أكد في مقابلة له مع راديو “سبوتنيك” أن “قضية تحرير إدلب هي قضية أساسية ويجب القضاء على الجماعات الإرهابية قبل البدء بأي عملية سياسية”.
بالنظر إلى كل تلك التصريحات الرسمية والمواقف السياسية، يمكن القول هنا إن استهداف مواقع الجماعات الإرهابية وخطوطها الأمامية وتنفيذ عمليات لتحديد الهوية من قبل الجيش السوري وتوفير الظروف الملائمة لفضح استخدام الإرهابيين الأسلحة الكيميائية تعتبر من أبرز الأدلة على اقتراب موعد البدء بعملية عسكرية في مدينة إدلب السورية، خاصةً أن محادثات آستانا وصلت إلى جدار مسدود.