الحرية الاقتصادية وتعميق ظاهرة الفقر (1)
د/ هشام محمد الجنيد
إن الغاية من الثقافة القرآنية التي حرص- كل الحرص- الشهيد القائد / حسين بدر الدين الحوثي -رضوان الله عليه- على الاهتمام بها كواجب ديني كوننا مؤمنين ، هي للتحصين من الثقافات والمعتقدات الدينية الخاطئة وللتحصين من أهداف التضليل الديني والسياسي والاقتصادي وغيره ، من أجل التوجه والحركة في مهامنا ومسؤولياتنا على ضوء المبادئ والتعليمات الإلهية الفطرية الإنسانية العظيمة المقدسة، وأهم مسؤوليات الجهاد في سبيل الله الواقعة على كاهل الدولة والفرد هو الجهاد في سبيل الله بالمال والنفس ، وهو وجوب الجهاد في سبيل الله ضد العدوان السعودي الأمريكي وحلفائه المعتدين على بلادنا منذ أربع سنوات ضد الحصار والحرب الاقتصادية التي يشنها هذا العدوان السافر علينا جميعا، والغاية هي أيضاً للدفاع عن سلامة الدين ونصرته وللدفاع عن البلد وأبنائها وثرواتها وتحرير كل التراب الوطني من المهرة إلى صعدة ، بل تحرير كل الأراضي اليمنية والدخول في مرحلة البناء الحقيقي الشامل على قاعدة التوجه والإخلاص في سبيل الله في المجالات العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية والزراعية والصناعية و.. إلخ..
والتوجه على هذا النحو هو من ذات الأعمال الصالحة التي يفترض تنظيمها على أساس مبادئ وتعليمات القرآن الكريم . على سبيل المثال التوجه في النظام الاقتصادي الإسلامي للدولة لا يعتمد على نهج الحرية الاقتصادية (التوجه الرأسمالي) ولا يعتمد على الاقتصاد المركزي (التوجه الاشتراكي) ، بل يقوم على وجوب تدخل الدولة ومشاركة الفرد (القطاع الخاص) معا في التنمية الاقتصادية وفي إطار الخطط الاستراتيجية والسياسات التي ترسمها الدولة وتحت رقابتها ورقابة الرأي العام، وهذا التوجه يسمى مبدأ التوجه الاقتصادي المتوازن ، ويضمن في ظل نظام ولاية الأمر ، يضمن: عدم سيطرة واستغلال الأعداء والمنافقين على ثروات البلاد ، يضمن تحقيق مصلحة المجتمع والفرد ، يضمن تحقيق التوازنات الاقتصادية والمالية والاجتماعية ، يضمن بناء قوة عسكرية وأمنية شاملة ، يضمن تطوراً تكنولوجياً وغيرها من عوامل بناء الدولة العادلة القوية .
لقد كان التوجه الاقتصادي للنظام الاقتصادي إلى قبل إعلان اليمن الاستقلال في الثورة السبتمبرية العظمى 2014م قائما على أساس الحرية الاقتصادية ووفق توجيهات الأنظمة الرأسمالية الشيطانية وبرامج أدواتها -البنك والصندوق الدوليين- الأمر الذي أدى إلى تخلي الدولة عن قيامها بمسؤولياتها الاقتصادية ، وهو ما يعني مخالفة مبادئ القرآن الكريم الاقتصادية والمالية، حيث ترتب على هذا التخلي هيمنة المتنفذين على السلطة وأسيادهم أولياء الشيطان – الفاسقون من أهل الكتاب وعلى وجه الخصوص اليهود – على ثروات البلاد السيادية ، ولم يؤد هذا التوجه الفاسد إلى تكوين اقتصاد مواز ، بل تجاوز هذا المفهوم ، إذ أن احتياطي الدولة من العملات الأجنبية طيلة سنوات الحكم السابق وتحديدا منذ تطبيق برنامج الإصلاح الهيكلي للصندوق والبنك الدوليين كان يمثل نسبة زهيدة جدا من أرصدة وممتلكات أحد صغار المتنفذين على القرار السياسي والاقتصادي .
ومن أهداف مخطط التوجه الاقتصادي الشيطاني: ديمومة غياب الاهتمام بالبحث العلمي ، ديمومة ضعف البنية الاقتصادية وبالتالي ضعف كيان الدولة دفاعيا وعسكريا وأمنيا ، وبقاء المركز المالي للدولة (الاحتياطات النقدية للعملات الأجنبية) ضعيفا جدا ، ديمومة غياب الاهتمام بالبحث ، طبقة محدودة تعيش واقع الغنى الفاحش ، حرمان الشعب من نعيم ثرواته وعيشه واقع الأزمات الاقتصادية والفقر ، وبالتالي سهولة تطويع عامة الناس والطلاب وانخراطهم في التعبئة الدينية الخاطئة (الإسلام المنحرف) من خلال استغلال واقع الفقر بتغطية المتطلبات المعيشية وغيرها من المنافع المادية للعناصر المغرر بها وللعناصر المراد استقطابها إلى هذا الفكر الوهابي ، استغلال المرتزقة في الحروب المخطط لها لاحقا في المنطقة وفي بلادنا . وهو الأمر الذي حصل ، حيث استغل العدوان السعودي الأمريكي وحلفاؤه من المرتزقة اليمنيين منذ بداية العدوان على بلادنا استغل عشرات الآلاف من اليمنيين وغيرهم من المرتزقة من جنسيات دول مختلفة .
إذن، ضعف الأوضاع الاقتصادية والمالية والاجتماعية في بلادنا الموروثة من النظام السابق ، ناتج عن : اتباع النظام الظالم ما يسمى مبدأ سياسة السوق الحر ووفق فلسفة النظام الرأسمالي الاحتكاري وبالمسار الذي تم التخطيط له في بلادنا من قبل مؤسسات التمويل الدولية ، وفي ظل استشراء ظاهرة الفساد المالي والإداري .
إن مخالفة النظام مبدأ التوجه الاقتصادي المتوازن ، بل وعدم تطبيقه المبادئ الإسلامية الاقتصادية والمالية ، إنما هو تطبيق عملي لما يسمى مبدأ فصل الدين عن الدولة، وهذه التوجهات العوجاء المتناقضة مع التوجه في سبيل الله إنما هي تجسيد لتغييب الإلمام بالثقافة القرآنية ، وتجسيد لغياب ترجمة العقائد الإسلامية في الواقع العملي، وهو الأمر الذي ساعد في غياب إدراك خطورة التوجه الاقتصادي في مسار الحرية الاقتصادية وفي إطار نظام رأسمالي احتكاري .
ومن ضمن الغايات والفوائد المترتبة على الإلمام بالثقافة القرآنية المستفادة من دروس “هدي من القرآن الكريم ، هي استيعاب ومعرفة : من نحن (كمؤمنين) ومن هم (الأعداء) ؟ . وبالتالي ما يجب السير عليه في كل المجالات السياسية والعسكرية والعلمية والاقتصادية والمالية والتعليمية و…إلخ، لكي نعيش واقع الاستقلال السياسي والاقتصادي ، نعيش واقع العزة والقوة والكرامة والإباء .
ومن هنا يتضح الأمر : لماذا تم تصفية الشهيد القائد رضوان الله عليه ؟ ولماذا شن العدوان السعودي الأمريكي وحلفاؤه الحرب على بلادنا في مارس 2015م ؟ .
إذن ، مبدأ التوجه الاقتصادي المتوازن يعد من أهم المبادئ الاقتصادية الإسلامية الهامة ، وجميع هذه المبادئ والأسس تتبلور ضمن فلسفة عامة للحياة في إطار مشروع مجتمعي شامل، وتطبيقها في ظل ولاية الأمر يؤدي إلى بناء دولة عادلة قوية في مختلف المجالات ، وسهولة قيام الدولة بمسؤولياتها وأهمها سلامة الدين والدفاع عن البلاد وثرواتها وأبنائها وتوزيع الثروة بناء على ضوابط عادلة ، وتحسين القدرات الشرائية للمواطنين ، وتحقيق التوازنات الاقتصادية والاجتماعية ومنها مجانية التعليم وسهولة انتفاع المواطنين بالرعاية الصحية وغيرها من الخدمات .. والله ولي النصر والتوفيق .. نسأل الله أن ينصر إخواننا المجاهدين أبطال الجيش واللجان الشعبية، والمقاومة الإسلامية في المنطقة على أعداء الإسلام والأوطان والإنسانية.. إنه سميع الدعاء.