*مكة تحولت إلى نطاق تجاري استثماري محوط بالفنادق وناطحات السحاب ومراكز التسوق
*حالة من “السخف المعماري” والابتذال الفني والجشع المادي هي مُلخص حركة العمران في مكة منذ عقود
*الحج يجب أن لا يقود إلى التأثير سلبياً على مالية الأفراد واقتصاديات بلدانهم.
*إيرادات الشعيرتين مهمة إلى درجة أنها ستصبح قريباً مساوية لإيرادات النفط
الثورة/ ..
إن خطط الاستثمار العقاري بآلاف المليارات والتي تحقق فوائد اقتصادية ومادية تجعل فكرة التوسعة العمرانية لاستيعاب عدد أكبر من المعتمرين والحجاج غير منطقية مقارنة بكونها مشاريع استثماريّة ضخمة!
الأكثر خطورة هي التبريرات الدينيّة والفتاوى المُغرضة التي سهلت عملية “لاس فيغاسية” مكة، فقد أفتى البعض بجواز اعتبار صلاتك وحدك في غرفتك المطلة على الحرم كصلاة جماعة، وبالتالي لا تضطر للنزول إلى ساحة المسجد الحرام وتكبد مشقة الاحتكاك مع جموع المسلمين”وكانت الزيارة التي قام بها محمد بن سلمان مؤخرا إلى المسجد الحرام برفقة كتيبتين من حراسته الشخصية قد أثارت ردود أفعال واسعة في الأوساط الإسلامية خاصة وأن بن سلمان صار علمانيا منفتحا ومطبعا مع الصهاينة وينظر لمكة بنظرة التاجر وليس الخادم.. إلى التفاصيل:
عن الحفاظ على الخصوصية الهوياتية الزمانية لمكة والحفاظ على آثار ديانة تأمر بالاعتدال وعدم الإسراف والمساواة بين الناس، نجد غرفاً شديدة الرفاهية لحجاج فاحشي الثراء؛ ولا مجال هنا لـ”لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى”. من يملك أكثر يدفع أكثر ويهنأ أكثر في أبراج البيت السبعة الشاهقة.
وحش كاسر
وبالطبع، فإن هذا التجاهل الشديد لأصول العمارة في مكة في سياقها التاريخي وخصوصيتها المحلية لا يجعلان لمكة صورة في الذهن إلا برج الساعة، الذي يتحدى طول وضخامة ساعة لندن الشهيرة، والأبراج السبعة التي تطل على مبنى الكعبة الصغير كوحش كاسر. فيما تتراجع صورة الكعبة في الذهن وتتقزم أمام تلك الأبراج.
ملخص
حالة من “السخف المعماري” والابتذال الفني والجشع المادي هي مُلخص حركة العمران في مكة منذ عقود. والسؤال الذي يفرض نفسه هنا: هل يتم التعامل مع الكعبة على أنها “سبوبة”؟! وسواء كان الأمر بدافع التعصب الديني أو بهدف التربح المالي، فإن حملات التدمير التي أتت على عدد ضخم من الآثار الإسلامية تُنذر بكارثة، فغير اندثار الآثار، عولمة مدينة مقدسة كمكة هي تقويض واضح لخصوصيتها الثقافية الإسلامية. هذا غير الفواصل النفسية والصراع الطبقي الناشئ بين زوار وحجاج متوسطي الحالة المادية من ناحية وزوار وحجاج فاحشي الثراء من ناحية أخرى!
مكاسب
وتحقق السعودية مكاسب مالية وتجارية في موسم الحج. يقابلها خسائر تتحملها الدول الإسلامية الأخرى. ويخلق هذا الوضع خللاً في فرص التنمية وتناقضاً مع أحكام الشريعة الإسلامية. الحج كالزكاة ركن من أركان الدين الإسلامي الخمسة. هو عبادة من جهة وله جانب اقتصادي من جهة أخرى. وهذا الجانب ليس حديثاً بل قديم قدم الشعيرة نفسها ومعروف حتى قبل الرسالة الإسلامية حيث كان يمثل أحد ابرز إيرادات مكة المكرمة. وبالتالي لا يجوز إهمال هذا الجانب الاقتصادي بحجة كون الحج عبادة. بل على السعوديين الاهتمام في إحصاءاتهم وتحليلاتهم باقتصاديات الحج.
استغلال
“ليشهدوا منافع لهم” أي استغلال الحج لتنمية التجارة والحصول على الأرباح سواء تعلق الأمر بالأفراد أم بالشركات أم بالدول. هذا النص القرآني مطلق وهو حصول الجميع على مكاسب. عندئذ ينبغي أن لا يربح البعض على حساب خسارة البعض الآخر. أي أن لا يقود الحج إلى التأثير سلبياً على مالية الأفراد واقتصاديات بلدانهم.
مشكلة حقيقية
من الناحية المبدئية للسعودية الحق في فرض الرسوم على دخول الحجاج الأجانب. فهذه مساهمة الحاج في النفقات المرتبطة بالشعيرة والتي تتحملها السعودية. ومن البديهي أن ينفق الحاج لقاء نقله وإقامته شريطة أن تكون الأسعار معقولة. ولكن على الصعيد العملي أصبحت تكلفة الحج مشكلة حقيقية داخلية وخارجية.
مكاسب السعودية
يمكن تقسيم الأموال التي تحصل عليها السعودية من الحجاج الأجانب إلى قسمين. يتكون القسم الأول من التكلفة الكلية بما فيها رسوم تأشيرات الدخول. ويتضمن القسم الثاني الأموال الأخرى التي ينفقها الحجاج في الهدايا. في الحالتين تمر هذه الأموال بالقنوات المصرفية ووكالات صرف العملات لينتهي بها المطاف في البنك المركزي السعودي (ساما). بمعنى أنها تسهم في زيادة الاحتياطي النقدي لهذا البنك.
عجز
ومن المعلوم أن السعودية تعاني من عجز مزمن بلغ 195 مليار ريال في ميزانية العام الالماضي. تتم تغطية العجز عادة بثلاثة أساليب: السحب من الاحتياطي النقدي أو السحب من رأسمال ومن احتياطي الصناديق السيادية أو اللجوء إلى الاقتراض الداخلي والخارجي.
كلما ارتفعت مصروفات الحج ارتفع حجم الاحتياطي النقدي وزاد الاعتماد عليه في تمويل العجز المالي. وكلما زاد الاعتماد على هذا المصدر انخفض اللجوء إلى الصناديق السيادية والقروض. عندئذ تتحسن استثمارات السعودية في الخارج وتنخفض مديونيتها العامة. أو على الأقل لا تنخفض الأولى ولا ترتفع الثانية.
انفاق
ينفق الحاج 40 % من أمواله للسكن و31 % للنقل و14 % للهدايا و10 % للغذاء. إضافة إلى نفقات أخرى بنسبة 5 %. وتتولى الشركات تنفيذ هذه الأنشطة. ولا يعقل أن تستمر هذه الشركات بأنشطتها إلا إذا كانت أرباحها مجدية. كما ينعش الحج عدة مهن خاصة تجارة اللحوم والمصارف والحلاقة. ولا فرق في ذلك بين حاج لأول مرة وحاج لثاني أو ثالث مرة وهكذا.
نظام التأشيرة
كما أن نظام تأشيرة الدخول الذي ينطبق على الحاج وكذلك على المعتمر يقضي بدفع مبالغ تتراوح بين 3000 و 8000 ريال في حالة تكرار الحج أو العمرة. كما يخضع حج المقيمين السعوديين والأجانب لتصريح خاص. يقولون في السعودية “لا حج بدون تصريح”. وهنالك غرامات مالية وعقوبات بدنية توقع على من يخالف ذلك.
2030
وبالمقابل نلاحظ اتجاهات في السعودية تبالغ في الأهمية المالية للحج والعمرة. يقولون بأن إيرادات الشعيرتين مهمة إلى درجة أنها ستصبح قريباً مساوية لإيرادات النفط. والواقع أن إيرادات الحج بلغت 4.2 مليار دولار (16 مليار ريال) في عام 2017. وإذا أضفنا إليها إيرادات العمرة فسيصبح المجموع 12 مليار دولار. في حين أن إيرادات النفط 168 مليار دولار في السنة. وعلى افتراض أن رؤية السعودية 2030 ستحقق هدفها الرامي إلى زيادة الطاقة الاستيعابية للحج والعمرة من 8 ملايين إلى 30 مليون شخص فإن إيراداتها سوف لن تتجاوز الخمسين مليار دولار.
وفي جميع الحالات يمثل الحج مكاسب مالية وتجارية للسعودية. لكنه يخلق مشاكل اقتصادية لغالبية الدول الإسلامية.