عبدالرحمن راجح
كثرت في الآونة الأخيرة التصريحات السعودية حول تنصلها عن جرائمها المتعددة في اليمن، حيث يقوم المسؤولون السعوديون بالتعمد بإصدار تصريحات وكتابة مقالات يدعون فيها أن الاعلام شوه ما يقومون به في اليمن وأن عملياتهم العسكرية التي تقتل الألاف تأتي في إطار القانون الدولي والإنساني وأن هدفهم من الحرب هو إنقاذ ومساعدة اليمن.
وعلى أي حال، فإن إنقاذ اليمن ومساعدته هي شعارات وادعاءات أطلقها السعوديون منذ انطلاق عدوانهم وحربهم غير القانونية على اليمن، غير ان الجديد اليوم من خلال المقال الذي نشر للأمير تركي الفيصل “الرئيس السابق للمخابرات السعودية”، وكذلك التصريحات التي يدلي بها محمد آل جابر “السفير السعودي في اليمن” والذي يعتبر الحاكم الفعلي للمناطق المسيطرة عليها السعودية والامارات أو ما يقوله بشكل مستمر في الآونة الاخيرة تركي المالكي “المتحدث الرسمي باسم التحالف السعودي” حول أن الإعلام يستهدف السعودية ويحرِّف الحقائق حول ما يجري من مجازر وتدمير، مع تأكيدات منهم أن السعودية تقدم المليارات لدعم اليمن ومساندته.
المسؤولون السعوديون في تصريحاتهم الأخيرة يؤكدون أيضاً أن المنظمات الدولية ووسائل الإعلام تبنت موقفاً معارضاً لهم في اليمن وأن جميع المجازر والخراب والدمار الذي أحدثوه تعتبر أعمالاً قانونية وتتفق مع ما أسموه بالقانون الدولي والإنساني.
ومهما كانت نوايا وأهداف السعودية والامارات، فإن الأفعال -كما يقال تدل على النوايا والأهداف- والسعوديون والإماراتيون مهما ادعو بأنهم يحاولون مساعدة اليمن وأن حربهم وما نتج عنها من كوارث ومآس تصب في صالح اليمن واليمنيين، فإن ذلك كله يتعارض مع الواقع الذي يعيشه اليوم اليمنيون، بل إن السعوديين حتى في المناطق التي يحتلونها لم يقدموا لأهلها أي منفعة عامة أو خاصة والجميع في هذه المناطق باتوا يرفعون الصوت وينادون بخروجهم باعتبارهم غزاة لم يقدموا إلا الموت والخراب وتعدد مليشيات القتل والتقطع واغتصاب السجناء وانتهاك حقوق الانسان بشكل كبير.
وذكرت منظمة سام للحقوق والحريات ومقرها جنيف إنها رصدت 103 عمليات اغتيال سياسية في مدينة عدن منذ سيطرت الامارات عليها في 2015م إلى 2018م، وحسب تقرير المنظمة فإن الاغتيالات ركزت على رجال أمن وخطباء مساجد وسياسيين أغلبهم يناؤون الامارات وحضورها في عدن والجنوب، فيما يقبع المئات من اليمنيين في السجون الاماراتية ويتعرضون في سجونها لأقسى أنواع التعذيب وحتى الاغتصاب الجنسي حسب المنظمات الدولية.
وإذا كانت سمة الحكم السعودي والإماراتي في المناطق التي تسيطر عليها بشكل مباشر هي السجون والتعذيب والاغتيالات والانقسامات وملشنة الحياة وعدم وجود أي نوع من أنواع التنمية أو الاستقرار أو إغاثة الناس بشكل حقيقي فإن الوضع أكثر سوءاً في المناطق الاخرى.
وتشير الاحصائيات التي صدرت مؤخرا بعد مضي 1400 يوم من التدخل السعودي إلى أن الوضع قد تجاوز الكارثة والمأساة ،وأن الادعاءات السعودية والاماراتية حول إنقاذ اليمنيين تشبه إلى حد التطابق عمل السعودية مع الكاتب والصحفي جمال خاشقجي الذي أرسلت وفدا لإعادته إلى حضن بلده السعودية ولكن بتقطيع أوصاله وتجزئته وإذابته بمادة الاسيد.
وبما أن عملية الإنقاذ هي نفسها والعقلية هي نفس العقلية والمنفذون هم المنفذون فقد أرسلت الرياض آلاف الطائرات، ودعت مئات الآلاف من الجنود والمرتزقة من كل حدب وصوب، ودفعت المليارات من الدولارات، وأحدثت الانقسامات والصراعات، واشترت الولاءات من أجل هذه العملية، ولذا جاءت النتيجة مشابهة تماما لعملية إنقاذ خاشقجي وإعادته إلى بلده حيث أظهرت آخر الإحصائيات المؤكدة والموثقة أن أكثر من 40546 مدنياً سقطوا بين شهيد وجريح بسبب القصف الجوي المباشر من الطائرات السعودية والاماراتية فقط خلال الأربع السنوات الماضية، وأوضحت الاحصائيات أن عدد الشهداء بلغ 15 ألفاً و822 مواطناً بينهم 3 آلاف و495 طفلاً وألفان و250 امرأة، و10 آلاف و113 رجلاً، فيما بلغ عدد الجرحى 24 ألفاً و724 مواطناً بينهم 3 آلاف و497 طفلاً وألفان و524 امرأة، و18 ألفاً و 712 رجلاً.
وفي جانب البُنية التحتية كشفت التقارير الصادرة من المنظمات الإنسانية عن تدمير السعودية والامارات 15 مطاراً و16 ميناءً وإلحاق أضرارٍ بالطرق والجسور بلغت 3 آلاف و93 ما بين طريق وجسر.
وأوضحت الإحصائياتُ أن العدوان دمّر ألفاً و525 خزانَاً وشبكة مياه و281 محطة كهرباء ومولدات و480 شبكة اتصالات، ما جعل أهم المنشآت الحيوية في اليمن خارج نطاق التغطية.
وأشار المركز إلى أن العدوان دمّر أكثر من 437 ألفاً و167 منزلاً، وشرد أكثر من أربعة ملايين مواطن ودمّر ألفاً و159 مسجداً و984 مركزاً ومدرسة تعليمية وتوقفت أربعة آلاف و500 مدرسة، كما قصف 365 مستشفى ومرفقاً صحياً و42 مؤسسة ومنشأة إعلامية.
وفي جانب الوحدات الإنتاجية بينت الاحصائيات الأخيرة أن العدوان دمّر 790 مخزن أغذية و683 ناقلة مواد غذائية و642 سوقاً ومجمعاً تجارياً و373 محطة وقود و284 ناقلة وقود و365 مصنعاً و374 مزرعة دواجن ومواشي و236 موقعاً أثرياً و317 منشأة سياحية و124 ملعباً ومنشأة رياضية.
ومع هذا الكم الهائل من الدمار والمأساة التي صنعتها السعودية في اليمن لايزال السعوديون يتشدقون بالقانون الإنساني ويصرون على أن أهدافهم من الحرب التي يشنونها تصب في صالح اليمن واليمنيين.
وقد أثارت مؤخرا تصريحات عبدالعزيز الواصل “المبعوث الدائم للسعودية في مجلس حقوق الإنسان” السخرية والضحك وكذلك البكاء، حيث تحدث أثناء جلسة للمجلس في جنيف عن عدد من التوصيات والأفادات بشأن اليمن ،وأوصى المجتمع الدولي وحكومة المستقيل هادي بالاهتمام بالتعليم والرعاية الصحية، بينما قامت بلاده بتدمير 365 مستشفى ومرفقا صحيا و884 مركزا ومدرسة تعليمية، كما أنه تحدث عن اهتمام بلاده بضمان حماية وسلامة الأطفال في اليمن ،بينما تؤكد الاحصائيات الموثقة والصادرة عن العديد من المنظمات مقتل وجرح 7311 طفلاً بسبب الغارات الجوية وتطبيق حصار ادى إلى وفاة 247000 طفل وامرأة خلال 1400 يوم من الحرب العدوانية على اليمن.
هذه الاحصائيات المرعبة التي لم نشر فيها إلى موضوع انتشار الأوبئة والأمراض وما أحدثته من كارثة بحق اليمنين وضحاياها الذين يحصون بالآلاف تعتبر حصيلة التدخل السعودي والاماراتي، وكان من المفترض أنها درس وحافز لايقاف العدوان الذي تأخر ايقافه كثيرا ،وحافز ايضا لجبر الضرر والاعتذار لليمن واليمنيين والكف عن التدخلات في شؤونهم، لكن السعوديين ينطبق عليهم المثل القائل “إذا لم تستح فاصنع ما شئت”، حيث لازالوا يروجون للاكاذيب والشائعات التي أثبت الزمن كذبها وعدم مصداقيتها.