زيد الشهيد !!
أحمد يحيى الديلمي
العنوان قد يوحي للبعض أن الحديث سيكون عن الإمام الأعظم زيد بن علي عليه السلام قائد ثاني ثورة في الإسلام تصدت للظلم والجبروت والطغيان ، الثورة التي اقتفى بها الإمام الشهيد أثر جده الحسين السبط عليه السلام ، وخرج لمقارعة جلاوزة الظلام من بني أمية ، لكني أتحدث اليوم عن شبل من أشبال ذلك الإمام, آمن بفكره وسار على نهجه وتمسك بأهم قاعدة أرساها وهي مقارعة الظلمة ورفع راية الجهاد ضدهم باعتبارها فرض عين على كل مسلم كما جاء في قاعدة الخروج على الحاكم الظالم ، وحينما تتعرض الاوطان للغزو الاحتلال ويتسلط على رقاب الناس حكام جور ظلمة يحرفون الكلام عن مواضعه ويوظفون نصوص الدين لخدمة سلطانهم الجائر ويخضعون العامة لإرادتهم الفاسدة الفاسقة كي يعيثوا في الأرض فساداً في هذه الحالة يصبح الجهاد فرض عين لا فرض كفاية على كل مسلم .
من المصادفات العجيبة أن الشهيد الشاب – محور الحديث – التقى مع الإمام زيد إلى الجد الرابع فهو زيد ابن علي أبن الحسين أبن علي شرف الدين ، وزاد على ذلك أن اختار لنفسه كنية “ابا يحيى” بمجرد أن التحق بالمسيرة القرآنية عام 2011م وزاد نشاطه وقوة حضوره بعد أن أسفر المعتدون عن وجوههم القبيحة واستهدفوا كل شيء في هذا الوطن المكلوم وكأنهم معنيون بإتلاف كل مقومات الحياة وإن تطلب الأمر ارتكاب أبشع الجرائم وما تترتب عليها من مآسٍ وكوارث إنسانية .
أمام غطرسة وصلف التحالف الدولي الواسع بزعامة وتخطيط عنوان الشر أمريكا التي استحضرت آليات التنفيذ وشكلته تحت مسمى التحالف العربي بزعامة السعودية ثم انضمت إليها دويلة الإمارات العربية ، من تلك اللحظة وهذا الشاب المؤمن وأمثاله يقارعون الخطوب ويواجهون أفتك الآلات العسكرية وأشدها إيلاماً واستهدافاً للإنسان والحياة ، وهذا الحلف الشيطاني الماكر يزداد كل يوم شراسة وعتواً ونفوراً ، هذه الأجواء الملوثة بالدمار والهدم والخراب هي التي حركت مشاعر الشباب المؤمن صادق الانتماء للدين والولاء للوطن أمثال زيد الشهيد محور حديثنا ، فالشاب من سن الثانية عشرة من عمره وهو يقارع في كل الجبهات وآخرها كان في جبهة نهم حيث جرح مرتين ، ثم انتقل إلى الساحل الغربي وكان مثالاً للاستقامة والخُلق القويم وحينما بلغ الخامسة عشرة من عمره كان قد أتقن كل فنون القتال والمواجهة ، وفي الساحل الغربي بعد عامين قضاهما في جبهة نهم أبلى بلاء حسناً وقاتل ومعه رفاقه ، كان من الأشياء الخارقة أن الشاب عندما جرح للمرة الثالثة في الساحل الغربي وكانت جراحه بليغة ظل يندب حظه لأن الله لم يصطفيه شهيداً كبقية رفاقه وما أن تماثل للشفاء حتى نهض من الفراش مودعاً أسرته متحسراً على الفترة التي قضاها أثناء العلاج ، ولم يكتف بوداع الأسرة ولكنه ذهب إلى روضة الشهداء حيث يرقد رفاقه ممن اصطفاهم الله للشهادة ، وخاطبهم مخاطبة الموقن لما سيجري قائلاً ((إن الله اصطفاكم وأنتم الآن تعيشون حياة أبدية كلها سعادة ، وأنا قادم إليكم خلال أيام ، لقد أحسست بأن الله اصطفاني وأني قادم إليكم عما قريب لنتشارك حياة النعيم المقيم في جنة عرضها السموات والأرض ، كيف لا ونحن قد بعنا أرواحنا من الله ولا يمكن أن نحنث بالبيع أو أن نتراجع عنه ، كل ما أتمناه أن تستقبلوني بقدر معزتكم لي )) كان هذا الحديث للشاب الشهيد زيد بن علي قبل انطلاقه إلى الجبهة في الساحل الغربي لآخر مرة ، كان يهفو إلى الشهادة كما يهفو الطفل لثدي أمه ، وهو مثال للشباب الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ، فقد قدموا تضحيات عظيمة أفشلت استراتيجيات الأعداء ومراميهم الرخيصة وجعلت قواتهم الفتاكة عاجزة عن تحقيق النصر الذي طالما وعدوا به ، بل وضلوا الناس بأنهم وصلوا إليه ، أتحدث عن هذا الشاب الذي قضى نحبه بالفعل وهو في جبهة القتال بل وزاد على الأمر أنه ظل مصلوباً في الصحراء نتيجة تكالب الأعداء ومنعهم لرفاقه للوصول إلى جثمانه الطاهر مع عدد من الشهداء . وهو نموذج لآلاف الشباب أمثاله ، ومنه نستخلص رسالتين :
الأولى : لعامة اليمنيين : أقول عندما تتحدثون عن المسيرة القرآنية يجب أن تتحدثوا عن هؤلاء الشباب وبطولاتهم وتضحياتهم وما قدموه من تضحيات جسيمة ، هم في المتارس يقاومون ويدافعون ببسالة عن الوطن ويذودون عن حياضه بأجساد عارية وأقدام حافية، وأنتم تتقولون عليهم, بل لا يجدون منكم كلمة امتنان أو شكر ، وهذا عيب ليس من شيم اليمنيين وطباعهم الكريمة ، يجب أن لا تنظروا إلى أنصار الله من خلال المترفين الذين وقفوا أمامكم في صنعاء أو في المدن واحتشدوا في طابور تقاسم الغنائم والمناصب ، هؤلاء لا يمثلون المسيرة وليسوا إلا عبئاً عليها يشوهون صورتها ويتعمدون أن يوجدوا فرصة للدعايات والبلبلة والإشاعات الكاذبة من قبل المغرضين الحاقدين أو العملاء والمرتزقة المرتهنين للأعداء .
أقول إن أمامكم فرصة للتطهر من آثار الغيبة والنميمة إذا ما تحدثتم بصدق عن الأعمال والبطولات الأسطورية التي يجترحها هؤلاء الشباب الذين قدموا أرواحهم رخيصة في سبيل الدفاع عن الوطن ومن أجل الكرامة والعزة والمنعة والسيادة للشعب والمواطن ، انهم فعلاً عنوان بارز يجب أن يحتذي به الجميع وعنوان صادق يجب أن يحظى باحترام وتقدير كل يمني شريف مخلص صادق الانتماء لهذا الوطن ، انظروا إلى أعمالهم, انظروا إلى وجوههم أنظروا إلى بطولاتهم ، هم الأعزاء, رجال الرجال من آمنوا التربة التربة وتربوا في حضن المسيرة القرآنية على أساس إيماني صادق جعلهم يسترخصون التضحية طالما أنها في سبيل الوطن وستدفع الغزاة عن أرضه الطاهرة ، أليسوا فعلاً في مقام العظمة ويستحقوا كل أحترام وتقدير من أبناء الوطن كل أبناء الوطن .
الثانية : إلى الأعداء من آل سعود والإمارات ومن لف لفيفهم من العملاء والمرتزقة والخونة ، أقول لهم لن تفلحوا أبداً مهما أمعنتم في البطش والتنكيل والدمار ومهما استخدمتم من أسلحة فتاكة يجرم من يستخدمها ، فإنكم لن تفلحوا وستبوء محاولتكم بالفشل طالما أن زيداً وأمثاله أمامكم في المتارس يواجهونكم صدور عارية ، إلا أن إرادتهم قوية وإيمانهم بالله سبحانه وتعالى أقوى وأعظم وبعدالة قضيتهم أكثر عظمة ، لذلك فإنه لن يهابوكم ولن يسمحوا لكم بتحقيق ما تأملوه من نصر لأنهم قد باعوا أنفسهم من الله وربح بيعهم ، فلا تحاولوا ولا تقذفوا بالمساكين المغلوبين على أمرهم إلى أوحال جنهم في الساحل الغربي أو في أي جبهة من جبهات المجد والبطولة والعزة والكرامة .
هناك حقائق كثيرة لا يتسع المجال لذكرها ، لكني أكتفي بما أسلفت وأختم بالدعاء إلى الله سبحانه وتعالى بأن يتولى زيداً ورفاقه الشهداء بالرأفة والرحمة وأن يجعلهم سعداء في الحياة التي وعدهم الله بها والتي انتقلوا إليها .. رحمك الله يا زيد وعصم قلوب أسرتك وذويك بالصبر, وهم قد تحولوا إلى جبال من الصبر واستبشروا بشهادتك ولا نقول إلا كما قال الخالق سبحانه وتعالى “إنا لله وإنا إليه راجعون” ولا عزاء للمرتزقة والعملاء والخونة .. والله من وراء القصد..