المكلا / أحمد بن زاهر –
قساوة الحياة المعيشية
,يستقبل الأطفال العيد بحمل المشاعل والطوفان بها في الشوارع
, تتوارى الأحقاد وتتلاشى الضغائن.. وترق المشاعر وتكتسي النفوس بحلة من الجمال..
تنفرد أيام وليالي عيد الفطر المبارك بمحافظة حضرموت خصوصاٍ وفي عموم محافظات الجمهورية عموماٍ بأجواء مفعمة بالبهجة والسعادة وبمشاعر مغمورة بالرقة.. وتكستي النفوس بحلة من الجمال.. وتترسخ مبادئ وقيم العدل والتراحم والتكافل الاجتماعي.. وفي هذه الأيام واليالي تحيا الطقوس والعادات الفرائحية المتوارثة عن الآباء والأجداء ابتهاجاٍ بقدوم عيد الفطر المبارك.. حول هذا الموضوع أجرينا الإستطلاع التالي..
البداية كانت مع الأخ سامي محمد بن شيخان الذي تحدث قائلاٍ: تتفرد أيام عيد الفطر المبارك بنكهة خاصة وتكتسب ميزة منفردة ففيها تصفو القلوب وترق المشاعر وتكتسي النفوس بحلة من الجمال ووتوارى الأحقاد وتتلاشى الضغائن ويتناسى الخصام والشقاق والاختلاف ويعم ا لسلام والفرحة بين أبناء حضرموت باجتماعهم بقلوب متحابة وأجسام متعانقة ووجوه باشة وأيد متصافحة.
هكذا هي أيام العيد كما أرادها المولى عز وجل لعباده وأوصى بها نبيه الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم بعد انقضاء شهر الصيام والقيام.. جزاء وثواب.. حسب وعطاء .. فرحة وسعادة للمسلمين أجمعين.. محققاٍ بذلك هدفاٍ عظيماٍ ليس كمثله هدف ترسخ فيه مبادئ وقيم سامية للحق والعدل والتراحم والمساواة.
بريق السعادة والبهجة
وأضاف : في العيدد .. رغم الأجواء الروحانية الأحتفائية المنسوجة أمامنا غبطة وابتهاجاٍ تتسلل خلسة بعض المنغضات والهموم المعيشية بعد أن فرقتنا معشر المسلمين نزاعات المذاهب وكثرة الفروع واختلاف القواعد وجعلتنا خصوماٍ في البيوت والأسواق والأندية والمساجد وبلينا ببعض الأقربين وحب الأباعد ونبذنا الصحيح من تقاليدنا وعاداتنا وقيمنا وجفتنا مظاهر الحضارة الخداعة لتغتال كل أصيل وجميل في حياتنا.
وفي العيد أيضاٍ تبرز الذكريات من بين ثنايا الفكر والهواجس تعلن بتحد جميل عن وجودها ـ برغم بؤس أحوالنا في محافظة حضرموت خاصة واليمن عامة ـ وعن بارقة أمل في أن تتحسن الأحوال ففي حضرموت مثلاٍ ومدينة غيل باوزير تحديداٍ يلمع بريق السعادة والبهجة بقدوم العيد من خلال تلك المظاهر الأحتفائية التي كانت ولازالت تتحدى تلك البهجة العولمية الشرسة وترفض الاستسلام لزيف الحضارة والتقدم.. بدايتها لحظة إعلان قدوم العيد بواسطة المدفع في السابق أو إطلاق الأعيرة النارية حينها تغمر الفرحة الأطفال وتسمعهم يرددون منشدين »دو الليلة مقابر وغدوة زينة« حيث اعتاد أهالي البلدة في ليلة العيد أن يعمروا المساجد وزيادة أضرحة الأولياء ويقضون الليل بكامله في قراءة القرآن الكريم في هذه الأماكن ولذلك فهي تسمى (مقابر) حسب ما جاء في أهزوجة الأطفال أما البعض الآخر فيقضي الليلة في السمر واللهو حتى قرب موعد صلاة الفجر ويطلقون على هذه الليلة أسم »ليلة الحية« لأن الناس لاينامون فيها ويظلون سهرانين (حيين) للصباح.
يوم الزينة
واستطرد شيخان: وفي صباح العيد يتوجه الرجال بصحبة أطفالهم في كامل زينتهم إلى المسجد الجامع لأداء صلاة العيد ويقام بجانب الجامع سوق لبيع الحلويات والمكسرات والعاب الأطفال.. ويطلق على هذا اليوم |(يوم الزينة) وبعد انتهاء خطبة العيد يتصافح الجميع متبادلين التهاني بالعيد ثم تبدأ مراسيم الاحتفال بالزينة فتتجمع الفرق الشعبية أمام الجامع كالزامل والعدة والمرفع والزف وتسير في موكب مخترقة شوارع المدينة لتنتهي بجوار الحصن الأزهر (المركز الثقافي حالياٍ) وبعدها يتجه الناس لزيارة الأهل والأقارب كي يتبادلون التهاني بحلول العيد يبسطون أيديهم بالجواد والسخاء وتتحرك نفوسهم بالشفقة والرحمة فيوسع موسرهم على معسرهم وتسرى في قلوبهم روح المحبة والتآخي فتذهب عنهم الضغائن وتتلاشى الأحقادو تسود المودة والصفاء ويكون للأطفال نصيبهم من العطف حيث يقوم الكبار بتقديم النقود لهم ويقال له (العوادة) فيضفي فرحة ما بعدها فرحة على الأطفال.
وأردف: ومن المظاهر التي تصاحب العيد وتسود بين أفراد المجتمع تلك الزيارات والتجمعات التي تقام في أحياء المدينة حيث يتجمع أهالي كل حارة في مكان معروف ليتبادلوا التهاني ثم يقومون بزيارة المرضى من أهالي الحارة وكان كبار السن والشيوخ في الماضي يستغلون هذه المناسبة في الصلح بين المتخاصمين من خلال الزيارة مما يقوي أواصر الألفة والمحبة وفي أيام العيد الثلاثة تقام بجوار الحصن الأزهر الألعاب الشعبية عصراٍ خاصة لعبة “البارعة” والشبواني التي تضفي جواٍ من البهجة على أيام العيد وبوجود البسطات في هذا الموقع يشعر الأطفال بالفرح العارم فيشترون ما تشتهي أنفسهم من العاب وحلويات بما جمعوه من عواد كما جرت العادة في ثاني أيام العيد أن يذهب الأهالي إلى منطقة النقعة في ضواحي المدينة لزيارة ضريح الشيخ محمد بن سالم حيث يأتي الأهالي من كافة مناطق المديرية تصحبهم العابهم الشعبية لعل أشهرها “المرزحة” التي يقيمها أهالي مدينة القارة كما يقام بها سوق يتبضع منه الأهالي لأطفالهم.
مشاعل العيد
الأخ عوض سالم البهيشي قال من جانبه: مراسيم استقبال العيد يختلف باختلاف المناطق والشعوب وعندنا بمحافظة حضرموت تختلف المراسيم في المدن عن المناطق الريفية فلكل منطقة عاداتها وتقاليدها ولكنها جميعها تعد جزءاٍ لا يتجزأ من الموروث الاجتماعي في كافة محافظات الجمهورية ففي مناطقنا الريفية وبالذات منطقة فوة الشعبية من ضواحي مدينة المكلا يقوم الأطفال في ليلة العيد بشراء وتنظيم وتجهيز ملابس العيد الجديدة ويخرجون إلى شوارع القرية حاملين الأعواد مرفوعة وفي أعلاها لمبة وسراج كالمشاعل عبارة عن علبة لبن صغيرة مملوءة بالكورسين”القاز” وذبالة قطن يتم اشعالها ويطوف الأطفال بها حاملين المشاعل كل شوارع وأزقة القرية مرددين أهازيج بتوديع شهر
رمضان شهر القيام والصيام والمغفرة والأحسان ومن ضمن تلك الأهازيج :
ودع ودع يا رمضان.. ودعك الله يا رمضان.. شهر العبادة شهر الصيام
بينما الشباب يسهرون في ليلة العيد لتجهيز وجلب ما تبقى من المتطلبات المنزلية بمساعدة آبائهم والنساء يسهرن في ترتيب وتزيين وتنظيف المنازل وتركيب أدوات الزينة والستائر المنزلية وبالذات في غرف الأستقبال.
ترديد الأهازيج والموشحات
وأضاف البهيشي: وفي يوم العيد وبالذات بعد صلاة العيد في المسجد يصطف الرجال والشباب في ساحة المسجد ويقومون بتقديم العقال وشيخ المنطقة ويتبادلون التهاني والتحايا والتبريكات العيدية في طابور منتظم .. وبعد الانتهاء من التهاني في المسجد ينتقل الجميع الجميع إلى خارج المسجد وينتظمون في مجموعتين المجموعة الأولى يتقدمها السادة والمشايخ ومنصب القرية ويقومون بترديد مقاطع إنشادية وموشحات دينية ترتفع أصواتهم ونبراتهم بالتكبيرات والتهاني والاستغفار الروحية الصافية ويتقدمهم الشباب بالطبول والدفوف وبالذات من لديهم الخبرة في دق الطبول ولديهم مقدرة صوتية مقبولة ومؤثرة في ترديد الموشحات ويتجهون صوب المقابر في القرية وهناك تقرأ الفاتحة على أرواح الموتى ويتم توزيع القهوة والتمر وأحيانا قطع من حلوى وبعدها تنتهي الأفراح بالعيد لهذه المجموعة أما المجموعة الثانية فيتقدمها عقال ومقادمة القرية من البدو وكافة الشرائح الأخرى وتصطف خارج المسجد ومن ثم يقوم أفراد هذه المجموعة بترديد الأهازيج والزوامل التي تتخللها الألعاب الشعبية الراقصة.. بينما يصطف الأطفال بمحاذاة المواكب الشعبية ويقومون بإطلاق المفرقعات والطماش والجميع شيوخا وأطفالاٍ رجالاٍ وشباباٍ متجهين ومستبشرين بفرحة العيد السعيد وهكذا تستمر الأفراح الشعبية حتى الساعة العاشرة تقريبا وبعدها يتجهون إلى المنازل لتقديم التهاني للشيوخ والأقارب والأصدقاء وأعيان وعقال ومعاودتهم بالعيد والقيام بمراسيم ذبح ولائم العيد مرددين التكبيرات أثناء الذبح.
تعاظم البهجة
وعن الطقوس والعادات التي يستقبل بها أبناء محافظة حضرموت عيد الفطر تحدث أيضا الأخ محمد أحمد باعباد بالقول: البهجة الكبيرة المغمورة بالفرحة صيام شهر رمضان الكريم تتعاظم عند حلول عيد الفطر المبارك بعد أن تجاوز المسلم الصائم المسئولية بنجاح واقتدار وسرور في شهر الصفاء الروحي والفرحة تغمرنا والابتهالات تتعالى أصواتها إلى المولى جل شأنه أن يتقبل الله صيامنا بالعتق من النار ونسأله تعالى أن يعيده علينا في صحة وعافية تامة وبقدوم عيد الفطر المبارك وببهجة وحبور تتبادل التهاني وعبارات الحب والمودة والدعوات الصالحة وبالشكر والثناء للخالق العظيم بأدائها لصلاة العيد وبتعزز التآخي والتآزر بين كافة أبناء محافظة حضرموت متناسين الأحقاد والضغائن والفتن ما ظهر منها وما بطن ففي العيد تتغير الناس بلباسها الجديد القشيب وعلى وجوهها الابتسامة بالنجاح الذي حققته طيلة شهر العبادة والغفران وقد تطهرت لتتزين وتذبح الذبائح شكرا لرب العباد جل شأنه وبطبيعة الحال فلكل منطقة عاداتها وتقاليدها في الأعياد الدينية والأفراح المناسباتية وتشعر بالاعتزاز للامتثال لهذه العادات التي أساسها الأجداد الأفاضل رحمهم الله وأسكنهم فسيح جناته.
ارتباط الحاضر بالماضي
وأضاف باعباد: إن عادات وتقاليد عيد الفطر المبارك في اليمن عامة في حضرموت خاصة لها نكهة خاصة تربط الحاضر بالماضي الجميل وإن بدأت تنقرض اليوم بسبب بعض أفكار المتشددين الذي يحاربون العادات والتقاليد بالمفهوم الضيق والموصي من خارجنا (البدعة) وبلغة التشديد بالتعميم على تقاليد وعادات الأجداد أهل السلف الصالح التي تعبر عن البهجة والسرور ولكل مناسبة فرائحية تقاليدها وعاداتها ففي عيد الفطر يطلق المدفع إيذانا بحلوله فتحيى ليلة العيد بتلاوة القرآن حتى الفجر لتتحول صوب المسجد لصلاة العيد مكبرة شاكرة حامدة لربها وهي متزينة بثوب العيد كما ينطلق الأطفال فرحين بيوم الاحتفال وهم يشاهدون الفرق الشعبية تصول وتجول في الشارع والزوامل وبعدها يذهب الناس في زيارة الإحباء والأصدقاء لتبادل التهاني والمباركة فترة أيام العيد والتمنيات الصادقة لكل فرد بالصحة التامة وحسن الأحوال إلى أفضلها وأن يسود الوطن الأمن والسلام والرخاء والتقدم والازدهار وهكذا تظل القلوب في آمال وتطلعات مشرقة بالخير كل الخير وكل عام وأنتم بخير..