كيف نفهم التصعيد الصهيوـ أمريكي غير المتسق مع الوضع الجديد؟
إيهاب شوقي *
إن جواب السؤال المطروح في العنوان مطلوب لجلاء الصورة أمام جماهير المقاومة وأمام الشعوب لأن حالة التشتت ينتج عنها ارتباك في التعاطي مع الملفات المعقدة بمنطقتنا التي تشهد تعقيدا غير مسبوق بما يمكن وصفه بفتنة حقيقية.
ومحل التشتيت هنا، هو أن الأوضاع الاستراتيجية تغيرت، وتغيرت معها المعادلات، وفي ذات الوقت لم يتخل معسكر العدوان الصهيوـ امريكي عن كبره وعن لغته القديمة، مما قد يشكل إفسادا للانتصار الكبير ويلقي ببعض الاحباطات على جمهور المنتصرين.
فهناك تصعيد صهيوني وأمريكي رغم عدم اتساق ذلك مع حقيقة الأوضاع الجديدة، فكيف نحل هذا اللغز، وكيف يمكن فك شفراته؟
هذا ما سنجتهد في تحليله مشفوعا بالشواهد ويمكننا قبل الخوض في غمار الشواهد أن نقول باطمئنان، أن لكل طرف أسباباً للتصعيد:
1ـ نتنياهو يقوم بالتصعيد بشكل سياسي لمعالجة أزمته الداخلية.
2ـ ترامب يقوم بالتصعيد لأسباب تجارية.
ولكن وبالمقابل، فإن الأوضاع الجديدة لا يستطيع العدو الصهيونى والأمريكي وتوابعهم تقبلها بسهولة مما يجعل من خيار هدم المعبد خيارا قائما ومحتملا.
والفيصل هنا بين انتقال التصعيد لحرب حقيقية أو بقائه كمناورة هو ما تبديه المقاومة من ردع وتوازن للرعب.
وهذه المقاومة المقصود منها كامل جبهات المقاومة على كافة الجبهات العسكرية في العراق وسوريا ولبنان وفلسطين واليمن، وكذلك على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والثقافية ولا تستثنى منها إرادة وصمود جمهور المقاومة والنفوس الحرة في شعوب المنطقة والعالم بأسره.
وقبل استعراض بعض الشواهد يجدر إيراد بعض ظواهر التصعيد:
أ ـ العدو الصهيوني يبدو أنه دشن عصرا جديدا من الصراع مغيرا قواعد اللعبة التي قامت على خديعة الديمقراطية وان “دولة اسرائيل” هي الديمقراطية الوحيدة بالمنطقة، وان ميثاق قيام الدولة المزعومة والذي يعد بديلا عن الدستور وضع كلمة “ديمقراطية” تماشيا مع روح عصر ما بعد الحرب العالمية الثانية ليتماشى مع ميثاق الامم المتحدة ليحظى بالاعتراف.
واليوم وبعد إعلان “يهودية الدولة” فإن ذلك يعد تعبيرا صارخا عن روح العصر وقراءة الكيان الصهيوني له والذي عنوانه هو غياب القانون الدولي والعودة لعصر ما قبل الحربين العالميتين!
ب ـ دشنت “اسرائيل” هذا التوجه التصعيدي المتمثل في الاعتراف احادي الجانب بيهودية الدولة ووضع القدس الموحدة كعاصمة لها بالاتفاق مع ترامب والذي مثل صعود الشعبوية والتخلي عن نمط المراوغة بحقوق الإنسان والديمقراطية، بنقل السفارة.
ج ـ تلت ذلك خطوات كاشفة مثل إجلاء منظمة الخوذات البيضاء الاستخباراتية وقادة الإرهاب في سوريا، لتنقل ما كان معروفا عن تعاونها معهم من نطاق السر إلى نطاق العلن، فعلى مدى السنوات القليلة الماضية ، اتهمت عدة مصادر كتيبة فرسان الجولان ، وكتائب سيف الشام وجيش الأبابيل بالتعاون مع الجيش الإسرائيلي والمخابرات الإسرائيلية.
دـ تلا ذلك التحرش بسوريا وإسقاط الطائرة السوخوي بذريعة اقتحام المجال الجوي للجولان المحتل، لقطع طريق اية تفاهمات روسية أمريكية تعيد الوضع لخط فك اشتباك العام 1974م حيث لا تتصور (اسرائيل) عودة الأمور وبشكل أقوى سوريا وبذات التحالفات التي شنت عليها حربا شعواء، خرجت منها سوريا والمقاومة منتصرتين!
هـ ـ ممارسات ترامب وتصريحاته المستفزة والتصعيدية تجاه إيران وإصرار أمريكا في مجلس الأمن على تصفية القضية الفلسطينية واستمرار فرض العقوبات على روسيا وإيران بما لا يتسق مع روح التهدئة والاتجاه للتسويات.
والسؤال هنا, هل حسمت “اسرائيل” وامريكا اذن امرهما بالحرب ولا سيما مع تصريحات ترامب النارية ضد إيران؟ وذلك لأن الحرب غير المباشرة فشلت وجاءت نتائجها عكسية، فليس أمامهما غير نزول الميدان بشكل صريح؟
أم انهما تتحركان بارتباك مصدره الرعب وتمارسان الضغط كي لا تأتي أية تفاهمات في غير صالحهما وذلك كنوع من المناورة؟
واقع الأمر يقول إن موازين القوى وتوازن الرعب ليس في صالح أمريكا أو “اسرائيل”، وكل من ترامب ونتنياهو يريدان ترميم وضعهما الداخلي.
وذلك يمكن إيراد شواهد بخصوصه كما يلي:
ـ نشر معهد الديمقراطية الإسرائيلي مؤشره السنوي الديمقراطي الإسرائيلي لعام 2017م، استناداً إلى مسح واسع النطاق للرأي العام في “إسرائيل”، ويظهر الاستطلاع عدم الثقة والازدراء العميق للسياسيين والمؤسسات السياسية. يعتقد حوالي 64٪ من عامة الناس أن الحكومة لا تتعامل بشكل جيد مع المشاكل المركزية في البلاد. يعتقد حوالي 65 ٪ من عامة الناس أن السياسيين لا ينسجمون مع مشاكل واحتياجات الناخبين ، ويشعر 68 ٪ بأن أعضاء الكنيست لا يعملون بجد ولا يؤدون واجباتهم بشكل صحيح. ويعتقد نحو 80 % أن الساسة مهتمون أكثر بمصالحهم الشخصية أكثر من اهتمامهم بمصالح ناخبيهم. يبلغ مستوى الثقة في الحكومة 29 % فقط ، وفي الكنيست 26 % ، وفي الأحزاب السياسية 15 % (الترتيب الأول هو الجيش الإسرائيلي بنسبة 81 % ، ثم الرئيس بنسبة 65 %).
ألا يدفع هذا نتنياهو المأزوم والملاحق قضائيا لاختراع معركة واقتراض شعبية من فائض شعبية الجيش لدى الصهاينة ؟
كيف اذن يتحدى الرأي العام ويرسخ قانون يطيح بمزاعم الديمقراطية إلا أن يقرنه بحافة هاوية وتهديد وجودي لتصبح العنصرية مشروعا وجوديا يلتئم حولها وحول نتنياهو الفرقاء!
* وإذا نظرنا لأمريكا فإن هناك أبعادا أخرى لتغريدات ترامب، كشفها محرر مجلة “ veteranstoday”، حيث تساءل عن جدية ترامب في الحرب مع ايران، قائلا: “ هل هو توجه نحو الحرب، أم أنها ليست أكثر من خداع سوق الأسهم؟” . نحن نعلم أن هذا حدث بالفعل أكثر من مرة خلال نظام ترامب، مما سمح لأصدقائه مثل جاريد كوشنر بالحصول على مبالغ… على سبيل المثال، يروي ترامب أنه سيسحق إيران، وتهبط أسهم معينة في قيمتها، ثم يتم شراؤها بهدوء من قبل أصدقاء ترامب. ثم يغرد أنه غيّر رأيه، فتتعافى الأسهم في القيمة، مما يسمح للمقربين ببيعها بقيمة كاملة!
أي أن أمريكا التي تسعى لتخريب طريق الحرير وابتزاز الخليج وإفساد انتصار الروس والمقاومة، ليس شرطا ان تكون الحرب خيارها وإنما لها حسابات مكسب وخسارة معقدة.
إذن نتنياهو المأزوم وترامب التاجر، كل منهما له دوافعه في التصعيد، واحتمال المناورة لجني المكاسب يتساوى مع احتمال الحرب لعدم تحمل القبول بأوضاع جديدة صادمة، إلا أن الفيصل بينهما هو ما تبديه المقاومة من ثبات وتوازن للرعب يجعل كلفة الحرب مرادفا لزوال من أعلنوها.
كاتب صحفي مصري