عظمة الصماد ومشروع بناء الدولة
الدكتور/ اسماعيل محمد المحاقري
بصفتي رجل قانون ولي علاقة بفكرة الدولة وشروط بنائها فقد أكون أكثر من غيري من تابع صيرورة المشروع الذي تبناه القائد الصماد وأدرك حجم وعظمة هذا المشروع ولهذا فأنا على ثقة بأن عظمة هذا القائد اﻻستثنائي تبدو من هذه الزاوية أكثر وضوحا لأني على يقين أن من يسعى لتبني مثل هذا المشروع ﻻبد أن يكون حاملا لصفات استثنائية من زاوية مايؤمن به من قيم وما يدخره من أفكار وتصورات ذهنية واسعة وناضجة وما يستشعره من معانٍ لها علاقة بكل المفردات اﻻنسانية التي قلما تتوافر مجتمعة في شخص واحد.
صحيح أن هذا هو مشروع المسيرة القرآنية التي خط محدداته السيد حسين بدر الدين ويعمل أنصارالله على ترجمته على ارض الواقع إﻻ أن هذا القائد بالصفات التي تميز بها كان هو اﻻجدر بالاضطلاع بهذه المهمة ويمكنني أن ألخص محتوى هذا المشروع وأهدافه النهائية في تكريس قيم العدل والمساواة وقيم المحبة والشراكة واﻻستفادة المثلى من مواردنا وكوادرنا والتخلص من المسلكيات الخاطئة المكرسة لقيم الفوضى واستساغة الفساد المالي واﻻداري.
لهذا من عظمة هذا الرجل انه مع إدراكه لما تمثله تلك اﻻهداف من أهمية كان يدرك في نفس الوقت ان الطريق الوحيد لتجسيدها على ارض الواقع هو بناء الدولة “كمؤسسه “ والتي تعني الفصل بين السلطة واﻻشخاص الذين يمثلونها وبمعنى آخر الدولة كفكرة متسامية ومتحررة من كل ارتباط باﻻرادات الفردية للأشخاص الدولة المؤطرة قدراتها بواسطة فكرة الحق الذي يعطيها شرعيتها والتي تمثله ادبيات مشروع المسيرة القرآنية الدولة التي تباشر وظائفها من نظام محكم من القواعد والتنظيمات القانونية واﻻدارية وتركها هي التي تحدد ما هو عادل وتحدد الحقوق والواجبات وطرائق المبادﻻت ..إلخ بدﻻ من اﻻعتماد على اﻻجتهادات والمبادرات الشخصية اﻻستنسابية والتي مهما كان مبعثها ﻻ يمكن أن تقود إﻻ إلى الفوضى وتفتح مجاﻻ للاهواء اﻻنسانية والتصورات الفردية لمعنى الحق والعدل، ولهذا كان يرى أهمية تفعيل مؤسسات الدولة القائمة مهما كان ما يعتريها من مواطن الخلل وما يرافق عملها من سلبيات لأنه بالقطع كان على وعي انه في كل اﻻحوال لن تكون تلك السلبيات اشد ضررا من سلبيات العمل وفق اﻻجتهادات الشخصية الكيفية، ولقد لمسنا ذلك في أكثر من موقف فمثلا بينما كنا نحن اﻻكاديميين نبدي قلقنا من الفوضى والمبادرات اﻻستنسابية التي كانت تدار بها الجامعات تحت دعوى اصلاح اوضاعها ولكن سرعان ما فاجأنا هذا الرجل العظيم بالشعار الذي رفعه والمبادرة التي تبناها بخصوص موضوع احترام حكم القانون والنزاهة وقد كان مما فعله التقاؤه بقيادات الجامعات وفرض العودة إلى التعامل مع قضايا الجامعات عبر مؤسسة التعليم العالي وعبر اﻵليات الرسمية بعيدا عما تم انشاؤه من مسميات مع التأكيد على احترام أنظمة وقوانين الجامعات والمحافظة على استقلاليتها ومثل هذا كان موقفه بالنسبة لجميع مؤسسات الدولة وهو أمر ليس خافيا على احد.
ومن عظمة هذا القائد انه فطن لما يمثله الظرف الذي تعيشه بلادنا من أهمية كبيرة في تسهيل تحقيق مشروعه في بناء الدولة لقد فطن بصفاء ذهنه ان اﻻمة تمر في هذه المرحلة بأفضل حالتها وتماسكها وتطور الحس الوطني لديها وهذا ما يمثل الشرط الرئيس لبناء دولة المؤسسات لأنه عندما يتأكد الحس الوطني عند أفراد المجتمع تطرأ الحاجة للتعبير بشكل موضوعي ومعقلن عن الشراكة في الرؤية والتطلعات وردود الفعل وتقوى الحاجة للتضامن من اجل تحقيق أهداف المجتمع ورسم معالم المستقبل ومن المؤكد أن دولة المؤسسات هي التي ترمز إلى هذا التلاحم وهي التي تجعله مؤثرا.
وفي اﻻخير ورغم أن معرفتي الشخصية بهذا القائد كانت محدودة جدا فيما عدا بعض اللقاءات التي كان الهدف منها المشاركة في تقديم وتصميم بعض اﻻعمال القانونية إﻻ أنها مكنتني أن أقف على حقيقة شخصيته كقائد وادراك مستوى ما يمتلكه من مكنات عقلية وادراكات عميقة للتعامل مع قضايا الوطن في ضوء المفاهيم المعاصرة واﻵليات القانونية.
فما أذهلني انه كان يمثل استثناء في من شاركتهم بعمل مثل هذا لقد تركنا نحن المختصين أن نبدي رأينا القانوني المجرد ثم دخل معنا في نقاش اظهر من خلاله إدراكا عميقا لأسس بناء الدولة وإدراكا كبيرا لوظيفة القانون في عملية تحقيق هذا المشروع باﻻضافة إلى ما ادركته عند هذه الشخصية من قدرات استثنائية لها علاقة بمقومات القائد الفذ.. رحم الله الشهيد الصماد وإنا لله وإنا إليه راجعون .