الحلقة السابعة عشرة والألأخيرة
مجزرة الحُجاج الكبرى..كتاب للباحث حمود الاهنومي يوثق جريمة آل سعود بحق حُجاج اليمن.. “ٹ” تنشر الكتاب في حلقات
تبين أن قضية الــحــجــاج ظلت مطروحة طوال المسار التفاوضي بين الإمام يحيى وابن سعود قبل الحرب، وأن الأخير كان يلاين الجانب الــيــمــني في أول الأمر، لكنه ما إن قوي موقفُه العسكري والسياسي والاقتصادي حتى كشف عن حقيقة موقفه الرافض لتعويض الحجاج أو دفع دياتهم، ولعل ذلك كان لإبقاء طابع التوحش والقسوة الذي حققته المــجــزرة في وعي الــيــمــنيين، ولإظهار الإمام يحيى أيضا بمظهر الضعيفِ المتسوِّل، أكثر من أي دافع مادي آخر.
لنتائج والتوصيات
توصَّل الباحث بعد التطواف في هذا البحث إلى التالي:
-أن ما يحدث اليوم من السعودية ضد الــيــمــن ليس كما يتوهمه البعض نتيجة عدوانٍ استجدّ، أو رغبةٍ عدائية طارئة، بل لم يعرف اليمنيون النجديين من أول يوم إلا وهم يعتدون على هذا الشعب، ويوجِّهون إليه مجازرهم في مجزرة تنومة، ثم بعدها حينا بالحرب الباردة، أو الهيمنة، وحينا بالحرب الساخنة، والمجازر المروِّعة.
-أن اليمن في الفترة من عام 1918م إلى 1923م كانت أهمَّ وأخطرَ فترة في تاريخها المعاصر. وأن ابن سعود كان حليفَ بريطانيا المفضَّل، وأنه كان الحاكم العربي الوحيد الذي يقبض إعاناته الشهرية من الإيرادات الامبراطورية البريطانية بالإضافة إلى الأسلحة والذخائر، وأنه هو من أسَّس هِجَر الإخوان التكفيريين ومنها هجرة الغُطغُط، التي تورط أتباعها في قتل حجاج تنومة وسدوان.
-وقعَتِ المجزرةُ في ظهر يوم الأحد 17 ذي القعدة 1341هـ الموافق 1 يوليو 1923م، وكان الحجاج قد نزلوا على ثلاث فرق، الفرقة الأولى في تـنـومـة، والثانية والثالثة في سدوان، وأن جملة من الأسباب السياسية والعقائدية والاقتصادية كانت وراء الحادث، وأنها مــجــزرة دُبِّر أمرُها بليلٍ شيطانيٍّ مشؤوم، وأن ابن سعود وحده هو الشخص الذي يمكنه اتخاذُ قرار بذلك الحجم وتلك الخطورة، وأن هناك دلائلَ وأماراتٍ ترجِّح أنه العقل المدبِّر لتلك المجزرة، وأن تظاهره بالبراءة منها كان مشهدا من مشاهد مسرحية قرن الشيطان.
– اقتضت الخِطة الشيطانية النجدية إيجادَ طرف ثالث يتولَّى المجزرة في كمينٍ ينقض على الحجاج يتحمل في الظاهر وِزْرَ قتلهم، وتبين أن سلوكات داعش والقاعدة كانت حاضرة فيها، فعدد مَنْ ذبحتهم سكاكين الإخوان الوهابيين كانوا حوالي 900 شهيد، وقتلوا النساء والكهول، وأن عدد الشهداء أكثر من 3000 شهيد، ينتمون لمختلف فئات وأماكن اليمن، وأنه لم ينج منهم إلا من تظاهر بالموت وانغمس بين الدماء، أو أمكنه الفرار عند بداية الهجوم، وهم حوالي 500 شخص، 150 شخصا منهم بقيادة أمير الحج صمموا على مواصلة السفر للحج في ذلك العام عن طريق تهامة، وعاد البقية إلى اليمن.
– وضعت تلك المــجــزرة الإمــام يــحــيـى في وضعٍ صعب لا يُحْسَدُ عليه، وترجح للباحث أن خيار المواجهة السلمية السياسية والقضائية الذي سلكه كان رهانا خاسرا، وأنه بذلك حُرِمَ من شرَفِ التصدي العسكري لأخطرِ مشروعٍ منتحِل للإسلام، كما لا يُعفَى من المسؤولية أولئك الطامحون والمتمردون، وأولئك المرتزِقة الذين فضلوا حكْمَ الإنجليز على حكم الإمــام يــحــيـى، والذين فرّ بعضهم إلى ابن سعود لمساعدتهم ضده.
– أشعلت تلك المجزرة الغضبَ الشديدَ في قلوبِ الــيــمــنيين؛ ولذلك عبَّروا رسميا وشعبيا عن استعدادِهم للاقتصاص من القتلة أينما كانوا، كما أدّت المماطلة من ابن سعود في الإنصاف بالإضافة إلى ملف عسير ونجران وجيزان إلى توتُّرِ العلاقات السياسية بين الطرفين، ثم إلى اشتعالِ حرب 1934م.
-تبين أن قضية الــحــجــاج ظلت مطروحة طوال المسار التفاوضي بين الإمام يحيى وابن سعود قبل الحرب، وأن الأخير كان يلاين الجانب الــيــمــني في أول الأمر، لكنه ما إن قوي موقفُه العسكري والسياسي والاقتصادي حتى كشف عن حقيقة موقفه الرافض لتعويض الحجاج أو دفع دياتهم، ولعل ذلك كان لإبقاء طابع التوحش والقسوة الذي حققته المــجــزرة في وعي الــيــمــنيين، ولإظهار الإمام يحيى أيضا بمظهر الضعيفِ المتسوِّل، أكثر من أي دافع مادي آخر.
-وظهر أن معاهدة الطائف إنما أقرَّت بشأن تعويض الحجاج واقعاً مفروضاً بالقوة العسكرية، وهو أن لا علاقة لابن سعود بهذه المــجــزرة، وأنه لا تلزمه أية تبعة؛ ولهذا لم تتناول المــجــزرة بأي ذكر.
-وظهر أن محاولة الاقتصاص من قبل الفدائيين من آل الحاضري كانت تعبيرا شعبياً عفوياً عن السخط والإحباط والشعور بالغبن الشديد، وترجَّح أن علاقة ابن سعود ببريطانيا وموافقته لها في جعل فلسطين وطنا لليهود كان أحد الدوافع لهم إلى محاولة اغتياله.
وعليه يوصي الباحث بـ:
-إجراء مزيدٍ من الدراسات حول العلاقة بين اليمن والنظام النجدي، وكشف المزيد من الحقائق حول تلك المجزرة، وتداعياتها، من خلال الوثائق، وتوثيق الروايات الشفهية والمتناثرة، وتراجم شهداء المجزرة والناجين منها، وأن يكون بُعْد مفهومِ قرن الشيطان وعلاقة دولِ الاستكبار حاضرا فيها.
– اشتمال المناهج التربوية على مظلومية تلك المجزرة ومجازر العدوان السعودي الأمريكي القائم، مقرونة بذكر الانتصارات التي حققها اليمنيون من الجيش واللجان الشعبية.
– أن تكون مجزرة تنومة ومجازر هذا العدوان القائم ضمن مفردات حملة التعبئة الجهادية وإثارة السخط والتحريض ضد المعتدين، واعتبارها دَيْنا على رقابنا يلزمنا أداؤه بالانتصار الفاعل على هذا العدو الغاشم.
– أن تتولى الدولة تهيئة الظروف المختلفة لرفع الدعاوى القضائية ضد المعتدين أمام المحاكم الدولية، بشأن ضحايا مجزرة تنومة وتعويضاتهم ودياتهم، مثلها مثل جرائم العدوان القائم اليوم.
– أن يتم التوثيق – بشكل يومي وطبقا لمقاييس الموثوقية القانونية والحقوقية والتاريخية – لكل أحداث وجرائم هذا العدوان السعودي الأمريكي القائم، وحفظ ذلك وأرشفته في المؤسسات الرسمية والأهلية ذات العلاقة، وعلى شبكة النت، وتمكين الباحثين من الوصول إليها والإفادة منها.
– أن يعادَ طرحُ موضوعِ تعويضاتِ شهداء تنومة في أية مفاوضات قد تنشأ بين اليمن والسعوديين، باعتباره لا زال ملفا مفتوحا لم تحسمه معاهدة الطائف، مع ملاحظة أن الأهم فيه ليس هو الجانب المادي وإنما ما يترتب عليه من الجانب المعنوي من إحقاق الحق، وإزهاق الباطل، ورفع الظلامة التاريخية، وتمتين الذاكرة الوطنية، وغير ذلك.
– أن يراعى في أية علاقة مستقبلية بين اليمن الإيماني، ونظام نجد الشيطاني بُعْد أنه (قرن الشيطان)، وعليه فيجب التعاون مع جميع علماء وشعوب الأمة الإسلامية المتضررين منه، واستمرار الإعداد للمنازلة الشاملة حتى إسقاطه، ومساعدة شعب الجزيرة العربية في اختيار نظامه العادل؛ لأن بقاءه شكَّل ويشكل خطرا قائما على الإنسانية عموما وعلى شعب الجزيرة وأهل اليمن خصوصاً.