” المسيرة القرآنية “.. أحدث هواجس الرعب الذي أرق الكيان الصهيوني ..!
محمد أحمد الحاكم
كثيرة هي تلك الهواجس الموسومة بالرعب و الخوف والتي لطالما لا تنفك من أن تفارق الكيان والذات الصهيونية منذ نشأتها رسمياً بشقيها – الأول غير المباشر… والذي تم الترويج له إعلامياً بناءً على ما سُمي في الماضي بــ وعد بلفور عام 1918م , والثاني مباشر … تلى ذلك الوعد المشؤوم, حينما تمت السيطرة الصهيونية على الأراضي الفلسطينية بغية إثبات الوجود والاعتراف دولياً بكيانه ودولته الصهيونية في العام 1948م.
لن أتطرق في الحديث هنا عن مجمل الهواجس التي أحاطت بالكيان والذات الصهيونية منذ نشأته , لكنني سأتطرق بشكل سريع ومقتضب إلى حداً ما – حول أبلغ الهواجس التي أصابت هذا الكيان الغاصب بشكل مباشر في الوقت الحاضر , رغم ما تشهده معظم الدول العربية والإقليمية والدولية من متغيرات وأحداث متعددة ومتنوعة تصب جميعها في مصلحة هذا الكيان الصهيوني.
احتلت المسيرة القرآنية التي انطلقت مطلع القرن الواحد و العشرين على يد السيد القائد الشهيد حسين بدر الدين الحوثي ( قُدست روحه الشريفة ) أحدث هواجس الرعب الذي أصاب الكيان الصهيوني , إذ اتخذت مكاناً جديداً يضاف إلى بقية الأنظمة والكيانات والقوى الدولية التي ناصبت العداء صراحةً الغطرسة الإستكبارية للقوى الصهيونية الأمريكية , ولتؤكد من جديد بأنها ستضل هاجس الرعب الحقيقي الذي سيضل مستديماً للأبد , ويؤرق بصورة مزدوجة الكيان والذات الصهيونية في الدرجة الأول وبعض دول الخليج و العالم في الدرجة الثانية .
قبل الخوض في معرفة الأسباب والقدرات التي مكنت المسيرة القرآنية من أن تكون هاجساً حقيقياً مقلق للكيان الصهيوني , علينا أولاً استقراء المنهجية التي دأب خلالها الكيان الصهيوني بتنفيذها في الوسط العربي والإسلامي بشكل خاص , والعالم بشكل عام , لنسقط على ضوئها الأثر السلبي الذي شكلته المسيرة القرآنية بالنسبة لهذا الكيان المتغطرس , ليتضح لنا عندها جلياً حقيقة ما ذهبنا إليه بالقول من أن المسيرة القرآنية قد أضحت أعظم الهواجس التي تؤرق هذا الكيان ومن معه من قوى الإستكبار العالمي.
أكدت لنا الأحداث قطعاً بأن المحرك الرئيسي للأحداث و المتغيرات التي شهدتها الأمم العربية والإسلامية وأثرت عليها سلباً , قد تمثل في الكيان الصهيون الذي استطاع منذ نشأته رسمياً في العام 1948م أن يضع الأمة العربية و الإسلامية في إطار الصورة التي شاء لنفسه أن يركبهما عليها , ولا نخفي أحداً القول بأن غالبي قادة الأنظمة العربية الإسلامية كان لهم الدور الفعال في مساعدة الكيان الصهيوني في تنفيذ واستكمال مخططاته , التي تجلت إجمالاً في وجوب تثبيت أركان وقواعد قيام الدولة الصهيونية , وبما يضمن لها الاستمرارية والبقاء والوجود في المنطقة و العالم , على أن يتم ذلك وفق ما يلي :-
* انتزاع الاعتراف الدولي وبالذات العربي والإسلامي على وجه الخصوص بحق الكيان الصهيوني في تكوين وإنشاء الدولة الصهيونية , وضم كافة أبنائه في نطاق جغرافي محدود يتحدد في فلسطين دون غيرها .
* الوصول بالدولة الصهيونية إلى أعلى المستويات و المراتب الدولية , السياسية منها أو الاقتصادية والفكرية والتكنولوجية و العسكرية وغيرها , وبما يمكنها من التفوق والسيطرة المباشرة وغير المباشرة على كل الأنظمة الكيانات الدولية المختلفة .
يعلم الكيان الصهيوني في الوقت الراهن بأنه استطاع على المستوى الدولي تحقيق تلك الغايات والأهداف بسهولة وسلاسة منقطعة النظير عبر ترويج العديد من الدعاوى المخادعة و المضللة تحت مبرر بأنها حقائق تاريخية وملموسة , لكنه على المستوى الإقليمي واجه الكثير من الصعوبات والعراقيل التي أفقدته الكثير من الوقت في التكوين والثبات والاستقرار , خاصة في ضل وجود وتنامي قدرات وإمكانيات العديد من حركات المقاومة الجهادية التي واجهته وما زالت تواجهه في كلاً من فلسطين ولبنان وسوريا والعراق وإيران , وعلى الرغم من أن تلك المقاومة التي يتلقاها الكيان الصهيوني ما زالت بتلك القوة وعلى مستوى تلك الوتيرة , إلا أنه ( الكيان الصهيوني ) لم ينفك أن يدأب بالسير بشكل مستمر وفق منهجية سياسية تساعده في التمكين من مواجهة تلك المقاومة , وبما تمكنه التقليل من حدة بعض تلك الحركات الوطنية , كل ذلك بغية الوصول إلى السيطرة التامة والشاملة على كل الدول والقوى والكيانات المناهضة لمشروعها الاستعماري الاستيطاني في المنطقة , ويؤمن لها الثبات والاستقرار والوجود في المنطقة .
هناك بعض المحاور التي عبرت عن طبيعة المنهجية السياسية التي استخدمها الكيان الصهيوني إثناء مواجهة القوى المناهضة له , يمكن قرائتها على النحو التالي:-
* خلق فلسفة فكرية حديثة مصطنعة تقوم على خلط وتشويه الأفكار والمبادئ التي تشمل القيم الإنسانية و الدينية والاجتماعية وغيرها , وبما يجعلها بأن تصبح مشكلة عالمية تستهدف كل الشعوب الدولية برمتها دون استثناء .
* التعمد في حجب الأسباب الحقيقية التي تنجم على إثرها الصراعات الدموية في كل أرجاء العالم , وذلك عن كافة العقول العربية والإسلامية والدولية , مع طرح العديد من الأفكار الزائفة أو السطحية لتكون البديل الذي يتم الترويج له بدلاً عن الأسباب الحقيقية .
* لتطبيق تلك الأهداف فأنه كان لزاماً على الكيان الصهيوني ومن سار على نهجه من حلفائه من قوى الإستكبار العالمي أن يستخدموا وسيلة ذات قدرة كبيرة وتأثير فاعل وسريع , فتم إنشاء و تطوير آلة إعلامية متعددة و كبيرة جداً استطاعت خلال عدة عقود من الزمن على إحداث إنقلاب لكل الموازين الفكرية ذات الصيغ المتنوعة للجوانب والمتعددة في المستويات , لتصبح عندها كل العقول عاجزة عن فهم الإرتباطات الفكرية مع بعضها البعض , وعاجزة عن مواكبة الحداثة أو ما بعد الحداثة .
نتيجة لتلك المنهجية السياسية فأنه يمكننا استقراء الأثر الذي عكسته هذه المنهجية على أرض الواقع , فقد سجلت الأحداث خلال القرن الماضي بالإضافة إلى ما سجله العقد الأول من هذا القرن الكثير من الأحداث و المتغيرات التي ساهمت إلى حد كبير في تغيير ما كانت عليها معظم دول العالم , وكيف أصبحت تلك الأمم بعد تلك التغييرات , تغييرات استهدفت بشكل مباشر على وجه الخصوص غالبية الأمم و القوى و الكيانات والدول العربية والإسلامية , إذ ما يمكن لنا سرده في الوقت الحاضر انطلاقاً من مبدأ الانتقاء لا الحصر و الإجمال هو قراءة مستوى انحلال وانسلاخ تلك الأنظمة العربية و الإسلامية في الأخذ والعمل والالتزام بالأسس والمعايير والمبادئ الأساسية التي تجمع تلك الأنظمة مع بعضها البعض , والذي شكل الدين الإسلامي أوجه تلك العلاقات , فبدلاً من أن يكون الدين الإسلامي المنهجية الحقيقية و الرئيسية التي تتحقق على ضوء القواعد الرئيسية لتشكيل تلك الكيانات على المستوى الداخلي , أصبح هذا الدين تحت دعاوى الإرهاب الإسلامي العلة الرئيسية التي تهدد أركان وقواعد تشكيل تلك الأنظمة , وبدلاً من أن يكون هذا الدين أيضاً النموذج الأمثل في رسم وتحديد كيفية تنظيم وترتيب وتقنين طبيعة وأوجه العلاقات الدولية التي تجمع تلك الأنظمة مع بعضها البعض , تقوم على ضرورة الالتزام بمبادئ وأسس ومعايير تحقيق الوحدة العربية والإسلامية بما يضمن استمرارية وحدتها وقوتها , وعلى أن يكون ذلك قائماً على مبدأ تحقيق الاحترام المتبادل بين الأنظمة العربية والإسلامية مع بعضها البعض , أضحى هذا الدين في منظور قادة تلك الأنظمة فكراً راديكالياً يفرض العديد من القيود التي تمس حرياتهم , ويحجبهم عن التطور الإنساني و المجتمعي و الذي يمكن أن يضعهم في خانة الدول المتحضرة , وبدلاً من أن يكون هذا الدين أيضاً الروحية الأسمى التي تفضي إلى توحيد الرؤى و الأفكار بما يمكنها من تحقيق حل القضايا المصيرية التي تتهدد هذه الأمم و شعوبها و التي سجلت القضية الفلسطينية أبرز تلك القضايا التي واجهتها تلك الأمم , كونها تلزمهم في المقام الأول في وجوب تحرير كافة الأراضي و المقدسات الفلسطينية بلا استثناء , أضحى الدين مجدداً الفكر الذي بسببه حدثت و تشكلت معظم القضايا التي واجهوها قادة هذه الأنظمة العربية الإسلامية , فكان لزاماً عليهم التخلي عن منهجيته وأوامره و تشريعاته , والتوجه نحو إرساء فكراً جديداً بعيداً عن الدين , قريباً من العلمانية والتصهيون .
في ضل ما شهدته المنطقة ككل من تغيرات سلبية أثرت بجلاء على الأمة العربية و الإسلامية , انطلقت المسيرة القرآنية لتحدث تغييرات معاكسة كلياً وغير متوقعة لما كان يتوقعها الكيان الصهيوني , فعلى الرغم من المسيرة القرآنية قد ولدت في إحدى أجزاء المنطقة العربية وبالتحديد في اليمن , التي لم تستثن من تلك المتغيرات التي يحدثها الكيان الصهيوني وبمساعدة أركان حكمها آنذاك , إلا أنها لم تتأثر إطلاقاً بتلك المتغيرات رغم ما قابلته وواجهته من عدائية مفرطة في حقها , إذ يعود أهم و أبرز أسباب عدم تأثرها بتلك المتغيرات يكمن في ما يلي :-
* الإيمان بالقضية و الهدف الذي ناضل من أجلها السيد القائد الشهيد / حسين بدر الدين الحوثي (قدست روحه الشريفة ) وكل من سار على نهجه ودربه .
* الثبات و الصمود بكل بسالة و إخلاص منقطع النظير من قبل السيد القائد الشهيد وكل من سار على نهج ودربه بعد استشهاده , هدفت إرادتهم أجمع من أجل المحافظة على بقاء واستمرارية هذه القضية والهدف على الوجود , رغم كثافة ما واجهوه من عدائية هستيرية مفرطة لا تبقي ولا تذر .
* تعدد الحروب التي شنت على هذه المسيرة وصلت إلى ستة حروب خلال عقد كامل من الزمن , ساعدت هذه الفترة المسيرة القرآنية من التمكن في طرح و توسيع فكرها بين عامة الشعب ممن غيبت عنه تلك الرؤية الفكرية بغية عدم الفهم و الوعي لمضامين هذا الفكر كي لا يتأثر به , كما أن هذه الفترة أتاحت الفرصة أيضاً للمسيرة بأن تكشف مستوى المظلومية التي تواجهها من قبل أركان النظام الحاكم آنذاك ومن سار على نهجه العدائي .
* شكلت الفترة من العام 2011م وحتى اليوم أبرز ملامح القوة الفكرية التي تؤمن بها المسيرة القرآنية , والتي عكست بشكل جلي عمق القدرة الذاتية للمسيرة في تحقيق الاستمرارية في البقاء والوجود , والذي تأتى ذلك كله نتيجة للعمق الإيماني الذي يتحلى به أفراد هذه المسيرة , وإلى جانبه الحنكة السياسية و العسكرية اللذان تم الأخذ بهما لزاماً إثناء الصراع عند المستويين الداخلي و الدولي .
* تكمن أبرز ملامح القوة الفكرية التي تسير المسيرة القرآنية من أجل تنفيذها , وشكلت في ذات الوقت أبرز الهواجس التي أرقت كيان وذات الكيان الصهيوني في الوقت الحاضر , تكمن في عدة نقاط أجلها يتضح في الآتي :-
* استطاعت المسيرة القرآنية كشف وفضح كافة العناصر و الأدوات التي يعتمد عليها الكيان الصهيوني عند تنفيذ مخططاته الإجرامية في فلسطين و المنطقة العربية و الإسلامية برمتها أكثر من ذي قبل , وعلى رأسها الكيان السعودي و الإماراتي و غيرهما , فبعد أن كانت معظم الأنظمة العربية و الإسلامية تتشدق قولاً لا عملاً بأنها تناصر الفلسطينيين و تدعم قضيتهم , أضحت مؤخراً تتجاهل وتتخلى بصورة علنية و جريئة عن القضية الفلسطينية , بل أنها لم تكتفي عند هذا الحد فقد عمدت إلى الكشف تدريجياً عن علاقاتها السرية التي كانت ترتبط بها مع الكيان الصهيوني , وتدعو إلى ضرورة إقامة تطبيع كامل وشامل مع هذا الكيان تحت مبررات وهمية ظاهرها تحقيق السلام وباطنها التذلل والإنهزام .
* استطاعت المسيرة القرآنية إحياء مفهوم المقاومة الإسلامية الصحيحة التي يجب أن تسير عليها وتتوجه كل الشعوب العربية و الإسلامية ضد الكيان الصهيوني بصورة قوية , تعتمد على وجوب العمل بمضامين الآيات القرآنية التي تعزز من تلاحم ووحدة الشعوب العربية و الإسلامية ورفض الوصاية و الهيمنة الصهيونية – الأمريكية على المنطقة العربية و شعوبها .
* شكلت المسيرة القرآنية محور مقاومة جديد تضاف إلى بقية محاور المقاومة الوطنية المنتشرة بالذات في المنطقة العربية , تمتلك العديد من المقومات والإمكانيات والقدرات السياسية والعسكرية والإعلامية والجغرافية , التي تمكنها من تعزيز قدراتها المتعددة في مواجه كافة الأطماع التي تحتوي عقول و أفكار قوى الإستكبار .
* استطاعت المسيرة القرآنية من إحياء المفهوم الديني الصحيح القائم على تعزيز مفهوم الجهاد و العمل به جملة وتفصيلا , خاصة بعد أن كان الكيان الصهيوني و أدواته من المنافقين طيلة أكثر من ثمانون عاماً تقريباً كانوا قد استطاعوا في حجب هذا المفهوم وتضليل معانية بين عامة الناس , بالإضافة إلى أنهم قاموا بتشويه كافة الصور والقيم والمبادئ الدينية الإسلامية الأخرى .
* استطاعت المسيرة القرآنية في كشف وفضح الحقائق التاريخية الحقيقية , الغائبة عن كل العقول العربية والإسلامية , والتي شاء لها الكيان الصهيوني منذ نشأته إلى حد الآن بأن تكون حقائق زائفة يتم الترويج لها بصورة ممنهجة كي تكون الأسباب التي رسمت طبيعة الصراعات الدموية التي تشهدها المنطقة العربية والإسلامية , إذ أنها أي المسيرة القرآنية قد أكدت على أن الصراع العربي العربي بأنه صراع حقيقي يفضي في نهاية المقام إلى تدمير الدول العربية والإسلامية تدميراً كلياً , في حين أن طبيعة الصراع العربي الصهيوني كان صراعاً غير جدي إلى حد كبير , صراعات عكست بجلاء عن مستوى سخافة القدرات العقلية التي يمتلكها القادة العرب و الإسلاميين وإلى جانبهم شعوبهم , و التي أكدت عجزهم التام و المطلق في كيفية تحديد توصيف القضايا المصيرية التي تواجههم , مع عدم قدرتهم في التمييز في تحديد وترتيب المهام و الأولويات التي تمكنهم من مواجهة تلك القضايا وحلها , وبأن صراعاتهم بتلك الكيفية قد أثمرت في نهاية المطاف إلى خدمة الكيان الصهيوني وقوى الاستكبار العالمي بالدرجة الأولى والأخيرة .