“رغم الضغط السعودي – الأمريكي ” … لهذه الأسباب مصر لن تذهب إلى المستنقع اليمني !؟”
هشام الهبيشان*
* تزامناً مع زيارة الرئيس المصري إلى السعودية ، عاد الحديث عن احتمال جر المصريين إلى مصيدة التدخل العسكري البري في اليمن ، بعد الحديث عن تفاهمات تمت بين الأمريكان والسعوديين ساهمت إلى حد ما بإزالة بعض التوتر بالعلاقات بين المصريين والسعوديين ، تزامناً مع هذا الحديث ، انطلقت من جديد فصول حرب استنزاف جديدة ضدّ مصر هدفها الرئيسي الجيش المصري ، فما يجري اليوم في سيناء وبعض المدن المصرية من استهداف ممنهج للجيش والقوى الأمنية المصرية ، يؤكد أنّ المرحلة المقبلة على الداخل المصري المضطرب أمنياً ستشهد مزيداً من التعقيدات الأمنية ، وخصوصاً مع ظهور علامات ومؤشرات واضحة على نسج خيوط مؤامرة واضحة تسعى إلى جرّ واستنزاف الجيش المصري وإغراق مصر ، كلّ مصر ، في جحيم الفوضى ، لتكون النواة الأولى لاستزاف الجيش المصري.
وهنا لا بدّ أن نعترف جميعاً بأنّ استراتيجية الحرب التي تنتهجها بعض القوى الدولية والإقليمية على الدولة المصرية ، ومن خلف الكواليس ، بدأت تفرض واقعاً وإيقاعاً جديدين لطريقة عملها ومخطط سيرها ، فلا مجال هنا للحديث عن دور السياسة الداخلية المصرية وتأثيرها في الأزمة الأمنية التي تعيشها البلاد ، فما يجري الآن على الأرض المصرية ما هو إلا حرب استنزاف للجيش الوطني.
واليوم ، عند الحديث عن عودة احتمالات تدخل مصر عسكرياً في اليمن “وخصوصاً مع حديث السعوديين عن عرض مصري بزج 40.000 جندي مصري بمسار معارك اليمن والنفي المصري السريع للحديث السعودي هذا ، يجب الانتباه إلى تحديات الداخل المصري الأمنية ، فهناك حقائق موثقة ، في هذه المرحلة تحديداً ، تفيد بأنّ الدولة المصرية بكلّ أركانها تعصف بها عاصفة من العمليات الإرهابية الممنهجة ، وتشير المعلومات إلى وجود ما بين اثنين وعشرين وثمانية وعشرين ألف مسلح راديكالي مصري وغربي وعربي وشمال أفريقي ومن بعض الدول الخليجية وغيرها من البلدان والمنظمات المتطرفة ، يقاتلون في شكل كيانات مستقلة داخل مصر في سيناء وما حولها وفي بعض الدول العربية وشمال أفريقيا في ليبيا وتشاد وغيرها من الدول المجاورة لمصر.
هؤلاء بمجموعهم هدفهم الأول والأخير مصر ، وما حوادث تفجير الكنائس بالقاهرة والاسكندرية وحوادث سيناء الأخيرة ، إلا رسالة أولى من هذه المجموعات إلى مصر بأنها قادرة على إيذاء مصر وأنّ حرب مصر مع هؤلاء هي حرب طويلة ، لا تبدأ عند حدود سيناء ولن تنتهي عند حدود ليبيا وتشاد. هذه الحقائق نفسها ، تفيد بأنّ هناك اليوم الآلاف من المسلحين المصريين يقاتلون الجيش المصري في سيناء وما حولها من بلدات ومدن مصرية ، ورغم استمرار حملة الجيش الأخيرة في وجه كلّ البؤر المسلحة في سيناء وما حولها وتوسّع عمليات الجيش إلى خارج الحدود المصرية” ليبيا “، يبدو واضحاً أنّ العمليات المسلحة لهذه المجموعات المسلحة بدأت تأخذ طابعاً تصاعدياً بنهجها وطريقة عملها المتطورة ، فهذه المعادلات الأمنية التي فرضت على مصر مؤخراً ، تؤكد بما لا يقبل الشكّ أنّ مصر مقبلة على حرب دموية طويلة مع هذه التنظيمات المسلحة قد تمتدّ إلى أعوام.
بدأت هذه التحديات الأمنية التي تواجه مصر داخلياً وفي بعض دول محيطها العربي والأفريقي ، تلقي بظلالها وتداعياتها مؤخراً على صانع ومتخذ القرار العسكري المصري ، وخصوصاً بعد الحديث عن دور مصري بري محتمل في الحرب السعودية على اليمن ، ومعظم هذه الأحاديث تصاغ على احتمال ومؤشرات توحي بقرب التدخل البري المصري في اليمن ، ولكن في المقابل ، هناك مؤشرات كبرى تؤكد أنّ المزاج الشعبي المصري رافض لهذا التدخل وهو قادر على الضغط على صانع ومتخذ قرار التدخل إن حصل ، وفي السياق نفسه ، فإنّ التحديات الأمنية التي تواجه مصر اليوم تؤكد أنها غير مستعدة للدخول في مغامرة جديدة في المنطقة ، وخصوصاً في اليمن التي لها فيها تجربة مريرة بعد خسارتها لأكثر من 15 ألف جندي ما بين عامي 1962م و1967م، وذلك بسبب تدخلها في اليمن لدعم طرف على حساب طرف آخر.
وتشبه تجربة مصر في ذلك الحين ، إلى حدّ ما ، تجربة مصر المحتملة اليوم في اليمن مع تغييرات جذرية في طبيعة المعركة والحلفاء والطرف المطلوب أن تتدخل مصر لصالحه. ومن هنا نستنتج أنّ احتمالات تدخل مصر في اليمن عسكرياً بدأت تتراجع يوماً بعد يوم ، رغم كلّ الأحاديث الإعلامية التي تثار حول هذا التدخل ، ويبدو أنّ هناك لوبياً مصرياً رسمياً تشكل مؤخراً بدأ بالضغط على صانعي ومتخذي القرار المصري للاتجاه إلى الخيار الداعي إلى إنهاء الصراع في اليمن عن طريق جلوس كلّ الأطراف اليمنية إلى طاولة الحوار ، وهذا الخيار يبدو أنه بدأ يدرس من جانب صانع القرار المصري كخيار بديل عن التدخل غير المضمون النتائج والعواقب.
ختاماً ، فإنّ معظم المؤشرات والمواقف تؤكد حتماً أنّ تضامن مصر بكيانها الرسمي مع الرياض في حربها العدوانية على اليمن هو تضامن متغير الموقف ، والذي تغير اليوم هو أنّ شكل هذا التضامن بدأ يفرض وجوده ، وبقوة ، على طاولة متخذ القرار المصري ، لكنّ السعوديين ينتظرون اليوم قراراً مصرياً سريعاً وحاسماً لطبيعة وشكل هذا التضامن ، بحيث تأمل الرياض أن تتجه مصر نحو التدخل البري في اليمن نيابة عن السعوديين بعد عامان من الحرب على اليمن ، والسؤال هنا: هل سيجرّ متخذو القرار المصري المصريين إلى المستنقع اليمني ، مع علمهم بتجربة ستينات القرن الماضي وبحجم الأخطار الأمنية الداخلية والخارجية التي تستهدف مصر اليوم؟. هذه الأسئلة نتركها برسم صانع ومتخذ القرار المصري ، وعلى الأغلب أنّ الإجابات ستكون واضحة خلال الساعات والأيام القليلة المقبلة ، وما ستحمله من أحداث ومواقف سنستطيع من خلالها قراءة الموقف المصري من الحرب السعودية على اليمن والدور المصري فيها بوضوح وبعيداً من التكهنات.
*كاتب صحفي أردني