م. سامي محب الدين (1)
م. خالد محمد الرضي(2)
يشهد الفضاء الخارجي تنامياً مستمراً في استخداماته وتطبيقاته التي أصبح لها دور جوهري في تحسين الحياة البشرية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية وتحقيق أهداف التنمية المستدامة. وفضلاً عن أهميته في مجالات الاتصالات والملاحة والبث الإعلامي؛ أصبح الفضاء الخارجي عاملاُ مهماً لرصد تغير المناخ ومكافحة التصحر وإدارة الكوارث وتحسين إدارة الموارد الطبيعية للأرض، وقد ازدادت أهمية هذا المجال وخاصة للدول النامية التي لاتزال في حاجة إلى استخدام مواردها الاستخدام الأمثل.
لقد مر ستون عاما على غزو الفضاء وبداية عصر الفضاء منذ إطلاق القمر الصناعي السوفييتي سبوتنيك1 (Sputnik1) في أكتوبر 1957م، والذي خرج من مرحلة البحث العلمي إلى مرحلة التطبيق الفعلي، ومن سرية المعامل إلى علانية التصنيع والتطبيقات التجارية، ومن كونه مجالاً ينتمي بأغلبيته إلى المجالات العسكرية والاستراتيجية إلى مجال تحتل منه التطبيقات المدنية السلمية النصيب الأكبر والتي تتصل بدراسة تعمير الأرض.
ونظراً لوجود التابع الصنعي (الساتل) في مدار أرضي فإن كل التطبيقات المتصلة به تطبيقات أرضية، فالساتل في هذه الحالة ليست أكثر (أو أقل) من منصة عالية في الفضاء تدور حول الأرض بسرعة معينة، وعليه تقسم الوظائف التي يقوم بها الساتل إلى ثلاث وظائف أساسية هي: الرصد (مثل الأرصاد الجوية واستكشاف ودراسة الأرض والإستشعار عن بُعد) والاتصال (مثل الاتصالات والملاحة والإغاثة) والبث (مثل البث التلفزيوني والإذاعي)، وهناك وظائف أخرى كاستكشاف الكون وبحوث الجاذبية.
أهمية تكنولوجيا الفضاء في اليمن
قد يبدو الحديث عن ضرورة استفادة اليمن من تكنولوجيا الفضاء (ضرباً من الجنون) في ظروف تعيشها البلد من أزمات سياسية متلاحقة وتلاها العدوان الذي حدث في 26 مارس 2015م ودخل عامه الثالث دمر معظم بنيته التحتية، وأحدث كوارث اقتصادية واجتماعية وصحية وبيئية كبيرة (حيث أشارت آخر تقارير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) إلى أن حوالي 18.8 مليون من سكان اليمن بحاجة للمساعدات الإنسانية منهم 10.3 مليون بحاجة إلى مساعدات عاجلة للبقاء على قيد الحياة، ويفتقر ما يقارب15 مليون نسمة إلى الرعاية الصحية الكافية، ويفتقر أكثر من14 مليون نسمة إلى إمكانية الوصول إلى المياه الصالحة للشرب، وأن التقييم الأولي لخسائر البنية التحتية المدمرة بحوالي 19 مليار دولار أمريكي).
كل هذا يتطلب خطوات كبيرة جداً على المستوى الوطني والإقليمي والدولي لوقف هذه الجرائم، والبدء بتشكيل فرق وطنية متخصصة لوضع أولويات في عمليات تقييم أضرار العدوان على اليمن في كل القطاعات الخدمية، ووضع خطط في أولويات إعادة الأعمار ومنها تسخير تكنولوجيا الفضاء لأغراض التنمية الاجتماعية والاقتصادية في سياق مؤتمر الأمم المتحدة للتنمية المستدامة وخطة التنمية المستدامة للفترات 2015 – 2030م.
وهنا نتذكر عندما عاتب البعض رئيسة وزراء الهند السابقة أنديرا غاندي قائلين: (بثمن ساتل واحد يمكنك أن تعطي وجبة أرز لكل هندي) فأجابت (نعم بكل تأكيد، لكن بعد تناولهم لهذه الوجبة سيظل المشكل على ما كان عليه، بينما بثمن ساتل واحد سأعلم عشرات من الملايين من الأشخاص كيف ينتجون الأرز لكي يأكلوه كل يوم، كما سأقدم لهم معلومات عن النظافة والعلاج التي تنقصهم بشكل مريب). لقد برهن الزمن على صدق فراسة هذه المرأة، ولقد أصبحت الهند مثالاً يحتذى للعالم أجمع وللعالم الثالث على وجه الخصوص في هذا الميدان.
ولذا تعتبر الهند الدولة السابعة في ترتيب الوصول إلى المدار، حيث بدأت في عام 1969م بإنشاء هيئة أبحاث الفضاء الهندية (ISRO) والتي أدت إلى امتلاك الهند عشرات من الأقمار الصناعية في عدة مجالات ومنها سلسلة أقمار المسح الفضائي والإستشعار (IRS) والتي تؤدي مهاماً متشعبة تشمل تقدير مساحات المحاصيل والتحذير من الجفاف والتحكم في الفيضانات وإستصلاح الأراضي وإدارة الموارد المائية والموارد البحرية والتنقيب عن المعادن.
وكذلك تجربة الصين (وهي الدولة الخامسة في الفضاء) التي أولت مجالات تطبيقات علوم الفضاء اهتماماً كبيراً عن طريق عدة معاهد ومراكز متخصصة.
الجوانب القانونية لاستخدام الفضاء
على الرغم من أن غزو الفضاء واستكشافه قامت به مجموعة صغيرة من الدول المتقدمة، فإن الفضاء نفسه يظل ملكاً لشعوب الأرض جميعها، وليس من حق أي دولة أو مجموعة من الدول الإستئثار بفوائده، ومن هنا نشأت الحاجة إلى تقنين الفضاء ووضع المعاهدات الدولية التي تحكم استخدامه، وتم لهذا الغرض إنشاء لجنة تابعة للأمم المتحدة سميت لجنة الأمم المتحدة للفضاء (UNISPACE) لوضع القواعد التي تحكم الاستخدامات السلمية للفضاء، وهناك أيضاً الاتحاد الدولي للإتصالات (ITU) ويختص بتنظيم الأمور المتعلقة بالاتصالات الفضائية، وعلى ضوئه تم عقد العديد من الاتفاقيات والمعاهدات فيما يتعلق باستكشاف واستخدام الفضاء الخارجي. وقد أبرز الأمين العام للأمم المتحدة أهمية علوم وتكنولوجيا الفضاء لتنفيذ الاتفاقات العالمية المتعلقة بالتنمية المستدامة وتغير المناخ والحد من مخاطر الكوارث.
وبمتابعاتنا للتقارير الصادرة عن لجنة استخدام الفضاء الخارجي في الأغراض السلمية التابعة للأمم المتحدة في اجتماعاتها الدورية في شهر يونيو من كل عام، وكان آخرها الدورة التاسعة والخمسون عام 2016م وتم فيها استعراض أنشطة برنامج الأمم المتحدة للتطبيقات الفضائية حيث كانت الأولوية هي الرصد البيئي، وإدارة الموارد الطبيعية، والاستفادة من الاتصالات الساتلية في تطبيقات التعليم والتطبيب عن بُعد، و الحد من مخاطر الكوارث، واستخدام النظم العالمية لسواتل الملاحة، ومبادرة علوم الفضاء الأساسية، وقانون الفضاء، وتغير المناخ، ومبادرة تكنولوجيا الفضاء الأساسية، ومبادرة تكنولوجيا ارتياد الإنسان للفضاء، والتنوع الحيوي، والمنظومات الإيكولوجية، واستخدام بيانات الاستشعار عن بُعد من أجل اتخاذ قرارت مستنيرة، خاصة في القضايا المرتبطة بالتغيرات المناخية وإدارة الكوارث، ورصد المحاصيل غير المشروعة، والتنبؤ بحالات الجفاف والتصحر، ودارسة المحيطات ورصد الشواطئ، ومناسيب البحار، والتنمية الريفية واستخدام الأراضي وإدارة المساقط المائية، والزراعة، والتخطيط الحضري، والأمن الغذائي، والصحة العامة، والمعونات الإنسانية والتنموية.
وبتوسع قطاع الفضاء ونمو عدد من الجهات الفاعلة، ينظم مكتب الأمم المتحدة لشؤون الفضاء الخارجي (UNOOSA) والتي تعتبر الجهود المبذولة من أجل بناء القدرات في علوم وتكنولوجيا الفضاء من محاور تركيز هذا المكتب، وتحظى بأهمية خاصة لدى اللجنة الدولية المعنية بالنظم العالمية لسواتل الملاحة بصفته الأمانة العامة التنفيذية لهذه اللجنة. وتم وضع مفهوم تيسر إمكانية الوصول إلى الفضاء الخارجي أمام جميع البلدان على قدم المساواة ودون تمييز، بصرف النظر عن درجة تطورها العلمي والتقني والاقتصادي، وكذلك استخدام الفضاء الخارجي استخداماً منصفاً ورشيداً لصالح البشرية جمعاء.
وقد أعلن مكتب الأمم المتحدة لشؤون الفضاء الخارجي أنهم يخططون لإرسال المكوك الفضائي دريم تشيزر في 2021، وهي أول بعثة فضائية للأمم المتحدة على الإطلاق. تقول سيمونيتا دي بيبو مديرة يونوسا: إن أحد المسؤوليات الأساسية ليونوسا هو تشجيع التعاون الدولي في مجال الاستخدام السلمي للفضاء الخارجي، وستمنح الدول النامية فرصة المشاركة في اكتشاف الفضاء، ومن شأن هذه البعثة الفضائية أن تحقق مستوى جديداً من التعاون العالمي في البحث العلمي.
وحاليا تكرس اللجنة ولجنتاها الفرعيتان للذكرى السنوية الخمسين لمؤتمر الأمم المتحدة الأول المعني بالاستخدام السلمي للفضاء الخارجي (UNISPACE) في حزيران 2018 المقبل.
طموح اليمن في الاستفادة من تكنولوجيا الفضاء
منذ العام 1996م سعت العديد من الكوادر الوطنية في إنشاء المركز اليمني للإستشعار عن بُعد ونظم المعلومات الجغرافية، لتتمكن اليمن من الاستفادة من التقنيات الحديثة وعلى رأسها تقنيات علوم الفضاء وتطبيقاتها في معظم المجالات الحياتية. وللحاق بركب التطور أتت توصيات إنشاء هذا المركز عبر التقرير الذي أعده البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة في عام 2000 بضرورة إنشاء المركز، ليأتي القرار الجمهوري رقم 80 لعام 2005م بإنشاء هذا المركز بهدف امتلاك وتوطين تقنية الاستشعار عن بُعد وتشجيع مجالات البحث العلمي التطبيقي في اليمن باستخدام معطيات الاستشعار عن بُعد.
وأثتاء فترة التأسيس بدأت فكرة استغلال الفضاء الخارجي في اليمن منذ 2003م، حيث تم إعداد دراسة جدوى اقتصادية لإطلاق ساتل يمني للإتصالات الفضائية من قبل فريق فني مشترك من إدارة الترددات بوزارة الاتصالات (م. عبدالقادر إبراهيم، وم.عبد الحفيظ البديجي) ومن فريق إنشاء المركز اليمني للإستشعار عن بُعد (م. عبده سعيد المقطري، و م. علي الصبري، وم. ابراهيم المقطري، م. فؤاد الحليلي، م. جمال رجاء) حيث بلغت كلفة الساتل مع الإطلاق والتأمين حوالي 450 مليون دولار ولكن تم العدول عن الفكرة في تلك الفترة لأسباب غير معروفة. وبعد مرور أحد عشر عاماً من عمر المركز بدأت تكبر أحلامنا وطموحاتنا، حيث قدم المركز خلال عام 2014م طلباً ضمن جدول أعمال اللجنة اليمنية الصينية المشتركة بتوقيع مذكرة تفاهم بين البلدين في مجال علوم الإستشعار عن بعد وتطبيقاته، وكذلك تقديم طلب عبر وزارة التخطيط والتعاون الدولي في جدول أعمال اللجنة اليمنية الهندية المشتركة ولكن حالت الظروف السياسية وعدم جدية متخذي القرار عن مواصلة هذا العمل.
وأتى بحث د. أيوب المهاب (وزارة الزراعة) بعنوان: (السواتل الصغيرة وتطبيقاتها العملية في اليمن – الفرص والتحديات) الذي مثل فيها اليمن في ورشة العمل عن هندسة السواتل الصغيرة وتصميمها والتي عُقدت بتركيا (أكتوبر 2014م) و نظمتها الشبكة الإسلامية في مجال علوم الفضاء والتكنولوجيا. وهذا البحث كان دراسة علمية ممتازة تبين أهمية مشاركة اليمن في هذا المجال.
الأقمار الصناعية (السواتل) الصغيرة تمثل مستقبل الفضاء القادم للدول المتقدمة والنامية
عندما كنا نفكر بالسواتل التي تساعدنا في الاتصالات والأرصاد الجوية ونظام تحديد المواقع GPS هنا على الأرض، فإننا نتصورها كبيرة بحجم حافلة مدرسية وبوزن عدة أطنان، لكن هناك الآن صنفاً من السواتل المصغرة شعبيتها في ازدياد والمعروفة بالسواتل الصغيرة (Small Satellite ) أو النانوية (Nanosatellites) أو السواتل المكعّبة (CubeSats) حيث يمكن وضعها على راحة اليد، والاتجاه الحالي بالنسبة للسواتل يتجه الى بذل المزيد من الجهود لتقليل الكلفة ليقود هذا الجهد إلى (صغر، رخص، أسرع، أفضل) للبعثات الفضائية. وهذا الأمر أصبح أكثر واقعية مع التقدم السريع في تقليل حجم الإلكترونيات (تقنية النانو)، وفي زيادة كبيرة في القدرة وطاقة استهلاك منخفضة جداً، وهذا يقود إلى أقل كلفة من حيث الاطلاق.
وهناك العديد من برامج الاستكشاف الآن صغيرة والتي كلها تمثل سواتل صغيرة الحجم، حيث يتراوح أحجامها من أقل من 500 كجم إلى أكبر من1 كجم، حيث قسمت السواتل الصغيرة إلى خمسة أقسام: (Small Satellite ) وحجمها ما بين 500 – 100 كجم، و (Micro Satellite ) وحجمها ما بين 100 – 10 كجم، و (Nano Satellite ) وحجمها ما بين 10 – 1 كجم، (Pico Satellite ) وحجمها ما بين 1 – 0.1 كجم، (Femto Satellite ) وحجمها ما بين 100 – 10 جم. وصممت الأقمار الصناعية بمواصفات قياسية ذات وحدة واحدة (U)، ويتم إطلاقها غالباً إلى المدار بواسطة الصواريخ كحمولة إضافية مما يخفض من تكلفتها بشكل كبير، ولأن حجمها أصغر فتكلفتها أقل. هناك أمر إيجابي آخر لمفهوم “الأصغر هو الأكبر”، فالتكلفة المنخفضة بالتزامن مع فترة التسليم القصيرة من التصميم إلى الإطلاق (عادة من سنتين إلى ثلاث سنوات)، حيث يقول دايفيد بيرس David Pierce المدير التنفيذي لبرنامج الأبحاث ما دون المدارية في ناسا “الأقمار الصناعية المكعبة هي جزء من تقنية صاعدة والتي ستغير من طريقتنا في استكشاف الفضاء. وهي منصات صغيرة تمكن الجيل القادم من العلماء والمهندسين من إكمال جميع أطوار المهمة الفضائية خلال مسارهم الدراسي، وتاريخياً استخدمت هذه الأقمار كأدوات تعليمية وفي العروض التكنولوجية، لكن اليوم لديها القدرة على القيام بأبحاث هامة في علوم الفضاء كذلك”.
وقد تم إطلاق كيبو كيوب (KiboCUBE) البرنامج التعاوني بين مكتب الأمم المتحدة لشؤون الفضاء الخارجي والوكالة اليابانية لاستكشاف الفضاء الخارجي جاكسا (JAXA) لإطلاق وتوفير فرص لنشر سواتل من فئة السواتل المكعبة (كيوبسات) من وحدة الاختبارات اليابانية كيبو (Kibo) في محطة الفضاء الدولية (ISS). إضافة إلى مواصلة حكومة اليابان من خلال معهد كيوشو للتكنولوجيا بتوفير فرص زمالات دراسية طويلة الأمد لطلبة من البلدان النامية.
لذا رأينا ضرورة طرح هذه الدراسة في هذه المرحلة وضرورة تشكيل لجنة فنية متخصصة بتكليف من قبل وزير الاتصالات وتقنية المعلومات لما عُرف عنه من حرص واهتمام كبيرين في مجال استفادة بلادنا من أحدث التقنيات المتوفرة، ودعم بناء القدرات في مجال علوم وتكنولوجيا الفضاء وتطبيقاتها عبر المركز اليمني للإستشعار عن بُعد، والبدء بوضع أطر تنظيمية وطنية (على مستوى الحكومة) بشأن أنشطة الفضاء الخارجي وبمراعاة التزامات الدول بموجب معاهدات الأمم المتحدة المتعلقة بالفضاء الخارجي واستخدامه في الأغراض السلمية.
■ ملاحظة: كل المعلومات التي اعتمد عليها الكاتبان من تقارير لجنة استخدام الفضاء الخارجي في الأغراض السلمية ومن مكتب الأمم المتحدة لشؤون الفضاء الخارجي وعدد من الكتب والدراسات.
(1) مدير إدارة الاستشعار عن بُعد بوزارة الاتصالات
(2) مهندس اتصالات