مكافحة التهرب الضريبي والجمركي مسؤولية جماعية
عبدالعزيز الحزي
يمكن أن نتلمس الكيفية التي أصبحت الضرائب ساحة قتال أساسية في محاربة الفقر في أي بلد، وكيفية توفر الملذات للمخالفين من جباية الضرائب ،ودورهم في الاستفادة المالية من أنشطة تؤول على تعميق الفقر ،وتهدد مصير الكثير من الدول وتزعزع مفهوم الديمقراطية، كما يمكن أن ندرك حاجة البلدان الفقيرة لرفع معدلات جباية الضرائب إذا كانت حقا تريد الهروب من دائرة الفقر.
والتهرب الضريبي هو عدم دفع الضريبة المستحقة على المكلف سواء كان أشخاصا أو شركات ، ويكون ذلك جزءا منها أو كل النسبة المفروضة عليه، ويتم التهرب قبل بدء فترة الدفع أو خلالها باستخدام وسائل غير مشروعة.
ويعرف خبراء الميزانية التهرب الضريبي بأنه مساع وجهود مبذولة أو محاولات يقوم بها المكلف للتخلص من كل أو جزء من التزاماته القانونية لأداء الضريبة المستحقة عليه.
والهدف من وراء التهرب هو تحقيق المزيد من المال بوسائل غير مشروعة، وما يساعد على تحقيق هذا السلوك الفاسد شعور المكلف بارتفاع العبء الضريبي عليه ، وقصور التشريعات الضريبية وعدم معالجة الثغرات الموجودة فيها, وتعارضها مما يفسح المجال أمام التفسير الذاتي لها, وكذلك انعدام الشفافية في الإجراءات الفنية والإدارية, وضعف قاعدة المعلومات عن النشاط الاقتصادي عموما والمكلفين بصورة خاصة ، وضعف جهاز مكافحة التهرب الضريبي وكفاءته وعدم تطبيق مهنة المحاسبة والمراجعة وإلزامية مسك الدفاتر المحاسبية في الوسط التجاري وقطاع الأعمال , وغياب الجانب الاقتصادي في أداء وزارة المالية وتغليب وظيفة الجباية على غيرها.
وتتفاقم ظاهرة التهرب الضريبي والجمركي في اليمن من يوم الى آخر نتيجة الأوضاع الراهنة وأسباب أخرى تتعلق بمرحلة ما قبل الأزمة, إلا أن هذه الظاهرة لا يمكن أن تحدث وتستمر من دون تعاون أو تواطؤ من قبل بعض القائمين على التحصيل الضريبي والجمركي مع ضعاف النفوس من التجار والمستوردين وغيرهم من الصناعيين الذين يتهربون من دفع مستحقاتهم الضريبية والجمركية وغيرها.
وإذا ما عدنا إلى طريقة تعاطي الحكومة بالشأن الضريبي سنجد أن الحكومات المتعاقبة لم تتخذ أي إجراءات فعالة تستطيع من خلالها تحسين إيرادات خزينة الدولة لاسيما فيما يتعلق بزيادة الضريبة على أصحاب الأصول عند نقلها, وأصحاب الدخول العالية التي تسهم في تحقيق توازن ضريبي أفضل على المكلفين.
فالقرارات الحكومية الخاصة برفع الأسعار لا تجد طريقها إلا إلى جيوب ذوي الدخل المحدود، فتارة أجور النقل وتارة أجور الإنترنت وأخرى أجور المكالمات الخلوية، وسابقا المحروقات.. وهكذا تستمر هذه القرارات التي زادت من الأعباء الاقتصادية على المواطن.
ولا شك أن الخزينة العامة للدولة تعاني من ضغوط مالية كبيرة نتيجة العدوان الذي يشن على اليمن الحبيب منذ ما يربو على العامين، وخاصة في ظل تقلص الإنتاج المحلي في مختلف القطاعات، والحصار البري والبحري والجوي الجائر المفروض على البلاد، ولكن الحكومات المتعاقبة لم تأخذ إلا الطريق الأسهل لرفد الخزينة العامة، وهي رفع أسعار السلع الخدمات، وهذا لا يحقق العدالة الضريبية كما ينبغي وخاصة لضعاف المكلفين والفقراء وأصحاب الدخل المحدود, ولا يخفف ما هو قائم من عبء ضريبي ثقيل على دخولهم وخاصة الثابت منها.
لكن مع ذلك فإن لظاهرة التهرب الضريبي والجمركي آثاراً خطيرة على التنمية وعلى مختلف مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والصحية وغيرها،وهذه وهاتان الظاهرتان من مظاهر الفساد ،وتتطلب تضافر كل الجهود في سبيل محاربتها والحد منها على المستويين الرسمي والشعبي ووضع الحلول والمعالجات والوسائل والإمكانيات الكفيلة بوقفها أو الحد منها.
وهناك الكثير من الموارد التي يمكن أن تستفيد الحكومة منها وتحقق موارد للخزينة العامة فيمكن أن تركز الحكومة على قطاعات أخرى آمنة، فتقوم بتنشيط القطاعات الإنتاجية ضمنها لرفد خزينة الدولة، مثل الزراعة: فيجب منح محفزات للمزارع لكي يتمسك بأرضه وينتج،وخاصة في ظل الظروف الراهنة وأيضا ينطبق ذلك على الصناعات المحلية، في القطاع العام أو الخاص، فالقطاع الصناعي العام يجب أن تعمل الحكومة على تشغيل الشركات المتوقفة ودعمها وتقديم التسهيلات لها لكي تقدم إنتاجا منافسا في السوق المحلي، وبالنسبة للقطاع الصناعي الخاص يجب منحه محفزات حقيقية لجذبه للاستثمار، لا فرض ضرائب ورسوم عليه،أي يجب أن يكون قانون الاستثمار الجديد محفزاً بشكل واقعي، لا قانونا لفرض الضرائب على المستثمر الخاص، يضاف إلى ذلك أنها يمكنها أن تخفض من الهدر الحاصل في المؤسسات العامة سواء من حيث المحروقات أو الآليات أو الكهرباء والماء، وأيضا مكافحة التهرب الضريبي، إضافة إلى مكافحة الفساد في جميع أشكاله وهو الأهم لأن الفساد يضيع على الخزينة العامة موارد كبيرة هي أحق بها من جيوب الفاسدين.
لكن ما يحدث على أرض الواقع هو عكس ما ذكر، ونخشى أن يطول ارتفاع أسعار السلع والخدمات الأخرى الخاصة بذوي الدخل المحدود.