اردوغان وسياسة المراوغة

سمير النمر

الجميع يعلم أن اردوغان انخرط في مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي تتبناه أمريكا في المنطقة منذ أعوام وفي نفس الوقت عمل على الحفاظ على الحد الأدنى لمصالح تركيا مع الدول التي تتقاطع مع المشروع الأمريكي وفي مقدمتها إيران وروسيا حيث أن علاقته لم تصل معهم إلى حد التصادم نظرا للمصالح الاقتصادية التي تربطه مع ايران وروسيا ولهذا حاول أن يمسك العصا من الوسط بالرغم من انخراطه في المشروع الأمريكي ودعم الإرهاب والجماعات المتطرفة في سوريا وغيرها من البلدان العربية لكن دعمه للجماعات المتطرفة في سوريا كان واضحا وبشكل كبير منذ أعوام خصوصا قبل التدخل الروسي في سوريا حيث استفاد اردوغان من داعش اقتصاديا من خلال شراء النفط السوري الذي سيطرت عليه داعش بأبخس الأثمان إلا تدخل روسيا في سوريا وضرب الجماعات المسلحة وإيقاف تهريب النفط إلى تركيا إضافة إلى الضغوط الاقتصادية الروسية علي تركيا جعل اردوغان يرضخ للأمر الواقع باعتبار أن المصالح التي كان يحصل عليها من داعش توقفت ولاتوازي ما يمكن الحصول عليه من علاقته الاقتصادية بروسيا وإيران، هذا الأمر جعل أمريكا تمارس ضغوطاً معينة على اردوغان وكانت حادثة إسقاط الطائرة الروسية بمثابة الفتيل الذي حاول الأمريكان إشعاله بين تركيا وروسيا وإدخال تركيا في صراع عسكري مع روسيا وتأليب الرأي الإسلامي ضد روسيا لكن روسيا تعاملت بحكمة مع الحادثة وتم تجاوزها رغم ذلك ظل اردوغان يساير المشروع الأمريكي من خلال التعاطف مع الإرهابيين في سوريا سياسيا لكن الضغط الروسي والسوري علي الإرهابيين في حلب جعل اردوغان يرضخ للأمر الواقع نتيجة امتلاك روسيا أوراق ضغط كبيرة على اردوغان منها تورطه بشكل مباشر في التعامل مع داعش بصفقات نفطية ودعم بالسلاح إضافة إلى المصالح الاقتصادية التي تربطه بروسيا وإيران هذا الأمر جعل أمريكا تمارس ضغوطاً جديدة على اردوغان منها محاولة الانقلاب الفاشلة التي كانت رسالة موجهة من أمريكا لكن اردوغان أدرك أن السير في تنفيذ المشروع الأمريكي في سوريا اصطدم بحضور روسيا القوي فاتبع أسلوب المراوغة ولهذا استطاعت روسيا والجيش السوري إخراج الإرهابيين من حلب ولم يستطع اردوغان أن يحد من هذا الانتصار فاضطر للتعاون مع روسيا واستقبال المسلحين الذين خرجوا من حلب هذا الانتصار السوري الروسي في حلب أربك الحسابات الأمريكية ولم تستطع تركيا حليفة أمريكا التأثير في مسار الأحداث لمصلحتها ولهذا فإن اغتيال السفير الروسي في تركيا هي رسالة أمريكية لتركيا تهدف من خلالها إلى زرع التوتر بين روسيا وتركيا وخلط الأوراق فقد تستخدم أمريكا أوراق ضغط على أردوغان من خلال المعارضة التركية وتنشيط العناصر الإرهابية لكنها لا ترغب في إسقاط نظام اردوغان لأنها لن تجد أفضل من نظامه خلال المرحلة وخوفا من صعود حكومة جديدة في تركيا لا تدين بالولاء لأمريكا وهذا الأمر يكشف لنا السياسة المراوغة لأردوغان واستغلاله لتوازن القوي خصوصا في الملف السوري وهذه المواقف من اردوغان ليست مواقف مبدئية نابعة من قناعات سياسية وإنما مواقف تحكمها وتوجهها العصا والجزرة وتوازن القوى فلو لم يوجد ضغط روسي قوي في سوريا لمضى اردوغان في تنفيذ المشروع الأمريكي ودعم الجماعات الإرهابية داخل سوريا حتى النهاية، وهذا هو الخيار الذي يتوافق مع ميول اردوغان الفكرية والسياسية لكن الضغط الروسي جعله يجسد حال المثل الذي يقول مكره أخاك لا بطل .

قد يعجبك ايضا