قراءة في كتاب..

(عبقرية محمد )
لعباس محمود العقاد
إعداد :فتاح المقطري
يبقى كتاب عبقرية محمد عملا  خالداً يذوب بين دفتيه الزمان والمكان ويظل أيضا  سلاحا  للرد على المشككين من بعض المستشرقين الذين سعوا إلى إبراز الإسلام بصورة مغايرة كما يبقى الكتاب الأفق الأرحب الذي يؤمل منه أن يكون الحافز  للبحث والدراسة حول الإسلام بأسلوب حديث كما هو عليه هذا الكتاب  ..

يعتبر كتاب عبقرية محمد لعباس محمود العقاد من أعظم الكتب التي أبرزت جوانب شائكة وهامة بعين المستشرقين الغربيين بخصوص الإسلام وآخر الأنبياء محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) .
وهذا الكتاب الذي تعدى عمرا ً كبيرا ً إلا أنه مازال شابا ً لكون مؤلفة كتبه  بشكل  حديث أو بالطريقة الحديثة فهو عمل يظل يحتفظ
ببريقه للأجيال جيلا ً فجيلً إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها  .
يقول العقاد في مقدمته وهو يكشف سر الكتاب الذي استغرق 3 عقود  من التأليف : إن أحد الغرباء تفوه بكلمة أغضبت الحاضرين من نخب المثقفين  في يوم يتوافق مع يوم المولد النبوي بقول إن الإسلام دين سيف وان الأمر  أثار غضب الحاضرين وطلب الكاتب المازني  آنذاك من العقاد عمل كتاب على الطريقة الحديثة وهي تلك الأهمية  (التي تكمن ا أنها  إحدى الوسائل للرد على  المشككين الغربيين والمستشرقين الذين سعوا إلى تشويه الحضارة الإسلامية كثيرا ً بل والدين وخاصة الأمريكان وإسرائيل.
لذلك فان أهمية الكتاب تكمن في هذا الزمان بعد أن أقدمت قوه شريرة على على شن حملات تسيء لرسولنا محمد عليه الصلاة والسلام وعلى اعتبار أن العقاد فتح من خلال كتابة هذا باب الاستثمار في الدراسات والبحوث حول الإسلام ورسولنا الأعظم هي إذا دعوه يظل هذا الكتاب بمثابة الأفق الذي يفتتح آفاقاً رحيبة .
ولأن  قيمة الكتاب  تكمن في محتواها فإننا نقدم على قراءة (عبقرية محمد )
ففي هذا الكتاب يصحح العقاد نظرة التشكيك حول قضايا منها بطولات الرسول وبخصوص القوانين والأنظمة والأبرز ما يتعلق  بجانب المرأة وحريتها .
يقول العقاد (( لهذا  كان تقدير محمد بالقياس الذي يفهمه المعاصرون ..في زمن هذا الذي  التوت فيه مقاييس التنوير..
..انه النافع لمن يقدرون محمداً لأن عظمته الخالدة لا يضار بإنكار ولا خيال ) …
والعقاد يبتدي الفصل الأول من كتابه بأبرز جوانب  العظمة في علامات المولد مبرزا ًما كانت  عليه الدنيا  وحال الناس  حيث وان  العالم كان  على شافة النهاية  وهو يستحضر  كيف سخر المجوس من دين المجوس ..)كما أنه يبتدي الحديث عن العالم القديم  ثم يتحدث  عن امة العرب التي تتأهب لإقامة  دولة  ثم يكشف  من الأمثلة  اليقينية  يستلهم من  السيرة التي كتبت عن الرسول منها سيرة ابن هشام وكتب أخرى لكن يؤكد أن كتابه يختلف لان مجال السير قد اشبع كثيرا ً
هذا المقتطف يؤكد على حاجة الدنيا إلى دين يقتص من الظالم دين العدل والمساواة وهذا الدين هو الإسلام
وهذا المقطع يتوافق مع رائعة أمير الشعراء احمد شوقي في مدح محمد :
ولد الهدى فالكائنات ضياء .. وفم الزمان تبسم وسناء
الروح والملأ الملائكة حول .. للدين والدنيا به بشراء
والعرش يزهو .. والحظيرة تزدهي
والمنتهى والسدرة العصماء
والوحي يقطر سلسلا من سلسل .. واللوح والقلم البديع رواء
يا خير من جاء الوجود تحية .. يوحي إليك الفوز في ظلمائه
متتابعا تجلى به الظلماء .. ومساؤه  بمحمد  وضاء
من مرسلين إلى الهدى بك جاءوا .. يوم يتيه على الزمان صباحه
وتوضعت مسكا بك الغبراء
وهذا أيضا ً يوافق ما قاله الكاتب  : (عالم يتطلع  إلى نبي وأمه وأمه تتطلع إلى نبي ومدنية تتطلع إلى نبي وقبيلة وبيت وأبوين ..يسرد  عن علامات تلك البشارة ويختتم فصل ( لقد كانت الدنيا في حاجة  إلى رسالة وقالت حقائق التاريخ كان محمد هو صاحب تلك الرسالة ولا كلمة لقائل بعد علامة الكون والتاريخ .
والعقاد يستدل بالأمثلة ومن الأمثلة التي تؤكد على كراهية الجاهلين لدين أبائهم وعبادتهم للأصنام التي لم تكن كأصنام اليونان بل أصنام تشوه الذائقة  : (( اجتمع أناس بنخلة لإحياء عيد العزى  فقال رجل منهم لإخوانه  والله ما قومكم  على شيء وإنهم في ضلال  يا قوم التمسوا لكم دينا ً غير هذا الدين الذي انتم عليه )). ..
يعنون العقاد فصله الثاني بعبقرية الداعي  يوضح جوانب عديدة خاصة بالدعوة يسوق الأمثلة ينتقي يختار يفصل..
وعن المعجزة الخارقة ( أن المعجزة مع فخامتها وتعدد أجزائها مما يمثله العقل  في إنجاح كل رسالة  عظيمة  من رسالات  التاريخ  وتشمل  حديثاً عن الفصاحة والوسامة ورائعة الإيمان  والغيرة ونجاح الدعوة .
ولا ينسى العقاد أن يسأل ذلك الغريب الذي اغضب القوم وكان تطاوله بالقول أن  الإسلام دين سيف وهو يورد بإقناع
أي إرهاب وأي سيف ؟ وهو سؤال موجه إلى الزمان الذي التوت فيه المقادير كما يقول
(( إن الرجل _ أي محمد (ص ) _ حين يقاتل من حوله إنما يقاتلكم بالمئات والألوف .. كل المئات والألوف الذين  دخلوا الدين الجديد يتعرضون لسيوف المشركين ولا يعرضون احد لسيوفهم .. كانوا يلقون عنتا ً..
ينتهي الفصل  عن نجاح دعوه الإسلام لأسباب أنها دعوة طلبتها الدنيا ومهدت لها الحوادث  فهي أوضح  شيء فهما ً لمن أحب أن يفهم كما يقول المؤلف .
في فصل  عبقرية محمد العسكرية  يتحدث العقاد  عن حروب الإسلام  العسكرية  من خلال أجزاء هذا الفصل  يحشد  العقاد  أن حروب الإسلام كانت  حروب دفاع لا هجوم  وهذا الموضوع يعطيه حقه من خلال الحشد والسرد والتكثيف ((الإسلام كان المعتدي علية وثانيا  أنه لا يحارب عليه أن يحارب بالسيف  لأن السلطة تزال بالسلطة وثالثا أن شرائع الإنسان  أجمعت على تحكيم السيف وحقيقته أخرى  أن الإسلام  شرع الجهاد وأخرى وان جانب الإسلام  هو جانب الإقناع .
في محتوى القائد البصير يقارن  الكاتب  بين ابرع قادة المحدثين في العصر الحديث  نابليون وأورد العقاد أوجه المقارنة بين زمنين مختلفين
زمن النبي وزمن نابليون في العصر الحديث.
ويسوق الكاتب مثلا  من غزوة  احد وما عابة  بعض المؤرخين  الأوربيين بما يعتبروبه خروجا  عن سنن القتال وتحديدا   عن خبر مقتل كعب بن الأشرف الذي كان يقدح في الإسلام وكان يسب نساء المسلمين  …
يعطي العقاد هذا الموضوع حقه من التفصيل والتوضيح  وهو ما يتوافق مع حكم القانون الدولي ((حكم القانون الدولي في احدث الصور على من يؤخذون بصنيع معيب كصنيع ابن الاشرف وان حكم الأسير الذي ينطلق بعهد الشرف إلا يعود إلى القتال ..القانون الدولي يجيب علية أن يوفي بعهده وهذا ما لم يحققه كعب بن الاشرف لأنه تجاوز الغدر ..هكذا يعرج الكاتب إلى الحديث عن أسرى  غزوة بدر مؤاليا جل إبداعه ما يشكك فيه المؤرخؤن الغربيون.
يستعرض كاتبنا جانبا  من معركة الأحزاب  وتحديدا  عن نقوض العهد بني قريظة التي قبلت  بحكم  سعد بن   معاذ الصحابي الذي اختاره يهود بني قريضة للحكم فيهم ويتوافق حكم سعد مع ما في كتاب الثورة ((حين تقترب  من مدينة  لكي تحاربها وإذا دفعها  الرب إلهك  إلى يدك فاطرب جميع ذكورها  بحد السيف وإما النساء والأطفال والبهائم وكل من في المدينة …وتأكل غنيمة  أعداك التي أعطاك الرب إلهك )
في تلخيص وانتقاء فصل ( عبقرية محمد السياسية )هذا الفصل الذي يجزأ إلى محاور منها ما يتعلق بالتعامل مع الخصوم ومنها بخصوص الإتباع  وثالثا  الفتح المبين أي فتح مكة الذي كان له آثار كبيرة في دخول الناس أشتاتا  حينما يزيل اليقين الشك لدى القبائل  يقين أن محمد نبي وشك بقصة أصحاب الفيل  هكذا فتح الفتح أبوابة للإسلام.
يقول العقاد أن محمد جعل للعرب  أجمعين قضية  واحده وهذا ما نجده في أكثر من فصول الكتاب حينما غدا الإسلام حضارة  دولة تنافس فارس والروم التي كانت عاملاً لتناحر القبائل العربية  نعرج الآن بشكل مقتضب .
في فصل (عبقرية محمد الإدارية ) الذي يقسم إلى عدة محاور تصب جميعها في  خلاصة الإدارة الناجحة باعتبار أن الإدارة النافعة  _لمحمد _هي السليقة   تعرف  النظام وتعرف الاختصاص في وقت كانت هذه السليقة  في محمد كما يؤكد العقاد.
…يفسر العقاد قول الرسول في حجة الوداع وتحديدا  هذه العبارة التي اختتم بها الرسول حجة الوداع (اللهم هل بلغت ) هذه لازمة عظيمة الدلالة لأنها لخصت حياة كاملة من ألفاظ معدودات وحملت دلالات في أسلوب البنى في التعليم والتوجيه الإفراد والولاء يقول الرسول (أغزوا باسم الله في سبيل الله ) يستدل العقاد برسالة الرسول للنجاشي  ملك الحبشة. ..
ومن الأمثلة أن البلاغ أقوى في كلام النبي هو اجتماع المعاني  والكلمات القصار   قول الرسول : احرث لدنياك كأنك تعيش أبدا  وأعمل لأخراك كأنك تعيش أبدا   وأعمل لآخرتك كأنك تموت غدا).
في فصل آخر يحمل عنوان محمد الصديق يرتكز الفصل على محاور عديدة كعادة الفصول في هذا الكتاب.
منها عطوف ودود  (( .. ليس في سجل الإنسانية أجمل ولا أكرم  من حنانه على مرضعته حليمة ومن حفاوته بها ..
وفي قراءة في  فصل محمد الرئيس  الكثير من الأمثلة التي كان بها الرسول يؤثر نفسه وما يعطيه صفاه الانفراد عن الرؤساء والملوك كان في سفر أي الرسول وأمر أصحابه باسلاخ شاه فقال يا رسول الله عليّ ذبحها وقال آخر علي سلخها وقال آخر عليَّ طبخها فقال محمد  عليه الصلاة والسلام وعليَّ جمع الحطب فقال يا رسول الله نكفيك العمل قال علمت أنكم تكفونني ولكن اكره  أن أتميز عليكم )إن الله سبحانه وتعالى يكره من عبده  أن يراه متميزاً بين أصحابه.
وحسب تحليل العقاد في هذا الموضوع :لقد كانت سنة الرئاسة عند محمد هي سنة الصداقة فلو استغنى حكم  عن الشريعة لا يستغني عنها حكم هذا الرئيس  الذي جاء بالشريعة لجميع متبعيه.

قد يعجبك ايضا