أحمد عبدالرحمن
أهمية الرؤية أو الخطة الأممية التفصيلية المكتوبة التي أعلن عنها المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد في أنها ستنقل المشاورات اليمنية, من المشافهة في التباحث إلى الطرح المؤطر، وهنا تكمن أهمية الرؤية التي اعتبرها وفد صنعاء أرضية مناسبة للنقاش, يمكن البناء عليها.
الرؤية سلمها المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ أحمد الأحد الفائت للوفد المفاوض في صنعاء, وليس للمجلس السياسي الأعلى باعتباره مجلس الحكم الجديد. حتى لا يعد لقاءه به اعترافا وشرعنة للمجلس الذي تصفه السعودية بالانقلابي. مع أنه جاء على أنقاض اللجنة الثورية العليا التي سبق أن التقى المبعوث الأممي رئيسها محمد علي الحوثي, حتى أن الأخير قام بتكريمه في أحد لقاءاته به.
إصرار ولد الشيخ على رفض لقاء قيادة المجلس، لم يكن مبررا لدى أحد أطراف وفد صنعاء, ولم يفسره بعيدا عن تبني ولد الشيخ للموقف السعودي.
على كلٍ لم يمثل ذلك مشكلة بالنسبة للوفد المفاوض الذي يعتقد أنه نجح أخيرا في الحصول على وثيقة مكتوبة, ظل يطالب ويسعى لها طيلة ستة أشهر, أي منذ انطلاق مشاورات الكويت في 20 إبريل الماضي – نحن الآن في أواخر أكتوبر- فترة زمنية ليست هينة, قضى أكثر من نصفها في الكويت, والنصف الآخر في مسقط, قبل أن يسمح له في الخامس عشر من هذا الشهر بالعودة إلى صنعاء, وفقا لصفقة تبادل رعتها سلطنة عمان مع الأمريكان.
نجاح يراه الوفد, في تجاوز الخطة للحل المجزأ, كخطة شاملة وكاملة للحل, وإن لم تلب جميع أطروحاته في المشاورات الماراثونية, لكنها تعكس في كثير من بنودها ما طرح في النقاش على أعلى مستوى, وتمثل بالنسبة له مدخلا للحل, وليس الحل كله, حتى والمبعوث الأممي يقول بإنها مدعومة بصيغتها الحالية بشكل غير مسبوق من المجتمع الدولي. ذلك أن ما رشح من مواقف أعقبت تسلم المبادرة تشي بعدم رضا الداخل اليمني عنها، ووصفها بالمنحازة للرغبة السعودية, وإن نصت على “نزع صلاحيات الرئيس هادي, ونقلها إلى نائب توافقي يسمى في الاتفاق, ويعين بعد 30 يوما من التوقيع, مع بقاء هادي رئيسا صوريا”.
هذه الصيغة لم تعد مقبولة لدى صنعاء الرافضة بقاء هادي, أو عودته إليها. قد يبدو ذلك تراجعا عم قبل به الوفد المفاوض في الكويت الأولى, وهذا أمر طبيعي. لأن ما كان مقبولا في مشاورات الكويت بجولتها الأولى, أو الثانية, لم يعد مقبولا الآن بعد كل ما حدث سياسيا وعسكريا. ثم إن بقاء هادي رئيسا لا يعد انتصارا للسعودية فحسب, بل وشرعنة “للعدوان” كما يقول سياسيون في الوفد المفاوض, وهنا تكمن العقدة.
السعودية أضاعت فرصة حقيقية للتوصل إلى حل في مشاورات الكويت, وانقلبت على كل ما تم التوصل له تحت الطاولة, وتبلور مع نهاية الجولة الأولى, رغم التنازلات الكبيرة من وفد صنعاء, والتي وصفها زعيم أنصار الله عبدالملك الحوثي حينها في أحد خطاباته بالتنازلات المجحفة, ومع ذلك لم تنل قبول السعودية, كونها جاءت دفعة واحدة من الوفد المفاوض, فرفعت السعودية من سقفها وضغوطها لمزيد من التنازلات, وحين توقف وامتنع الوفد عن منح مزيدا من التنازلات, أوعزت -أي السعودية- للمبعوث الأممي بالانقلاب عما أعلنه في بيانه لمجلس الأمن عن “الاقتراب من اتفاق وشيك يقوم على تشكيل حكومة وحدة وطنية ولجنتين أمنية وعسكرية”، وهو ما حدث.
لا شك أن الخطة الجديدة والمقدمة قد حظيت بدعم دولي كبير, ولا يمكن فصلها عن تحركات وزير الخارجية الأمريكية جون كيري, ولقاءاته ضمن رباعية اليمن في جدة، ومبادرته الموءودة, وصولا إلى لقاء لندن في الثامن عشر من الشهر الجاري, وما أفضت إليه من تحرك بريطاني لتقديم مشروع قرار أممي لوقف الحرب, ومن ثم التراجع عن تقديمه نزولا عند رغبة المبعوث الأممي الذي استعاض عنه بهدنة مؤقتة كان قد دعا لها الوزير الأميركي بعد لقاء جدة، ولولا الرغبة السعودية لما صيغت الخطة أولا, ولما سلمت ثانيا للأطراف المعنية في اليوم نفسه؛ وفقا لما نقله وفد صنعاء في بيان له على لسان المبعوث الأممي تأكيده تسليم الخطة بالتزامن صباح الأحد الفائت لطرف هادي المتواجد في الرياض. يومها ظهر وزير خارجية هادي عبدالملك المخلافي مغردا بالرفض لأي حل يشرعن لبقاء المليشيات حد تعبيره, وفهمت كرد ضمني على ما تضمنته الخطة. مع الإشارة إلى أن إعلان وفد صنعاء تسلمه الخطة جاء بعد يوم من تسلمها, بينما وفد هادي مازال يتكتم على الأمر حتى اللحظة. بل وينفي تسلمه أي خطة, ويبدي استغرابا وعدم معرفة بالخطة من أساسها.
الأهم من موقف حكومة هادي الخجول, هو الموقف السعودي. وما تريده السعودية وتقبل به ستفرضه على هادي شاء الأخير أم أبى, والسعودية في النهاية لن تجد صيغة أفضل من هذه الصيغة لتحافظ على ماء وجهها, ولهذا دفعت بها إلى الواجهة بعد نحو أسبوعين من مجزرة الصالة الكبرى التي ألبت عليها الرأي العام المحلي والدولي, وأقامت عليها الدنيا, ولم تقعده بعد.
الأمر مختلف بالنسبة لصنعاء, ووقع الخطة كان ثقيلا عليها كما يبدو.
فالأخيرة لن تجازف حتى لا تخسر بالسياسة ما حافظت عليه وحققته بالحرب, وقبلا تريد وقفا شاملا للحرب أو العدوان قبل استئناف المفاوضات, أو قبل توقيع الاتفاق كحد أدنى, إلى جانب ذلك قد يكون من المهم حصولها على ضمانات دولية بالتزام السعودية والموالين لها بما قد يتم التوصل له, وخاصة انسحاب القوات الأجنبية من المحافظات الجنوبية، ووقف مد الموالين للسعودية بالسلاح والمال، وبعيدا عن هذه الضمانات الواقعية يمكن أن تقع صنعاء بسهولة في فخ السعودية وخطة المبعوث الأممي.
الخطة كما تحدثت مصادر تفصيلية ومزمنة على نحو شبه دقيق, والميادين كانت سباقة في نشر أبرز بنودها, وتأكيد تسليمها وفقا لمصادر أممية وسياسية متطابقة, والبنود المنشورة تشير إلى تسمية نائب توافقي للرئيس في الاتفاق, على أن يقدم النائب الحالي الجنرال علي محسن الأحمر استقالته خلال 24 ساعة من توقيع الاتفاق, لكن تعيين النائب سيتأجل إلى ما بعد الـ30 يوما الأولى, أي بعد اكتمال عملية الانسحاب سواء تمت خلال شهر أو ما دون أو فوق ذلك, والخطة كما هو واضح تعطي أولوية للحل الأمني والعسكري عبر الانسحاب من المنطقة “أ” تعز والحديدة, والأماكن الحيوية والضرورية في صنعاء, مع الإبقاء على قوة عسكرية حامية وضامنة لطرف صنعاء في العاصمة مركز الحكم, والصيغة الاخيرة في هذه الجزئية على الأقل حملت تطورا لافتا ومغايرا لما كان يطرح سابقا، بضرورة الانسحاب وتسليم الأسلحة من الحديدة وتعز وصنعاء بجميع مناطقها, والتراجع في الصيغة الأخيرة، راعى رغبة الداخل الذي مازال متمسكا بتضمين المنطقة “أ” محافظات أخرى من تلك الواقعة تحت سيطرة التحالف السعودي والموالين له.
بعد ذلك يأتي تعيين النائب الذي ستنقل إليه صلاحيات هادي الذي سيبقى شكليا – هناك من يتحدث عن أن الخطة تنص بوضوح على إنهاء مستقبل هادي بعد 30 يوما من التوقيع – والنائب هو من يصدر قرارا بتسمية رئيس الحكومة التوافقي لتشكيلها بالتناصف بين أنصار الله والمؤتمر، والقوى الموالية لهادي والسعودية.
التفاصيل الأخرى مازالت غامضة, وفي تلك التفاصيل يكمن الشيطان؛ ولا سيما التفاصيل الصغيرة منها, كانسحاب الجيش اليمني واللجان الشعبية من المناطق السعودية ووقف ضربات الصواريخ البالستية قبل التوقيع على الاتفاق، أما مطلب تسليم هذه الصواريخ فهو غير قابل للنقاش بالنسبة لصنعاء، كما هو الحال مع صيغة تسليم الأسلحة لجهة ثالثة محايدة، تقول المعلومات أنها اللجنة العسكرية.
تبدو التفاصيل مفخخة بالكثير من الألغام التي قد تنفجر في أي لحظة قبل التوقيع أو كما حدث مع المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية التي نقلت السلطة من الرئيس علي عبدالله صالح إلى نائبه عبدربه منصور هادي, وبعد انتقال السلطة بدأت الخلافات حول تفسير بنودها، ومازالت موضع خلاف بين الأطراف اليمنية التي تؤكد جميعها اعتبارها أحد مرجعيات المشاورات، باستثناء الرئيس اليمني السابق الذي ردد في غير حديث له عن دفنها مع مخرجات الحوار الوطني في صنعاء.
وبالعودة إلى خطة الحل الجديدة, فقد جاءت في أحد وجوهها ترجمة لمبادرة الرباعية الدولية بشأن اليمن “أمريكا وبريطانيا والسعودية والإمارات”, وعلى وجه التحديد مبادرة كيري- واتهم المبعوث الأممي بتعويمها وإفراغها من محتواها- والأوضح من ذلك أنها تسعى لإعادة سيناريو المبادرة الخليجية بنقل السلطة مع تعقيدات أكثر وأوسع لناحية الواقعين الميداني والسياسي, وتماهي الخارج مع الداخل. يقول ولد الشيخ إنها “راعت في بنودها المرجعيات المعلنة كالقرار الأممي 2216، والمبادرة الخليجية، ومخرجات الحوار الوطني، وما تم طرحه وتداوله في مشاورات الكويت ولقاءات مسقط، واتفاق ظهران الجنوب 10 ابريل الماضي.
الملاحظ أن تحفظ صنعاء يمتد إلى اتفاق الظهران، ولم يكن محل إجماع طرفي الداخل، ولهذا يواجه الطرفان مطلب ولد الشيخ، وهو مطلب سعودي بتفعيل لجنة التهدئة والتنسيق في “ظهران الجنوب”، بتشكيل غرفة عمليات أخرى في اليمن.
إضافة إلى ما سبق فالخطة بصيغتها لم تتجاوز نقاط الخلاف حول بقاء هادي من عدمه، وأولوية وقف الحرب أم الانسحاب وتسليم السلاح، كما وتجاهلها الضمانات المطلوبة داخليا وخارجيا.
ولهذا لا مناص من انتظار رد المؤتمر وأنصار الله عليها، وعندها يمكن الحديث عن استئناف المشاورات على أرضية هذه الخطة المعقدة، وهي تعقيدات يبدو معها التوصل إلى اتفاق ضربا من الخيال، إذا لم يقتنع الطرفان بتقديم التنازلات الكبيرة، للوصول إلى اتفاق وسط. يفترض ألا يأتي على حساب صمود الداخل.
الميادين نت