ما وراء التعاطي الدولي إزاء جرائم العدوان على اليمن إعلاميا وسياسيا
إبراهيم محمد الهمداني
مما لا شك فيه أن مملكة آل سعود تسعى إلى خدمة الاستعمار الصهيو أمريكي في المنطقة، من خلال الدور التدميري الذي تلعبه في مختلف البلدان العربية والإسلامية، وإدارتها لملفات الصراع والقتال وإشعال الفتن على نطاق واسع، علاوة على تزعمها – رسميا – قيادة العدوان على اليمن، وعدم تحرجها من التصريح بتبنيها الرسمي والمطلق للجماعات الإرهابية المتطرفة الأصولية، ورعايتها لها ودعمها بكل أنواع الدعم، سواء في سوريا أو العراق أو ليبيا أو اليمن أو غيرها، كما أنها لا تتورع عن إعلان تدخلاتها السافرة في الشؤون الداخلية الخاصة لمعظم بلدان المنطقة، جاعلة من نفسها وصيَّاً مطلقاً، وشريكا مهيمنا في صنع مستقبل وسياسيات تلك البلدان، طبعاً حسب توجيه أمريكا وإسرائيل، وبما يخدم مصالحهما.
يلعب الإعلام الإمبريالي دوراً هاما ومحوريا في رسم تفاصيل ومحددات المشهد السياسي، انطلاقا من أهمية وخطورة دور الرسالة الإعلامية، وأثرها في توجيه وصناعة الوعي الجماهيري، المتشكل من خلال الصورة النمطية، التي تكرسها كتوضيح لحقيقة ما يحدث، والكيفية التي يجب على المتلقي إتباعها في تعامله مع هذا الواقع ومعطياته ومتغيراته، وبذلك يمكن القول إن المؤسسة الإعلامية تسير جنبا إلى جنب مع المؤسسة السياسية والمؤسسة العسكرية، في مسيرة ثالوث الهيمنة والاستبداد.
في ظل عدوان التحالف السعوامريكي وحلفائه على اليمن – بوصفه الحدث الأبرز – طرأت العديد من التحولات والتغيرات في المواقف السياسية على الصعيد الدولي والإقليمي، بحيث يمكن القول إنها قد تحدث – مستقبلا – تغييرا جذريا في إعادة رسم الخارطة السياسية، وطبيعة التحالفات القادمة وسير الأحداث في المنطقة، ولأن تلك التحالفات ذات طبيعة متغيرة متحولة بين وقت وآخر، وانعدام صفة الثبات والاستقرار على حال مطلقا، فإن ذلك انعكس على مستوى الأداء الإعلامي، الذي أصبح تجسيداً لحالة من القلق والاضطراب والتخبط والتحول وعدم ثبات الرؤية والموقف لدى الجماهير، ذلك أنه يسعى جاهداً لحشد أكبر قدر من المبررات والبراهين، المؤكدة أهمية وخطورة المواقف السياسية والتحالفات، وما إن تقنع المتلقي بذلك، حتى يطرأ تغير سياسي وتحالف جديد، قد يصل إلى حد التناقض، وهنا يعود الإعلام لتبرير ذلك والتأكيد على صوابيته، وعادة ما يواجه المتلقي مثل هذه الاضطرابات الإعلامية والتناقضات بحالة من التذمر والرفض والتشكيك، ولكنها سرعان ما تتغلب عليه – لرفضه إياها مطلقا – بإقناعة بصورة غير مباشرة، بعدم جدوى البحث عن الحقيقة، والعبثية المطلقة لكل ما يحدث، وليس هناك من تبرير لكل تلك التحولات والتغيرات، إلا كونه لعبة تديرها أيادٍ خفية، تملك حق تقرير مصير البشر وحياتهم، كما ان الإعلام في موازاة ذلك، يلجأ إلى تسليط الضوء على أحداث موازية، أو ابتكار أحداث موازية تكون بمستوى تلك التناقضات، بهدف تحويل انظار الجماهير عن التفكير في الواقع، وتخديرها كي لا تثور على هذا الإعلام الذي لا يحترمها، بل يمعن في الاستهزاء بها، ورغم كل ذلك ونظرا لطبيعة الشعوب التي تميل إلى السلام والابتعاد عن المشاكل، ورغبتها في البحث عن لقمة العيش، بدلا عن الثورات أو الدخول في مهاترات وصراعات ضد الإعلام والسياسة، فإن مخططات الإعلام تمضي محققة معظم أهدافها، حتى أن الذي لا يجاريها ويرفض منطقها العبثي، يصاب بالتشوش والاضطراب والشك، ليصل أخيرا إلى الاقتناع بالعبثية واللاجدوى من الوقوف إلى جانب الحق، حيث لا حق، وإن وجد فهو صنو الباطل وشريكه، وليس نقيضه وضده.
ومن أمثلة ذلك ما تناقلته وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، حول ظهور مؤشرات انهيار وشيك للاقتصاد السعودي، وقد تجلت بوادره في فرض سياسة التقشف واستراتيجية تخفيض الرواتب لكل الموظفين بنسبة 20% ، إضافة إلى رفع محدود للدعم عن المشتقات النفطية من قبل، ويرى مراقبون مختصون أن قرار التقشف المفروض على مستوى معظم الأمراء والوزراء، وخطة تخفيض الرواتب وغير ذلك، دليل واضح على بداية الانهيار الاقتصادي، خاصة في ظل استمرار انخفاض أسعار النفط، بالتوازي مع النفقات الهائلة والميزانيات الكبيرة، التي تخصصها وتنفقها المملكة السعودية على الجماعات الإرهابية المتطرفة في المنطقة، التي تعد الجناح العسكري لنظام آل سعود، المكلف بتفعيل مفردات الصراع، والعمل على استمرار وديمومة الحروب والقتل والتدمير في عموم المنطقة العربية، بما من شأنه إضعاف كل القوى، وكسر محور المقاومة أساسا وإضعافه وإنهاكه، ليتسنى بعد ذلك إقامة إمبراطورية إسرائيل الكبرى، في ظل صمت وضعف واستسلام عربي وإسلامي مطلق.
جاء ذلك الخبر السالف بالتزامن مع إصدار أمريكا قانون جاستا، الذي يقضي بحق أهالي ضحايا أحداث 11سبتمبر، مطالبة ومقاضاة السعودية، بوصفها الجاني والمجرم الرئيسي في تلك الحادثة،وطلب التعويضات منها، ورغم هزلية المسرحية ودور أوباما بالذات والفيتو المزعوم، وتمثيل النظام السعودي دور الضحية الرافض لذلك التعسف، إلا أن أمريكا مضت قُدُماً في خطوات متسارعة، رافضة فيتو أوباما، وقبل أي محاكمة أو أدنى إجراء رسمي قانوني، وضعت امريكا يدها على الأموال والأصول الخاصة بالشعب السعودي، المودعة في بنوك أمريكا، والتي تقدر بـ 3،3 تريليون دولار، كدفعة أولى من التعويضات المقررة سلفا.
ورافق ذلك الكرنفال الإعلامي ضجة إعلامية أخرى، تمثلت في موقف مجلس الأمن واستيقاظه المتأخر، حيث أصدر قراراً يقضي بتشكيل لجنة تحقيق دولية محايدة، في جرائم العدوان السعودي بحق المدنيين في اليمن، إضافة إلى إرسال منسق الشؤون الإنسانية الخاص باليمن من قبل الأمم المتحدة، للاطلاع على الوضع الإنساني المتدهور، حيث وصفه بالكارثي والمأساوي، الناتج عن العدوان والحصار الشامل المطبق على الشعب اليمني، داعيا إلى تظافر الجهود للسماح بدخول المساعدات الإنسانية للمواطنين على وجه السرعة، وإيقاف هذه الحرب التي وصفها بالعبثية والكارثية.
إن قراءة هذه الأحداث وتداعياتها والغايات والأهداف الكامنة خلفها، تحتم علينا عدم إغفال سلسلة من الأمور المترابطة في حلقاتها المتصلة، التي تبدأ من قراءة حقيقة العلاقة بين ثلاثي الشر، أمريكا وإسرائيل والسعودية، حيث تمثل الأخيرة الحليف الفعلي، واليد الطولى، والجندي المنفذ والممول لمشاريع الهيمنة الإمبريالية في المنطقة، كما أن خصوصية العلاقة الوثيقة بين أمريكا – القوة العالمية العظمى – والسعودية الثرية بأموالها وثرواتها، يجعل من المستبعد نشوب خلاف حقيقي بينهما، ويؤكد بما لا يدع مجالا للشك، أن انهيار مملكة آل سعود، يعني انهياراً حقيقيا ومؤكداً للمشاريع الصهيوامريكية في المنطقة، كما أنه لا يتفق مع الهدف الرئيس من إنشاء مملكة آل سعود في ذلك الموقع الجغرافي، الذي يتميز بأهمية جغرافية ودينية وسياسية كبيرة، وفي ظل هذه العلاقة من الترابط الشرطي بينهما، يظل خيار انهيار نظام آل سعود مستبعدا، إذ من الممكن تعطيل هذا النظام سياسيا، لكن سيظل واجهة تمارس أمريكا هيمنتها وتسلطها من خلفه، خاصة في ظل عدم وجود البديل الذي قد يحل محل السعودية في معادلة اللعبة السياسية في المنطقة، وقصور تركيا عن لعب ذلك الدور الشامل، نظرا لافتقارها للمكانة الدينية التي تحظى بها السعودية، إضافة إلى محاولتها فرض نفسها كطرف أساسي في اللعبة السياسية، بطريقة لا تخلو من العنجهية والمنطق المتعالي، إزاء رعاياها المتخلفين، الذين ثاروا عليها وسلبوها استحقاقا وامبراطورية كبرى وحضارة عريقة، ولذلك لا يمكن وصف الدور التركي، وانتهاكاته السافرة سيادة واستقلال جيرانه، إلا أنه ضربا من حروب الاسترداد، بمعناه التسلطي ونزعة التملك والأنانية المفرطة، وهذا هو سبب فشله واخفاقاته المتكررة، رغم ما يعقد لأجل ذلك من تحالفات، وما يقدم من تنازلات.
يمكن القول إن التنبؤ بسقوط نظام آل سعود عبر بوابة الاقتصاد، حلم لا يمكن التعويل عليه، وافتراض لا يجب الركون إليه، وليس أكثر من زوبعة إعلامية، الهدف منها تخدير الجماهير العربية التي باتت تكره هذا النظام الإرهابي، المثير للفتن والدمار في عموم المنطقة، إضافة إلى لفت أنظار الشعب السعودي عن حقيقة الاتفاق السري بين نظام آل سعود وأمريكا، بشأن بسط الأخيرة يدها على أموال الشعب السعودي، وتحويلها إلى خزينتها الخاصة، وفي الجانب الآخر تعمدت الإدارة الأمريكية دغدغة عواطف ومشاعر الشعب اليمني المعتدى عليه، من خلال أمرين:
الأول: إعطاء الشعب اليمني دفعة مخدر قوية من الأمل بقرب الفرج، وانهيار المملكة المعتدية اقتصاديا، ودور أمريكا في التسريع بذلك السقوط، الأمر الذي يجعل جماهير الشعب اليمني، تتوقف – ولو مؤقتا – عن نظالها وصمودها، لتستلقي مغمضة العينين، مستسلمة لخدر ولذة هذا الحلم الجميل، بما من شأنه يعطي العدوان، مساحة زمنية كافية لإعادة ترتيب أوراقه، والتخطيط لضربته القاضية والنهائية.
والثاني: تمثيل الولايات المتحدة دور البطل المثالي، الساعي لإحلال العدل والسلام، من خلال تشكيل ما أسمته لجنة محايدة للتحقيق في جرائم العدوان بحق المدنيين، إضافة إلى إدخال الإنساني (المأساوي) ضمن مفردات اللعبة السياسية، والمزايدة به سياسيا وإعلاميا.
ذلك وغيره، يهدف – كما أسلفت – إلى تثبيط الناس عن التوافد والالتحاق بالجبهات العسكرية، التي مُني فيها العدوان وحلفاؤه بهزائم نكراء واخفاقات مخزية.
تحاول امريكا من خلال لعب هذا الدور المزدوج المتناقض- دعم السعودية والنيل منها – في نفس الوقت، إلى تحسين صورتها أمام الشعوب، وخلط المفاهيم وتمييع التصورات، وربط الناس بأوهام التفاعل العاطفي المؤقت، والمواقف الآنية السطحية ذات الرؤى القاصرة الجزئية، بعيدا عن المواقف ذات الأبعاد والدلالات الدينية والفكرية والقومية العميقة، وفي ذلك تسطيح للعقل الجمعي، وتعطيله عن مهامه الحقيقية، وآليات التفكير الإيجابي الخلاق؛ فأمريكا من ناحية حليف استراتيجي للسعودية في عدوانها على اليمن خاصة، والمنطقة العربية عامة، شريكة فاعلة في كل جرائمها وانتهاكاتها لحقوق الإنسان، وسيادة واستقلال البلدان، وهي من ناحية أخرى تتنصل عن دور الجلاد السالف، وتلعب دور البطل المثالي والحاكم العادل، من خلال إدانتها لجرائم العدوان السعودي ومجازره بحق المدنيين الأبرياء، وخاصة بعد أن تفشل في صنع المبررات وحجج الإنكار والأدلة الواهية، وتهدف أمريكا من خلال تلك السياسة الشيزوفيرينية، إلى إيجاد محل لها في قلوب الجماهير، وكسب تعاطفهم أو تغاضيهم عن مواقفها المعادية وجرائمها النكراء السابقة، غير أنها في نهاية المطاف، مهما أدانت جرائم السعودية وقبح أفعالها ووقاحة تدخلاتها السافرة، ومهما جندت وسائل الإعلام لافتعال الضجيج الموازي، بإصدار قرارات من الكونجرس او من مجلس الأمن، فإن ذلك لا يبرر تنصلها من مسؤولياتها، ولن يعفيها من عواقب مشاركتها العلنية لعدوان آل سعود على اليمن والمنطقة العربية، ولن يمنحها فرصة أخرى لتنفيذ المزيد من المجازر والتطهير العرقي والإبادة الجماعية، وتحقيق المزيد من المشاريع الاستعمارية والمصالح والثروات في مختلف بلدان المنطقة، خاصة مع الوعي الجماهيري المتزايد، والكره الشعبي المتنامي، والرفض المطلق لمختلف أشكال وصور الهيمنة والاستبداد، وتوق الشعوب للحرية والسيادة والاستقلال، بعيدا عن التبعية المطلقة والاستلاب والضياع، ذلك وغيره كفيل بوضع توازنات سياسية جديدة، والحد من صلاحيات ونفوذ قوى الاستكبار والاستعمار، وهذا بدوره كفيل بوضع ثالوث الإرهاب والموت، في طريق الزوال والنهاية المحتومة.