بارجة الكذب الأمريكي لن تبحر في اليمن
هاشم أحمد شرف الدين
يعلم الجميع أنَ العدو الأمريكي لا يمكن أن يُقدِمَ على اقتحامِ بلدٍ ما بالاقتصارِ على أسلوبِ الحربِ العسكريةِ المباشرة، فهو أذكى من الإقدامِ على مواجهةٍ عسكريةٍ فقط، لأنه يخشى المواجهةَ وتكاليفَها خاصة في جانب عدد جنوده المتوقع قتلهم..
لذا فهو يقتحمُ البلدانَ مستخدماً الدهاءَ، عبر ترويضِ الشعوبِ التي يستهدفُها رويداً رويداً.
لا يقتحمَ البلدَ إلا بعد أن يكونَ الشعبُ مُرحِباً بالسياساتِ الأمريكيةِ وبالدورِ الأمريكي، بل وبالتواجدِ الأمريكي المُسلّحِ على أرضِ الشعب..
وحين ينجز مهمة التمهيد يسارع الأمريكي إلى اختلاق كذبة يستخدمها مبررا لعدوانه وحربه على الشعب الذي يريد استهدافه..
هذه قاعدة ثابتة في السياسة الأمريكية عند التمهيد لأي عدوان، لا يتحرك الأمريكي إلا والمبررات المبنية على “الكذب” دائماً أمامه..
في أفغانستان كان التمهيد مستمرا لسنوات حول خطر القاعدة على الشعب الأفغاني وعلى العالم، حتى بات الكثير من شعوب المنطقة متقبلة لأي دور أمريكي، حينها أطلق الأمريكي كذبة “استهداف برجي التجارة في أمريكا في 11 سبتمبر”، لتبرير محاربة القاعدة في منطقتها وليس انتظار هجماتها في الولايات المتحدة، ولكن سرعان ما انكشفت الكذبة الأمريكية تلك، وكان ناتج تلك الحرب أن تم توسعة نشاط القاعدة في الشرق الأوسط..
في العراق حاول الأمريكي تقديم نفسه بهيئة المخلص للشعب العراقي، وناقله من ضيق الديكتاتورية إلى رحابة الديمقراطية، حتى لاقى قبولا من بعض أبناء الشعب العراقي، وحينها أطلق الأمريكي كذبة “وجود أسلحة كيميائية ونووية”، والتي كانت السبب الذي قدمه لاحتلال العراق، معتمدا على ذلك القبول وعلى تلك الكذبة التي شاهد العالم كله لاحقا اعترافات وزير الخارجية الأمريكي “كولن باول” عن كونها مختلقة لا صحة لها..
اليوم – وبعد ما يزيد عن عام ونصف من عدوان أمريكا على الشعب اليمني – يروج الأمريكي “كذبة” استهداف أنصارالله والجيش اليمني واللجان الشعبية لإحدى بوارجه في البحر الأحمر، ويواكبها بتحشيد إعلامي وإطلاق تهديدات برد أمريكي حاسم، على الرغم من نفي الناطق باسم الجيش اليمني لهذه الكذبة جملة وتفصيلا..
وهي – في تصوري – مناورة إعلامية للضغط على القيادة السياسية لتقديم تنازلات في أي مسار تفاوضي..
فالأمريكي – وفقا لأسلوبي احتلاله لأفغانستان والعراق – لا يمتلك عنصر القبول الشعبي اليمني بأي دور له، وبالتالي لا يجرؤ على الإقدام على خطوة متهورة بزج جنوده للمشاركة المباشرة على الأرض اليمنية التي سيتحول كل شبر فيها إلى بركان من جحيم يحرقهم..
فالأمريكي يعرف أنه أمام شعب واع يدرك أن الأمريكي هو العدو الأول والأكبر، ويدرك أن هذا العدوان الأمريكي السعودي هو أمريكي في المقام الأول، وأنه لا يمكن أن يأتي للمساعدةِ، وإنما أتى للاحتلالِ والتحكمِ بالمصيرِ والمُقدراتِ..
لقد فشل الأمريكي في اليمن مسبقا في تهيئة الشعب اليمني للقبول به، مرة تحت مبرر كذبة (محاربة القاعدة)، إذ توسعت القاعدة في اليمن منذ بدء الدور الأمريكي في هذا الشأن.
ثم فشل مرة أخرى عندما أتى بمبرر جديد وكذبة جديدة هي “حماية الشعب اليمني وجيشه من القاعدة”، إذ كان الأمريكي وراء تفاقم الانفلات الأمني في صنعاء إلى درجة عجز القوات المسلحة عن صد هجوم على وزارة الدفاع، وكان وراء عمليات اغتيال كوادر الجيش والكفاءات الوطنية، ليقول لليمنيين: “أنا من سيساعدكم بعد عجزكم عن مواجهة القاعدة”..
فشل في كل مساعيه لتهيئة الشعب اليمني على الرغم من عمليات التلميع المستمر الذي كان يقدمها حزب الاصلاح “الاخوان المسلمون” للسفير الأمريكي وتكريمه أكثر من مرة، وعلى الرغم من تسخير الرئيس العميل هادي مؤسسات الدولة للترويج للأدوار الأمريكية..
ثم ها هو الأمريكي يفشل في تقديم نفسه في هذا العدوان كطرف محايد أو إنساني أو حريص على الدم اليمني واستقرار اليمن..
لذا أقول:
إن من يفشل في التمهيد للحرب لن يقدم على خطوة الحرب..
وإن من حاول أن يخفي دوره الأساسي في العدوان أو التقليل منه لن يجرؤ على كشف حجم دوره أو التورط الظاهر فيه..
سيفضل الأمريكي البقاء على دوره في قيادة العدوان مع التخفي قدر الإمكان، خاصة مع تزايد السخط العالمي على جرائم العدوان الفظيعة التي تعد جرائم حرب وإبادة جماعية يعاقب عليها القانون الدولي..
وطالما بقي شعور الأمريكي بفشله في تقديم نفسه صديقاً مُخلصاً لليمنيين، سيبق خيار تدخله العسكري البري شبه منعدم، لأن الأمريكي يدرك أيضا أن حماقة من هذا النوع ستعزز من الصمود الشعبي والرسمي، وستدفع بملايين اليمنيين للالتحاق بالجبهات، وستحرك جميع الطاقات بما فيها الفئة الصامتة أو من تدعي الحياد..
الأمريكي يجس نبضنا بكذبته هذه، وما علينا كيمنيين في مواجهتها الآن هو أن نكثف جدا من تحركنا لإظهار سخطنا كشعب على الأمريكي وعدوانه..
وعلينا كسلطة وكمنظمات حقوقية أن نتابع جديا رفع دعوى قضائية دولية لملاحقة مجرمي العدوان في مجزرة صنعاء (صالة العزاء) التي راح ضحيتها مئات الشهداء والجرحى جراء غارات طيران العدوان، فهي القضية التي يحاول الأمريكي التنصل من مسؤوليته المباشرة عنها، وصرف أنظار العالم عنها باختلاق كذبة استهداف بارجته العسكرية..
فهل سنكون عند مستوى المسؤولية؟
وهل سنقف بتفاعلنا سدا منيعا ضد نوايا التدخل الأمريكي العسكري البري؟