تحقيق وتصوير: فايز محيي الدين البخاري –
مشكلة المياه في تفاقم والسلطة المحلية غائبة
, آثار حيس تواجه خطر الاندثار في ظل اهمال متعمد
قرأت كثيراٍ من الشكاوى التي يبعثها أهالي مدينة حيس لعدد من الصحف المحلية وتابعت ماكانت تبثه بعض الفضائيات عن المعاناة لأبناء وسكان هذه المدينة الحضارية الموغلة في القدم .. كل هذا كان حافزاٍ لي للتسريع في زيارتها والاطلاع عن كثب على حجم ومقدار المعاناة التي تتلظى في سعيرها هذه المدينة التاريخية وسكانها الطيبون.
ورغم أن مدينة حيس ارتبطت في ذهني بما كنت قد قرأته عن تاريخها العريق الذي كان لها منه حظ التسمية التي نسبتها إلى الملك الحميري (حيس بن يريم ذي رْعين) وما كان لها من صولة وجولة إبان الدولة الرسولية التي اتخذ ملوكها من مدينة حيس محطة هامة في تنقلهم بين العاصمة الرئيسية لدولتهم مدينة تعز وبين العاصمة الثانية مدينة زبيد.
وكان موقع مدينة حيس الواقعة بين مدينتي زبيد وتعز قد أضفى عليها أهمية خاصة جعلت منها قبلة للتجار والمشاهير الذين كانوا يزورونها أثناء توجههم إلى مدن السهل التهامي المختلفة وكل من كان يذهب للحج في مكة والمدينة المنورة من سكان المناطق الواقعة إلى جنوب حيس من تعز ولحج وعدن كان لابد له من المرور في حيس ذهاباٍ وإياباٍ .. وهذا الموقع زاد من شهرتها وأهميتها إضافة لما تميزت به مدينة حيس من صناعات حرفية متعددة تأتي في مقدمتها صناعة الفخار الحيسي الذي بلغت شهرته جميع أرجاء الوطن نظراٍ لجودته وقلة مسامه بفضل الطين أو التماسك الذي يقول أهالي حيس –حسب أسطورتهم القديمة- أن الله خلق أبانا آدم من طين حيس!
إلى جانب ذلك تشتهر حيس بالصناعات النسيجية والحلوى الحيسية الشهيرة ومعاصر الزيوت التي لازالت تتربع على عرش صناعات حيس ومدن تهامة حتى اليوم.
مدينة بائسة
* لكن مايحز في النفس أن ما رأيته أثناء زيارتي لمدينة حيس لم تكن بالشيء الذي كنت أتوقعه فقد وجدت مدينة بائسة تعيش على ذكرى الماضي وتتكئ على حضارة اندثر منها الشيء الكثير ولم يبق منها إلا شواهد معدودة هي اليوم في حافة الانهيار والوقوع في براثن الهلاك والخراب خاصة وأن الجهات المعنية لم تكلف نفسها حتى بترميم أهم المعالم التاريخية والدينية كالجامع الكبير ومدرسة الإسكندرية التي لا تختلف كثيراٍ في دورها التنويري والحضاري عن مدرسة الإسكندرية في مدينة زبيد وإن كان هناك بعض من يخلط في التفريق بينهما من حيث التسمية والدور.
كانت زيارتي لها قد تمت عبر طريق تعز – الحديدة وهو الطريق القديم الذي سلكته معظم القوافل التاريخية التي كانت تمر بهذه المدينة الهامة على طريق القوافل الذي كان يسمى (الدرب السلطاني) على غرار دروب أسعد الكامل الذي كان يشق الجزيرة العربية من جنوبها حتى شمالها .. ورغم أني نويت زيارتها وأنا في مدينة إب وكان الطريق عبر مديرية العدين إليها طريق تعز – الحديدة .. ومن إب كان العزم ومن تعز المبتدأ على درب سلاطين آل رسول ملوك اليمن العظماء.
غبار وقمامة
* في حيس أول ما يواجه الزائر الأتربة المتطايرة التي تثيرها أدنى رياح أو مرور الدراجات النارية التي تتواجد فيها بشكل كثيف على غرار ما هو حاصل في كل مدن السهل التهامي أو مرور العربات التي تجرها الحمير والبغال والخيول التي وقفت صامدة في وجه وسائل المواصلات الحديثة وكانت خير منقذ للأهالي وقت أزمة المشتقات النفطية التي عصفت بالبلاد منتصف عام 2011م.
ومن أهم ما تعانيه مدينة حيس وأبناؤها بؤس المعيشة وتردي الخدمات وانعدام الكثير من المرافق الخدمية المجهزة لاستيعاب المواطنين بالشكل المناسب وفي مقدمة ذلك المرافق الصحية التي تكاد على ندرتها وانعدام الإمكانيات فيها تْقدم العِدِم! فضلاٍ عن المدارس التي تفتقر لأدنى المعايير والمتطلبات الواجب توافرها في أي مدرسة تضطلع بتقديم خدمة التعليم والتنوير.
أزمة المياه
* أما المياه فتلك هي الطامة الكبرى التي ابتليت بها مدينة حيس كما هو حال الكثير من مناطق تهامة التي أغفلتها الدولة وأسقطتها من حساباتها وأجنداتها وأسقطت من خلال ذلك مصدراٍ هاماٍ من مصادر الغذاءº وأهملت سهلاٍ كان بإمكانه توفير كل حاجيات اليمن من المواد الغذائية والتصدير بل وإغراق دول الجوار بالحبوب والفواكه والخضروات من هذا السهل الذي طالما سمعنا عنه مقولة «لو زْرعت تهامة لكفِت اليمن إلى يوم القيامة»..
ونتيجة لأزمة المياه في حيس يجد الزائر الكثير من الدواب التي تحمل أدوات نقل وتعبئة المياه والأطفال الذين تمتهن طفولتهم بنقل المياه لمسافات طويلة.
ورغم وجود مشروع مياه بائس إلا أنه مهدد بالتوقف وبحسب محمد سالم مغرسي فإن ما يواجهه المشروع في هذه الفترة من صعوبات وتحديات تهدد بوقوفه وإيقاع المديرية في عطش والعودة مرة أخرى للبحث عن قطرة ماء هو أنه يعمل في الوقت الحالي بقدرة تفوق طاقته نظرأٍ للكثافة السكانية والتوسع العمراني المتزايد وكثرة الطلب على استهلاكه حيث يغطي المشروع المديرية بأكملها إضافة إلى مايقارب خمس عشرة قرية لا تتبع المديرية بل تتبع مديرية الخوخة المجاورة لنا وللمكان المتواجد فيه المشروع والذين يستخدمون الماء بصورة عشوائية وبالقوة وفي محاولة منعهم والقيام بعملية تنظيم يقومون بتحطيم الأنابيب ومناهل المياه وقد واجهنا الكثير من الإشكاليات معهم الأمر الذي أدى إلى وقوع عجز بالإضافة إلى حاجاتنا إلى حفر بئر ثالثة وزيادة مضخة ولا يوجد لنا داعم أو مساند إلا عضو مجلس النواب الشيخ نصر زيد محيي الدين الذي يدعمنا باستمرار حتى المجلس المحلي لا يقف إلى جانبنا ولا يقدم لنا أي مساعدات ولهذا نوجه هذا النداء لهم. وكذا للأخ المحافظ ونتمنى أن تتبنى مؤسسة المياه بالمحافظة المشروع وتشرف عليه وكلنا بجانبهم.
مؤشر الفقر
* وهنا تقارير تقول إن متوسط مؤشر الفقر في مديرية حيس يصل إلى (حوالي 87%) من عدد السكان وتقع بعض القرى ضمن أفقر 300 قرية في اليمن. وهي نسبة كبيرة ومخيفة تستحق من الجهات المعنية في الحكومة والسلطة المحلية بالمديرية ومحافظة الحديدة الوقوف عندها ومحاولة إيجاد حلول سريعة لها تكون كفيلة بإعادة الاعتبار لمدينة حيس وتاريخها العريق وتكفل للأهالي الحد الأدنى من الخدمات الإنسانية والمعيشة الآدمية! خاصة وأن حيس تمتلك أدوية زراعية خصيبة والمياه الجوفية متوفرة على مسافات قريبة ومن المعيب أن يجوع سكان بلد هكذا هي أرضه!
ولو كانت هذه المشكلة في دولة أخرى لأقامت الدولة والحكومة لأجلها الدنيا ولم تقعدها قبل إيجاد الحلول.
ومن المشكلات والدواهي التي ابتليت بها مدينة حيس الانتشار الكثيف للقمامة التي لا تغيب عن الزائر طرفة عين ولا تكاد تختفي إلا لتظهر بشكل أكبر وبنقاشنا للأهالي ذكروا أمرأٍ عجباٍ وقالوا إن القمامة وانعدام النظافة أصبحت لديهم شيئاٍ حتمياٍ بعد أن تم تفريغ عمال وموظفي البلدية وتعطيل الناقلة (البابور) الخاصة بنقل القمامة والتي ذهبت للإصلاح ولم تعد!
مواطنة منتقصة
* ويشكو سكان حيس أيضاٍ من اصطلائهم بلهيب صيف تهامة شديد الحرارة الذي يتلظون به على مرأى ومسمع من السلطة المحلية بالمديرية والمحافظة ولم يجدوا له حلاٍ حتى الآن رغم الوعود المتتالية التي يصرفونها لهم عند كل لقاء بهم.
ويتألم سكان حيس من انتقاص مواطنتهم مقارنة بالكثير من مديريات المحافظات الأخرى ويرون أن المواطنة المتساوية لم تتحقق لديهم حتى الآن رغم التباشير التي بثتها لهم ثورة الشباب ووئدت على بوابة المتطهرين من فاسدي النظام السابق اللاحق الذين أجهزوا على أحلام الشباب عند بوابة جامعة صنعاء.
ويكاد التهميش في حيس يطال كل شيء وفي مقدمة ذلك الموروث الشعبي الذي تتميز به حيس.
ورغم الذي قيل عن خدمات تم تقديمها لحيس يظل الواقع خير شاهد على مقدار الاهتمام الذي لم يكفل للغالبية العظمى من سكان مدينة حيس أدنى مقومات العيش الكريم .. وكيف يحصل ذلك والمستشفى الريفي بحيس يفتقر لأدنى المقومات التشغيلية والكادر الطبي يشكو نقصاٍ شديداٍ في العدد والإمكانيات .. فضلاٍ عن الكهرباء العمومية التي بدأت من مدينة المخا المجاورة لحيس ولم يكن نصيب حيس منها إلا كنصيب أقصى قرية في المناطق الجبلية.
آثار مهددة
* أما ترميم المساجد والبنايات التاريخية التي بدأت بالتآكل فحدث ولا حرج فهناك الكثير منها أضحى آيلاٍ للسقوط ومع ذلك لم تلتفت الجهات المعنية نحوها أدنى التفاتة ولم يعد المواطنون يأملون بذلك في ظل التهميش المتعمد لأهم المرافق الخدمية كالمدارس والمستشفيات والكهرباء فما بالنا بترميم الآثار¿¿! وهذا مادفع أحد فاعلي الخير لترميم الجامع الكبير في حيس على نفقته الخاصة وقد وصلنا لرؤيته وتصويره أثناء زيارتنا لمدينة حيس وكان العمل في ترميمه في طور المراحل الأولى .. فجزى الله فاعل الخير ذاك خير الجزاء الذي التفت لذلك المعلم في وقت نسيت فيه الحكومة الكثير من الآثار ولم تتحرك حتى الآن لإنقاذ مدينتي صنعاء وزبيد اللتين تقعان تحت تهديد منظمة اليونسكو العالمية بالشطب من قائمة التراث العالمي رغم صيحات التحذير ودعوات النذير!!