إعداد/ محمد محمد عبدالله العرشي
أخي القارئ الكريم… يسرني أن أقدم لك في هذا العدد من صحيفة الثورة الغراء، الثروات والكنوز الحضارية في محافظة ريمة الحلقة الرابعة (مديرية الجعفرية)، وهي تكاد تكون من أهم مديريات محافظات ريمة بل من أهم مديريات اليمن عموماً، حيث تشتهر هذه المديرية بجبالها التي تبهر الزائر عند صعوده إلى قممها، كجبل الشرف الذي يطل على لوحة جمالية طبيعية تتزين بالخضرة الرائعة والمدرجات الجميلة التي اشتهرت بها اليمن. كما أن شلال ضاحية الركب الذي يتدفق ويجري ويمتد حتى يصل إلى الوادي الأخضر، رغم أن جريانه موسمي ومرتبط بسقوط الأمطار. وعند انتقال الزائر إلى عزلة بني الجعد سيجد لوحات ربانية وشلالات متدفقة بعد هطول الأمطار..
وليعذرني القارئ الكريم أنني استعرت عبارة الراحل المؤرخ/ أمين الريحاني (1293 – 1359هـ = 1876 – 1940م) عند زيارته لمدينة إب وانبهاره بالمناظر الخلابة في المدينة وما حولها، فلو أنه زار محافظة ريمة لأطلق هذه العبارة على محافظة ريمة، وأيضاً لو زار محافظة ريمة المرحوم الرحالة/ عبدالعزيز الثعالبي (1874 – 1944م) لانبهر برجالها وأعلامها ومناطرها الخلابة.
إن محافظة ريمة بحاجة إلى دراسة مستفيضة وعمل موسوعي ليكشف أن محافظة ريمة غنية بأثارها وكنوزها الحضارية، وحصونها وقصورها وأعلامها، وتكاد أن تكون متفردة على غيرها من محافظات الجمهورية.
وقد أحسن صنعاً الأستاذ/ حيدر علي ناجي عندما أعطاني الكثير من المعلومات عن محافظة ريمة، لكني أناشد كافة أبناء ريمة أن يعمقوا دراساتهم ويكثفوها ولاسيما أن كثير من أبناء ريمة مغتربين في كثير من الدول، وقادرين على هذا العمل باقتدار مادياً وعلمياً، كما أن وطنيتهم لا تقل عن وطمية الأخرين.
مديرية الجعفرية
إحدى مديريات محافظة ريمة، تقع في أقصى الجزء الجنوبي الغربي منها. يقال أنها سميت بهذ الإسم؛ نسبةً إلى بني جعفر الذين حكموا جبل الظلملم. ويحدها من الشمال مديرية الجبين، ومن الجنوب مديريتا: وصاب السافل ووصاب العالي (محافظة ذمار)، ومن الشرق مديرية كسمة، ومن الغرب مديرية بيت الفقيه (محافظة الحديدة). وتعتبر مدينة الحدية مركز المديرية.
تبلغ مساحة المديرية 281كم2، وبلغ عدد سكان المديرية (65.182)نسمة بحسب التعداد العام للسكان والمساكن في العام 2004م، وتضم المديرية (135) قرية تشكل بمجموعها (14)عزلة، هي: (عزلة بني أحمد: تقع في شمال المديرية، ويحيط بها من الشمال والغرب والجنوب والشرق العزل التالية: بدج وبني خطاب وخضم من مديرية الجبين، وبني القحوي العتم وبني نفيع من مديرية الجعفرية، والمغارم من مديرية كسمة، وبني جديع من الجعفرية. عزلة بني جديع: تقع في (الشمال الشرقي) من المديرية، بل إنها تقع في عمق مديرية الجبين، ويتبين من حدودها دوافع العثمانيين وهم أول من قسمها إدارياً بهذه الصورة، ويحدها من الشمال بني الدون والحدادة، ومن الشرق الذاري وحورة من مديرية الجبين ومن الجنوب عزلة المغارم بمديرية كسمة وبني أحمد بمديرية الجعفرية جنوبا وغربا بالإضافة إلى عُزلتي خضم وبدج من مديرية الجبين، ومن الشمال الغربي عزلة بني الخطاب من مديرية الجبين، وتتعرج حدودها التي هي حدود مديرية الجعفرية حتى تكاد تطوق عزلة بدج التي تفصل بين الجزء الشرقي من العزلة والجزء الغربي المتمثل في مغرم ذي عمران، الذي يجب أن يكون عزلة منفصلة أو يُضم إلى بني أحمد أو عزلة بدج. عزلة بني الجعد: تتمتع هذه العزلة بمناظر طبيعية خلابة، وتتساقط فيها الأمطار الغزيرة والتي تتكون منها الشلالات، وتقع عزلة بني الجعد في (الجهة الشرقية) من المديرية ويحدها من الشرق جبل ظلملم وعزلة بني الغزي، ومن الشرق والجنوب عزلتي بني القحوي الشرف واليمانية، ومن الغرب والشمال عزلة بني واقد وعزلة بني سعيد وعزلة بني الحرازي. عزلة بني الحرازي: تقع في (الشرق) من المديرية، تحدها عزلة البقعة وعزلة ظلملم مديرية كسمة شرقاً، وعزلة بني الجعد جنوباً، وعزلة بني سعيد غرباً، وعزلة بني نفيع شمالاً. عزلة بني سعيد: تقع في وسط المديرية، ويحدها شرقاً عزلتي بني نفيع وبني الحرازي، ومن الجنوب بني الجعد، ومن الغرب بني واقد، ومن الشمال عزلتي بني أحمد وبني القحوي العتم. عزلة بني الغزي: تقع في الجنوب الغربي من المديرية، ويحدها من الشمال عزلة ظلملم مديرية كسمة وعزلة بني الحرازي وعزلة بني سعيد، ومن الشرق والجنوب عزلة اليمانية، ومن الغرب بني الجعد. عزلة بني القحوي الشرف: تقع في الجهة الجنوبية من المديرية، ويحدها من الشمال عزلة بني الجعد، ومن الشرق بني الغزي، ومن الجنوب اليمانية، ومن الغرب بني واقد. عزلة بني القحوي العتمه: تقع في الشمال الغربي من المديرية ويحدها من الشمال عزلة خضم، ومن الشرق عزلة بني أحمد، ومن الجنوب عزلة بني سعيد، ومن الغرب عزلتي الحوادل والتكارير. عزلة بني نفيع: من بلدانها؛الضلاع، المعزب، الجُبجب، دار الصفا، وادي قاعة، بني الجابري، المحاقرة. عزلة بني واقد: بنو الواقدي عشيرة كبيرة مساكنها في جبل الجعفرية من بلاد ريمة، قال المؤرخ المرحوم حسين الهمداني إنهم من قبيلة ثقيف المشهورة في الطائف، منهم بيوت كثيرة في زبيد والحديدة وصنعاء. عزلة البيارح: وتسمى في بعض المراجع (البياديح) أو (البيادح)، تقع في (أقصى الجنوب) من المديرية، وتشكل مع عزلة رماع الشاطئ الشمالي لوادي رماع. عزلة الحوادل التي تقع في (شمال غرب) المديرية. عزلة رماع، عزلة اليمانية).
وقد تعرفت على محمد نجل المرحوم الشيخ إسماعيل نور الدين في منزل عمي القاضي العلامة المرحوم أحمد بن عبدالله العرشي (1338هـ /1413هـ -1993م) الذي كان في ذلك الوقت عاملاً بقضاء ريمة. وقد وجدت فيه من الذكاء المفرط الذي لم أجده في معظم أعلام اليمن، وعندما ناقشته وجدت فيه من العلم والأدب والثقافة واتساع المعارف ما لم أجدها عند معظم أبناء ريمة، وقد درَس لديَّ أخيه عبدالرحمن بن إسماعيل نور الدين قبل ذهابي للدراسة في الأزهر بالقاهرة.
من أودية مديرية الجعفرية
هل تعلم أخي القارئ الكريم أن وادي رماع هو أهم وديان اليمن عموماً وأن أهم روافده تنبع من جبال ريمة، إضافة إلى روافده من مشارف مديرية معبر وغربي ضوران آنس وشرق وشمال عتمه وجنوبي ريمه ومن ثم يتجه وادي رماع إلى جنوب ضوران وجبال آنس والمصنعة وجبل الشرق والمنار وحمام علي، ويمر بمدينة الشرق ويفصل بين ريمة وعتمه ووصابين ويلتقي بمياه جبال ريمه وجبال وصاب حتى يأتي إلى الرباط فيروي السهول الشمالية لبيت الفقيه ويتجه غرباً إلى الساحل حتى ينتهي إلى وادي الجاح من الجهة الغربية ثم يصب في البحر.
وتتساقط الأمطار على مديرية الجعفرية في معظم فصول السنة باستثناء فصل الشتاء، وهو ما يكسب سهولها وجبالها حلية خضراء تبهر الزائر لها، ويوجد في مديرية الجعفرية عدة وديان، أشهرها وادي السيد والوادي الأخضر (بني القحوي)، ووادي علوجة ووادي بني الحرازي ووادي الزنم الذي تكثر وتتنوع فيه المنتجات الزراعية، وأشهر الأودية على الإطلاق وادي رماع ، وتتميز مدينة الحدية مركز المديرية بطبيعتها الساحرة ومناظرها الخلابة وشلالاتها وغيولها الوفيرة طوال العام..
أهم المواقع التاريخية والأثرية والطبيعية في مديرية الجعفرية
تتميز مديرية الجعفرية بوجود الكثير من المعالم والمواقع التاريخية والأثرية، كما أنها تشتهر بالكثير من الأماكن الطبيعية التي تعد من أجمل المناظر الخلابة التي تأسر لب وفؤاد الناظر لها، نورد هنا بعضاً مما تشتهر به المديرية من معالم أثرية وتاريخية وطبيعية، على النحو التالي:
• جبل أســود: عبارة عن حصن قديم شيد في الفترة الأولى لحكم العثمانيين اليمن، وهو من المعالم الأثرية والتاريخية التي تفاخر بها المديرية.
• جبل الشرف: يقع في الحدَّية عزلة بني الجعد، وهو عبارة عن جبل يطل على الحدَّية مركز المديرية، وعند الصعود إليه تستقبلك أشجاره المرصوفة على جانبي الطريق المعبدة المؤدية إليه، وعند قمته يقع نظرك على لوحة بديعة الجمال تزينها الجبال المكسية بالخضرة، والمدرجات الجميلة الرائعة، كما يتميز الجبل بوجود أحجار في أعلى قمته تبدو غريبة، أطوال بعضها حوالي (متر)، وهي مدببة من الرأس كالهرم سهلة الاستخراج، واستخدم جزء منها في ترميم ورصف الطريق، وأضفت عليه جمالاً وروعة إلا أنه يحتمل أن يكون هذا الجبل بركانياً.
• جبل ظلملم: يقع في الجهة الغربية من كسمة، حيث يطل هذا الجبل على مركز الجعفرية من ناحية الشرق، والجبل عبارة عن حصن استخدم أثناء الحملة التركية الأولى على اليمن كما يقال، وهو يضم عدة منشآت مختلفة الاستخدام مثل النوب الأسطوانية والتي تحيط بالحصن من جميع الجهات وهي مبنية بأحجار مهذبة وجميلة تدل على البراعة الفنية في عملية البناء الهندسي الفريد، كما يوجد عدة أساسات لمباني ربما استخدمت للسكن وأشياء أخرى في الحياة اليومية أيضاً، توجد عدة برك وسدود صغيرة استخدمت في تخزين مياه الأمطار من أجل الإستخدام اليومي، وهي منحوتة في الصخر ومطلية بمادة القضاض من أجل منع عملية التسرب إلى باطن الصخر، كما لا يخلو هذا الحصن من السقايات المطوية بأحجار مهذبة والتي تحمل فتحات استخدمت أحجار الصلصال في عملية بناء البوابات المستطيلة والمربعة، أيضاً استخدمت مادة القضاض في عملية طوي هذه السقايات أو المدافن كما يتوسط هذا الحصن مسجد مبني بأحجار جميلة ومهذبة من أجل تأدية الفرائض. لكن الشيء الملفت للنظر والجميل هو الطريق الموصل إلى قمة الحصن فالجبل يحتوي على طريقين معبدين ومرصوفين بأحجار جميلة ومهذبة من جهتين مختلفتين حيث تلتقي في نقطة معينة عند بوابة الحصن الرئيسية ثم تبدأ تفترق مرة ثانية إلى جهتين مختلفتين إلى قمة الحصن..
• شلال ضاحية الركب: يعتبر من الشلالات الكبيرة والجميلة، فهو عبارة عن مصب مائي يتدفق منذ القدم من أعلى الجبال المحيطة بالحدية، ويجري عبر الصخور بعرض يقدر بـ(5أمتار) قابل للتوسع، ويمتد طوله حتى يصب في الوادي الأخضر (بني الغربي)، مكوناً لوحة جميلة إلا أنه موسمي مرتبط بسقوط الأمطار.
• عزلة بني الجعد: هذه العزلة كغيرها من عزل المديرية التي تتمتع بمناظر طبيعية خلابة، فعلى قمم جبالها ترى الغيوم الملبدة بالخير لهذه الأرض المعطاءة، وتتساقط الأمطار مكونة الشلالات العديدة وتحس وأنت بين جداولها بمعنى الحياة الطبيعية، فهي لوحة ربانية بديعة الجمال فسبحان الذي وهب أرض اليمن هذا الجمال الخلاب.
ذكريات المرحوم الشيخ الأديب العالم الوزير/ يحيى منصور بن نصر في محافظة ريمة
في كتابه (شعر وذكريات) يحكي الأستاذ الأديب الشاعر يحيى منصور بن نصر (المولود 1332هـ – 1914م) ذكرياته في محافظة ريمة ومديرية الجعفرية كإحدى مديرياتها، حيث كتب تحت عنوان (رجال من ريمة) أسطر تحدث فيها عن شخصيات من ريمة، ونقتبس من كلامه هذه الأسطر القليلة: “ومن ذكرياتي أيام كنت نازلاً في قضاء ريمة لثلاث مرات بتكليف من قيادة الجمهورية، تدعى ريمة الأشابط ولم يتكلم عنها أحد بتوسع – ولا حظت أنه كان هناك اتفاق غير مكتوب في فترات عهود تغلب القبائل أيام حكم الأئمة القاسميين…. تعرفت في هذه المنطقة الجبلية الخضراء على العالم الأديب الشيخ علي بن علي القصيع شيخ عزلة بكالي من ناحية الجبي، وعلى الأديب المثقف الشيخ محمود الروم شيخ بني الطليلي من ناحية كسمة، وعلى الشيخ إسماعيل نور الدين العالم والأديب شيخ بني الضبيبي من ناحية الجبي. وكان هؤلاء الثلاثة من الذكاء وسعة الإطلاع والتفتح على كل جديد نافع مع تفقهم في الدين ما يبعث على الإعجاب والتقدير. ومن وجهائهم البارزين البارزين الشيخ يحيى بن محسن الجعماني الأهنومي (وهو رجل مشهور بتبني مشاريع التنمية في محافظة ريمة) وتصدر لبناء مستوصف الجبي. وأشرف على شق الطريق من رباط النهاري بمناخها التهامي إلى المركز وكللت بالنجاح وستمتد إلى مركز كسمه من الجبي ويتحقق لهذه المنطقة ما تصبو إليه من الرخاء والاتصال المباشر بعموم البلاد.
و”رباط النهاري” نسبة إلى العالم الرباني السيد محمد بن عمر النهاري الذي كان يقيم هناك وحيث فيه ضريحه ومسجده الجامع. ومن أحفاده سادات بيت النهاري، (ومن المعروف أن آل النهاري قد اشتهروا بكتابة الصحف الجميلة التي انتشرت واشتهرت في جميع أنحاء اليمن)، ومنهم في ناحية مذيخرة السيد هاشم بن أحمد عماد العالم الصوفي الورع مات رحمه الله في أول القرن الخامس عشر الهجري وكان مثال الجود والسخاء، ومنزله مهبط لطلاب العلم، ومن أحفاد أخوته السيد عباس بن أحمد بن عبدالرحمن بن عبدالله بن أحمد عماد النهاري العالم السني…
وهنا حددت لذاكرتي ما استوحيته من مخزونها وما قد تسدل عليه الأيام ستار النسيان وقد يستغرب القارئ ومن حقه أن يستغرب الذكريات كمقدمة لشعر شاعر أو نظم ناظم ولكن الذكريات وليدة شعور نابع من محيط عشته فترة من حياتي دونتها مما سمعت أو رأيت بإخلاص نية وسلامة طوية والله من وراء القصد وهو حسبي ونعم الوكيل.”
من المراجع التي رجعنا إليها في إعدادنا لهذا المقال: (الموسوعة اليمنية)، (الموسوعة السكانية/ للدكتور محمد علي عثمان المخلافي)، (نتائج المسح السياحي)، (نتائج التعداد العام للسكان والمساكن والمنشأت للعام 2004م)، (معالم الآثار اليمنية/ للقاضي المرحوم حسين السياغي)، (مجموع بلدان اليمن وقبائلها/ للمرحوم القاضي محمد أحمد الحجري)، (العقود اللؤلؤية في تاريخ الدولة الرسولية/ الشيخ علي بن الحسن الخزرجي/ عني بتصحيحه محمد بن علي الأكوع الحوالي/ مركز الدراسات والبحوث اليمني)، (معجم البلدان والقبائل اليمنية/للباحث الكبير الأستاذ/ إبراهيم بن أحمد المقحفي/ طبعة2011م)، (موسوعة للقلاع والحصون في اليمن “تحت الطبع”/ للأستاذ الباحث أحمد الغراسي)، (إنشاء وتأسيس محافظة ريمة/ تأليف حيدر علي ناجي العزي/ الطبعة الأولى 2011م)، خريطة المديرية المرفقة من إعداد م.أحمد غالب عبدالكريم المصباحي…