السعودية ورطت نفسها في سياسة حافة الهاوية
يبدو المحللون من دول الخليج أكثر تفاؤلا بشأن الهيمنة العسكرية المحتملة للمملكة السعودية في منطقة الخليج والشرق الأوسط. وقد قام أحد المعلقين الخليجيين بالتعليق مؤخراً في مقال نشرته «ناشيونال إنترست» أن المصلحة الوطنية تقتضي أن تقوم الرياض بالتعاون مع حلفائها السنة والعرب من أجل ملء الفراغ الاستراتيجي الذي خلفه الانسحاب الأمريكي من الشرق الأوسط. وقد ادعى أن المملكة، من خلال «عقيدة سلمان»، سوف تقوم بهزيمة «الدولة الإسلامية» والجماعات المتطرفة الشيعية في العراق وسوريا وسوف تقوم بالتصدي للطموحات الإقليمية لإيران. ويبدو أن المعلق كان مدفوعا بقوة النيران الإقليمية والنزوع إلى البلاغة أكثر من إدراك الوقائع على الأرض.
الطنين حول الدور العسكري المصاعد للمملكة السعودية بدأ مع صعود الملك «سلمان» إلى العرش في يناير عام 2015م. وقد تميز نهج الملك الجديد في السياسة الخارجية بتحول كبير عن سياسة ضبط النفس التقليدية نحو السعي إلى القيام بدور أكثر حزما في الشؤون الإقليمية. بعد شهرين فقط من تتويجه ملكا، فقد قام بشن هجوم جوي على اليمن في أواخر شهر مارس/ من العام 2015 . كما قام أيضا بتكثيف دعم بلاده لجيش الإسلام، وهو تحالف فضفاض مكون من ثلاثة وأربعين جماعة إسلامية متطرفة في سوريا، لإسقاط حكومة «بشار الأسد»
هناك دلائل تشير إلى أن الرياض تخسر محاولتها للهيمنة الإقليمية، وأنها تعرض مصداقيتها كثقل موازن إلى خطر كبير. ما يسمى «هادي» لا يزال يرأس حكومته من المنفى بينما تتجه السعودية الآن للتفاوض من أجل إنهاء عمليتها العسكرية. ويبدو أن المملكة على استعداد لأن تخرج من اليمن في صورة الخاسر لتترك الشعب اليمني يهتفون بالنصر، وربما يسيطرون على السياسة في اليمن في المستقبل.
في سوريا، لم تكن حكومة «الأسد» قريبة من السقوط في أي وقت على الرغم من الهزائم المتتالية التي منيت بها على أيدي الجماعات الارهابية المتفرقة في النصف الأول من عام 2015م. ولكن في الآونة الأخيرة، فإن التدخل العسكري المباشر في روسيا، والذي بدأ في سبتمبر/ الماضي قد أعطاه مزيدا من الحياة ومكنه من تحجيم تلك الجماعات المدعومة من السعودية وتركيا وقطر والولايات المتحدة. بقاء الرئيس «بشار الأسد» يبدو الآن مضمونا أكثر من أي وقت مضى خلال مسار الحرب التي استمرت لمدة 5 أعوام.
سياسة استعراض العضلات
في وسط محاولة المملكة السعودية الحالية من أجل الهيمنة الإقليمية يقع النهج العضلي الذي يبرزه الملك «سلمان» في سياسته الخارجية. هذه السياسة التي ترتكز بشكل أكبر على القوة العسكرية أكثر من الأدوات الدبلوماسية أو حتى المال والتأثير الديني اللذين طالما ميزا جهود الرياض في تعزيز مصالحها. بدأت هذه السياسة الحازمة مع إجراءات الملك «عبد الله» المضادة لثورات الربيع العربي. قام الملك «عبد الله»، في تحد للمخاوف الأمريكية ورغبة في استعراض العضلات في مواجهة ، بإرسال قوات إلى البحرين في مارس/ 2011م من أجل قمع الحركة الشيعية المطالبة بالديمقراطية. في سبتمبر/ 2013م، فقد قرر أيضا تسليح وتمويل الإسلام في سوريا من أجل مجاراة تنظيمي القاعدة و«الدولة الإسلامية» والنجاح في نهاية المطاف في تحويل دفة الحرب السورية للإطاحة بـ«الأسد». وقد تابع الملك «سلمان» سياسة سلفه بقوة أكبر مضيفا درجة أعلى من العدوان العسكري كما ظهر في اليمن.
، لا يزال جزءاً أساسياً من سياسة الملك «سلمان». ليس هناك شك في أن الحركات الديمقراطية العربية قد توسعت بشكل مباشر أو غير مباشر ضد التسلط السعودي ولو بشكل افتراضي.
سقوط الهيمنة السعودية
قررت الرياض استعراض عضلاتها العسكرية من خلال تشكيل تحالفات عربية (التحالف الذي تقوده في اليمن) وإسلامية (التحالف المكون من 34 دولة الذي أعلن عنه في ديسمبرالماضي وارتفع لاحقا إلى 40 دولة). تبدو هذه التحالفات كتحالفات على الورق أكثر مما تبدو كأنها كتل عسكرية حقيقية. وقد عانى التحالف السعودي في اليمن ضربة قوية بعد أن صوت البرلمان الباكستاني في أبريل/نيسان 2015م على البقاء بعيدا عن الصراع في اليمن. رفضت عمان، الدولة العضو في مجلس التعاون الخليجي أن تكون طرفا في النزاع، في حين أن مصر قد وضعت نصب أعينها الكارثة التي حلت بها حين تدخلت في اليمن في الستينيات، وقد ماطلت في إرسال أي قوات لدعم الهجوم البري السعودي في اليمن. وقد وافق السودان على المشاركة بالقوات بعد أن حصل على دعم بقيمة 2.2 مليار دولار من كل من قطر والمملكة العربية السعودية. وقد حصلت مصر على امتيازات نفطية وتعهدات استثمارية بقيمة تفوق 8 مليارات دولار. في النهاية، حصلت السعودية الدعم العربي اللازم للحرب على اليمن ولكن بتكلفة كبيرة.
لم يكن التحالف الإسلامي أفضل حالا. هذا التحالف لم يستبعد فقط تلك الدول ذات الأغلبية الشيعية ولكنه لا يشمل أيضا جمهوريات آسيا الوسطى الإسلامية وأفغانستان. كما أن كلا من عمان والجزائر ليسا أعضاء في الحلف. هناك أيضا الكثير من الصعوبات التي تقف في وجه تحويل هذا التحالف إلى تكتل عسكري فعال مثل محدودية القدرات العسكرية للكثير من أعضائه فضلا عن مشاكل الالتزام؛ والمسافات الجغرافية الشاسعة والشقوق المحلية السياسية منها والدينية. لا يوجد أي موضوع استراتيجي مشترك بين هذه البلدان بخلاف العلامة التجارية السنية للإسلام التي تربط بينهم.
ازمات تعصف بالنظام الملكي
أجبر الانخفاض الأخير في أسعار النفط السعوديين على إعلان عجز كبير في الموازنة في عام 2015م، يقدر بـ20 % من الناتج المحلي الإجمالي ومن المرجح أن يستمر لبضع سنوات أخرى. وعلاوة على ذلك، فإن تكلفة الحرب في اليمن وفاتورة دعم المعارضة السورية تؤثران بالسلب على الاقتصاد السعودي. تتكبد الرياض تكلفة تقدر بـ200 مليون دولار يوميا نتيجة لعملياتها العسكرية في اليمن وهي التكلفة التي لا يستطيع الاقتصاد السعودي المتردي تحملها في الوقت الراهن. وهناك مثال مواز يكمن في الإنفاق العسكري المرتفع للولايات المتحدة أثناء حرب العراق والذي بلغ إجمالا 2 تريلليون دولار بما يعادل 4.75 % من الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي في عام 2011م. في نهاية المطاف فقد اختارت الولايات المتحدة الانسحاب وترك ملف العراق إلى إيران، ويمكن للمرء أن يتساءل هنا إذا ما كان هناك مصير مماثل ينتظر السعوديين في اليمن.
وهناك مجال آخر للقلق بشأن مخاطر التدخلات العسكرية للرياض. المملكة تحافظ على استيراد المعدات العسكرية الأجنبية، من طائرات مقاتلة متعددة المهام إلى صواريخ موجهة ما جعلها المستورد الأكبر للأسلحة في العالم في عام 2014م، بمجموع نفقات دفاعية بلغ 64 مليار دولار. وخلال الفترة بين عامي 2011م إلى 2015م، ارتفعت النفقات العسكرية للرياض بنسبة 275 % بالمقارنة بالسنوات الخمس السابقة. هذا هو جزء من الاتجاه العام لشراء الأسلحة في بلدان الشرق الأوسط التي شهدت ارتفاعا في مبيعات الأسلحة بنسبة 61 % خلال نفس الفترة. والسؤال هو ما إذا كانت دولة مثل المملكة السعودية يمكنها أن تؤكد هيمنتها الإقليمية العسكرية اعتمادا على الأسلحة المستوردة في حين أن منافستها قد تحققت تقدما ملحوظا على طريق الاكتفاء الذاتي من التسلح. المملكة السعودية لا تقوم بإنتاج أي أسلحة كبيرة أو منظومات للأسلحة وهو ما يجعلها دوما عروضا لضغوطات المصدرين لاسيما في أوقات الأزمات العسكرية الإقليمية. ومن الأمثلة على ذلك قرار البرلمان الأوروبي مؤخرا الدعوة إلى فرض حظر على تصدير الأسلحة إلى الرياض بسبب التداعيات الإنسانية للحملة العسكرية التي تقودها ضد اليمن.
عموما، يبدو أن المملكة السعودية قد ورطت نفسها في سياسة حافة الهاوية التي يصعب التراجع عنها. ولكن محاولتها إظهار وكأنها القوة العسكرية المتفوقة في المنطقة والمسيطرة على الشؤون الإقليمية قد تنتهي في وقت قريب.
* نقلا عن صحيفة “ناشيونال إنترست”