المستشفيات الحكومية بين نار العدوان وإهمال مسؤوليها
حسن الوريث
تجربة مريرة عشتها شخصياً وجعلتني أعيد التفكير ألف مرة لكتابة هذا الموضوع عن قضية اعتبرها في غاية الخطورة، وهي قضية الوضع الرديء والسيئ في المستشفيات الحكومية في اليمن وخاصة في العاصمة صنعاء التي تعتبر قبلة المرضى الذين قد لا يجدون الرعاية في المستشفيات والمراكز الصحية في المديريات والمحافظات، فيتوجهون إلى صنعاء علهم يحصلون عليها فيصطدمون بواقع آخر وبوضع لا يقل رداءة عن وضع مستشفيات مناطقهم .
ويمكن هنا أن أحكي عن تجربتي الشخصية لما عانيته في أحد مستشفيات العاصمة صنعاء فقد توجهت إلى مستشفى زايد بمنقطة الروضة لإجراء عملية قيصرية لزوجتي على اعتبار ان هذا المستشفى تخصصي للأم والطفل ويفترض أن يكون مجهزاً لاستقبال حالات الولادة ولديه كل الاحتياجات الضرورية لإجراء مثل هذه العمليات وخاصة للمواطنين المساكين الذين لا يمتلكون الإمكانيات للتوجه إلى المستشفيات الخاصة التي تعتبر أسعارها خيالية كما لو كنت تذهب إلى فندق خمسة نجوم وهذا الأمر هو ما دفعني للذهاب لهذا المستشفى لكني تمنيت لو لم أذهب إليه فما وجدته في هذا المستشفى من إهمال جعلني أترحم على المستشفيات الخاصة ولو كانت أسعارها خيالية .
حينما تدخل مبنى مستشفى زايد لأول مرة تشعر بأنك جئت الى المكان الصحيح وأنك ستجد العناية اللازمة لمريضك لكن سرعان ما يتبدد ذلك الإحساس ويتحول إلى قلق على ذلك المريض المسكين الذي لا يملك حولاً ولا قوة وكلما تعمقت في المعاملات داخل المستشفى يزداد شعور القلق لديك بل يتحول إلى خوف ورعب من بوابة الطوارئ التي لا تجد فيها سوى شخص في كبينة يستلم الفلوس ولا يهمه أي شيء فيما المدير المناوب مخزن في غرفته ولا يدري ما يدور وحين تتقدم أكثر داخل المستشفى تخاف أكثر المهم وصلنا إلى قسم النساء والولادة وتم تحويلنا للمختبر فقمنا بإجراء الفحوصات وتم التأكيد بضرورة إجراء العملية لأن الوضع أصبح في حالة الخطر وحين وافقنا على ذلك تم كتابة قائمة طويلة من العلاجات التي لم نجدها في صيدلية المستشفى شبه الفارغة ولا يوجد فيها سوى كراتين وعلب فارغة إلى درجة أنك لا تجد فيها أنبوبة للأطفال رغم أنه مستشفى للأمومة والطفولة وهذه الأنبوبة لا تجدها في الصيدليات فكل الصيدليات التي ذهبت إليها لا تبيع هذه الانبوبة فهي لا توجد إلا في المستشفيات وحينما لا تجدها في مستشفى متخصص في الأمومة والطفولة فلا يمكن ان تجدها في مستشفيات أخرى ولم ينقذن سوى مستشفى خاص حيث كنت أسابق الزمن لأن الطفل لو لم نعطه هذه الأنبوبة ربما كان سيموت وكل ذلك ومدير المستشفى وإدارة المستشفى لا تجدهم رغم أنني أحرجت نفسي مع وكيل وزارة الصحة الذي تفضل مشكوراً بالاتصال بالمدير وندمت لأني أحرجت الدكتور وكيل الوزارة فكل اتصالاته ومذكراته التي أرسلها للمستشفى لم تجد اي صدى وبالتالي شعرت أن كل واحد في المستشفى يعمل لحاله وأن الإدارة في وادٍ والموظفين في وادٍ آخر والأطباء والممرضين والفنيين يسبحون في فلك لوحدهم رغم وجود بعض النماذج الجيدة من العاملين والموظفين والفنيين الذين يعملون باجتهادات ذاتية وبأخلاقهم الرفيعة التي كانت ستمنعني من كتابة هذا الموضوع لولا إصرار بعضهم الذي أخبرني أن الأوضاع في المستشفى سيئة جداً بل إن بعض العاملين فيه يعملون بالتعاقد وبعضهم بمرتبات بسيطة لا تزيد عن عشرين ألف ريال ويعانون أوضاعاً صعبة رغم الإيرادات الهائلة التي تدخل على المستشفى من المرضى الذين يترددون عليه يومياً طلباً للخدمة التي لا يجدونها بالشكل المطلوب غالباً وقد تحول هذا المستشفى إلى مرفق غير نموذجي رغم الدعايات التي سبقته ولحقته لكنها غير حقيقية ومن كذب جرب.
المهم فقد تأكد لدي وبما لا يدع مجالاً للشك أن المشكلة لدينا ليست سوى مشكلة إدارية بمعنى أننا تخلفنا كثيراً بسبب سوء الإدارة والكارثة أكبر حين تكون في القطاع الصحية وخاصة في المستشفيات فمستشفياتنا يمكن أن تكون متميزة وجيدة لو وجدت الإدارة الممتازة والكفؤة وفي اعتقادي أن المستشفيات الحكومية تعاني أوضاعاً سيئة ليس بسبب العدوان السعودي فقط لكن أيضاً بسبب إهمال مسؤوليها فالعدوان والحصار فعلاً أثر على أمور كثيرة لكن سوء الإدارة هي لدينا نحن ويجب أن لا نرمي فشلنا في إدارة المستشفيات على شماعة العدوان والحصار فقط فنحن ضد العدوان السعودي الهمجي الغاشم لكننا أيضا نتمنى أن يتجه المسؤولون في وزارة الصحة العامة والسكان إلى هذه المرافق الصحية وخاصة المستشفيات الكبيرة لإعادة النظر في إدارتها وعلى اعتبار أننا الأن بحاجة أكثر إلى أن تكون مستشفياتنا نموذجية وتقدم خدمات أفضل بسبب هذا العدوان لأن المستشفيات يتوجه إليها الأن أعداد كبيرة من الجرحى سواء الذين أصيبوا في جبهات الشرف والبطولة أو الذين جرحوا جراء الغارات الجوية لطيران العدوان وهذا أدعى لأن نبذل جهوداً أكبر ولا نجعل مستشفياتنا تعيش أوضاعاً سيئة بسبب نار العدوان الغاشم وإهمال مسؤوليها .