خدعة الألقاب المذهبية

الشيخ/ حسن فرحان المالكي
معظم الألقاب التي نتداولها اليوم أو كلها ليس لها صفة شرعية وإنما صفتها مذهبية (تنابز بالألقاب)، وإذا أحسنا الظن قلنا هي للتمييز البحثي والمعرفة،
وقد جرفونا وجرفوا غيرنا معهم في هذه الاستخدامات، ونحن لا نرضى بهذه الألقاب المفرقة للمسلمين، ففيها روح جاهلية وقلة بركة وضيق أفق وتميز موهوم ..إلخ.
إلا أننا قد نضطر اضطراراً أن نستخدمها مع النقد والتصحيح لأنها أصبحت ثقافة عامة، فقد نكرر «شيعة، سنة، نواصب، سلفية، جهمية، معتزلة، وهابية إباضية ..إلخ»، من باب الاستخدام الشعبي مع محاولة الإشارة إلى تخصيص ما نريد.
بمعنى نحاول مثلاً إذا قلنا «شيعي» أن نفرق بين موالاة أهل البيت وبين المنظومات المذهبية المكتملة في المذاهب الشيعية القائمة «الإمامية والزيدية والإسماعيلية»، وكذلك إذا قلنا «سلفية» نفرق بين السلف الصالح بحق والسلف الفاسد الذي أدخلوه في السلف الصالح لظروف سياسية ومذهبية.
الخلاصة نريد الأسباب العلمية والشرعية للتصنيف لا الأسباب البشرية.
وبالتالي لو أقررنا بشرعية هذا الاسم فلا يجوز أن نأخذ تطبيقه إلا بعناية حتى نتجنب الظالمين وأهل الجهل، فسلفية المهاجرين والأنصار غير سلفية الطلقاء والأعراب، بل حتى المهاجرين والأنصار إنما يكون الاقتداء والتأسي بالسيرة العامة فيما طبقوا فيه الشرع، وليست أفعالهم شرعاً إلا من باب تنفيذهم للنصوص، ويجب التفريق أيضاً بين صالحي التابعين وفاسديهم، بل عند النزول سنجد فروقاً بين سلفية الشافعي وسلفية أحمد، ثم بين سلفية أحمد وسلفية ابن تيمية، ثم بين سلفية ابن تيمية وسلفية الشيخ محمد بن عبدالوهاب وأتباعه،
ثم من دقق أكثر سيجد اختلافا كبيرا فيما بينهم يصل للتصنيفات الاتهامية الأولى «هذا خارجي وهذا مرجئ وذاك جهمي ..إلخ، وقد نخرج بخلاصة أن عدد السلفيات على عدد الرموز.
إذن فالعامة يظنون أن المذهب كتلة واحدة وهذا وهم، ولا يجدون من يبصرهم به، كل مذهب مذاهب ومدارس وتيارات، مع أن الأفضل والأولى أن نعود للتسميات الأولى «مؤمن، منافق، مشرك، مسلم، صالح، متقٍّ، مجرم ..إلخ».
والسلفية اسم كسائر الأسماء الوضعية التي ليس لها أصل شرعي، فليست المشكلة هنا إذا صلحت النيات بأن التأسي بالسلف فيما وافقوا فيه النص (وهناك كثير من السلفية على هذا المنهج)، ولكن المشكلة الأكبر ليست هنا، وإنما في التطبيق، في صعوبة معرفة السلف الصالح من غير الصالح، لأن بعض الأفكار التي انتهجها السلف غير الصالح قد دخلت في الفكر والممارسة وأصبحت شرعاً، فالمقتدون بهم يرون أنهم مطبقون للشرع! وهنا مشكلة عويصة يصعب تفهيمها.
والأفضل في من يرتضي هذا التسمي ويقول أنا سلفي أن يقصد أولا ذلك السلف الصالح بحق، وأنه يتمنى أن يسير على نهجهم، فلابد أن يختار قلة من السلف يرى فيهم أسوة، أما أن ينتسب لكل ما يسمى «الصحابة والتابعين»، أو «سكان القرون الثلاثة الأولى»، فهذه عجيبة من العجائب يجب أن يربأ بعقله وسلوكه عن هذا التعميم، فقليل من الصالحين يكفون في الأسوة.
لأن سكان القرون الثلاثة أتى منهم كل شر ونفاق، وصدر عنهم كل خير وإيمان، فارتضاء هذا الخليط له أثره السيئ على المعرفة وعلى القلوب والعقول والسلوك المعرفي والعملي.
السلفي المعتدل لا يرى هذا، وإنما ينتقي من يتيقن صلاحه وحسن سيرته، والأفضل من ذلك،السلفي الذي لا يقتدي بالأشخاص إلا ما وافقوا فيه النص، فالاقتداء بالنص أساساً، وهذا غاية الاعتدال السلفي، لكن هؤلاء المعتدلين ليس لهم شهرة، ولو كانت السلفية بهذا المعنى -وهي كذلك في معظم التنظير- لقلنا لا بأس ولا مشاحة في الاصطلاح، وليكن الاسم وضعياً والواقع شرعيا، وقد نعد أنفسنا من حيث الواقع من هذا الصنف بحكم الواقع والتعليم والبيئة وطريقة البحث والاقتناع بالمصادر والاجتهاد في التماس الدليل ..إلخ.
وأما من يرى شرعية الانتساب السلفي إلى الأشخاص المولودين قبل 300 هجرية فهذا هو الوهم الكبير الذي قد نناقشه في الحلقة القادمة.
وهل كان الصحابة والتابعون على منهج واحد؟ فضلا عمن بعدهم؟

قد يعجبك ايضا