اليمن: الرقص على أشلاء القتلى ليس إنتصاراً

الثورة نت / أ٠د عبدالعزيز صالح بن حبتور

بين النصر والهزيمة لحظة واحده قد لا تتجاوز بضع دقائق فارقه ، وهي بداية الانكسار للمهزوم ولحظة الجموح للمنتصر ، لكن بعد ذلك تبداء الرحلة والمعاناة للفريقين ويحتاج المنتصر لطاقات ذاتية دافعه ( مادية وروحية أخلاقية  ) كي  يتواصل بها مع انتصاراته والمهزوم كذلك  يتجه نحو مخزون الصبر والتكتيكات التي منحها الله للناس كي يتكيفوا مع واقعهم الجديد ليضمدوا جراحاتهم  ويواروا كل أسباب هزيمتهم  ومن تبقى منهم يدرس بتأن ِ أسباب ما وصل اليه فريقهم ، اما المنتصر فلم يعد لديه وقت كافي لمثل هكذا تقييمات لانه مزهو بالنصر ولهذا يقولون ان الهزيمة يتيمة  والنصر له عدد من الآباء الرؤوس ، لكن الحروب هي كَر وفر وأي فصل منها لا يعني نهاية الحكاية البته ، يقول الشاعر الثوري البدوي / عوض الحامد رحمة الله عليه : ( من كُوخ طلاب الحياه ،،، كُوخ الوجوه السُمر شاحبة الجِباه  ،،،  يتصارع  الضّدان لا المهزوم يُفنى ،،، لا وليس المنتصر ضامن بقاه ) ٠
وكما يشير المحللون العسكريون بان الفاصل الزمني بالحروب مسألة مهمه لتقييم ماسلف ، اما اذا اعتمدنا على الانتصارات التي تحققها وسائل الإعلام كجزء من آله الحرب الإعلامية فذلك هو الانتصار الوهمي الذي يجلب الإنتكاسات المتتالية للفريق الذي يعتمد على صدى ورونق العبارات المضللة للإعلام فحسب ٠
لكن في الحروب أخلاقيات عرفها العالم تكون مصاحبه للجندي المقاتل في جبهات القتال ، وهذه الأخلاقيات أمتلئت بها بُطُون الكتب من سرد حكايات الحروب في تاريخ البشرية  التي عاشتها الأمم والأقوام والقبائل والديانات وكانت عامل مُحدد في انتصار او انكسار الجيوش المتحاربة ، فعلى سبيل المثال تعاليم رسولنا الأعظم محمد ( ص ) وتوجيهات الخلفاء الراشدين الكرام من بعده وعلى هُداه للقادة العسكريين الذين يتوجهون لجبهات القتال ويقودون جيوش المسلمين في الفتوحات الإسلامية ذائعة الصيت ، يتم التركيز على تعليمات صارمه بعدم قتل الأطفال والمسنين والنساء وعدم هدم الآبار وحرق المزارع وقطع الأشجار وعدم نهب وسرقة مواطني البلدان التي فُٰتحت من قبل جيش المسلمين وحصر أخذ ( الغنائم ) من العدو المُقاتل الذي وقف معادياً امام زحف جيش المسلمين  ……..الخ ، وهذه هي التوجيهات الواضحة ذات الصبغة الإنسانية والأخلاقية للتعامل في كل جبهات القتال ٠
دعونا نستعرض عدد من الأمثلة  الموجزة من التاريخ البشري للحروب ودور الجانب الأخلاقي فيها ، مع ان كل الحروب ليست أخلاقية ولا  مُبرره  سوى مايتصل منها بالدفاع عن الأوطان من سطوة وجبروت الغزاة  ٠
أولاً : حروب نابليون بونابرت ( 1769 – 1821م ) وإجتياحه للقارة الأوروبية وبطشه وحصاره للمدن وتجويع وترويع مواطنيها وآخرها حصار وحرق أجزاء كبيره من مدينة موسكو عاصمة روسيا القيصرية  ، كانت سبب رئيسي في هزيمته وقاده مصيره الى ان يكون سجين منفي  في جزيرة سانت هيلينا وانتهى بانتهاء إمبراطوريته التي حلم ان تكون حدودها الكافيار الروسي ليتناولها في قصره العامر بباريس والمبني من رُخام كارارا الإيطالية ٠
ثانياً   : حروب الفوهرر / أودلف هتلر ( 1889 – 1945 م ) النازية الألمانية هي الأخرى قامت على أساس عنصري مقيت وقتل خصومه وأعدائه بأسلوب وحشي عُرف بالأدبيات الحربية المتداوله القتل بالطريقة النازية ( حرق ، وسلّح وتجويع وحتى بواسطة الغاز ) وانتهى به المطاف الى ان يتجرع بالسم الزعاف ( السيانيد ) وطلقة من مسدسه في قبوه الحصين بجانب بوابة براندن بورج في قلب برلين كي لا يقع أسيراً مُهاناً في أيدي طلائع الجيش الأحمر السوفيتي ( الروسي )  الذي حرر برلين من داء الفكر النازي المُخيف ٠
ثالثاً  : حروب فرنسا الإستعمارية  ( 1830 – 1962 م ) في الجزائر الثائرة والتي إعتبرها كمستعمر متوحش إنها جزء مضاف الى الدولة الفرنسية ومارس عبثية  قتل الجزائريين  بهدف تركيعهم كشعب مُقاوم ، وخرجت فرنسا مدحورةٍ مذمومة  لكن بعد ان خلفت إرث أخلاقي ثقيل عليها بعدد مليون ونصف المليون شهيد هم قيمة الجزائريين كشهداء من أجل طرد المستعمر الفرنسي البشع ٠
رابعاً  : كل الحروب الإستعمارية الأوروبية القذرة  التي بواسطتها إستعمرت بلدان حرة أجنبية ولأنها كانت حروب قذره ، انتفضت كل الشعوب الحُرة المقاومة بطردها من قارات آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية ٠
خامساً  :  كانت كل حروب دويلة إسرائيل العدوانية المستمرة  والمدعومة من مُعظم البلدان الغربية تقريباً وبمباركة وغظ الطرف من بعض الدول العربية العميلة للغرب ضد أهلنا بفلسطين وضد شعوبنا العربية ، كانت حروب وحشية غير أخلاقية وكان غزو جنوب لبنان واندحاره منها خير شاهد على هزيمته الأخلاقية والنفسية وكان للمقاومة اللبنانية البطلة بقيادة حزب الله اللبناني المقاوم وزعيمه الروحي المجاهد / حسن نصر الله دوراً حاسماً في هزيمة إسرائيل العدو الأول لأمتنا العربية
سادساً  :  حرب الولايات المتحدة الأمريكية ضد الشعب الفيتنامي ( 1957 – 1975 م )  ، وحربها المروع ضد أهلنا بالعراق في العام 2003م كانت حروب وحشية بشعة إستخدم الأمريكان احدث ترسانتهم العسكرية وصب آلاف الأطنان من القنابل والصواريخ على رؤوس الفيتناميين والعراقيين  الأقل تسليحاً و الأكثر صموداً وأيماناً بالأرض والهوية ، خرجت أمريكا من حربها بفيتنام لهزيمة مُذله ، وخرجت من العراق مهزومة أخلاقياً بعد تدميره لمعظم مدن العراق وقتل وتشريد ملايين العراقيين وإرجاع العراق خمسين عاماً ويزيد الى الخلف ٠
سابعاً  : حروب ماسُمي بداعش ( الدولة الإسلامية بالعراق والشام ) الموجه ضد الشعبين الشقيقين العراقي والسوري ولعدد من  البلدان العربية ، هذه الحروب انطلقت بوحشية منذ العام 2013م ، وجُمع لها جيش جرار من  كل المتطرفين والإرهابيين بالعالم ومُولت تمويلاً سخياً من الدول الخليجية النفطية ، وشاهد العالم بربرية مجرمي داعش عبر كل وسائل الإعلام ، وطريقة القتل المُروعة التي مارسوها ضد اهلنا بالعراق وسوريا من كل الأعراق والطوائف ( من عرب وكرد وترك ومسلمين سنة وشيعة  ومسيحيين ويزيديين وصابئة وعلويين ودروز ٠٠٠٠٠٠٠٠الخ ، ولم يسلم منهم أحد ، هذا الفكر والسلوك سيسقط قريباً ٠
ثامناً : حرب حلف الأَعْرَاب بقيادة المملكة العربية السعودية ( 26مارس 2015 م – ولازال العدوان مستمراً حتى كتابة هذه الأسطر ) ضد اليمن الجار المسالم  والفقير وسُميت ( بعاصفة الحزم ، والأمل ) ، هذه الحرب قذره وغير أخلاقية قَتلت اليمنيين في مدارسهم وجامعاتهم وصالات أفراحهم وأسواقهم  ومواقع شُغلهم بالمصانع والمعامل وعلى قوارب الصيد وهم مٰتجهين لطلب رزقهم وفي منازلهم أثناء نومهم ومساجدهم أثناء أداء فرائضهم وعبادتهم اليومية ، ودمرت الحرب العديد من  البُنى التحتية لليمن من المنشأت الخدمية والصناعية ، ولعب المال الخليجي دور غير أخلاقي في إسكات المنظومة الإعلامية العالمية وشراء ذمم العديد من حكومات دول العالم دون خجل وللاسف تم شراء موقف بعض المنظمات ( الإنسانية الدولية ) ، السؤال ؟  أهذه حرب تقودها القيم والأخلاق والحق ، الجواب بالطبع لا وألف لا ولهذا سيُهزم المعتدون بإرادة وصمود الشعب اليمني العظيم  ٠
ماشاهدناه في الأسبوع الماضي  من أحداث مُخجلة في مدينة تعز كان حدثاً مروعاً ومخيفاً ومع الأسف يتكرر لمرتين في غضُون أشهر وهذا هو المفزع ان يظهر أصحاب المشروع التدميري الداعشي الوهابي  بهذه الوقاحة المُفرطه في المدينة الحالمة مدينة التعايش الإنساني الجميل لقرون خلت ، ومع هذا المشهد التراجيدي يطل علينا نَفَر مُفلس من أدعياء  ( الثقافة والحداثة )  يناصرون هذا الفعل الإجرامي البربري ، ويسمون ماشاهدناه من سُحل وذبح وحرق للجثامين ماهي إلا رد فعل طبيعية لما عانوه الناس من ويلات الحرب ، أي سفه هذا وسقوط أخلاقي مدو وقعوا فيه المبررين لهذه الجريمة النكراء ، ان ما حدث ليس نصراً بل هزيمة أخلاقية مُزلزله لهؤلاء المبررين ،  والنصر لا يأتي بالرقص على أشلاء وجثامين الموتى ٠
تحية للشعب اليمني العظيم كله الذي ادان العدوان وتلك الجرائم الوحشية ولا عزاء للساقطين في وحل الكراهية والعنصرية والمناطقية المَقِتة ، وستظل دموع  الأمهات الطاهره اللواتي  فقدن أعز ابنائهن كشهداء  يغلسن عار حقدكم المريض المُخزي الذي الحقتموه بمدينة تعز الحالمة وبأهلها الكرام  ، وسيستمر أفراد الجيش واللجان من أبناء اليمن وتعز لمواصلة القتال بصمت وبأخلاق الفارس النبيل والنصر حليفهم بإذن الله
﴿ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ﴾

رئيس جامعة عدن  –  محافظ مدينة عدن السابق

المصدر : ” رأي اليوم  “

قد يعجبك ايضا