لحظة يا زمن..عبيد الأعمى
محمد المساح
وجهه أسمر لوحته عوامل الطقس والتعرية.
يحتضن ” السمسمية” كما تحتضن الأم طفلها حديث الولادة.
يحتضن الآلة الخشبية ذات الخمسة الأوتار.. آلة من منظرها كأن الزمن قد أكل منها وشرب.
آلة عتيقة.. كصاحبها الأعمى.
هو وهي لوحة صامتة في مشهد سريالي خلفيتها سوق القات القديم في شارع الستين في الحديدة.
والزمن بعد الزوال الواحدة والنصف.
“السمسمية” حين لفتت النظر بداية.
تحركت الذاكرة إلى الماضي.. وبرقت مدينة “بور سعيد” وثار الحنين لذاك الزمن والعرب ينهضون من الرقاد في منتصف القرن الماضي.
تم التساؤل عن ذلك المشهد.. الذي يتطابق في المدن الساحلية.. على شواطئ المدن العربية.
ورغم العتاقة التي عكستها.. الصورة الحية للعازف العجوز وآلته وهما يتلازمان تكويناً وحضوراً.. الصوت المبحوح والأوتار العادية من الحديد.
والأصابع الطويلة واليد المعروقة.
كان يغني.. بتلك الألحان القديمة.. ألحان ذلك الزمن القديم المحملة بالوجد والشجن.
ألحان تلامس القلب، وتستفزه عشقاً للمجهول وتدفعه رحيلاً نحو البحار البعيدة.
في تلك اللحظة وهو يعزف ويغني.. يتوقف.. ويصل تباعاً شاربي الشاي ويناجمونه مالك يا أبا محمد..! ـ خلَّص البترول يجيبهم.. وهو يضع آلته العتيقة على ركبته ـ هذه محطة ديزل وتتعالى الضحكات.
في جلسته.. وهو يداعب آلته والصوت المبحوح.. يحمل الحزن والتأسي.. يرتجل مفردات أغانيه.. عن الوضع العربي الحالي.. ويشيد “بكوريا”.. أمر غريب في ذلك المشهد الغريب وزمن الضياع.