لحظة يا زمن..خطوات .. خافتة

محمد المساح
هذا الطفل اللاهي ، المستغرق في لعبته الترابية المائية .
بقصعة فارغة يملأها بالماء ، يحملها في يده .. يضعها بجانب كومة صغيرة .. كان قد كومها قبلا.
يتربع جالساً ويده تتحسس تنك القصعة بعناية يسحب من كومة التراب الناعم بأنامل يده اليسرى .
ويده اليمنى تسكب بعضاً من الماء .
يبتل التراب .. يضع قصعة الماء غير بعيدة .
وتبدأ أنامل اليدين في تشكيل الطين لعبة ، شكلاً .
مندمج الطفل في لعبته عمله ، كل اهتمامه مركز في خلط الطين وتشكيله .
على مسافة غير بعيدة .. حيث الطفل منهمك في لعبته واستغراقه الشديد في تملية فراغ الوقت .
وقف الأب .. هناك.
ظل واقفاً لبرهة .. وعينيه تتابعان الطفل اللاهي المستغرق في لعبته .
لم ينتبه الطفل إلى متابعة أبية .. ولا الأب أيضاً ..حاول من جانبه أن يقطع استغراق الطفل وانهماكه العميق في خلط الطين وتشكيله أشكالا لم تتحدد بعد بعض ملامحها .
والأب يدفع قدمه لتخطو .. أعاد الخطوات وجلس على حجرة مربعة كانت خلفه .
دقق النظر في وجه طفله .. في حركات يده وهي تعمل .. تعبير طفولي محايد .. لم يكتسب الوجه بعد تلك الكيفيات والدرجات .. التي بقدرتها تلوين الوجه حسب الحال والمزاج .
تلك واحدة من الانطباعات الأولى التي استقاها من طفله اللاهي المستغرق في لعبته.
وثارت الكثير من الزوابع في كيان الأب الجالس المتابع لطفله .
زوابع تدوم .. تكبر وتصغر في ذهنه الشارد ، عيناه ترى الطفل .. أم لا تراه .
رحل بعيداً .. رحيل كان يلتبس في معناه .. داخله وفي وعيه .. استعادة لزمن بعيد في الماضي .. لا يعود . أو رحيل إلى بعيد لا يرى بعد .. سيأتي .
في تلك النقطة تاه ذهنه .. حاول أن يتذكر .. حاول أن يستشرق .. نهض من جلسته وبخطوات لا تلمس الأرض .. حتى لا تقطع استغراق الطفل اللاهي في لعبته الترابية والمائية.

قد يعجبك ايضا