غربة الذات

أقول قولي هذا
عبدالمجيد التركي

كلُّ ما هنالك أنني عاجزٌ عن ارتداء قناعٍ يغطِّي ملامحي، ولستُ قادراً أن أتصرَّف كأنني سواي..
أنا ذلك الطفل.. الفوضوي.. التلقائي.. المــُرتَبِك.. أقول ما أشعر به دون تنميق.. لستُ قادراً على إخفاء شيءٍ، لأنه سيظهر على وجهي الذي يفضحني حين أكتم شيئاً لا يعجبني.. أو حين أخفي سؤالاً أريد أن أطرحه لترتاح قسمات وجهي المتشنِّجة.
أحياناً أسترجع الماضي الذي خبأتُ في أرشيفه طفولة كانت الشقاوة من أنقى طوابعها.. وكانت البراءة لوحة الغلاف الذي يضم بين دفَّتيه طفولتي، لكن هذا الأرشيف يعرض لي صوراً لا أعرفها، وأشخاصاً تُنكرهم نفسي.. فأوقن أنني مسكونٌ بذاكرةٍ أخرى، لشخصٍ تهمني معرفةُ تفاصيل حياته الدقيقة، ابتداءً بطفولته وانتهاءً برحيله.
لا أزال أبحث عن ذاتي- التي ضاعت على غفلة مني- في زحمة المدينة وصخب الاسمنت وأنهار الإسفلت التي تفرش طريقي بالسواد..
المدينة التي تفصل الغبار عن الزنجبيل.. المدينة التي يذوي فيها كلُّ شيء طازجٌ وطريَ.. حتى الماء يموت واقفاً بحسب التاريخ المدوَّن على صدر القنينة الآسنة!!
في المدينة: الأشجار لا تعرف أحداً.. الليل مُصفَّدٌ بالقناديل.. المستشفيات مقابر مُؤثَّثة.. الحزن كبسولات تُوزَّع في المآتم.. النساء يُكافحن أمومتهنَّ بحبوب المنع!! وأخريات استبدلن أثداءهنَّ بعُلبٍ معدنية، يُرضعن أطفالهنَّ منها حليباً جافّاً يحتوي على جميع الفيتامينات، عدا عاطفة الأُمّ ودفء صدرها!!
إنه زيف المدينة، الذي جعلني أفقد ذلك الطفل الذي كانت عيناه تضيئان بكُحل المساجد.. الطفل الذي كان يمشي بكلِّ زهو، وهو يحمل في يده جزء عمّ، ويحلم بانقضاء السنة سريعاً ليحمل ربع ياسين..
لذلك.. لا أزال مُعلَّقاً كـ”حَجَرِ أساس” بين أن أكون أو لا أكون.

magid711761445@gmail.com

قد يعجبك ايضا