البُــردةُ اليمانيــّــة

 

أحمد الجهمـي
رحَــلَ الـحـبيبُ بـمـا أحِــبُّ وأسـعَـدُ
وبـقـيتُ تـحـتَ سِـيـاطِ حـزنـيَ أُجـلَدُ
مـا غِـبتُ عـن لهَبِ اشتياقي ساعة ً
إلا أطــــلَّ بــــهِ الــخـيـالُ الـمـجـهِـدُ
قـــمــراً يـــــوزِّعُ لـلـيـتـامـى قــلــبَـهُ
والـجُـوعُ يـبـطشُ، والـمـخافةُ تَـحـصدُ
أبـتـآهُ يـسـكُنُني الـضَّـيـاعُ ولَــم يـعُـدْ
لــيَ بـيـنَ جُــلاَّسِ الـسَّـعَادةِ مـقـعدُ
كـم طـارقٍ سـالتْ جـوانِحُهُ عـلى الـ
أعـتـابِ لـمَّـا قِـيـلَ : مــاتَ الـسَّـيدُ !
يــــآربُّ فــابـعَـثْ لـلـمـعذَّبِ ســلـوَة ً
تـشـفِيْ كـمـا أشـفَىْ الـبريَّةَ أحـمدُ
صــلَّـى عـلـيهِ اللهُ مــا عَــمَّ الـمـدَى
نُـــورٌ، ومَـــا أروى الـعَـطـاشَى مــوردُ
كـانَـت قـريـشُ تـخُـوضُ فـي أوزارِهَـا
والـجـهلُ يـبرقُ فـي الـنُّفوسِ ويـرعدُ
مــكـثَ الــظَّـلامُ فــكـلُّ دربٍ أســـودُ
وطـغَـى الـخِـصامُ فـكـلُّ قـلبٍ أجـحدُ
فــكـأن َّ أبـــوابَ الـحـضـارةِ أوصِـــدَت
والـمـجدَ يـهتِفُ : أيـنَ أيـنَ مـحمَّدُ ؟!
فــــإذا بــآمـنـة الـفـضـائـلِ تـحـتَـفـيْ
بـأجـلّ مــن وطــأوا الـحـياة َ ووحَّـدوا
طـفـلٌ أضـاءَ (قُـصُورَ بُـصرى) قـبلَ أنْ
تـطـويْ الـبـسيطةَ مــن وضَـاءتـهِ يَــدُ
مـا كان يُشكَرُ أمس قبــلَ سطوعهِ
والــيَــومَ يـسـتـجديْ حـبـايَـاهُ الــغَـدُ
شـهباءُ : مَنْ أجرى النعيمَ على بنيْ
سَـعدٍ ، ومَا في الأفقِ غيمٌ يُسعِدُ ؟!
تــغــدُو الــنِّـيـاقُ بــأضــرع ٍ مـصـفَـرَّةٍ
وتـعُـودُ وهـيَ مـن الـنَّفاسةِ عَـسجَدُ
مـــــا مَـــــرَّ إلا ظــلَّـلـتـهُ غــمــامـة ٌ
أو فَـــــاءَ إلا مَــــالَ غــصــن ٌ أمــلــدُ
يـتـقـربُـون َ مـــنَ الـفـواحـشِ رغــبـةً
وتَــــراهُ فـــي غـــارِ الـتُّـقـى يـتـعـبَّدُ
اقــــرأْ… ويـرتـجـفُ الـمـكـانُ مـهـابـةً
حـيـنًـا ، ويـرتـعِـشُ الــفُـؤادُ الـمُـجهَدُ
اقـــرأ؛ لـتـسطعَ بـالـهدايةِ بـيـنَ مَــنْ
جـهـلُـوا طـريـقَ الـمـكرماتِ وألـحـدوا
اقــرأ؛ لـتـغتسلَ الـنُّـفوسُ مـن الـعَنا
فــالـحُـبُّ فـيـهـم كـالـطـفولة ِ يُـــوأدُ
فـمـضـى لـيـصـدعَ بـالـشَّـريعةِ لـيّـنـاً
حـتّى اهـتدى لـسنا الـنجاةِ الـملحِدُ
مـــن حـولـهِ شـهـبٌ تـوهَّـجَ وعـدُهـا
صــدقــاً فــــذا نَــــاجٍ وذاكَ مــوسَّــدُ
بُـسِـطَت يــدُ الـشَّـرِّ الـعـقيمِ، وكـلَّما
أوذُوا تَـــلألأَ فـــي الـقُـلـوبِ الـمـوعدُ
فــأتَــاهُ وحـــيُّ الـهـجـرةِ الــغَّـراءِ أنْ
سِـيـروا عـلـى دربِ الـمـكارهِ تـهتدوا
قَـــدمَ الـضِّـيـاءُ فــكـلُّ نــجـدٍ أرشَـــدُ
وهــمـى الـحـيـاءُ فـكـلُّ عُــودٍ أرغــدُ
فــأقـامَ فـــي كــنَـفِ الـمـدينةِ دولــةً
( الله ُ أكــبَــرُ ) خَـفـقُـهَـا الـمـتـجَـدِّدُ
( اللهُ أكــبَــرُ ) يــــا بِـــلالُ غـرسـتَـها
فـــيْ كـــلِّ قَــلْـبٍ راحَـــةً لا تُـخـمَدُ
فـــإذا الــوفُـودُ تـذِيـبُ أكـبَـادَ الـرُّبـى
ســعـيـاً إلــيــهِ ، وعــدلُــهُ لا يُـغـمـدُ
نــشـرَ الــسَّـلامَ شـريـعـةً وسـطـيَّـةً
مــن شـمـسِهَا حُـجُبُ الـضّلالِ تَـبَدَّدُ
ســـمِــحٌ يَــطِــيْـبُ عَــــدوُّهُ بِـلـقَـائِـهِ
فَــيـعُـودُ وهــــوَ الــبَـاسـمُ الـمـتـورِّدُ
فــــإذا بــنـيـرانِ الــعَــداوةِ تـنـطـفـي
وإذا بـــأنـــهــارِ الـــنَّـــقــاءِ تُـــخــلَّــدُ
عَـــدْلٌ يــكـادُ مـــن الـحـقـيقةِ يـنـفُذُ
عَــــفٌ يــكــادُ مـــن الـنـزاهـةِ يُــولـدُ
لـــو يَـعـبُـدُ الإنـسـانُ شـيـمةَ غـيـرهِ
لــغَـدتْ خِــصَـالُ الـمـصـطفى تُـتُـعبَّدُ
فـــالــبِــرُّ زادٌ ، والــمــحـبـةُ غـــايـــةٌ
والــجــودُ كــــفٌّ ، والــمـروءةُ مَـــوردُ
والـحـلـمُ دربٌ ، والـشَّـجـاعةُ مـوقـفٌ
والــحـزمُ ســيـفٌ، والأمــانـةُ مـقـصَـدُ
مـا قَـال إلا قـيلَ : أصـدقُ مـن حكى
أو صـــالَ إلا قــيـل َ : نــعـمَ الـسـيِّـدُ
بــشـرٌ لـــهُ فــي الـزُّهـدِ تــاجُ نـبـوُّةٍ
مَــلَـكٌ بـــهِ كـــلُّ الـمـلائـكِ تـشـهَـدُ
لو قِيلَ للشَّمسِ المضيئةِ : مَنْ طوى
بـحـنـانِهِ الأرضـيـنَ ؟: قـالـت: أحـمـدُ
أو قِــيـلَ لـلـسُّـعداءِ فـــي جـنَّـاتـهم
مـــن أيِّ أبــوابِ الـسَّـعادةِ أوفِــدُوا؟
قــالُـوا : تـبـعنَا مـنـهجَ الـحـقِّ الــذي
مـــا ســـارَ فـيـهِ الـقَـومُ إلا أُسـعِـدُوا
فـــإذا ب (هَــدي اللهِ) يـبـسُطُ ظـلَّـهُ
( فـتـحَـاً مُـبـيـنَاً )، والـحـيـاةِ تُـشـيَّـدُ
قــالَ( اذهـبُوا…) أريـتَ أزكـى مـهجةً
مـنهُ ، وقـد كـالُوْا الـشُّرورَ وشرَّدوا ؟!
لـلـحِـكْـمةِ الــنَّـجْـلاءِ قـبـضـتُها وقـــدْ
عــقَـدَ الـنِّـفاقُ لــهُ الـحِـبَالَ وعـقَّـدوا
كــم أوصــدَ الـعـقلاءُ بــابَ ذكـائِـهمْ !
وذكـــاءُ قــلـبِ الـمـصطفىْ لا يُـوصَـدُ
( لا تـقـطعُوا شـجراً… ) تـفرَّعَ أصـلُهَا
فــــي كُــــلِّ أرضٍ مَـنْـهَـجَـاً لا يُــفـأَدُ
صــلَّـى عـلـيـكَ اللهُ مــا أوحَــى لـهـا
مــعـنـى الـنَّـمـاءِ الــواحـدُ الـمـتـفرِّدُ
يـــا سـيّـدي : تـخـبُو الـقـصائدُ كـلُّـها
إن لامـسـتكَ ، وهـل يُـطالُ الـفَرقدُ !
فـاشـفَـعْ لـسـاكِـبِها عـلـيـكَ مـحـبـةً
يَـــومَ الـلـقاءِ وحــوضُ جُــودكَ يُــورَدُ

قد يعجبك ايضا